الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
الْفَاحِشُ، وَالإِْطْلاَقُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ فِي مَجَال الرَّدِّ.
وَالْمُرَادُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي تَقْدِيرِ الْغَبْنِ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُؤَدِّي إِلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، لأَِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي الْعُيُوبِ وَنَحْوِهَا مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي تَقْتَضِي الْخِبْرَةَ فِي الْمُعَامَلاَتِ (١) .
وَالْقَوْل الثَّانِي لِكُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْغَبْنِ الثُّلُثُ، وَالْقَوْل الثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (٢) .
شَرْطُ خِيَارِ الْغَبْنِ:
٤ - يُشْتَرَطُ لِقِيَامِ خِيَارِ الْغَبْنِ أَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ جَاهِلًا بِوُقُوعِهِ فِي الْغَبْنِ عِنْدَ التَّعَاقُدِ. وَفِي تِلْكَ الْحَال وَرَدَ حَدِيثُ حِبَّانَ (٣) . الَّذِي احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالْخِيَارِ (وَفِيهِ أَنَّهُ هُنَاكَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْخِلاَبَةِ أَوِ الْغَبْنِ) أَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَبْنِ
_________
(١) رد المحتار ٤ / ١٥٩، البحر الرائق ٧ / ١٦٩، جامع الفصولين ٢ / ٣١، الفتاوى الخيرية ١ / ٢٢٠، شرح المجلة لعلي حيدر عند المادة / ١٦٥، والبدائع ٦ / ٣٠.
(٢) الحطاب شرح خليل ٤ / ٤٧٢.
(٣) حديث حبان بن منقذ، تقدم في بحث (خيار) وتقدم تخريجه.
وَأَقْدَمَ عَلَى التَّعَاقُدِ فَلاَ خِيَارَ لَهُ، لأَِنَّهُ أُتِيَ مِنْ قِبَل نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ رَاضِيًا (١) .
مُوجِبُ الْخِيَارِ:
٥ - إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَغْبُونَ مُسْتَرْسِلٌ، وَكَانَ الْغَبْنُ خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْضَاءِ مَجَّانًا، فَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، أَيْ إِنْ أَمْسَكَ الْمَغْبُونُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالأَْرْشِ، وَهُوَ هُنَا مِقْدَارُ الْغَبْنِ (٢) .
مُسْقِطَاتُهُ:
٦ - يَسْقُطُ خِيَارُ الْغَبْنِ (مَعَ التَّغْرِيرِ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَجَلَّةُ الْعَدْلِيَّةُ - بِمَا يَلِي:
١ - هَلاَكُ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتِهْلاَكُهُ، أَوْ تَغَيُّرُهُ، أَوْ تَعَيُّبُهُ: وَفِي حُكْمِ الاِسْتِهْلاَكِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَيْءٍ مُقَابَلَةً لِنُقْصَانِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ.
٢ - السُّكُوتُ وَالتَّصَرُّفُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ: فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَغْبُونُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْغَبْنِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ بِأَنْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ مَثَلًا، سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ.
٣ - مَوْتُ الْمَغْبُونِ: فَلاَ تَنْتَقِل دَعْوَى (التَّغْرِيرِ مَعَ
_________
(١) البحر الزخار ٣ / ٣٥٤، المكاسب ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٢) المغني ٤ / ١٠٢، دليل الطالب ص ١١٠.
الْغَبْنِ) إِلَى الْوَارِثِ، أَمَّا مَوْتُ الْغَابِنِ فَلاَ يَمْنَعُ (١) .
خِيَارُ غَبْنِ الْمُسَاوَمَةِ:
٧ - لاَ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ خِيَارَ الْغَبْنِ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى خِيَارِ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِل (كَمَا سَيَأْتِي) وَلاَ بُدَّ مِنْ إِفْرَادِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِالذِّكْرِ لِتَحْقِيقِ مَذْهَبِهِمْ فِي خِيَارِ الْغَبْنِ.
