الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 29

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

ج - أَوْ كَانَ عَامِل قِرَاضٍ وَلَمْ يُصَرِّحَ الْمَالِكُ بِطَلَبِ الرَّدِّ، لِلْعِلَّةِ نَفْسِهَا (١) .

ثَالِثًا - إِسْقَاطُ الْخِيَارِ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ، وَالإِْبْرَاءِ عَنْهُ

٥٤ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ إِسْقَاطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الْعَيْبِ إِسْقَاطٌ سَائِغٌ، لأَِنَّ الْخِيَارَ حَقٌّ خَالِصٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ النُّزُول عَنْهُ. وَهُوَ فِي هَذَا يُخَالِفُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ الَّذِي لاَ يَصِحُّ إِنْهَاؤُهُ بِصَرِيحِ الإِْسْقَاطِ لأَِنَّهُ خِيَارٌ حُكْمِيٌّ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ بَل يَسْقُطُ تَبَعًا وَضِمْنًا.

هَذَا عَنْ إِسْقَاطِ خِيَارِ الرَّدِّ، وَأَمَّا حَقُّ الرُّجُوعِ بِالأَْرْشِ (نُقْصَانِ الثَّمَنِ) فَكَذَلِكَ الأَْمْرُ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ صَرِيحُ الإِْبْطَال، لأَِنَّهُ حَقُّهُ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ (وَهِيَ السَّلاَمَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ دَلاَلَةً) وَالإِْنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ مَقْصُودًا اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا (٢) .

وَمِثْل الإِْسْقَاطِ فِي الْحُكْمِ الإِْبْرَاءُ، بِأَنْ يُبَرِّئَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنَ الْعَيْبِ، لأَِنَّ (الإِْبْرَاءَ) فِي حَقِيقَتِهِ إِسْقَاطٌ، وَلِلْمُشْتَرِي هُنَا وِلاَيَةُ الإِْسْقَاطِ لأَِنَّ الْخِيَارَ حَقُّهُ وَالْمَحَل قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ (٣) .

هَذَا وَلاَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِعِوَضٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،

_________

(١) تحفة المحتاج بحاشية الشرواني ٤ / ١٤٠.

(٢) بدائع الصنائع ٥ / ٢٨٢.

(٣) البدائع ٥ / ٢٨٢.

فَقَدْ سُئِل ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ عَنْ بَذْل عِوَضٍ لِتَرْكِ رَدِّ الْعَيْبِ، هَل يَجُوزُ كَعِوَضِ الْخُلْعِ؟ فَأَجَابَ: " لاَ يَجُوزُ بَذْل الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ خِيَارِ الْعَيْبِ، لاَ مِنَ الأَْجْنَبِيِّ وَلاَ مِنَ الْبَائِعِ، لأَِنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَأَشْبَهَ خِيَارَ التَّرَوِّي فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ " (١) . وَهَذَا غَيْرُ الأَْرْشِ لأَِنَّهُ لَيْسَ عِوَضًا لِتَرْكِ الْخِيَارِ أَصْلًا، بَل هُوَ تَقْوِيمٌ لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ اعْتِرَافًا بِالْخِيَارِ وَعَمَلًا بِمَضْمُونِهِ.

رَابِعًا - الرِّضَا بِالْعَيْبِ صَرَاحَةً:

٥٥ - رِضَا الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إِذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِصُورَةٍ صَرِيحَةٍ، كَلَفْظِ: رَضِيتُ بِالْعَيْبِ، أَسْقَطْتُ خِيَارَ الْعَيْبِ، أَجَزْتُ الْعَقْدَ، أَمْضَيْتُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرِّضَا، فَإِنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ أَصْلًا أَيْ يَنْتَهِي حَقُّ الرَّدِّ وَالأَْرْشِ مَعًا.

