الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
إِجْمَالًا تَارِكِينَ التَّفْصِيل إِلَى مَوَاضِعِهِ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ: (تَعَارُضٌ، دَعْوَى، شَهَادَةٌ) .
أَوَّلًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (١):
٤ - إِذَا تَدَاعَى الرَّجُلاَنِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ بِأَنِ ادَّعَيَا مِلْكَ عَيْنٍ دُونَ سَبَبِ الْمِلْكِيَّةِ مِنَ الإِْرْثِ أَوِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْل عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل (ذِي الْيَدِ) فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (٢) . فَجَعَل جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعِي فَلاَ يَبْقَى فِي جَنْبَةِ
_________
(١) الملك المطلق هو الذي لم يتقيد بأحد أسباب الملك كالإرث والشراء ونحوهما. وغير المطلق هو المضاف إلى سبب، وهو أن يبين سبب الملك مثل أن يقيم بينة بأن هذه العين ملكه نتجت في ملكه، أو أن هذا الثوب ملكه نسجه في ملكه. وهذا السبب على نوعين: منه ما يمكن أن يتكر والاختيار ٢ / ١١٧) .
(٢) حديث: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه ". أخرجه بهذا اللفظ البيهقي (١٠ / ٢٥٢ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس، وأشار إلى شذوذ هذا اللفظ، ورواه بإسناد صحيح بلفظ: " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر ".
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَلأَِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا، كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيل، وَدَلِيل كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ سَبَبًا لَمْ يَكُنْ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُل عَلَيْهِ الْيَدُ، فَلَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً، لأَِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ (الدَّاخِل)، لأَِنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِل بِيَدِهِ، كَالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا قِيَاسٌ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا (٢) .
قَال ابْنُ فَرْحُونَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ (٣) .
وَهَل يُحْكَمُ لِلدَّاخِل بِبَيِّنَةٍ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ بِغَيْرِ الْيَمِينِ؟ قَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ فِي الأَْصَحِّ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ أَنَّهُ يُحْكَمُ لِلْحَائِزِ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (٤) .
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٤٣٧، والبدائع ٦ / ٢٢٥، والاختيار ٢ / ١١٦، ١١٧، وتبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، وكشاف القناع ٦ / ٣٩٠، والمغني ٩ / ٢٧٥، ٢٧٦.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٤٨١، والدسوقي ٤ / ٢٢٣، وتبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، والمغني ٩ / ٢٧٥، ٢٧٦.
(٣) تبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، ٢٤٩.
(٤) الدسوقي ٤ / ٢٢٣، وتبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، والمهذب ٢ / ٣١٢.
ثَانِيًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبٍ:
٥ - إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى مِلْكٍ مُسْتَنِدٍ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الإِْرْثِ، أَوِ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ بِاخْتِلاَفِ الصُّوَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:
أ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ قَابِلًا لِلتَّكْرَارِ، كَالشِّرَاءِ، وَنَسْجِ ثَوْبِ الْخَزِّ، وَزَرْعِ الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. إِلاَّ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ قَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل.
أَمَّا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ، كَالنِّتَاجِ، أَوْ نَسْجِ ثَوْبِ الْقُطْنِ مَثَلًا، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل، لأَِنَّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ لاَ تَدُل عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَعَارَضَتَا، فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ (١) . وَلِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَتَهُ بِأَنَّهَا لَهُ نُتِجَهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلَّذِي فِي يَدِهِ (٢) .
_________
(١) الاختيار ٢ / ١١٧، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٣٧ وما بعدها، والفتاوى الهندية ٤ / ٧٣، ومجلة الأحكام العدلية م (١٧٥٨، ١٧٥٩) .
(٢) حديث جابر: " أن النبي ﷺ اختصم إليه رجلان في دابة. . . " أخرجه البيهقي (١٠ / ٢٥٦ - ط دائرة المعارف العثمانية) . وضعفه ابن حجر في التلخيص (٤ / ٢١٠ - ط شركة الطباعة الفنية) .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الدَّاخِل (ذِي الْيَدِ) إِذَا تَسَاوَتَا فِي الْعَدَالَةِ (١)، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الدَّعْوَى فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ أَوْ فِي مِلْكٍ مُضَافٍ إِلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ أَوْ لاَ يَتَكَرَّرُ. وَقَال ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لاَ يَنْتَفِعُ الْحَائِزُ (الدَّاخِل) بِبَيِّنَتِهِ، وَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي أَوْلَى.