خِيَارُ الْغَبْنِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ:
٨ - اخْتَلَفَ النَّقْل عَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِ الْخِلاَفِ فِي شَأْنِ خِيَارِ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ وَالرَّاجِحُ نَفْيُهُمْ لَهُ، وَالَّذِي رَجَّحَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ هُوَ أَنَّ الْغَبْنَ لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِل لاَ خِيَارَ فِيهِ مَهْمَا كَانَ فَاحِشًا (٢) .
وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ (لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَ الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ) بِحَدِيثِ شِرَائِهِ ﷺ جَمَل جَابِرٍ، فَقَدْ قَال لَهُ مُسَاوِمًا: أَتَبِيعُهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَال: لاَ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاعَ بِخَمْسِ أَوَاقٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ (٣) .
_________
(١) مجلة الأحكام العدلية (المستمدة من المذهب الحنفي) المواد ٣٥٨ - ٣٦٠.
(٢) الحطاب ٤ / ٤٧٠ - ٤٧٢.
(٣) حديث جابر: أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ٣١٤ - ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٢٢٣ - ط الحلبي)، وأحمد (٣ / ٣٧٦ - الميمنية) .
فَالثَّمَنُ الأَْوَّل بِالنِّسْبَةِ لِلأَْخِيرِ غَبْنٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ خِيَارٌ لَمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ (١) .
حُكْمُ الْغَبْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
٩ - فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفٌ حَوْل الْغَبْنِ الْمُجَرَّدِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ التَّغْرِيرِ عَلَى ثَلاَثِ رِوَايَاتٍ:
١ - لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ أَوْ لاَ) .
٢ - ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُطْلَقًا (بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّغْرِيرِ) .
٣ - ثُبُوتُ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ إِنْ صَاحَبَهُ تَغْرِيرٌ، أَيْ لاَ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، بَل لِلْمَغْبُونِ الْمَغْرُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ (٢) .
خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِل
تَعْرِيفُ الْمُسْتَرْسِل:
١٠ - عَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسْتَرْسِل بِأَنَّهُ: الْمُسْتَسْلِمُ لِبَائِعِهِ (٣) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ: الْجَاهِل بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلاَ يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ. وَيُلْحَظُ هُنَا أَنَّ
_________
(١) الحطاب ٤ / ٤٦٩.
(٢) رد المحتار ٤ / ١٥٩ - ١٦١، تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير، وهي في مجموعة رسائله ٢ / ٦٨ - ٨٢.
(٣) الحطاب ٤ / ٤٧١.
الْمُعَوَّل عَلَى الْوَصْفِ الأَْخِيرِ وَهُوَ عَدَمُ الْخِبْرَةِ بِالْمُبَايَعَةِ، أَمَّا جَهْل قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَيَقَعُ فِيهِ كُل مَغْبُونٍ، إِذْ لَوْ عَرَفَ الْقِيمَةَ لَمَا رَضِيَ بِالْغَبْنِ إِلاَّ مُضْطَرًّا، أَوْ بَاذِلًا لِقَاءَ رَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ فِي السِّلْعَةِ، وَسَبْقُ الْعِلْمِ بِالْغَبْنِ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَعْرِيفٌ آخَرُ لِلْمُسْتَرْسِل مِنْ كَلاَمِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ: الَّذِي لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ، وَبِلَفْظٍ آخَرَ: الَّذِي لاَ يُمَاكِسُ، وَالْفَارِقُ أَنَّ الأَْوَّل قَلِيل الْخِبْرَةِ بِالْمُجَادَلَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ لِلْوُصُول إِلَى ثَمَنِ الْمِثْل دُونَ غَبْنٍ، أَمَّا الأَْخِيرُ فَهُوَ الَّذِي لاَ يَسْلُكُ طَرِيقَ الْمُمَاكَسَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِتْقَانِهِ لَهَا أَوْ جَهْلِهِ بِهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَأَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ وَالَّذِي لَوْ تَوَقَّفَ لَعَرَفَ، إِذَا اسْتَعْجَل فِي الْحِل فَغُبِنَ، فَلاَ خِيَارَ لَهُ (١) .