ذَلِكَ لأَِنَّ حَقَّ الرَّدِّ إِنَّمَا هُوَ لِفَوَاتِ السَّلاَمَةِ الْمَشْرُوطَةِ دَلاَلَةً فِي الْعَقْدِ، وَإِذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَقَدْ دَل عَلَى أَنَّهُ نَزَل عَنْ هَذَا الشَّرْطِ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطِ السَّلاَمَةَ دَلاَلَةً، وَقَدْ ثَبَتَ الْخِيَارُ نَظَرًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ وَرَضِيَ بِالضَّرَرِ فَذَاكَ لَهُ.

وَكَذَلِكَ الْحَال إِذَا تَنَاوَل الرِّضَا بِالْعَيْبِ حَقَّ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوِ انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي

_________

(١) الفتاوى الكبرى لابن حجر ٢ / ١٣٦ - ١٣٧.

يَدِ الْمُشْتَرِي وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ النُّقْصَانِ وَوَجَبَ الأَْرْشُ، لَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَئِذٍ أَظْهَرَ رِضَاهُ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ جُمْلَةً.

خَامِسًا: التَّصَرُّفَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الرِّضَا:

٥٦ - الرِّضَا بِالْعَيْبِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّلاَلَةِ وَمَجَالُهَا الأَْفْعَال (أَوِ التَّصَرُّفَاتُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُوجَدَ مِنَ الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ) تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ يَدُل عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ.

قَال الْكَاسَانِيُّ: " كُل تَصَرُّفٍ يُوجَدُ مِنَ الْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَدُل عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ " (١)

وَالتَّصَرُّفَاتُ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْمُسْقِطِ يُمْكِنُ تَصْنِيفُهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

١ - تَصَرُّفَاتِ اسْتِعْمَالٍ لِلْمَبِيعِ وَاسْتِغْلاَلٍ لَهُ وَانْتِفَاعٍ مِنْهُ:

٥٧ - وَذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ دُونَ انْتِقَاصٍ لِعَيْنِهِ أَوْ إِتْلاَفٍ لَهُ، كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ (لِغَيْرِ الرَّدِّ، أَوِ السَّقْيِ، أَوْ شِرَاءِ الْعَلَفِ) وَسَقْيِ الأَْرْضِ أَوْ زَرْعِهَا أَوْ حَصَادِهَا، أَوْ عَرْضِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَيْعِ أَوِ الإِْجَارَةِ، أَوْ مُدَاوَاتِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَلَوْ مَرَّةً. فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ فَهُوَ دَلاَلَةٌ عَلَى الرِّضَا، وَهُوَ

_________

(١) البدائع ٥ / ٢٨٢.

دَلِيلٌ قَصْدُهُ الاِسْتِبْقَاءُ. وَدَلِيل الشَّيْءِ فِي الأُْمُورِ الْبَاطِنَةِ - كَالرِّضَا - يَقُومُ مَقَامَهَا (١) .

٢ - تَصَرُّفَاتُ إِتْلاَفٍ لِلْمَبِيعِ:

٥٨ - وَالْمُرَادُ مَا كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الاِسْتِعْمَال، كَالتَّمْزِيقِ لِلثَّوْبِ، وَقَتْل الدَّابَّةِ، فَمِثْل هَذَا التَّصَرُّفِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ (٢) .

٣ - تَصَرُّفَاتُ إِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ:

٥٩ - إِذَا أَخْرَجَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ عَقَدَ عَلَيْهِ عَقْدًا مِنْ عُقُودِ التَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ (مَعَ التَّسْلِيمِ) أَوِ الصُّلْحِ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهِ، سَقَطَ خِيَارُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمَبِيعِ إِلَى الْبَائِعِ، فَفِي هَذِهِ الْحَال لاَ سَبِيل إِلَى فَسْخِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي الأَْوَّل وَبَيْنَ بَائِعِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْمَبِيعِ، لأَِنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ حَابِسًا لَهُ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ، وَلَمَّا كَانَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ هُنَا بِسَبَبِ الْمُشْتَرِي فَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِالنُّقْصَانِ أَيْضًا لأَِنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ لاَ يَكُونَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْمُشْتَرِي. وَالإِْقْدَامُ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلِيل الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَسُقُوطِ الْخِيَارِ مِنْ أَسَاسِهِ.

