الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
لأَِحَدِ شِطْرَيِ الْعَقْدِ عَلَى الآْخَرِ (١) .
٣ - أَنْ لاَ يَنْشَأَ عَنِ الْفَسْخِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، أَيْ أَنْ يَقَعَ الْفَسْخُ عَلَى جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الصَّفْقَةِ وَيَفْسَخَ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
وَمِثْل ذَلِكَ يُقَال فِي الإِْجَازَةِ فِي الْبَعْضِ، فَيَنْشَأُ عَنْهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي اللُّزُومِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا.
وَالْمَالِكِيَّةُ يُجْبِرُونَ الْعَاقِدَ عَلَى رَدِّ الْجَمِيعِ إِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ فِي الْبَعْضِ وَرَدَّ الْبَعْضَ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ الْعَاقِدُ الشَّرِكَةَ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْخِيَارُ فَالأَْصَحُّ لاَ يَجُوزُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، أَمَّا لَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلأَِحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ (٢) .
الأَْدِلَّةُ: لِكُلٍّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أَدِلَّةٌ تَدُورُ بَيْنَ وُجُوهٍ مِنَ الْمَعْقُول وَالاِسْتِشْهَادِ بِالنَّظَائِرِ الْفِقْهِيَّةِ.
_________
(١) الشرح الكبير على المقنع ٤ / ٦٩، والمجموع ٩ / ٢٠٠، والخرشي ٥ / ١٢٠، وفتح القدير ٥ / ١٢٢.
(٢) البدائع ٥ / ٢٦٤ و٢٧٣، وفيه تعليل جيد للمنع، وتصريح بجواز هذا التفريق في المثليات، الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ١٠٢، وتذكرة الفقهاء ١ / ٥٢٢، والمجموع ٩ / ١٩٣.
انْتِقَال خِيَارِ الشَّرْطِ:
أَوَّلًا - انْتِقَال الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ:
٥٤ - ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَنْتَقِل إِلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهًا بِإِرْثِ خِيَارِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا.
وَقَدْ عَلَّل الْقَائِلُونَ بِانْتِقَال الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ مِنْ مُشْتَمِلاَتِ التَّرِكَةِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لإِصْلاَحِ الْمَال، كَالرَّهْنِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ عَلَى تَحْصِيل الثَّمَنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْقُول. فَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ ﷺ: مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ (١)، وَخِيَارُ الشَّرْطِ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ فَيَنْتَقِل إِلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِهِ كَمَا يَقْضِي الْحَدِيثُ.
ثُمَّ قَاسُوا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى خِيَارَيِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ الْمُتَّفَقِ عَلَى انْتِقَالِهِمَا لِلْوَارِثِ بِالْمَوْتِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ تِلْكَ الْخِيَارَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَيَنْتَقِل إِلَى الْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لاَ يُورَثُ، وَمِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ قَوْل الزَّيْلَعِيِّ: الْخِيَارُ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِلاَّ مَشِيئَةً وَإِرَادَةً فَلاَ يَنْتَقِل عَنْهُ كَسَائِرِ أَوْصَافِهِ.
_________
(١) حديث: " من ترك مالا أو حقا فلورثته " أورده العيني (البناية ٦ / ٢٨٣) عند مناقشته أدلة القائلين بانتقال الخيار ولم نعثر على تخريج للرواية المشتملة على كلمة (حقا) فيما لدينا من كتب السنن والآثار، وأما قوله: " من ترك مالا فلورثته " فأخرجه البخاري (١٢ / ٩ - ط. السلفية)، ومسلم (٣ / ١٢٣٧ - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.
وَاسْتَدَلُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ فَلَمْ يُورَثْ، نَظِيرُ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ إِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ. وَقَالُوا أَيْضًا: خِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ وَصْفًا بِالْمَبِيعِ حَتَّى يُورَثَ بِإِرْثِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ، فَهُوَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِشَخْصِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ فَلاَ يُورَثُ عَنْهُ، لأَِنَّ الإِْرْثَ يَجْرِي فِيمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَالْوَصْفُ الشَّخْصِيُّ لاَ يَقْبَل النَّقْل بِحَالٍ (١) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَحْدَهُمْ إِلَى التَّفْصِيل بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ بِالْخِيَارِ قَبْل مَوْتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ دُونَ أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ فِي الْخِيَارِ، بَطَل الْخِيَارُ وَلَمْ يُورَثْ، أَمَّا إِنْ طَالَبَ بِذَلِكَ قَبْل مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ. فَالأَْصْل أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إِلاَّ بِالْمُطَالَبَةِ مِنَ الْمُشْتَرِطِ (٢) .