خِيَارُ غَبْنِ الْمُسْتَرْسِل (عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ):
١١ - صَرَّحَ خَلِيلٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ لاَ يَرُدُّ بِالْغَبْنِ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ. وَأَفَادَ شُرَّاحُهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا بِأَنَّهُ يَرُدُّ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا فَالاِتِّفَاقُ عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَعَدَمِ الرَّدِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْغَبْنِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبَيْعِ، فَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ (الْمُسَاوَمَةِ) لاَ قِيَامَ بِالْغَبْنِ (قَال): " وَلاَ أَعْرِفُ فِي
_________
(١) المغني م٢٧٧٧، ٣ / ٣٩٨، والفروع ٤ / ٩٧.
الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلاَفٍ " وَبَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهِمَ فِي حَمْل مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى الْخِلاَفِ، عَادَ فَأَشَارَ إِلَى حِكَايَةِ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وُجُوبَ الرَّدِّ بِالْغَبْنِ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَجَعَلَهُ مَوْضِعَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا بَيْعُ الاِسْتِنَامَةِ وَالاِسْتِرْسَال. . فَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ. . وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا كَانَ عَلَى الاِسْتِرْسَال وَالاِسْتِنَامَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ، لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: غَبْنُ الْمُسْتَرْسِل ظُلْمٌ (١) . هَذَا مَا اسْتَدَل بِهِ ابْنُ رُشْدٍ (٢) .
خِيَارُ الْمُسْتَرْسِل (عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ):
١٢ - الْحَنَابِلَةُ يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْغَبْنِ لِلْمُسْتَرْسِل فَقَطْ، عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهِيَ مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ مَسَائِل
_________
(١) حديث: " غبن المسترسل ظلم ". أخرجه الطبراني في الكبير (٨ / ١٤٩ - ط وزارة الأوقاف العراقية) من حديث أبي أمامة بلفظ: " غبن المسترسل حرام ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (٤ / ٧٦ - ط القدسي) وقال: " فيه موسى بن عمير الأعمى، وهو ضعيف ".
(٢) لقد أورد الحطاب عبارته وأشار إلى أن المفهوم المخالف لهذا الاستدلال دليل للحالة الأخرى فقال: وما لم يكن فيه ظلم فهو حق لا يجب القيام به (٤ / ٤٧٠)، المقدمات ٢ / ٦٠١ - ٦٠٢، الخرشي ٤ / ٦٢، الدسوقي ٣ / ١٤٠، وقال الحطاب: إذا كان من أهل المعرفة بقيمة ما اشتراه، وإنما وقع في الغبن غلطًا يعتقد أنه غير غالط فلا رد له، أما إذا علم بالقيمة فزاد عليها فهو كالواهب، أو فعل ذلك لغرض فلا مقال له. (الحطاب ٤ / ٤٧١) .
الْخِلاَفِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، لأَِنَّ الْغَبْنَ لَحِقَهُ لِجَهْلِهِ. بِالْمَبِيعِ، خِلاَفًا لِغَيْرِ الْمُسْتَرْسِل فَقَدْ دَخَل عَلَى بَصِيرَةٍ فَهُوَ كَالْعَالِمِ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى النَّجْشِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى (بِصِيغَةِ: قِيل) مُقْتَضَاهَا أَنَّ الْغَبْنَ لاَزِمٌ لِلْمُسْتَرْسِل أَيْضًا، لأَِنَّ نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مَعَ سَلاَمَتِهَا لاَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ، كَبَيْعِ غَيْرِ الْمُسْتَرْسِل، وَكَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ (١) .
خِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ (وَشَبَهِهِ):
١٣ - أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حَال غَبْنِ الْوَصِيِّ عَنِ الْقَاصِرِ أَوِ الْوَكِيل عَمَّنْ وَكَّلَهُ دَرْءًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْقَاصِرِ وَالْمُوَكِّل، وَبَعْضُ الْمَذَاهِبِ لَجَأَتْ إِلَى إِبْطَال الْعَقْدِ الْمُشْتَمِل عَلَى غَبْنِهِمَا (٢) .
فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ - أَوِ الْمُشْتَرِي - بِالْغَبْنِ وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا. فَيَرُدُّ مَا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (أَيْ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ) .