أَمَّا إِذَا ذَكَرَتْ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ نِتَاجٍ أَوْ زِرَاعَةٍ، وَالأُْخْرَى لَمْ تَذْكُرْ سِوَى مُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ مَنْ ذَكَرَ السَّبَبَ (٢) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (الدَّاخِل) فِي الْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبٍ أَيْضًا، كَمَا فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، إِلاَّ إِذَا أَطْلَقَ الدَّاخِل دَعْوَى الْمِلْكِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً. وَقَيَّدَهُ الْخَارِجُ بِقَوْلِهِ: (اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ)، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل إِلاَّ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلاَ يَعْدِل عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً (٣) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَهُمْ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ: الأُْولَى:
_________
(١) تبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، ٢٤٩.
(٢) نفس المرجع.
(٣) مغني المحتاج ٢ / ٤٨٠، ٤٨١، ونهاية المحتاج ٨ / ٣٤٠ وما بعدها.
وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي (الْخَارِجِ)، وَعَدَمُ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل بِحَالٍ، سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ قَطِيعَةُ الإِْمَامِ أَمْ لاَ، إِلاَّ إِذَا أَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الآْخَرِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِل بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَقَالَتْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوِ اشْتَرَاهَا، أَوْ نَسَجَهَا. . قُدِّمَتْ، وَإِلاَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي (الْخَارِجِ) .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الدَّاخِل) تُقَدَّمُ بِكُل حَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُسْتَنِدَةً إِلَى سَبَبٍ أَمْ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ، لأَِنَّ جَنْبَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى، لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهُ وَيَمِينُهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَجَبَ إِبْقَاءُ يَدِهِ عَلَى مَا فِيهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُل عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِيَدِهِ (١) .
ثَالِثًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ:
٦ - إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنَ الدَّاخِل وَالْخَارِجِ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ عَيْنٍ وَذَكَرَ التَّارِيخَ، فَبَيِّنَةُ مَنْ تَارِيخُهُ مُقَدَّمٌ أَوْلَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ
_________
(١) المغني ٩ / ٢٧٥، ٢٧٦، وكشاف القناع ٦ / ٣٩٠ وما بعدها.
الْحَنَابِلَةِ، مَثَلًا إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّ الْعَرْصَةَ الَّتِي فِي يَدِ غَيْرِهِ مَلَكَهَا هُوَ مُنْذُ سَنَةٍ، وَقَال ذُو الْيَدِ (الدَّاخِل): إِنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ.
وَإِنْ قَال الدَّاخِل: (مَلَكْتُهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ بَيِّنَةَ مَنْ يَكُونُ تَارِيخُهُ مُقَدَّمًا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُ وَقْتَ التَّارِيخِ، وَالآْخَرُ لاَ يَدَّعِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لاَ يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ، إِذِ الأَْصْل فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذَا الأَْصْل دَعْوَى النِّتَاجِ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا، دُونَ اعْتِبَارِ التَّارِيخِ، كَمَا يَدُل عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ (١) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَتِ الْيَدُ لِمُتَقَدِّمِ التَّارِيخِ قُدِّمَتْ قَطْعًا، وَإِذَا كَانَتْ لِمُتَأَخِّرِ التَّارِيخِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ أَيْضًا، لأَِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي إِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْحَال فَيَتَسَاقَطَانِ فِيهِ، وَتَبْقَى الْيَدُ فِيهِ مُقَابِلَةَ الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ بِدَلِيل أَنَّهَا لاَ تُزَال بِهَا.
وَفِي الْقَوْل الثَّانِي: يُرَجَّحُ السَّبْقُ، وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: يَتَسَاوَيَانِ (٢) .
_________
(١) الاختيار ٢ / ١١٧، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٣٧، وما بعدها، ومجلة الأحكام العدلية م (١٧٦٠)، وتبصرة الحكام ١ / ٢٤٨، ٢٤٩، والمغني ٩ / ٢٧٥، ٢٧٦.
(٢) نهاية المحتاج ٨ / ٣٤٣.
وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلاَ اعْتِبَارَ لِلتَّارِيخِ (١) .
وَهُنَاكَ صُوَرٌ وَفُرُوعٌ أُخْرَى يُرْجَعُ لِحُكْمِهَا وَأَدِلَّةِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (دَعْوَى، شَهَادَةٌ) .
_________
(١) المغني ٩ / ٢٧٥.
دَارٌ
التَّعْرِيفُ
١ - الدَّارُ لُغَةً اسْمٌ جَامِعٌ لِلْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْمَحَلَّةِ. وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ: الدَّارُ اسْمٌ لِمَا يَشْتَمِل عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِل وَصَحْنٍ غَيْرِ مَسْقُوفٍ.
