الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣
فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ إِجْمَاعًا، إِذَا تَمَّتْ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلاَ تَخْرُجُوا تَقُولُونَ: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ، " أَيُّمَا غُلاَمٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ فَقَدْ قَضَى حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ، فَقَدْ قَضَى حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ، فَإِنْ أَعْتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ (١) .
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُ لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ بِالْمَال غَالِبًا، بِخِلاَفِهِمَا، وَلاَ مِلْكَ لِلْعَبْدِ، فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَحَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لاِفْتِقَارِ الْعَبْدِ وَغِنَى اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ يُحْرِجُ الْمَوْلَى فِي اسْتِثْنَاءِ مُدَّتِهِمَا (٢) .
وَلاَ يُحْرِمُ الْعَبْدُ بِالْحَجِّ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ فَعَل انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ صَحِيحًا، لَكِنْ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ مِنْ إِحْرَامِهِ؛ لأَِنَّ فِي بَقَائِهِ عَلَى الإِْحْرَامِ
_________
(١) قول ابن عباس: " أيما غلام حج به أهله. . . " أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٢ / ٢٥٧ - ط مطبعة الأنوار المحمدية)، وصحح ابن حجر إسناده في الفتح (٤ / ٧١ - ط السلفية) وقوله: " ولا تخرجوا تقولون: " قال ابن عباس: " يشعر أنه مرفوع "
(٢) فتح القدير ٢ / ١٢٤، والزرقاني ٢ / ٢٣٢.
تَفْوِيتًا لِحَقِّهِ مِنْ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. فَإِنْ حَلَّلَهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُحْصَرِ.
أَمَّا إِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ.
فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ بِعَرَفَةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَحَجَّ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا.
وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا وَأَتَمَّ مَنَاسِكَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ؛ لِكَوْنِهِ أَتَى بِأَرْكَانِ الْحَجِّ كُلِّهَا.
وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ السَّعْيِ إِنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لاَ يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الإِْسْلاَمِ (١) . وَحُكْمُهُ فِي حَال إِتْيَانِهِ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ كَحُكْمِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَفْدِي بِالصَّوْمِ لاَ غَيْرُ، وَيَصُومُ عَنِ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ، وَفِي دَمِ الإِْحْصَارِ خِلاَفٌ (٢) .
ثَانِيًا: الرَّقِيقُ وَأَحْكَامُ الأُْسْرَةِ:
الرَّقِيقُ وَالاِسْتِمْتَاعُ:
٦٧ - الاِسْتِمْتَاعُ بِالْجَوَارِي لاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ،
_________
(١) المغني ٣ / ٢٤٨، ٢٥٠، وروضة الطالبين ٣ / ١٢٣، والزرقاني ٢ / ٢٣١.
(٢) المغني ٣ / ٢٥١، وروضة الطالبين ٣ / ١٧٦، ١٧٧.
وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ يَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ (١) .
الاِسْتِمْتَاعُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ:
٦٨ - لَيْسَ لِلْمَالِكِ الذَّكَرِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَمْلُوكِهِ الذَّكَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِيمَا أَبَاحَتْهُ الآْيَةُ السَّابِقَةُ، بَل هُوَ لِوَاطَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَدْخُل فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَمَل قَوْمِ لُوطٍ الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ عَلَى مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.
وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمَالِكُ امْرَأَةً وَالْمُسْتَمْتَعُ بِهِ الْمَمْلُوكَةَ الأُْنْثَى لاَ يَدْخُل فِيمَا أَبَاحَتْهُ الآْيَةُ السَّابِقَةُ، بَل هُوَ مِنَ السِّحَاقِ الْمُحَرَّمِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَالِكُ امْرَأَةً وَالْمَمْلُوكُ ذَكَرًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهِ، أَوْ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلاَ لَهُ أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَل هُوَ عَلَيْهَا حَرَامٌ، وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ خَلِيَّةً، أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ. ا. هـ.
وَكَمَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً، أَيْ مَا دَامَ رَقِيقًا لَهَا، فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ بِشُرُوطِهِ. وَقَدْ نَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا بَاطِلٌ.
_________
(١) سورة المؤمنون / ٥ - ٧.
وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ الْوَطْءُ وَمُقَدِّمَاتُهُ مِنَ التَّقْبِيل، وَالْمُبَاشَرَةِ، وَاللَّمْسِ، وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ بِحَسَبِهَا.
وَوَجْهُ خُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (اسْتِمْتَاعُ الْمَالِكَةِ بِمَمْلُوكِهَا) مِنْ دَلاَلَةِ الآْيَةِ، أَنَّ الآْيَةَ خَاطَبَتِ الأَْزْوَاجَ مِنَ الرِّجَال. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ، أَنَّ هَذِهِ الآْيَاتِ الْعَشْرِ مِنْ أَوَّل سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةٌ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، إِلاَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ (١) فَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهَا الرِّجَال خَاصَّةً دُونَ الزَّوْجَاتِ، بِدَلِيل قَوْلِهِ ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ (٢) وَإِنَّمَا عُرِفَ حِفْظُ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى، كَآيَاتِ الإِْحْصَانِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْدِلَّةِ ". (٣) وَنَقَل ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا، وَقَالَتْ: تَأَوَّلْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ قَال: فَأُتِيَ بِهَا عُمَرَ ﵁، فَضَرَبَ الْعَبْدَ، وَجَزَّ رَأْسَهُ (٤) وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ، وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا، وَقَال: لاَ يَحِل لَكِ (٥) .
_________
(١) سورة المؤمنون / ٥.
(٢) سورة المؤمنون / ٦.
(٣) القرطبي ١٢ / ١٠٥.
(٤) تفسير ابن كثير ٣ / ٢٣٩.
(٥) المغني ٦ / ٦١٠.
فَالْوَطْءُ الْجَائِزُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، هُوَ وَطْءُ الْمَالِكِ الذَّكَرِ لِمَمْلُوكَتِهِ الأُْنْثَى خَاصَّةً، وَفِي هَذَا وَرَدَتِ الآْيَةُ السَّابِقَةُ.
وَطْءُ الرَّجُل الْحُرِّ لِمَمْلُوكَتِهِ:
٦٩ - يَحِل لِلرَّجُل الْحُرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِجَارِيَتِهِ بِالْوَطْءِ، أَوْ بِمُقَدِّمَاتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُ مِلْكًا كَامِلًا، وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا شَرِيكٌ، وَلاَ لأَِحَدٍ فِيهَا شَرْطٌ أَوْ خِيَارٌ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا مَانِعٌ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ، كَأَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ، أَوْ مَوْطُوءَةَ فَرْعِهِ، أَوْ أَصْلِهِ. أَوْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً، أَوْ مُشْرِكَةً (١) . وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَتَّخِذُهَا سَيِّدُهَا لِلْوَطْءِ تُسَمَّى سَرِيَّةً، وَاِتِّخَاذُهَا لِذَلِكَ يُسَمَّى التَّسَرِّيَ. وَتُنْظَرُ الأَْحْكَامُ التَّفْصِيلِيَّةُ لِذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَسَرٍّ) .
وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الأَْحْكَامِ الَّتِي أُغْفِل ذِكْرُهَا هُنَاكَ، أَوْ ذُكِرَتْ بِإِيجَازٍ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِمُصْطَلَحِ (رِقّ) أَظْهَرُ.
طَلاَقُ السُّرِّيَّةِ وَالظِّهَارُ مِنْهَا، وَتَحْرِيمُهَا، وَالإِْيلاَءُ مِنْهَا:
٧٠ - الطَّلاَقُ لاَ يَلْحَقُ السُّرِّيَّةَ وَلاَ أَثَرَ لَهُ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الظِّهَارُ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
_________
(١) الزرقاني ٣ / ٢٢٦، ٥ / ١٣٠، وروضة الطالبين ٥ / ١٣٠ و٨ / ٢٧٠، وكشاف القناع ٥ / ٢٠٥.
(الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِمَّا قَالَهُ، فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَزُورٌ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ. . .﴾ (١) فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الزَّوْجَاتِ، وَالأَْمَةُ وَإِنْ صَحَّ إِطْلاَقُ لَفْظِ " نِسَائِنَا " عَلَيْهَا لُغَةً لَكِنَّ صِحَّةَ الإِْطْلاَقِ لاَ تَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ، بَل يُقَال: هَؤُلاَءِ " جَوَارِيهِ لاَ نِسَاؤُهُ ". وَلأَِنَّ الْحِل فِي الأَْمَةِ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنَ الْعَقْدِ بَل يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مَعَ عَدَمِ حِل الْوَطْءِ، كَمَا فِي شِرَاءِ الأَْمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَنُقِل هَذَا الْقَوْل أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ وَالأَْوْزَاعِيِّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْمَةَ يَلْحَقُهَا ظِهَارُ سَيِّدِهَا، فَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَحِل لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةً تَامَّةً، لأَِنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لَهُ حِلًّا أَصْلِيًّا فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهَا كَالزَّوْجَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ.
وَعَنِ الْحَسَنِ وَالأَْوْزَاعِيِّ إِنْ كَانَ يَطَؤُهَا فَهُوَ ظِهَارٌ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَقَال عَطَاءٌ: عَلَيْهِ نِصْفُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِنَ الْحُرَّةِ؛ لأَِنَّ الأَْمَةَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرَّةِ فِي الأَْحْكَامِ.
_________
(١) سورة المجادلة / ٢.
وَلَوْ آلَى مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِيلاَءً، فَلاَ يُطَالَبُ بِالْفَيْئَةِ، أَوِ التَّطْلِيقِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إِنْ حَنِثَ.
وَكَذَا إِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: " هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ " فَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لأَِنَّهُ كَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَمَتَهُ فَنَزَل (١) . قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَل اللَّهُ لَكَ. . .﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ (٢) .
اسْتِبْرَاءُ الأَْمَةِ إِذَا دَخَلَتْ فِي الْمِلْكِ:
٧١ - مَنِ اشْتَرَى أَمَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا إِجْمَاعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ بَيِّنٌ، فَلاَ يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، بِأَنْ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً؛ لِيَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مِنْ حَمْل غَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِأَيِّ سَبَبٍ، كَهِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً (٣) وَقَال: ﴿
_________
(١) حديث أن النبي ﷺ " حرم أمته ". أخرجه الحاكم (٢ / ٤٩٣ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أنس، وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) سورة التحريم / ١، ٢.
(٣) حديث: " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى. . " أخرجه أبو داود (٢ / ٦١٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي سعيد الخدري، وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص (١ / ١٧٢ - ط شركة الطباعة الفنية) .
لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ (١) . وَالتَّسَرِّي فِي هَذَا يَخْتَلِفُ عَنِ النِّكَاحِ، فَمَنْ نَكَحَ حُرَّةً حَل لَهُ وَطْؤُهَا دُونَ اسْتِبْرَاءٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَمَةً كَانَ يَطَؤُهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَلاَ بُدَّ مِنِ اسْتِبْرَائِهَا قَبْل ذَلِكَ. وَالْعِلَّةُ فِي الاِسْتِبْرَاءِ، أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ سَيِّدِهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إِذَا وَلَدَتْ، فَلاَ يَحِل لَهُ بَيْعُهَا، وَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلاَ تَحِل لِلْمُشْتَرِي؛ وَلِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى اشْتِبَاهِ الأَْنْسَابِ. وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ فِي الْوَطْءِ. أَمَّا دَوَاعِيهِ وَمُقَدِّمَاتُهُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا (٢) . وَتَفْصِيل الْقَوْل فِي الاِسْتِبْرَاءِ وَأَحْوَالِهِ يُنْظَرُ تَحْتَ عُنْوَانِ (اسْتِبْرَاء) .