وَخِيَارُ غَبْنِ الْقَاصِرِ يَثْبُتُ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ اتِّفَاقًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، فَأَجَازُوا الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِلْمُتَصَرِّفِ عَنِ الْغَيْرِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ إِزَالَةُ مِلْكٍ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ الْغَبْنُ
_________
(١) المغني ٣ / ٤٩٨ م ٢٧٧٧، الاختيارات، للعلاء البعلي ص ٧٤.
(٢) نصت مجلة الأحكام العدلية (المستمدة من المذهب الحنفي) في المادة ٣٥٦ على أنه استثناء من عدم التخيير في الغبن المجرد عن التغرير " إذا وجد الغبن (وحده) في مال اليتيم لا يصح البيع. ومال الوقف وبيت المال حكمه حكم اليتيم ". وقال الشراح: إنه يكون باطلًا.
فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّةَ قِيل: الْبَيْعُ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ. فَإِذَا بَاعَ الْقَاصِرُ بِغَبْنٍ لاَ خِيَارَ لَهُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ (١) .
مُوجِبُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:
١٤ - هَل لِلْقَائِمِ فِي الْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيل نَقْضُ الْبَيْعِ أَوِ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيل الثَّمَنِ؟ وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ؟
أَفَاضَ الْحَطَّابُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَاقِلًا عَنِ ابْنِ رُشْدٍ فِي فَتْوَى لَهُ ثُمَّ قَال: وَالرَّاجِحُ مِنَ الأَْقْوَال أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلاَ نَقْضَ، وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ (أَيْ فَيُلْجَأُ إِلَى تَكْمِيل الثَّمَنِ)، أَمَّا مَعَ إِمْكَانِ الرَّدِّ فَهُوَ الْمُوجِبُ (٢) .
مُسْقِطَاتُ خِيَارِ غَبْنِ الْقَاصِرِ:
١٥ - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَسْقُطُ بِمَا يَلِي:
١ - التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ.
٢ - التَّلَفُ، أَوْ مَا يُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ (فَوَاتَ الْمَبِيعِ) قَال الْحَطَّابُ: فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمُوَكِّل وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا وَقَعَ الْغَبْنُ وَالْمُحَابَاةُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ - وَهُوَ الْوَكِيل وَالْوَصِيُّ - بِذَلِكَ.
_________
(١) الحطاب ٤ / ٤٧٢، الدسوقي ٣ / ١٤٠.
(٢) الحطاب ٤ / ٤٧٣.
وَإِنِ اشْتَرَيَا بِغَبْنٍ، وَفَاتَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، رَجَعَ الْمُوَكِّل وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَتِ الْمُحَابَاةُ وَالْغَبْنُ بِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْوَكِيل أَوِ الْوَصِيُّ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ وَغَيْرُهُ.
وَلاَ يَتَقَيَّدُ الرُّجُوعُ هُنَا بِالثُّلُثِ، فَيَرْجِعُ بِكُل مَا نَقَصَ عَنِ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، أَوْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً بَيِّنَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الثُّلُثُ. وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا قَال ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (١) .
_________
(١) حاشية الدسوقي ٣ / ١٤٠، الحطاب ٤ / ٤٧٢ - ٤٧٣.
خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ
التَّعْرِيفُ:
١ - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٌ) وَكَذَلِكَ سَبَقَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) وَفَوَاتُ الشَّرْطِ: هُوَ عَدَمُ تَحْقِيقِ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَخِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ: هُوَ خِيَارٌ يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الْفِعْل الْمَشْرُوطِ مِنَ الْعَاقِدِ فَوْقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
٢ - لِهَذَا الْخِيَارِ صِلَةٌ بِأَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ الأُْخْرَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَمِيعًا تَسْلُبُ لُزُومَ الْعَقْدِ مَعَ انْفِرَادِ كُل خِيَارٍ بِالإِْضَافَةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ، كَالْعَيْبِ أَوِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ مَا يَتَّصِل بِكُل خِيَارٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخِيَارِ فَوَاتِ الشَّرْطِ:
٣ - مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَاقِدَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ الْتَزَمَ بِهِ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا - فَإِنَّ الأَْصْل أَنْ
_________
(١) بدائع الصنائع ٥ / ١٧١، شرح منتهى الإرادات ٢ / ١٦٠ - ١٦١.