وَهِيَ مِنْ دَارَ يَدُورُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ حَرَكَاتِ النَّاسِ فِيهَا وَاعْتِبَارًا بِدَوَرَانِهَا الَّذِي لَهَا بِالْحَائِطِ، وَجَمْعُهَا أَدْوُرٌ، وَدُورٌ، وَالْكَثِيرُ دِيَارٌ، وَهِيَ الْمَنَازِل الْمَسْكُونَةُ وَالْمَحَال.
وَكُل مَوْضِعٍ حَل بِهِ قَوْمٌ فَهُوَ دَارُهُمْ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتِ الْبَلْدَةُ دَارًا، وَالصَّقْعُ دَارًا.
وَقَدْ تُطْلَقُ الدَّارُ عَلَى الْقَبَائِل مَجَازًا (١) .
وَمَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْتَلِفُ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَيْتُ:
٢ - أَصْل الْبَيْتِ لُغَةً مَأْوَى الإِْنْسَانِ بِاللَّيْل، لأَِنَّهُ
_________
(١) لسان العرب، غريب القرآن للأصفهاني، المصباح المنير مادة: " دار " مغني المحتاج ٢ / ٨٤.
يُقَال: بَاتَ: أَيْ أَقَامَ بِاللَّيْل، كَمَا يُقَال: ظَل بِالنَّهَارِ، وَيُقَال: لِلْمَسْكَنِ بَيْتٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ اللَّيْل فِيهِ.
وَيَقَعُ اسْمُ الْبَيْتِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ مَدَرٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ وَبَرٍ، أَوْ غَيْرِهَا.
وَيُعَبَّرُ عَنْ مَكَانِ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ بَيْتُهُ، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ (١) وَبَيْتُ اللَّهِ مَحَل عِبَادَتِهِ. وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ، وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ هُوَ الْكَعْبَةُ أَوِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ كُلُّهُ (٢) .
فَبَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ (٣) .
ب - الْحُجْرَةُ:
٣ - الْحُجْرَةُ هِيَ الْوَاحِدَةُ مِنْ حُجَرِ الدَّارِ، وَالْجَمْعُ حُجَرٌ، وَحُجُرَاتٌ، مِثْل غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ (٤) .
ح - الْغُرْفَةُ:
٤ - الْغُرْفَةُ: الْعُلِّيَّةُ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْحُجْرَةِ، وَالْجَمْعُ غُرَفٌ، ثُمَّ غُرُفَاتٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا (٥) .
_________
(١) سورة العنكبوت / ٤١.
(٢) لسان العرب، المصباح المنير مادة: " بيت ".
(٣) لسان العرب، المصباح المنير، غريب القرآن للأصفهاني، مادة " بيت ".
(٤) المصباح المنير.
(٥) المصباح المنير.
د - الْخِدْرُ:
٥ - الْخِدْرُ: السِّتْرُ، وَالْجَمْعُ خُدُورٌ، وَيُطْلَقُ الْخِدْرُ عَلَى الْبَيْتِ إِنْ كَانَ فِيهِ امْرَأَةٌ وَأَوْلاَدٌ (١) .
هـ - الْمَنْزِل:
٦ - الْمَنْزِل: الْمَنْهَل، وَالدَّارُ، وَمَوْضِعُ النُّزُول، وَقَدْ تَكُونُ اسْمًا لِمَا يَشْتَمِل عَلَى بُيُوتٍ، وَصَحْنٍ مُسَقَّفٍ، وَمَطْبَخٍ، يَسْكُنُهُ الرَّجُل لِعِيَالِهِ، وَهُوَ دُونَ الدَّارِ وَفَوْقَ الْبَيْتِ. وَأَقَلُّهُ بَيْتَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ (٢) .
و الْمُخْدَعُ:
٧ - الْمُخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ، بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَكَسْرُ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا لُغَتَانِ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَخْدَعْتُ الشَّيْءَ بِالأَْلِفِ إِذَا أَخْفَيْتَهُ (٣) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالدَّارِ:
٨ - أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الدَّارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْهَا: الْبَيْعُ، وَالإِْجَارَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْوَقْفُ.
وَبَحَثُوا فِيمَا لَوْ بَاعَ الشَّخْصُ الدَّارَ، أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَوْصَى بِهَا، أَوْ وَقَفَهَا، مَا يَدْخُل فِي هَذَا الْعَقْدِ وَمَا لاَ يَدْخُل فِيهِ.
فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الدَّارِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ
_________
(١) المصباح المنير.
(٢) المغرب، والمصباح، والمختار، والكليات، والمبسوط للسرخسي ٨ / ١٦٤، ١٦٨.
(٣) المصباح المنير.