الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣ الصفحة 8

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٣

وَالْكَمَال فِي مَالٍ وَاحِدٍ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى - وَرَجَّحَهَا ابْنُ قُدَامَةَ - إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ؛ لأَِنَّهُ آدَمِيٌّ حَيٌّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَلُّكِ مَلَكَ، لِثُبُوتِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الآْدَمِيَّةُ مَعَ الْحَيَاةِ وَزَوَال الْمَانِعِ، وَقِيَاسًا عَلَى مِلْكِهِ لِلنِّكَاحِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ وَلأَِنَّهُ بِالآْدَمِيَّةِ يَتَمَهَّدُ لِلْمِلْكِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَال لِبَنِي آدَمَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ، وَأَحْكَامِ التَّكَالِيفِ، وَالرَّقِيقُ آدَمِيٌّ فَتَمَهَّدَ لِلْمِلْكِ، وَصَلَحَ لَهُ، كَمَا تَمَهَّدَ لِلتَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ (١) .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ مَالًا لاَ يَمْلِكُ، وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَلِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِي الْمَال الَّذِي مَلَّكَهُ إِيَّاهُ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيمَا مَلَّكَهُ إِيَّاهُ سَيِّدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (٢) .

٥٠ - وَإِذَا مَاتَ الرَّقِيقُ الْمُمَلَّكُ ارْتَفَعَ مِلْكُهُ عَنِ الْمَال، وَلاَ يُورَثُ عَنْهُ، بَل يَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَإِذَا أَتْلَفَ إِنْسَانٌ الْمَال الَّذِي مَلَّكَهُ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ يَنْقَطِعُ مِلْكُ الْعَبْدِ عَنْهُ وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ، وَالْمُطَالَبَةُ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ (٣) .

_________

(١) المغني ٤ / ١٧٤ و٢ / ٦٢٣، ٦٢٥، والحموي على الأشباه ٢ / ١٥٣، والزرقاني ٣ / ١٩٦، و٨ / ١٢٦.

(٢) روضة الطالبين ٣ / ٥٧٤ و١٠ / ٢٦، والزرقاني ٨ / ١٢٦.

(٣) روضة الطالبين ٣ / ٢٦.

وَتَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمِلْكِ هَذِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الرَّقِيقِ مِنْهَا: أَنَّهُ هَل عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَهَل يُضَحِّي، وَهَل يُكَفِّرُ بِالإِْطْعَامِ، وَهَل يَتَسَرَّى؟ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ.

الأَْصْل الثَّالِثُ: الأَْمْوَال الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّقِيقِ:

قَسَّمَ السُّيُوطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الأَْمْوَال الْمُتَعَلِّقَةَ بِالرَّقِيقِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:

٥١ - الأَْوَّل: مَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَيُبَاعُ فِيهِ، وَهُوَ أَرْشُ جِنَايَاتِهِ وَبَدَل مَا يُتْلِفُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَمْ لاَ، لِوُجُوبِهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَحِقِّ، وَهَذَا إِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا مُمَيِّزًا، فَلَوْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونًا، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ضَمَانٌ عَلَى الأَْصَحِّ.

٥٢ - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، فَلاَ يُبَاعُ فِيهِ، وَلاَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَدَاؤُهُ، بَل يُطَالَبُ بِهِ مَتَى عَتَقَ، وَهُوَ مَا وَجَبَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ كَبَدَل الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ إِذَا أَتْلَفَهُمَا. وَلَوْ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَوَطِئَ تَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْل بِذِمَّتِهِ، لِكَوْنِهِ وَجَبَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ، وَقِيل بِرَقَبَتِهِ؛ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ، وَلَوْ أَفْطَرَتِ الْجَارِيَةُ فِي رَمَضَانَ لِحَمْلٍ أَوْ رَضَاعٍ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَالْفِدْيَةُ فِي ذِمَّتِهَا.

٥٣ - الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِرِضَا الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ، إِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ، وَهُوَ كَسُوبٌ، أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِ

السَّيِّدِ، أَوْ لَزِمَهُ دَيْنُ تِجَارَةٍ. وَالْمُعْتَبَرُ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الإِْذْنِ لاَ قَبْلَهُ.

