الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤ الصفحة 16

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٤

زِيَارَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الزِّيَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، يُقَال: زَارَهُ يَزُورُهُ زَوْرًا وَزِيَارَةً: قَصَدَهُ وَعَادَهُ.

وَفِي الْعُرْفِ هِيَ قَصْدُ الْمَزُورِ إِكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ (١) .

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْعِيَادَةُ:

٢ - هِيَ مِنْ عَادَ الْمَرِيضَ يَعُودُهُ عِيَادَةً: إِذَا زَارَهُ فِي مَرَضِهِ (٢) .

فَالْعِيَادَةُ عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنَ الزِّيَارَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٣ - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الزِّيَارَةِ بِاخْتِلاَفِ أَسْبَابِهَا، وَالْمَزُورِ، وَالزَّائِرِ.

_________

(١) المصباح المنير ولسان العرب.

(٢) المصباح المنير مادة: (عود) .

زِيَارَةُ قَبْرِ الرَّسُول ﷺ:

٤ - زِيَارَةُ قَبْرِهِ ﷺ مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَفْضَل الْمَنْدُوبَاتِ، وَقَدْ نَقَل صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ: أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ ﷺ قَرِيبَةٌ مِنَ الْوُجُوبِ (١) . وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ ﷺ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي (٢)، وَرُوِيَ عَنْهُ ﷺ: مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لاَ يَعْلَمُ لَهُ حَاجَةً إِلاَّ زِيَارَتِي، كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٣) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ .

زِيَارَةُ الْقُبُورِ:

٥ - تُسَنُّ زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَال بِدُونِ سَفَرٍ، لِخَبَرِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا (٤) .

_________

(١) فتح القدير ٢ / ٣٣٦ وما بعدها، الاختيار لتعليل المختار للموصلي ١ / ١٧٥، الشرح الصغير ٢ / ٧١ وما بعدها، ومغني المحتاج ١ / ٥١٢، المغني ٣ / ٥٥٦.

(٢) حديث: " من زار قبري وجبت له شفاعتي ". أخرجه الدارقطني (٢ / ٢٧٨ - ط دار المحاسن) من حديث ابن عمر، وضعفه ابن حجر بجهالة راوٍ فيه وبضعف آخر، كذا في التلخيص الحبير (٢ / ٢٦٧ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٣) حديث: " من جاءني زائرا لا يعلم له حاجة إلا زيارتي. . . " أورده الهيثمي في المجمع (٤ / ٢ - ط القدسي) من حديث ابن عمر وقال: " رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه مسلمة بن سالم، وهو ضعيف ".

(٤) حديث: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٥٦٤ - ط الحلبي) من حديث بريدة.

وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (١) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (زِيَارَةِ الْقُبُورِ) .

زِيَارَةُ الأَْمَاكِنِ:

٦ - وَرَدَتْ نُصُوصٌ وَآثَارٌ تَدْعُو إِلَى زِيَارَةِ أَمَاكِنَ بِعَيْنِهَا. وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَهُوَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ (٢) " وَكَانَ ﷺ يَزُورُهُ كُل سَبْتٍ " (٣) . وَالْمَسَاجِدُ الثَّلاَثَةُ الَّتِي وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَدِّ الرِّحَال إِلَيْهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَْقْصَى (٤) .

وَمِنْهَا جَبَل أُحُدٍ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ (٥) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْمَاكِنِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ بِذَلِكَ فَتُسْتَحَبُّ زِيَارَتُهَا.

_________

(١) حديث: " نهينا عن زيارة القبور. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ١٤٤ - ط السلفية) .

(٢) سورة التوبة / ١٠٨.

(٣) حديث: " كان يزور مسجد قباء كل سبت ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٦٩ - ط السلفية) من حديث ابن عمر.

(٤) حديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٦٣ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ١٠١٤ - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.

(٥) قول النبي ﷺ في جبل أحد: " يحبنا ونحبه ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٤٤ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.

زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ، وَالإِْخْوَانِ:

٧ - تُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَالإِْخْوَانِ، وَالأَْصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ، وَالأَْقَارِبِ وَصِلَتُهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ زِيَارَتُهُمْ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضُونَهُ، وَفِي وَقْتٍ لاَ يَكْرَهُونَهُ. كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ أَخِيهِ الصَّالِحِ أَنْ يَزُورَهُ وَيُكْثِرَ زِيَارَتَهُ إِذَا لَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ (١) .

وَقَدْ جَاءَ فِي الأَْثَرِ: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَال: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَال: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَال: هَل لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَال: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ ﷿، قَال: فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ (٢) .

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَنَاصِحِينَ فِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِي (٣) .

_________

(١) روضة الطالبين ١٠ / ٢٣٧.

