الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 23

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

لِوُرُودِهَا بِتَحْرِيمِ الْغِشِّ، وَكِتْمَانُ الْعَيْبِ غِشٌّ - كَمَا صَرَّحَ السُّبْكِيُّ - وَذَلِكَ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ وَارِدٌ فِي قِصَّةٍ هِيَ: أَنَّهُ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَل يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَال: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَال: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُول اللَّهِ يَعْنِي الْمَطَرَ قَال: أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي (١) . وَهَذَا الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى الإِْعْلاَمِ بِالْعَيْبِ بِالْفِعْل الْمُجْزِئِ عَنْ صَرِيحِ الْقَوْل:

وَهَل يَظَل الإِْثْمُ لَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ بَعْدَ ظُهُورِهِ، ذَلِكَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّوْكَانِيُّ فِي الدُّرَرِ الْبَهِيَّةِ قَائِلًا: (إِنْ رَضِيَهُ فَقَدْ أَثِمَ الْبَائِعُ، وَصَحَّ الْبَيْعُ) (٢) .

حُكْمُ الْبَيْعِ مَعَ الْكِتْمَانِ:

٤ - الْبَيْعُ دُونَ بَيَانِ الْعَيْبِ الْمُسَبِّبِ لِلْخِيَارِ صَحِيحٌ مَعَ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ الْمُثْبِتِ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَالتَّصْرِيَةُ عَيْبٌ، وَهَاهُنَا التَّدْلِيسُ لِلْعَيْبِ وَكِتْمَانُهُ لاَ يُبْطِل الْبَيْعَ، لأَِنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ، فَلاَ

_________

(١) حديث: " من غشنا فليس منا. . . " وحديث: " من غش فليس مني. . . " أخرجهما مسلم (١ / ٩٩ - ط. الحلبي) .

(٢) الدرر البهية للشوكاني بشرح صديق حسن خان (٢ / ١١٩) .

يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِمَعْنًى فِيهِ، أَوْ لاِسْتِلْزَامِهِ أَمْرًا مَمْنُوعًا، أَمَّا هُنَا فَالْعَقْدُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَصْلًا (لاَ لِمَعْنًى فِيهِ وَلاَ لاِسْتِلْزَامِهِ مَمْنُوعًا) بَل قَدْ تَحَقَّقَ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ الْغِشُّ، وَتِلْكَ أَدْنَى مَرَاتِبِ النَّهْيِ الثَّلاَثِ فَلاَ إِثْمَ فِي الْعَقْدِ، بَل الإِْثْمُ فِي الْكِتْمَانِ، لأَِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْكِتْمَانِ لاَ عَنِ الْعَقْدِ (١) .

وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ مِنْ فِعْل الصَّحَابَةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى إِبِلًا هِيمًا (٢)، فَلَمَّا أُخْبِرَ بِعَيْبِهَا رَضِيَهَا وَأَمْضَى الْعَقْدَ (٣) .

وُجُوبُهُ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ:

٥ - وُجُوبُ الإِْعْلاَمِ بِالْعَيْبِ لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْبَائِعِ، بَل يَمْتَدُّ إِلَى كُل مَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ - وَالْقِصَّةِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَنَّهُ فَعَل ذَلِكَ حِينَ كَتَمَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ - (٤) وَالأَْحَادِيثِ الأُْخْرَى الْعَدِيدَةِ فِي وُجُوبِ النُّصْحِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا

_________

(١) تكملة المجموع ١٢ / ١١٢ - ١١٤، المغني ٣ / ٣٥٥ - ٣٥٦، ٤ / ١٠٩ م ٢٩٩٨، الدرر البهية للشوكاني ٢ / ١٢٩.

(٢) مصابة بداء كالحمى، يجعلها تعطش فلا تروى، المصباح المنير.

(٣) أثر ابن عمر أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٢١ - ط. السلفية) .

(٤) حديث واثلة تقدم هامش٤ ف٣.

مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَالنَّوَوِيُّ، وَقَال السُّبْكِيُّ: وَذَلِكَ مِمَّا لاَ أَظُنُّ فِيهِ خِلاَفًا.

وَيَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ حَيْثُ يَنْفَرِدُ الأَْجْنَبِيُّ بِعِلْمِ الْعَيْبِ دُونَ الْبَائِعِ نَفْسِهِ، أَمَّا إِنْ كَانَا يَعْلَمَانِهِ فَالْوُجُوبُ حَيْثُ يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ، أَوْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ، أَمَّا إِنْ عَلِمَ قِيَامَ الْبَائِعِ بِذَلِكَ - أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِذَلِكَ لِتَدَيُّنِهِ - فَهُنَاكَ احْتِمَالاَنِ

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْوُجُوبِ خَشْيَةَ إِيغَارِ صَدْرِ الْبَائِعِ لِتَوَهُّمِهِ سُوءَ الظَّنِّ بِهِ، وَالاِحْتِمَال الثَّانِي: وُجُوبُ الاِسْتِفْسَارِ مِنَ الْمُشْتَرِي هَل أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ.

وَوَقْتُ الإِْعْلاَمِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالأَْجْنَبِيِّ قَبْل الْبَيْعِ، لِيَكُفَّ عَنِ الشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الأَْجْنَبِيُّ حَاضِرًا، أَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَبَعْدَهُ، لِيَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (١) .

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ خِيَارِ الْعَيْبِ:

الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ خِيَارِ الْعَيْبِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ (الْمُشْتَرِي) لأَِنَّهُ رَضِيَ بِالْمُبَادَلَةِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ يَقْتَضِي سَلاَمَةَ الْمَبِيعِ عَنِ الْعَيْبِ، وَوَصْفُ السَّلاَمَةِ يَفُوتُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ، لأَِنَّ الرِّضَا دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ

_________

(١) تكملة المجموع ١٢ / ١٢٢.

الْبَيْعِ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْتَفِي الرِّضَا، فَيَتَضَرَّرُ بِلُزُومِ مَا لاَ يَرْضَى بِهِ (١) .

شَرَائِطُ خِيَارِ الْعَيْبِ:

٦ - يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُشْتَرِي بِشَرَائِطَ ثَلاَثٍ:

١ - ظُهُورُ عَيْبٍ مُعْتَبَرٍ.

٢ - أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ.

٣ - أَنْ لاَ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدِ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْعَيْبِ.

(الشَّرِيطَةُ الأُْولَى) ظُهُورُ عَيْبٍ مُعْتَبَرٍ:

٧ - الْمُرَادُ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ بُرُوزُ الْعَيْبِ وَانْكِشَافُهُ بَعْدَمَا كَانَ خَفِيًّا عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلاَ حُكْمَ لِلْعَيْبِ قَبْل ظُهُورِهِ، لأَِنَّ الْمُفْتَرَضَ أَنَّهُ خَفِيٌّ وَمَجْهُولٌ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ سَالِمًا - فِي نَظَرِهِ - حَتَّى وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا.

وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُعْتَبَرًا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِقْهًا - لاَ مُطْلَقَ الْعَيْبِ لُغَةً - وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ هُمَا:

١ - كَوْنُ الْعَيْبِ مُؤَثِّرًا فِي نَقْصِ الْقِيمَةِ أَوْ فَوَاتِ غَرَضٍ صَحِيحٍ.

٢ - كَوْنُ الأَْصْل فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعَيْبِ.

_________

(١) البدائع ٥ / ٢٧٤، والفتاوى الهندية ٣ / ٦٦ نقلا عن السراج الوهاج، العناية شرح الهداية للبابرتي ٥ / ١٥١ - ١٥٢.

الأَْمْرُ الأَْوَّل - نَقْصُ الْقِيمَةِ، أَوْ فَوَاتُ غَرَضٍ صَحِيحٍ:

٨ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الضَّابِطَ لِلْعَيْبِ: هُوَ كُل مَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَهْل الْخِبْرَةِ سَوَاءٌ نَقَّصَ الْعَيْنَ أَمْ لَمْ يُنَقِّصْهَا (١) .

وَقَدْ يُعَبِّرُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ - وَغَيْرُهُمْ - بِالثَّمَنِ بَدَل الْقِيمَةِ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَمَّا كَانَ الثَّمَنُ فِي الْغَالِبِ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ عَبَّرُوا بِهِ عَنْهَا.

وَالْعَيْبُ الْفَاحِشُ فِي الْمَهْرِ كُل مَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْجَيِّدِ إِلَى الْوَسَطِ، وَمِنَ الْوَسَطِ إِلَى الرَّدِيءِ.

وَإِنَّمَا لاَ يُرَدُّ الْمَهْرُ بِيَسِيرِ الْعَيْبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا، وَأَمَّا الْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ فَيُرَدُّ بِيَسِيرِهِ أَيْضًا (٢) .