وَحَيْثُ لَمْ يُوفِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، يَتَعَلَّقُ الْفَاضِل بِذِمَّتِهِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ.

وَفِي وَجْهٍ: أَنَّ الْمَال فِي الضَّمَانِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: بِرَقَبَتِهِ.

٥٤ - الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّيِّدِ، وَهُوَ مَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ الْمَجْنُونُ، وَالصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، كَمَا تَقَدَّمَ (١) .

أَحْكَامُ أَفْعَال الرَّقِيقِ:

أَوَّلًا: عِبَادَاتُ الرَّقِيقِ:

الأَْصْل فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالْحُرِّ سَوَاءٌ، وَيَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي أُمُورٍ مِنْهَا:

٥٥ - أ - عَوْرَةُ الْمَمْلُوكَةِ فِي الصَّلاَةِ - وَفِي خَارِجِهَا أَيْضًا - أَخَفُّ مِنْ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ، فَهِيَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا: إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلاَ يَنْظُرُ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ (٢) . وَيَزِيدُ الْحَنَفِيَّةُ: الْبَطْنَ وَالظَّهْرَ، وَفِي كَلاَمِهِمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ

_________

(١) الأشباه والنظائر للسيوطي / ١٩٦.

(٢) حديث: " إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا. . " أخرجه أبو داود (١ / ٣٣٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وإسناده حسن.

أَعْلَى صَدْرِهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، ثُمَّ قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تُطَالَبُ الأَْمَةُ بِتَغْطِيَةِ رَأْسِهَا فِي الصَّلاَةِ لاَ وُجُوبًا وَلاَ نَدْبًا بَل هُوَ جَائِزٌ. وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّ الأَْمَةَ إِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ شَيْءٍ مِمَّا عَدَا الْعَوْرَةَ الْمَذْكُورَةَ أَعْلاَهُ لاَ إِعَادَةَ عَلَيْهَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الْفَخِذِ أَعَادَتْ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسْتَحَبُّ لِلأَْمَةِ أَنْ تَسْتَتِرَ فِي الصَّلاَةِ كَسَتْرِ الْحُرَّةِ احْتِيَاطًا (١) .

ب - الأَْذَانُ، وَالإِْقَامَةُ، وَالإِْمَامَةُ:

٥٦ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ عَبْدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. ثُمَّ قَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ.

وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ حُرًّا (٢) .

٥٧ - وَإِمَامَةُ الْعَبْدِ أَيْضًا جَائِزَةٌ لِلأَْحْرَارِ وَالْعَبِيدِ عَلَى السَّوَاءِ. وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُورِ.

وَقَال مَالِكٌ: لاَ يَكُونُ الْعَبْدُ إِمَامًا فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِل، وَلاَ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ، وَلاَ الأَْعْيَادِ، وَلاَ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ الْجُمُعَةَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ فِي السَّفَرِ إِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا رَاتِبًا، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ فِي رَمَضَانَ فِي النَّافِلَةِ.

_________

(١) الزرقاني ١ / ١٧٥، ١٧٧، وروضة الطالبين ١ / ٢٨٣، وفتح القدير ١ / ١٨٣، وكشاف القناع ١ / ٢٦٦.

(٢) كشاف القناع ١ / ٢٣٥، وروضة الطالبين ١ / ٢٠٢.

وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَال: تَزَوَّجْتُ وَأَنَا عَبْدٌ، فَدَعَوْتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَأَجَابُونِي، فَكَانَ فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ. . . إِلَى أَنْ قَال: فَقَدَّمُونِي وَأَنَا عَبْدٌ فَصَلَّيْتُ بِهِمْ.

ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا تَقْدِيمُ الْعَبْدِ لِلإِْمَامَةِ. قَالُوا: وَلَوِ اجْتَمَعَ الْحُرُّ وَالْمُعْتَقُ، فَالْحُرُّ الأَْصْلِيُّ أَوْلَى.