آثَارُ وَطْءِ الأَْمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ:
٧٢ - الآْثَارُ اللاَّحِقَةُ بِالْوَطْءِ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْل وَإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالصِّهْرِ، لاَحِقَةٌ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ
_________
(١) حديث: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي. . " أخرجه أبو داود (٢ / ٦١٥ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث رويفع بن ثابت، وإسناده حسن.
(&# x٦٦٢ ;) المغني ٧ / ٥٠٦، ٥١٠، ٥١١، والزرقاني ٤ / ٢٣٠، وفتح الباري ٤ / ٤٢٣، وروضة الطالبين ٨ / ٤٣١، والقليوبي ٤ / ٦١، وابن عابدين ٥ / ٤٠، والعناية وتكملة فتح القدير ٨ / ١١٥.
الْيَمِينِ، وَيَفْتَرِقُ عَنِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
أَنَّ وَطْءَ الْحُرِّ الْحُرَّةَ فِي النِّكَاحِ يُحْصِنُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةَ، بِحَيْثُ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمَا يَكُونُ حَدُّهُ الرَّجْمَ. أَمَّا مَنْ وَطِئَ فِي مِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ زَنَى فَحَدُّهُ الْجَلْدُ لاَ غَيْرُ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا (١) .
نِكَاحُ الرَّقِيقِ:
٧٣ - يَجُوزُ لِلرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ إِجْمَاعًا؛ لأَِنَّ رَقِيقَهُ مَالُهُ. وَقَدْ حَثَّ اللَّهُ ﵎ السَّادَةَ عَلَى تَزْوِيجِ الْمَمَالِيكِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّيَانَةِ وَالإِْعْفَافِ، فَقَال تَعَالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاَللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (٢) . قَال الْقُرْطُبِيُّ: الصَّلاَحُ هُنَا الإِْيمَانُ. وَالأَْمْرُ فِي الآْيَةِ لِلتَّرْغِيبِ وَالاِسْتِحْبَابِ (٣) .
وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ الأَْمَةَ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَنْ شَاءَ السَّيِّدُ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعِيبًا بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ فِي النِّكَاحِ فَلاَ يَجْبُرُهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا
_________
(١) المغني ٨ / ١٦٢.
(٢) سورة النور / ٣٢.
(٣) تفسير القرطبي ١٢ / ٢٤٠، ٢٤١، والمغني ٦ / ٥٠٤، ٥٠٦، وشرح الأشباه ٢ / ١٥٤.
إِجْبَارُهُ الْعَبْدَ عَلَى النِّكَاحِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لأَِنَّ مَصْلَحَتَهُ مَوْكُولَةٌ إِلَى السَّيِّدِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجْبُرُهُ؛ لأَِنَّ تَكْلِيفَهُ كَامِلٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةُ بُضْعِهِ (١) . وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَلاَ لِلأَْمَةِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ (٢) . وَنِكَاحُ الرَّقِيقِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْحَاءٍ كُلُّهَا جَائِزَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
الأَْوَّل: أَنْ يَنْكِحَ الْحُرُّ أَمَةً.
الثَّانِي: أَنْ يَنْكِحَ الْعَبْدُ أَمَةً.
الثَّالِثُ: أَنْ يَنْكِحَ الْعَبْدُ حُرَّةً.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: نِكَاحُ الْحُرِّ لِلأَْمَةِ:
٧٤ - ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى زَوَاجَ الأَْحْرَارِ بِالإِْمَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ. . .﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ
_________
(١) تفسير القرطبي ١٢ / ٢٤١، و٥ / ١٤١، وفتح القدير ٢ / ٤٨٢، ٤٩١، وروضة الطالبين ٧ / ١٠٢، ١٠٣.
(٢) فتح القدير ٢ / ٤٨٧، و٧ / ٣٣٨، والمغني ٦ / ٥٠٤.