قَال فِي " مُخْتَارِ الْفَتَاوَى ": وَالْحَدُّ الْفَاصِل فِيهِ: كُل عَيْبٍ يَدْخُل تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، بِأَنْ يُقَوِّمَهُ مُقَوِّمٌ صَحِيحًا بِأَلْفٍ، وَمَعَ الْعَيْبِ بِأَقَل، وَيُقَوِّمَهُ مُقَوِّمٌ آخَرُ مَعَ هَذَا الْعَيْبِ بِأَلْفٍ فَهُوَ يَسِيرٌ، وَمَا لاَ

_________

(١) رد المحتار ٤ / ٧٤، فتح القدير ٥ / ١٥١، العناية ٥ / ١٥٣، البدائع ٥ / ٢٧٤، وذكر أنه يستوي في الحكم أن يكون النقصان الناشئ عن العيب فاحشًا أو يسيرًا، ويقارن هذا بتفرقة المالكية بين العيب الكثير، والمتوسط، واليسير، وستأتي.، مغني المحتاج ٢ / ٥١، فتح القدير ٦ / ١١.

(٢) جامع الفصولين (١ / ٢٥٠) نقلا عن عدة المتقين للنسفي، والفتاوى الهندية (٣ / ٦٦) نقلًا عن شرح الطحاوي والبحر الرائق.

يَدْخُل تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ بِأَنِ اتَّفَقَ الْمُقَوِّمُونَ فِي تَقْوِيمِهِ صَحِيحًا بِأَلْفٍ، وَاتَّفَقُوا فِي تَقْوِيمِهِ مَعَ هَذَا بِأَقَل فَهُوَ فَاحِشٌ (١) .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لاَ يَدْخُل فِي الزَّوَاجِ، وَقَال مُحَمَّدٌ: لِلْمَرْأَةِ حَقُّ الْفَسْخِ بِعُيُوبٍ ثَلاَثَةٍ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، لأَِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُطِيقُ الْمُقَامَ مَعَ زَوْجٍ فِيهِ أَحَدُهَا، وَجَاءَ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَدَائِعِ أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيل، وَأَنَّ كُل عَيْبٍ تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ تَسْتَحِقُّ بِهِ فَسْخَ الْعَقْدِ. وَذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ إِلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الْعَيْبِ، وَلَكِنْ بِعُيُوبٍ تُخِل بِمَقْصِدِ الزَّوَاجِ كَالْعُيُوبِ الثَّلاَثَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: " نِكَاحٌ ".

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُنْقِصُ لِلْقِيمَةِ أَوِ الْعَيْنِ نُقْصَانًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَال الْمَبِيعِ عَدَمَهُ. وَقَدِ اشْتَمَل هَذَا الضَّابِطُ عَلَى الْعُنْصُرَيْنِ الْمُقَوِّمَيْنِ لَهُ فِي حِينِ خَلاَ مِنْهُ تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال السُّبْكِيُّ: إِنَّ هَذَا الضَّابِطَ يُرَجَّحُ عَنْ ضَوَابِطَ كَثِيرَةٍ أُحِيل فِيهَا عَلَى الْعُرْفِ دُونَ ضَبْطِ الْعَيْبِ، وَمُجَرَّدُ الإِْحَالَةِ عَلَى الْعُرْفِ قَدْ يَقَعُ مِنْهَا فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ إِلْبَاسٌ (٢) . وَأَنَّ اشْتِرَاطَ فَوَاتِ

_________

(١) الفتاوى الهندية (١ / ٦٦) متبوعًا بعبارة " وهذا هو المختار للفتوى ".

(٢) تكملة المجموع ١٢ / ٣٤٠.

غَرَضٍ صَحِيحٍ هُوَ لِلاِحْتِرَازِ عَنِ النَّقْصِ الْيَسِيرِ فِي فَخِذِ شَاةٍ أَوْ سَاقِهَا بِشَكْلٍ لاَ يُورِثُ شَيْئًا، وَلاَ يَفُوتُ بِهِ غَرَضُ صِحَّةِ الأُْضْحِيَّةِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ بِهَا.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ نَقْصَ الْعَيْنِ وَحْدَهُ كَافٍ وَلَوْ لَمْ تَنْقُصْ بِهِ الْقِيمَةُ، بَل زَادَتْ، وَبِالْمُقَابِل إِنَّ مِنَ الْعَيْبِ نَقْصَ الْقِيمَةِ (أَوِ الْمَالِيَّةِ بِعِبَارَةِ ابْنِ قُدَامَةَ) عَادَةً فِي عُرْفِ التُّجَّارِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ عَيْنُهُ، عَلَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ نَقِيصَةً يَقْتَضِي الْعُرْفُ سَلاَمَةَ الْمَبِيعِ عَنْهَا غَالِبًا، لأَِنَّ الْمَبِيعَ إِنَّمَا صَارَ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَمَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهَا يَكُونُ عَيْبًا (١) .