(٢) حديث: " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى. . . " أخرجه مسلم (٤ / ١٩٨٨ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة. وانظر: رياض الصالحين ص ١٧١، ودليل الفالحين ٢ / ٢٢٤، ومعنى تربها عليه: أي تسعى في صلاحها.

(٣) حديث: " حقت محبتي للمتحابين فيَّ وحقت محبتي. . . " أخرجه أحمد (٥ / ٢٣٧ - ط الميمنية) من حديث معاذ بن جبل، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠ / ٢٧٩ - ط القدسي): " ورجاله رجال الصحيح ".

وَعَنْ أَنَسٍ ﵁: إِذَا جَاءَكُمُ الزَّائِرُ فَأَكْرِمُوهُ (١) .

زِيَارَةُ الزَّوْجَةِ لأَِهْلِهَا وَوَالِدَيْهَا، وَزِيَارَتُهُمْ لَهَا:

٨ - قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ: لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ لِزِيَارَةِ وَالِدَيْهَا كُل جُمُعَةٍ، وَمَحَارِمِهَا كُل سَنَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَمِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ. وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ الْوَالِدَانِ فِي الْبَلَدِ (٢) .

وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الزَّوْجَ لاَ يَمْنَعُ أَبَوَيِ الزَّوْجَةِ مِنَ الدُّخُول عَلَيْهَا فِي كُل جُمُعَةٍ، وَلاَ يَمْنَعُ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمَحَارِمِ فِي كُل سَنَةٍ.

وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لأَِوْلاَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ إِنْ كَانُوا صِغَارًا، لاَ يَمْنَعُهُمُ الزَّوْجُ مِنَ الدُّخُول إِلَيْهَا كُل يَوْمٍ مَرَّةً، وَإِنِ اتَّهَمَ وَالِدَيْهَا بِإِفْسَادِهَا، فَيُقْضَى لَهُمَا بِالدُّخُول مَعَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنَ الدُّخُول، مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَنْزِل مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ دُخُول مِلْكِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَنْزِ،

_________

(١) حديث: " إذا جاءكم الزائر فأكرموه ". قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس، وهو حديث منكر، قاله ابن أبي حاتم في العلل، كذا في إتحاف السادة المتقين للزبيدي (٥ / ٢٣٢ - ط الميمنية) .

(٢) ابن عابدين ٢ / ٦٦٤، حاشية الدسوقي ٢ / ٥١٢.

وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ.

وَقِيل: لاَ مَنْعَ مِنَ الدُّخُول بَل مِنَ الْقَرَارِ؛ لأَِنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُول الْكَلاَمِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يُقْضَى بِزِيَارَةِ وَالِدَيْهَا وَأَوْلاَدِهَا الْكِبَارِ مِنْ غَيْرِهِ لَهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ كُل جُمُعَةٍ مَرَّةً (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ لِزِيَارَةِ وَالِدَيْهَا وَمَحَارِمِهَا فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ إِنْ لَمْ يَنْهَهَا عَنِ الْخُرُوجِ. وَجَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّسَامُحِ بِذَلِكَ. أَمَّا إِذَا نَهَاهَا عَنِ الْخُرُوجِ فِي غَيْبَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِزِيَارَةٍ وَلاَ لِغَيْرِهَا (٢) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ أَبُوهَا مِنْ زِيَارَتِهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، لَكِنْ إِنْ عَرَفَ بِقَرَائِنِ الْحَال حُدُوثَ ضَرَرٍ بِزِيَارَتِهِمَا، أَوْ زِيَارَةِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْمَنْعُ (٣) .

زِيَارَةُ الْمَحْضُونِ:

٩ - لِكُلٍّ مِنَ الأَْبَوَيْنِ زِيَارَةُ أَوْلاَدِهِ إِذَا كَانَتِ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ مَنْعُ الزِّيَارَةِ (٤) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (حَضَانَةٍ) .

_________

(١) رد المحتار ٢ / ٦٦٤، والدسوقي ٢ / ٥١٢، وجواهر الإكليل ١ / ٤٠٣، وحاشية القليوبي ٤ / ٧٤.

(٢) حاشية الجمل ٤ / ٥٠٢، أسنى المطالب ٣ / ٤٣٤، والمغني ٧ / ٢٠.

(٣) شرح منتهى الإرادات ٣ / ٩٩.

(٤) القليوبي ٤ / ٩١.

زِيَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ

التَّعْرِيفُ:

١ - الزِّيَارَةُ: اسْمٌ مِنْ زَارَهُ يَزُورُهُ زُورًا وَزِيَارَةً، قَصَدَهُ مُكْرِمًا لَهُ (١) .

وَزِيَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَتَحَقَّقُ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ ﷺ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٢ - أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْل الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (٢) .

_________

(١) معجم متن اللغة لأحمد رضا، مادة: (زور) .