وَقَدْ صَوَّرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَتَوْرِيثٌ مِنَ الْمُوَرِّثِ لِوَرَثَتِهِ بِإِرَادَاتِهِ، حَيْثُ جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الْعَدِيدَةِ قَوْل الْفَقِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَهْلاَنَ - شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ -: " إِذَا مَاتَ وَوَرِثَ خِيَارَهُ وَرَثَتُهُ، لِشَرْطِهِ لَهُمْ فَأَسْقَطَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ
_________
(١) المجموع ٩ / ٢٢٢، والدسوقي ٣ / ١٠٢، والقواعد لابن رجب ٣١٦، الخرشي ٤ / ٢٩، وفتح القدير ٥ / ١٢٥، والعناية ٥ / ١٢٥.
(٢) المغني ٣ / ٥١٨، الفروع لابن مفلح مع تصحيح الفروع للمرداوي ٤ / ٩١، ومنتهى الإرادات ١ / ٣٥٩، وكشاف القناع ٤ / ٢١٠ و٢٢٥، ومطالب أولي النهى ٣ / ٩٩.
خِيَارُ الْجَمِيعِ ". (١) وَقَدْ جَاءَتْ تِلْكَ الْعِبَارَةُ إِيضَاحًا وَتَقْيِيدًا لِعِبَارَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ الَّتِي جَاءَتْ مُوهِمَةً أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يُورَثُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ الأَْمْرُ كَذَلِكَ بَل يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْمُوَرِّثِ بِحَقِّ الْخِيَارِ.
وَأَمَّا ابْنُ قُدَامَةَ فَقَال: الْمَذْهَبُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَبْطُل بِمَوْتِهِ، وَيَبْقَى خِيَارُ الآْخَرِ بِحَالِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ طَالَبَ بِالْفَسْخِ قَبْل مَوْتِهِ فِيهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ (٢) .
ثَانِيًا: انْتِقَال الْخِيَارِ بِالْجُنُونِ وَحَالاَتِ الْغَيْبُوبَةِ:
٥٥ - سَبَقَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْجُنُونَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي فِقْرَةِ ٤١
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ - أَوِ الإِْغْمَاءُ - عَلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ، بَل يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَل مَا فِيهِ الأَْحَظُّ مِنَ الْفَسْخِ وَالإِْجَازَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُ خَرَسٌ - وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ - نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ (٣) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَابِلَةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ:
_________
(١) الفواكه العديدة، للمنقور ١ / ٢٣٧.
(٢) المقنع لابن قدامة، وحاشيته ٢ / ٤١، والمغني ٣ / ٤٩٤ م ٢٧٦٩، ٣ / ٥٠٣ م ٢٧٨٩، والقواعد لابن رجب ٣١٦.
(٣) المجموع ٩ / ٢٢٥.
أ - فَفِي الْجُنُونِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لاَ يَفِيقُ، أَوْ يَفِيقُ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ يَضُرُّ الاِنْتِظَارُ إِلَيْهِ بِالْعَاقِدِ الآْخَرِ، يَنْظُرُ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ فِي الأَْصْلَحِ لَهُ مِنْ إِمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ، وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى مَضَى جُزْءٌ مِنَ الْمُدَّةِ فَزَال الْجُنُونُ يُحْتَسَبُ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ لاَ يُسْتَأْنَفُ لَهُ أَجَلٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالْمَبِيعُ لاَزِمٌ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ. وَمِثْل الْمَجْنُونِ - فِي الْحُكْمِ - الْمَفْقُودُ، عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيل: هُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.
ب - وَفِي الإِْغْمَاءِ يُنْتَظَرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِكَيْ يَفِيقَ وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ، إِلاَّ إِذَا مَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ وَطَال إِغْمَاؤُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِمَا يَحْصُل بِهِ الضَّرَرُ لِلآْخَرِ فَيُفْسَخُ. وَلاَ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ.
فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ اسْتُؤْنِفَ لَهُ الأَْجَل، وَهَذَا الْحُكْمُ خِلاَفُ مَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ (١) .
هَذَا وَقَدْ يَزُول الطَّارِئُ الَّذِي نُقِل الْخِيَارُ بِسَبَبِهِ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَى غَيْرِهِ، كَالْجُنُونِ النَّاقِل لِلْخِيَارِ إِلَى السُّلْطَانِ، لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لاَ عِبْرَةَ بِمَا يَخْتَارُهُ بَل الْمُعْتَبَرُ بِمَا نَظَرَهُ السُّلْطَانُ.
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَخَالَفَهُمْ فِيهِ الشَّافِعِيَّةُ، فَفِي هَذِهِ الْحَال: لَوْ أَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلاَفُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ عَنْهُ يَنْظُرُ
_________
(١) الدسوقي ٣ / ١٠٣، الخرشي ٤ / ٢٩.
الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ الأَْمْرَ كَمَا يَقُول الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنَ الْفَسْخِ وَالإِْجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْل الْقَيِّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا، فَالْقَوْل قَوْل الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ، لأَِنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ (١) .
_________
(١) الدسوقي ٣ / ١٠٣، والمجموع ٩ / ٢٢٥ - ٢٢٦.
خِيَارُ الْعَيْبِ
التَّعْرِيفُ:
١ - (خِيَارُ الْعَيْبِ) (١) مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ (خِيَارٌ) (وَعَيْبٌ) . أَمَّا كَلِمَةُ " خِيَارٌ " فَقَدْ سَبَقَ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْخِيَارِ بِوَجْهٍ عَامٍّ بَيَانُ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَالاِصْطِلاَحِيِّ أَيْضًا.
أَمَّا كَلِمَةُ عَيْبٍ، فَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ الْفِعْل عَابَ، يُقَال: عَابَ الْمَتَاعَ يَعِيبُ عَيْبًا: أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ، وَجَمْعُهُ عُيُوبٌ وَأَعْيَابٌ. قَال الْفَيُّومِيُّ: اسْتُعْمِل الْعَيْبُ اسْمًا وَجُمِعَ عَلَى عُيُوبٍ. وَالْمَعِيبُ مَكَانُ الْعَيْبِ وَزَمَانُهُ (٢) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَلِلْفُقَهَاءِ تَعَارِيفُ مُتَعَدِّدَةٌ لِلْعَيْبِ، مِنْهَا: مَا عَرَّفَهُ بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ وَابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ: مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْل الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا (٣) . وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ: مَا نَقَصَ عَنِ
_________
(١) هذه التسمية خاصة بالجمهور، ويسمى عند المالكية خيار النقيصة في الغالب.
(٢) القاموس المحيط، وتاج العروس، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، ولسان العرب، ٢ / ١٢٤ - ١٢٥، كلها مادة: (عيب) .
(٣) حدود الفقه لابن نجيم، من مجموعة رسائله المطبوعة عقب الأشباه ١ / ٣٢٧، فتح القدير ٥ / ١٥١
الْخِلْقَةِ الطَّبِيعِيَّةِ أَوْ عَنِ الْخَلْقِ الشَّرْعِيِّ نُقْصَانًا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ (١) .
وَعَرَّفَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ: كُل وَصْفٍ مَذْمُومٍ اقْتَضَى الْعُرْفُ سَلاَمَةَ الْمَبِيعِ عَنْهُ غَالِبًا (٢) .
مَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ الْعَيْبِ:
٢ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ: فَمِنَ الْكِتَابِ: اسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (٣) وَالْوَجْهُ فِي الاِسْتِدْلاَل أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مُنَافٍ لِلرِّضَا الْمَشْرُوطِ فِي الْعُقُودِ، فَالْعَقْدُ الْمُلْتَبِسُ بِالْعَيْبِ تِجَارَةٌ عَنْ غَيْرِ تَرَاضٍ (٤) .
فَالآْيَةُ تَدُل عَلَى أَنَّ الْعَاقِدَ لاَ يَلْزَمُهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَعِيبُ، بَل لَهُ رَدُّهُ وَالاِعْتِرَاضُ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ طَرِيقَةِ الرَّدِّ وَالإِْصْلاَحِ لِذَلِكَ الْخَلَل فِي تَكَافُؤِ الْمُبَادَلَةِ (٥) .