وَقَدْ ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِمَّا يُعَدُّ عَيْبًا، الْبَيْتُ الَّذِي قُتِل فِيهِ إِنْسَانٌ وَأَصْبَحَ يُوحِشُ سَاكِنِيهِ وَتَنْفِرُ نُفُوسُهُمْ عَنْهُ، وَيَأْبَى الْعِيَال وَالأَْوْلاَدُ سُكْنَاهُ وَتَتَرَاءَى لَهُمْ بِسَبَبِ تِلْكَ الْوَحْشَةِ خَيَالاَتٌ شَيْطَانِيَّةٌ مُفْزِعَةٌ مُقْلِقَةٌ. وَقَدْ جَعَلُوهُ مِمَّا يَنْفِرُ النَّاسُ عَنْهُ، وَتَقِل الرَّغْبَةُ فِيهِ، فَيُبْخَسُ ثَمَنُهُ، فَهُوَ مِنْ تَطْبِيقَاتِ نَقْصِ الْقِيمَةِ (٢) .

الأَْمْرُ الثَّانِي - كَوْنُ الأَْصْل سَلاَمَةَ أَمْثَال الْمَبِيعِ. مِنَ الْعَيْبِ:

٩ - الْمُرَادُ أَنَّ السَّلاَمَةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْعَارِضِ

_________

(١) كشاف القناع ٣ / ٢١٥، والمغني ٤ / ١١٥ م ٣٠١٠.

(٢) المعيار للونشريسي، طبعة حجرية بالمغرب ٥ / ١٨٠، والخرشي ٥ / ١٢٧.

هِيَ الأَْصْل فِي نَوْعِ الْمَبِيعِ وَأَمْثَالِهِ، أَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمَأْلُوفِ وُجُودُهُ فِي أَمْثَالِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعَدُّ عَيْبًا مُعْتَبَرًا. وَقَدِ اخْتَلَفَتْ تَعَابِيرُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الأَْمْرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ. وَقَدِ اسْتَدْرَكَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى ضَابِطِ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَائِلًا: وَقَوَاعِدُنَا لاَ تَأْبَاهُ (١) . وَضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلًا بِوُجُودِ الثُّفْل فِي الزَّيْتِ بِالْحَدِّ الْمُعْتَادِ، فَمِنْ تَعَابِيرِ الْفُقَهَاءِ فِي اعْتِمَادِ هَذَا الأَْمْرِ، لِيَكُونَ الْعَيْبُ مُعْتَبَرًا، التَّعْبِيرُ بِكَوْنِ الْغَالِبِ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ، أَوِ اقْتِضَاءُ الْعُرْفِ سَلاَمَةَ الْمَبِيعِ عَنْهُ غَالِبًا، أَوْ مَا خَالَفَ الْخِلْقَةَ الأَْصْلِيَّةَ، أَوْ أَصْل الْخِلْقَةِ، أَوِ الْخُرُوجُ عَنِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ، أَوْ مَا نَقَصَ عَنِ الْخِلْقَةِ الأَْصْلِيَّةِ أَوِ الْخَلْقِ الشَّرْعِيِّ (كَمَا يَقُول ابْنُ رُشْدٍ)، أَوْ مَا خَالَفَ الْمُعْتَادَ، أَوْ مَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْل الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ (٢) .

الرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ فِي تَحَقُّقِ ضَابِطِ الْعَيْبِ

١٠ - تَوَارَدَتْ نُصُوصُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي كَوْنِ الْعَيْبِ مُؤَثِّرًا (أَيْ مُؤَدِّيًا إِلَى نُقْصَانِ الْقِيمَةِ، وَكَوْنِ الأَْصْل فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمَهُ)

_________

(١) رد المحتار ٤ / ٧١.

(٢) بداية المجتهد ٢ / ١٧٤، مغني المحتاج ٢ / ٥١، الوجيز ٢ / ١٤٢، المكاسب ٢٦٧ نقلا عن قواعد الحلي، تذكرة الفقهاء ١ / ٥٤٠، فتح القدير ٥ / ١٥١، شرح المجلة لعلي حيدر (ترجمة الحسيني) ٢٨٤، وشرح المجلة للمحاسني ١ / ٢٦٧ " ما تقتضي النظرة السليمة أن يكون خاليًا منه ".