_________

(١) فتح القدير والعناية ٥ / ١٧٧ - ١٧٨، والبدائع ٥ / ٢٨٢، ورد المحتار ٥ / ٩٠ - ٩١.

(٢) شرح مختصر الطحاوي لقاضيخان، نقلًا عن حاشية الشلبي على الزيلعي ٤ / ٣٦.

وَلَكِنْ لَوْ فُسِخَ التَّصَرُّفُ وَرُدَّ إِلَيْهِ الْبَيْعُ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ (مَثَلًا) فَإِنْ كَانَ قَبْل الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي (بِالإِْجْمَاعِ) وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ (بِلاَ خِلاَفٍ)، وَإِنْ كَانَ قَبُول الْبَائِعِ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (١) .

٦٠ - هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - الَّذِي عَلَيْهِ التَّبْوِيبُ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَنَابِلَةُ - وَقَدِ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ غَيْرِهِمْ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْخِيَارِ: لِلرَّدِّ وَالأَْرْشِ مَعًا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَهُ نُقْصَانُ الثَّمَنِ. وَمُسْتَنَدُهُمْ فِكْرَةُ اسْتِفَادَةِ عِوَضٍ يُسْتَدْرَكُ بِهِ الْعَيْبُ الْفَائِتُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ تَصَرُّفٍ يَحْصُل بِهِ الْيَأْسُ مِنْ عَوْدِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، كَالْوَقْفِ، فَهُوَ مَانِعٌ لِلرَّدِّ، وَبَيْنَ تَصَرُّفٍ يُرْجَى مَعَهُ الْعَوْدُ لِمِلْكِهِ، كَالْبَيْعِ فَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى إِطْلاَقِ الْحُكْمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا - إِذَا تَصَرَّفَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ - فَإِنَّهُ مَانِعٌ لِلرَّدِّ وَنَاقِلٌ إِلَى الْمُوجَبِ

_________

(١) تبيين الحقائق ٤ / ٣٥ و٣٧، فتح القدير ٥ / ١٦٠، البدائع ٥ / ٢٨٢ و٢٨٩ " لو باعه المشتري أو وهبه ثم علم بالعيب لم يرجع بالنقصان؛ لأن امتناع الرد ها هنا من قبل المشتري؛ لأنه بالبيع صار ممسكًا عن الرد؛ لأن المشتري قام مقامه فصار مبطلًا للرد الذي هو الحق فلا يرجع بشيء. وذكر من التصرفات المسقطة للخيار إع

الْخَلَفِيِّ (نُقْصَانِ الثَّمَنِ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَصَرُّفِهِ دَلاَلَةٌ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَى مَنْعِ الرَّدِّ (١) .

إِثْبَاتُ خِيَارِ الْعَيْبِ:

٦١ - ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالَةٍ مِنْ أَحْوَال خِيَارِ الْعَيْبِ وَجَبَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ بِتِلْكَ الْحَال. فَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ دَعْوَى الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ فَإِمَّا أَنْ يُنْكِرَ وُجُودَ الْعَيْبِ، أَوْ يُنْكِرَ قِدَمَهُ.

فَفِي إِنْكَارِ الْعَيْبِ إِمَّا أَنْ يَسْتَوِيَ فِي إِدْرَاكِهِ جَمِيعُ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ مِنْ أَيِّ النَّاسِ كَانُوا، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِعِلْمِهِ أَهْل صِنَاعَةٍ مَا، فَلاَ بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ أَهْل تِلْكَ الصِّنَاعَةِ، وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ خِلاَفٌ فِيمَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ:

قِيل: لاَ بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ. وَقِيل: لاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَلاَ الْعَدَدُ وَلاَ الإِْسْلاَمُ.

وَكَذَلِكَ الْحَال إِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي الْقِيمَةِ، وَفِي قِدَمِهِ أَوْ حُدُوثِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْ أَجْوِبَةِ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِانْصِيَاعِ أَحْوَالِهَا لأُِصُول الإِْثْبَاتِ الْمَعْرُوفَةِ (٢) .