وَمِنَ السُّنَّةِ: عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلاَمًا، فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ، فَقَال الْبَائِعُ: غَلَّةُ عَبْدِي، فَقَال
_________
(١) بداية المجتهد ٢ / ١٧٣.
(٢) الوجيز ٢ / ١٤٢.
(٣) سورة النساء / ٢٩.
(٤) الإيضاح للشماخي ٣ / ١٣١.
(٥) بداية المجتهد ٢ / ١٧٣.
النَّبِيُّ ﷺ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ وَفِي رِوَايَةٍ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (١) . وَاسْتَدَل الْكَاسَانِيُّ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ خِيَارِ الْعَيْبِ (٢) .
وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عَدَمُ حُصُول الْمَبِيعِ السَّلِيمِ، لأَِنَّهُ بَذَل الثَّمَنَ لِيُسَلَّمَ لَهُ مَبِيعٌ سَلِيمٌ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ ذَلِكَ (٣) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِثْبَاتُ النَّبِيِّ الْخِيَارَ بِالتَّصْرِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالْعَيْبِ (٤) .
وُجُوبُ الإِْعْلاَمِ بِالْعَيْبِ، وَأَدِلَّتُهُ:
٣ - وُجُوبُهُ عَلَى الْعَاقِدِ:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ إِعْلاَمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ الَّذِي فِي مَبِيعِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارٌ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَبِّبًا لِلْخِيَارِ فَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَيْسَ مِنَ التَّدْلِيسِ الْمُحَرَّمِ كَمَا قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ هَؤُلاَءِ بِأَنَّ
_________
(١) حديث عائشة: أخرجه أحمد (٦ / ٨٠ ط. الميمنية)، وأخرج اللفظ الثاني أبو داود (٣ / ٧٨٠ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وصححه ابن القطان كما في التلخيص الحبير (٣ / ٢٢ - ط. شركة الطباعة الفنية.
(٢) بدائع الصنائع ٥ / ٢٧٤، وحديث المصراة أخرجه مسلم (٣ / ١١٥٨ - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة، ونصه: " من اشترى شاة مصراة، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها، ورده معها صاعًا من تمر ".
(٣) تكملة المجموع للتقي السبكي ١٢ / ١١٦ - ١١٧.
(٤) المغني ٤ / ١٠٩ م ٢٩٩٩.
الإِْعْلاَمَ بِالْعَيْبِ مَطْلُوبٌ عَلَى سَبِيل الْوُجُوبِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا - (١) وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْجَدُّ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِل وَتَحْرِيمُهُ مَعْرُوفٌ (٢) .
وَدَل عَلَى هَذَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ، مِنْهَا:
حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﵁ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلاَ يَحِل لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إِلاَّ بَيَّنَهُ لَهُ (٣) .
وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَْسْقَعِ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ يَحِل لأَِحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إِلاَّ يُبَيِّنُ مَا فِيهِ، وَلاَ يَحِل لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلاَّ بَيَّنَهُ (٤) .
وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى تَشْهَدُ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ
_________
(١) رد المحتار ٥ / ٤٧، المغني ٤ / ١٠٩ م ٢٩٩٨، تكملة المجموع ١٢ / ١١٠، ١١٢.
(٢) المقدمات ص / ٥٦٩، الدسوقي ٣ / ١١٩، معالم القربة في الحسبة لابن الأخوة ١١٣، ١٣٥، ١٥٣، الدرر البهية للشوكاني ٢ / ١١٩، كفاية الطالب ٢ / ١٢١.
(٣) حديث عقبة بن عامر: " المسلم أخو المسلم " أخرجه ابن ماجه (٢ / ٧٥٥ - ط. الحلبي)، والحاكم (٢ / ٨ - ط. دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٤) حديث واثلة: " لا يحل لأحد يبيع شيئًا إلا يبين ما فيه " أخرجه أحمد (٣ / ٤٩١ - ط. الميمنية)، وقال الشوكاني: " في إسناده أبو جعفر الرازي وأبو سباع، والأول مختلف فيه، والثاني قيل إنه مجهول "، كذا في نيل الأوطار (٥ / ٢٣٩ - ط. الحلبي) .