ثُمَّ قَال الْحَنَابِلَةُ: الْحُرُّ أَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ إِمَامَ الْمَسْجِدِ فَالْحَقُّ لَهُ فِي التَّقَدُّمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتِ الصَّلاَةُ بِبَيْتِهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالإِْمَامَةِ مَا عَدَا سَيِّدَهُ (١) .

ج - صَلاَةُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ:

٥٨ - صَلاَةُ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَْحْرَارِ اتِّفَاقًا.

وَصَلاَةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إِلاَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

فَقَدْ قِيل - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقِيل: شَرْطٌ (٢) .

وَلاَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَبِيدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ طَارِقُ بْنُ

_________

(١) كشاف القناع ١ / ٤٧٣، والمغني ٢ / ٢٠٦، ١٩٣، والمدونة للإمام مالك ١ / ٨٤، والزرقاني ٢ / ٢٥، وفتح القدير ١ / ٢٤٧، وابن عابدين ١ / ٣٧٦، وروضة الطالبين ١ / ٣٥٣.

(٢) المغني ٢ / ١٧٦، وشرح المنهاج ١ / ٢٢٠، وشرح الأشباه ٢ / ١٥٢.

شِهَابٍ: الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ (١)، وَرُوِيَ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَلأَِنَّ الْجُمُعَةَ يَجِبُ السَّعْيُ إِلَيْهَا وَلَوْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَبْدِ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَلأَِنَّ مَنْفَعَتَهُ مَمْلُوكَةٌ مَحْبُوسَةٌ عَلَى السَّيِّدِ فَأَشْبَهَ الْمَحْبُوسَ فِي الدَّيْنِ، وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَجَازَ لَهُ الْمُضِيُّ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهَا كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَكِنْ لاَ يَذْهَبُ إِلَيْهَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ تَرَكَهَا.

وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرِيبَةٌ مَعْلُومَةٌ يُؤَدِّيهَا إِلَى سَيِّدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لأَِنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ تَحَوَّل إِلَى الْمَال، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (٢) .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْعَبْدِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (٣) .

وَاخْتَلَفَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ

_________

(١) حديث: " الجمعة حق واجب على كل مسلم ". أخرجه أبو داود (١ / ٦٤٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه النووي على شرط الشيخين، كذا في نصب الراية للزيلعي (٢ / ١٩٩ - ط المجلس العلمي) .

(٢) المغني ٢ / ٣٣٩، وشرح المحلي على المنهاج ١ / ٢٦٨.

(٣) الزرقاني ٢ / ٦١، وروضة الطالبين ٢ / ٣٤.

أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ. وَقِيل: لاَ؛ لأَِنَّ لَهَا بَدَلًا وَهُوَ الظُّهْرُ، بِخِلاَفِ صَلاَةِ الْعِيدِ، فَتَجِبُ؛ لأَِنَّهَا لاَ بَدَل لَهَا.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ بِدُونِ إِذْنِ السَّيِّدِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ (١) .

ثُمَّ قَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِالْعَبْدِ، أَيْ فِي إِتْمَامِ الْعَدَدِ اللاَّزِمِ لاِنْعِقَادِ الْجُمُعَةِ (٢) .

د - الرَّقِيقُ وَالزَّكَاةُ:

٥٩ - لاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّقِيقِ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَال، لأَِنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ.

قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا إِلاَّ مَا وَرَدَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، مِنْ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ زَكَاةَ مَالِهِ (٣) .

٦٠ - ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهُ هَل يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ مَال الْعَبْدِ أَمْ لاَ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ، وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ: إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَال الَّذِي بِيَدِ عَبْدِهِ.

قَالُوا: لأَِنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ وَلَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ.

_________

(١) الحموي على الأشباه ٢ / ١٥٢، وروضة الطالبين ١١ / ٢٥.

(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٩٣، وكشاف القناع ١ / ٤٨٩، وابن عابدين ١ / ٣٨٤، والقليوبي ١ / ٢٣٨.

(٣) المغني ٢ / ٦٢١، وفتح القدير ١ / ٤٨١.

فَمَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَال مَمْلُوكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْكَمَال لِلسَّيِّدِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَال الرَّقِيقِ وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيٌّ يَمْلِكُ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَلاَ تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ مَالِهِ؛ لأَِنَّ الْمَال لِلْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لأَِنَّ مِلْكَهُ لِمَالِهِ نَاقِصٌ، إِذْ يَسْتَطِيعُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَ مَال رَقِيقِهِ مَتَى شَاءَ، وَالزَّكَاةُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ فِيمَا هُوَ مَمْلُوكٌ مِلْكًا تَامًّا؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ تَمَامَ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَال (١) .

هـ - زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ:

٦١ - تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إِجْمَاعًا فِي الرَّقِيقِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُل حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٢) .

وَالْمُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ هُوَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ

_________

(١) المغني ٢ / ٦٢٥، وكشاف القناع ٢ / ١٦٨، وفتح القدير ١ / ٤٨٦، والزرقاني ٢ / ١٤٤، وشرح المنهاج للمحلي ٢ / ٣٨.

(٢) حديث: " فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٦٧ - ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٦٧٧ - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.

نَفْسُهُ. فَلَيْسَ عَلَى الرَّقِيقِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ، بِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لأَِنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَال سَيِّدِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (١) .

و تَطَوُّعَاتُ الرَّقِيقِ:

٦٢ - لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ رَقِيقِهِ مِنْ صَلاَةِ النَّفْل وَالرَّوَاتِبِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخِدْمَةِ، وَلاَ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، أَوِ الذِّكْرِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، إِذْ لاَ ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يُضْعِفَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الْعَمَل وَالْخِدْمَةِ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا السُّرِّيَّةَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا (٢) .

ز - صَوْمُ الرَّقِيقِ:

٦٣ - يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ صَوْمُ رَمَضَانَ، كَالأَْحْرَارِ، اتِّفَاقًا، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ؛ لأَِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ كَذَلِكَ (٣) .

وَأَمَّا الصَّوْمُ الَّذِي وَجَبَ بِالنَّذْرِ فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَصُومُ الْعَبْدُ غَيْرَ فَرْضٍ إِلاَّ بِإِذْنِ

_________

(١) روضة الطالبين ٢ / ٢٩٩، وكشاف القناع ١ / ٢٥١، وشرح الأشباه ٢ / ١٥٣.

(٢) روضة الطالبين ٨ / ٣٠١ و١١ / ٢٥، والزرقاني ٢ / ٢١٩، وكشاف القناع ١ / ٤٢٤.

(٣) روضة الطالبين ٨ / ٣٠٠، والزرقاني ٢ / ٢١٩.

السَّيِّدِ، وَلاَ فَرْضًا وَجَبَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ (١) .

٦٤ - وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لاَ يَضُرُّ بِالسَّيِّدِ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ، " وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِ فَلَهُ الْمَنْعُ. وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ السُّرِّيَّةَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا، فَلاَ تَصُومُ تَطَوُّعًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجَةِ (٢) .

ح - اعْتِكَافُ الرَّقِيقِ:

٦٥ - يَصِحُّ اعْتِكَافُ الرَّقِيقِ، وَلاَ يَجُوزُ اعْتِكَافُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لأَِنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ، وَالاِعْتِكَافُ يُفَوِّتُهَا وَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالشَّرْعِ، فَإِنِ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إِخْرَاجَهُ مِنِ اعْتِكَافِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ إِخْرَاجَهُ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ إِخْرَاجُهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّذْرِ عَلَى مَا يَأْتِي (٣) .

ط - حَجُّ الرَّقِيقِ:

٦٦ - لاَ يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الرَّقِيقِ.

فَإِنْ حَجَّ فِي رِقِّهِ فَحَجَّتُهُ تَطَوُّعٌ. فَإِنْ عَتَقَ

_________

(١) شرح الأشباه ٢ / ١٥٣.

(٢) روضة الطالبين ٨ / ٣٠٠، والزرقاني ٢ / ٢١٩، والمغني ٨ / ٧٥٥.

(٣) روضة الطالبين ٢ / ٣٩٦، وكشاف القناع ٢ / ٣٤٩، وشرح الأشباه للحموي ٢ / ١٥٣.