_________

(١) فتح القدير ٥ / ١٥٩ - ١٦٢، والبدائع ٥ / ٢٨٩، وشرح التحفة بحاشية الشرواني ٤ / ٣٦٢، والمقدمات لابن رشد ٢٤٨، والخرشي ٥ / ١٣٠، المغني لابن قدامة ٤ / ١٢٣ - ١٢٥م ٣٠٣٢ - ٣٠٢٧.

(٢) بداية المجتهد ٢ / ١٨٣.

إِثْبَاتُ الْعَيْبِ، وَالاِخْتِلاَفُ فِيهِ:

٦٢ - الدَّعْوَى فِي الْعَيْبِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ إِمَّا أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى الْبَرْهَنَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَوِرَهَا النِّزَاعُ مِنَ الْخَصْمِ، وَيَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فِي مَسَائِل الْعَيْبِ بِأَنْوَاعِهَا مِنْ قِدَمٍ وَحُدُوثٍ، وَهَل الرَّدُّ لِعَيْنِ الْمَرْدُودِ أَوْ غَيْرِهِ. . إِلَخْ.

وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلاَتٌ فِي تَنَازُعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْعَيْبِ أَوْ فِي سَبَبِ الرَّدِّ بِهِ مُعْظَمُهَا تَخْضَعُ لِطَرَائِقِ الإِْثْبَاتِ الْعَامَّةِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ التَّصَوُّرِ لِلْمُدَّعِي الْمُنْكِرِ.

كَمَا تَعَرَّضَ الْحَنَابِلَةُ لِلاِخْتِلاَفِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ، بِمَا لاَ يَخْرُجُ عَنْ طُرُقِ الإِْثْبَاتِ الْعَامَّةِ، لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا يَخْتَصُّ بِمَوْضُوعِنَا أَنَّهُ فِي الْعَيْبِ الَّذِي لاَ يُحْتَمَل فِيهِ إِلاَّ قَوْل أَحَدِهِمَا، وَادَّعَى الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ قَدِيمًا، كَالْجُرْحِ الطَّرِيِّ، فَالْقَوْل قَوْل مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ (١) .

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (قَضَاءٌ، وَدَعْوَى) .

انْتِقَال خِيَارِ الْعَيْبِ:

٦٣ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَنْتَقِل إِلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ.

_________

(١) الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ١٣٢ - ١٣٣، وغيره من شروح خليل، شرح الروض ٢ / ٧١ - ٧٣، نهاية المحتاج ٤ / ٩٢ ط ٢، حاشية البجيرمي على شرح المنهج ٢ / ٢٦٢، والإقناع ٢ / ١٠١، والمغني ٢ / ١٢٥ - ١٢٦ م ٣٠٢٨.

خِيَارُ الْغَبْنِ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النَّقْصُ، فِعْلُهُ: غَبَنَ - مِنْ بَابِ ضَرَبَ - يُقَال غَبَنَهُ فَانْغَبَنَ، وَغُبِنَ (بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُول) فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ.

وَغَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا، وَغَبِينَةً (وَهِيَ اسْمُ الْمَصْدَرِ) أَيْ غَلَبَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ: خَدَعَهُ (١) .

وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْغَبْنِ مُسْتَمَدٌّ مِنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ فَهُوَ - كَمَا يَقُول ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -: " النَّقْصُ فِي الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ " وَمِثْلُهُ النَّقْصُ فِي الْبَدَل فِي بَاقِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَمَعْنَى النَّقْصِ هُنَا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يُقَابَل جُزْءٌ مِنَ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ أَكْثَرِ تَقْوِيمٍ لِلْمَبِيعِ مِنْ أَهْل الْخِبْرَةِ.

_________

(١) المصباح المنير، والمغرب، ومقاييس اللغة، ورد المحتار ١ / ١٥٩.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَغْبُونُ هُوَ الْبَائِعُ فَالنَّقْصُ فِي الثَّمَنِ حَقِيقِيٌّ (١) .