إِلَى أَهْل الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ. قَال ابْنُ الْهُمَامِ: وَهُمُ التُّجَّارُ، أَوْ أَرْبَابُ الصَّنَائِعِ إِنْ كَانَ الشَّيْءُ مِنَ الْمَصْنُوعَاتِ، وَقَال الْكَاسَانِيُّ: التَّعْوِيل فِي الْبَابِ عَلَى عُرْفِ التُّجَّارِ، فَمَا نَقَّصَ الثَّمَنَ (أَيِ الْقِيمَةَ) فِي عُرْفِهِمْ فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ (١) .

وَقَال الْحَطَّابُ: التَّعْوِيل فِي اعْتِبَارِ الشَّيْءِ عَيْبًا أَوْ عَدَمَهُ هُوَ عَلَى عُرْفِ التُّجَّارِ. . وَإِنْ كَانَ عَامَّةُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ التُّجَّارِ يَرَوْنَهُ، أَوْ لاَ يَرَوْنَهُ (٢) . وَلاَ شَكَّ أَنَّ ذِكْرَ التُّجَّارِ لَيْسَ تَخْصِيصًا، بَل الْمُرَادُ أَهْل الْخِبْرَةِ فِي كُل شَيْءٍ بِحَسَبِهِ.

وَهَل يُشْتَرَطُ إِجْمَاعُ أَهْل الْخِبْرَةِ عَلَى الْحُكْمِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ عَيْبًا؟ هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ التُّجَّارُ فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ عَيْبٌ، وَقَال بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَيِّنًا عِنْدَ الْكُل.

وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يُطْلَبُ هَذَا الإِْجْمَاعُ بَل التَّعَدُّدُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ عَلَى مَا نَقَل السُّبْكِيُّ عَنْ صَاحِبَيِ التَّهْذِيبِ وَالْعُدَّةِ، وَالاِكْتِفَاءُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لاَ بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ. ثُمَّ قَال: لَوِ اخْتَلَفَا هَل هُوَ عَيْبٌ وَلَيْسَ

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٧٤، الهداية وفتح القدير ٥ / ١٥٣، والفتاوى الهندية ٣ / ٦٧، والمغني ٤ / ١٣٧، والمبسوط للسرخسي ١٣ / ١٠٦، وقال: " وفي كل شيء إنما يرجع إلى أهل تلك الصنعة ".، والمجموع ١٢ / ٣٤٤.

(٢) الحطاب على خليل ٤ / ٤٣٦.

هُنَاكَ مَنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فَالْقَوْل قَوْل الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (١) .

شَرَائِطُ تَأْثِيرِ الْعَيْبِ:

١ - أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي مَحَل الْعَقْدِ نَفْسِهِ:

١١ - فَفِي الْبَيْعِ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا طَبِيعِيٌّ، فَالْعُيُوبُ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ لاَ أَثَرَ لَهَا كَالْعُيُوبِ فِي شَخْصِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، أَوِ الْعَيْبِ فِي الرَّهْنِ الْمُقَدَّمِ، أَوِ الْكَفِيل وَنَحْوِهِ. . وَضَرَبَ لَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مَثَلًا بِمَا إِذَا بَاعَ حَقَّ الْكَدَكِ (مِنْ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ فِي الْعَقَارِ) فِي حَانُوتٍ لِغَيْرِهِ فَأَخْبَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّهَا أَكْثَرُ، فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِهَذَا السَّبَبِ، لأَِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ (٢) .

٢ - أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ قَدِيمًا:

١٢ - وَالْمُرَادُ بِالْقَدِيمِ مَا قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْ حَدَثَ قَبْل الْقَبْضِ. فَالْمُقَارِنُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَدَلِيل مَا وُجِدَ قَبْل الْقَبْضِ، أَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ (٣) .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ قَدِيمًا بَل حَدَثَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلاَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، لأَِنَّهُ لِفَوَاتِ صِفَةِ

_________

(١) تكملة المجموع ١٢ / ٣٤٣ - ٣٤٤.

(٢) رد المحتار ٤ / ٧٢.

(٣) شرح الروض ٢ / ٦٠، بداية المجتهد لابن رشد ٢ / ١٧٦.