(٢) فتح القدير للكمال بن الهمام شرح الهداية مطبعة مصطفى محمد ٢ / ٣٣٦، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين محمد أمين طبع إستانبول دار الطباعة العامرة ٢ / ٣٥٣، والشفا نسخة شرحه للقاري طبع إستانبول سنة ١٣١٦، ٢ / ١٤٩، والمجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي مطبعة العاصمة بالقاهرة ٨ / ٢١٣، ٢١٤ - ٢١٥، والمغني لابن قدامة طبع دار المنار سنة ١٣٦٧، ٣ / ٢٥٦، والاختيار لتعليل المختار لعبد الله بن محمود الموصلي، طبع مصطفى البابي الحلبي ١ / ١٧٣، ولباب المناسك للسندي وشرحه لعلي القاري طبع المطبعة الأميرية ص ٢٨٢.

وَذَهَبَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْفَاسِيُّ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ (١) .

دَلِيل مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَارَةِ:

٣ - مِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَتِهِ ﷺ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُول لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (٢)

فَإِنَّهُ ﷺ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ ﷺ: الأَْنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ (٣)، وَإِنَّمَا قَال: هُمْ أَحْيَاءٌ أَيْ لأَِنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَل أَفْضَل، وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعِنْدِيَّةِ الإِْشَارَةُ إِلَى أَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ كَحَيَاةِ الْمَلاَئِكَةِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الإِْسْرَاءِ قَال ﷺ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي

_________

(١) الشفا ٢ / ١٥٠، والمواهب اللدنية للقسطلاني مطبعة مصطفى شاهين ٢ / ٥٠٤، ونيل الأوطار للشوكاني المطبعة العثمانية ٥ / ٩٤.

(٢) سورة النساء / ٦٤.

(٣) حديث: " الأنبياء أحياء في قبورهم ". أخرجه أبو يعلى كما في الجامع الصغير (بشرحه الفيض - ٣ / ١٨٤ - ط المكتبة التجارية) وقال المناوي: حديث صحيح.

عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَْحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ (١) .

وَقَوْلُهُ ﷺ: فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (٢) فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَامَّةً، وَزِيَارَتُهُ ﷺ أَوْلَى مَا يُمْتَثَل بِهِ هَذَا الأَْمْرُ، فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ دَاخِلَةً فِي هَذَا الأَْمْرِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ.

وَقَوْلُهُ ﷺ: مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي (٣) .

وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي (٤) .

فَاسْتَدَل بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الأَْدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ زِيَارَتِهِ ﷺ لِمَا فِي الأَْحَادِيثِ الأُْخْرَى مِنَ الْحَضِّ أَيْضًا.

وَحَمَلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ، وَلَعَل مَلْحَظَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الأَْدِلَّةَ تُرَغِّبُ بِتَحْصِيل

_________

(١) حديث: " مررت على موسى ليلة أسري بي. . . " أخرجه مسلم (٤ / ١٨٤٥ - ط الحلبي) من حديث أنس.

(٢) حديث: " فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت ". أخرجه مسلم (٢ / ٦٧١ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

(٣) حديث: " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ". أخرجه الدارقطني (٢ / ٢٧٨ - ط دار المحاسن) من حديث حاطب، وفي إسناده رجل مجهول، كذا أعله به ابن حجر في التلخيص (٢ / ٢٦٧ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٤) حديث: " من زار قبري وجبت له شفاعتي ". أخرجه الدارقطني (٢ / ٢٧٨ - ط دار المحاسن) من حديث ابن عمر، وضعفه ابن حجر بجهالة راوٍ فيه وبضعف آخر، كذا في التلخيص الحبير (٢ / ٢٦٧ - ط شركة الطباعة الفنية) .

ثَوَابٍ أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِوَسَائِل أُخَرَ، فَلاَ تُفِيدُ هَذِهِ الأَْدِلَّةُ الْوُجُوبَ.

قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ: وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ ﵊ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا (١) .

فَضْل زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ:

٤ - دَلَّتِ الدَّلاَئِل السَّابِقَةُ عَلَى عَظَمَةِ فَضْل زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَجَزِيل مَثُوبَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَبِهَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتَهُ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَبِهَا يَحْصُل الزَّائِرُ عَلَى شَفَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فَوْزٍ.

وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَافَّةِ الْعُصُورِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ.

قَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّهَا مِنْ أَفْضَل الأَْعْمَال وَأَجَل الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذِي الْجَلاَل، وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَل إِجْمَاعٍ بِلاَ نِزَاعٍ.

وَكَذَلِكَ قَال الْقَسْطَلاَّنِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَرْجَى الطَّاعَاتِ، وَالسَّبِيل إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. (٢)

_________

(١) الشفا نسخة شرحه لعلي القاري ٢ / ١٤٨ - ١٤٩.

(٢) المرجع السابق وفتح الباري ٣ / ٤٣، والمواهب اللدنية ٢ / ٥٠٤