الْخِيَارَاتُ الْمُرْتَبِطَةُ بِالْغَبْنِ:

٢ - لِلْغَبْنِ تَأْثِيرٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَحْيَانًا يُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ صَرَاحَةً، وَأَحْيَانًا يُنَاطُ بِسَبَبٍ مَادِّيٍّ أَشَدَّ مِنْهُ وُضُوحًا، وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْوَحِيدُ، أَوْ أَحَدُ الْمُؤَثِّرَاتِ.

فَمِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا: الْمُبَادَلاَتُ الرِّبَوِيَّةُ بَيْنَ الأَْجْنَاسِ الْمُتَّحِدَةِ، وَالاِحْتِكَارُ، وَأَنْوَاعٌ مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، كَالنَّجْشِ، وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ صُوَرِ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ، وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ (أَيْ دُخُول أَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِلاِسْتِئْثَارِ بِالْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ) . وَبَيْعِ الْمُسْتَرْسِل، وَبُيُوعِ الأَْمَانَةِ، وَحَالَةِ التَّغْرِيرِ الْقَوْلِيِّ الْمُقْتَرِنِ بِالْغَبْنِ، لِذَا كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ اسْتِخْلاَصُ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ فِي الْغَبْنِ الَّذِي تَنْشَأُ بِسَبَبِهِ بِضْعَةُ خِيَارَاتٍ تَخْتَلِفُ الْمَذَاهِبُ تُجَاهَهَا بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ.

وَقَدِ اتَّخَذَ ابْنُ قُدَامَةَ (٢) مِنَ الْغَبْنِ مَدَارًا لِثَلاَثَةِ خِيَارَاتٍ هِيَ:

١ - تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ - أَوْ بَاعَهُمْ - بِغَبْنٍ.

_________

(١) البحر الرائق ٧ / ١٦٩.

(٢) المغني ٣ / ٥٢٢ ط ٤ م ٢٧٧٧.

٢ - بَيْعُ النَّجْشِ، بِالزِّيَادَةِ فِي السِّلْعَةِ مِمَّنْ يَعْمَل لِمَصْلَحَةِ الْبَائِعِ دُونَ إِرَادَةِ الشِّرَاءِ لِيَقَعَ الْمُشْتَرِي فِي غَبْنٍ.

٣ - الْمُسْتَرْسِل (١): وَلاَ رَيْبَ فِي أَنَّ خِيَارَ الْمُسْتَرْسِل مِنْ صَمِيمِ خِيَارَاتِ الْغَبْنِ، لأَِنَّهُ لاَ تَغْرِيرَ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ، إِنَّمَا هِيَ خِيَانَةٌ طَارِئَةٌ مِنَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا رَكَنَ إِلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَتَرَكَ الْمُسَاوَمَةَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَذَ بِالْبَائِعِ لِيُجِيرَهُ مِنَ الْغَبْنِ فَأَوْقَعَهُ فِيهِ، فَهُوَ خِيَارُ غَبْنٍ حَقًّا.

وَتَلْخِيصُ مَوَاقِفِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْغَبْنِ وَاسْتِلْزَامُهُ الْخِيَارَ أَوْ عَدَمَهُ هُوَ بِالصُّورَةِ التَّالِيَةِ:

الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَرَوْنَ لِلْمَغْبُونِ خِيَارًا إِلاَّ إِذَا كَانَ مُغَرَّرًا بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ كَانَ غَبْنًا لِلْقَاصِرِ.

الْمَالِكِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ لِلْمَغْبُونِ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا كَانَ مُسْتَرْسِلًا لِبَائِعِهِ.

الشَّافِعِيَّةُ: يَقُولُونَ (فِي رَأْيٍ) بِالْخِيَارِ

الْحَنَابِلَةُ: يَقْتَصِرُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ مُسْتَرْسِلًا وَغُبِنَ.

ضَابِطُ الْغَبْنِ الْمُعْتَبَرِ، وَشَرْطُهُ:

٣ - الْغَبْنُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ شَرْعًا هُوَ الْغَبْنُ

_________

(١) المسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة. قال الإمام أحمد: المسترسل هو الذي لا يماكس، فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مماسكة ولا معرفة بغبنه. المغني ٣ / ٥٨٤.