الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 17

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

قَال فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الإِْمَامِ: لاَ يَكُونُ الْخِيَارُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، بَلَغَنَا عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً (١) فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ: إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. (٢) فَجَعَل أَبُو حَنِيفَةَ الْخِيَارَ كُلَّهُ عَلَى قَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ.

وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُول: (الْخِيَارُ جَائِزٌ شَهْرًا كَانَ أَوْ سَنَةً وَبِهِ نَأْخُذُ (٣» . وَنَحْوُهُ مُسْتَنَدُ الشَّافِعِيِّ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ قَال الشَّافِعِيُّ: الأَْصْل فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلاَثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَل لَحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلاَثٍ فِيمَا ابْتَاعَ، انْتَهَيْنَا إِلَى مَا قَال ﷺ. (٤)

كَمَا احْتَجُّوا لَهُ مِنَ الْمَعْقُول بِأَنَّ الْخِيَارَ مُنَافٍ

_________

(١) المراد بالمحفلة، وهي المصراة وهي الشاة التي لم تحلب أيامًا، ليجتمع اللبن في ضرعها للبيع - مختار الصحاح.

(٢) حديث: " من اشترى شاة محفلة. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١١٥٨ ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة، بلفظ: " من اشترى شاة مصراة، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها، ورد معها صاعًا من تمر ".

(٣) اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، لأبي يوسف ١٦، جامع الفصولين ١ / ٣٢٩.

(٤) نصب الراية ٤ / ٦ نقلا عن معرفة السنن للبيهقي، ولم يدع ابن حزم فرصة التنديد بأبي حنيفة لأنه احتج بحديث المصراة في التحديد بالثلاث ثم لم يأخذ بخيار التصرية (إحكام الأحكام ٣ / ٩٩) .

لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَدْ جَازَ لِلْحَاجَةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْقَلِيل مِنْهُ، وَآخِرُ الْقِلَّةِ ثَلاَثٌ، وَاحْتَجَّ بِمِثْل ذَلِكَ النَّوَوِيُّ بَعْدَمَا أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ حِبَّانَ (١) .

الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلاَثِ:

١٦ - إِذَا زَادَتْ مُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَدَى هَذَا الْفَرِيقِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِل بِالتَّحْدِيدِ بِهَا، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَبَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ لاَ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، بَل فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ، لأَِنَّ الْمَجْلِسَ ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ، لاَ لِفَاسِدٍ، لِوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ دَائِمًا.

غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ شَرْطِ الْخِيَارِ الزَّائِدِ عَنِ الثَّلاَثِ - أَوْ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ - يُصَحِّحُ الْعَقْدَ، وَلَوْ حَصَل ذَلِكَ الإِْسْقَاطُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَمْضِ الأَْيَّامُ الثَّلاَثَةُ. وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ زُفَرُ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزَّائِدِ لاَ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ لأَِنَّ

_________

(١) المجموع ٩ / ١٩٠، وقد جاء في البدائع ٥ / ١٧٤ مناقشة مبنية على خلاف أبي حنيفة وصاحبيه في جواز الزيادة على الثلاث اعتمد فيها على النص في الحديث على الثلاث.، كما أطال ابن الهمام في الفتح ٥ ٠ في الاستدلال للتحديد بالثلاث بما مداره أن الخيار شرع مقيدًا بالثلاث يقصد حديث حبان وقد سبق ما فيه.

الْبَقَاءَ عَلَى حَسَبِ الثُّبُوتِ. (١)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الصُّوَرِ الْمُفْسِدَةِ: - اشْتِرَاطَ مُشَاوَرَةِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ بِأَمَدٍ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْعَقَارِ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَعَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُحَدَّدَةَ لِلْعَقَارِ أَقْصَاهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ يَوْمًا.

- اشْتِرَاطَ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُدَّةِ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِكَثِيرٍ، أَمَّا لَوْ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ فَلاَ يَضُرُّ. (٢)

الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ:

١٧ - فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْمُدَّةِ تَتَّجِهُ الْمَذَاهِبُ إِلَى أَرْبَعَةِ اتِّجَاهَاتٍ: بُطْلاَنِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ - بُطْلاَنِ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ - صِحَّةِ الْعَقْدِ وَتَعْدِيل الشَّرْطِ - صِحَّةِ الْعَقْدِ وَبَقَاءِ الشَّرْطِ بِحَالِهِ.

أ - بُطْلاَنُ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادُهُ، فَالْبُطْلاَنُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى فَسَادِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَ الْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ أَوِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْحَصَادِ

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ١٧٨، وفتح القدير ٥ ٠ - ٥٠١، والمجموع شرح المهذب ٩ / ١٩٠ و١٩٤، الفتاوى الهندية ٣ / ٣٩، البدائع ٥ / ٣٠٠، والبحر الرائق ٦ / ٦، والمبسوط ١٣ / ٦٣، المحيط البرهاني مخطوط (ورقة ٧٦٥) .

(٢) الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي ٣ / ٩٤ - ٩٥، والخرشي ٤ / ٢١.

مَثَلًا، كَمَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخِيَارِ الْمُفْسِدِ لَوْ أَبْطَل خِيَارَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ، أَوْ سَقَطَ بِسَبَبٍ مَا وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي الأَْيَّامِ الثَّلاَثَةِ التَّالِيَةِ لِلْعَقْدِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ (خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ الْمُشْتَرِطِ حُصُول ذَلِكَ قَبْل مُضِيِّ الأَْيَّامِ الثَّلاَثَةِ) انْقَلَبَ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَ الْجَمِيعِ - بَل لَوْ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ - لِحَذْفِ الْمُفْسِدِ قَبْل اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ لأَِنَّهُمَا يُجِيزَانِ الزِّيَادَةَ عَنِ الثَّلاَثَةِ. (١)

ب - بُطْلاَنُ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لأَِحْمَدَ وَمَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى

ج - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَتَعْدِيل الشَّرْطِ، فَالْخِيَارُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُؤَبَّدُ هُنَا يُخَوِّل الْقَاضِي تَحْدِيدَ الْمُدَّةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي الْعَادَةِ لاِخْتِبَارِ مِثْل السِّلْعَةِ الَّتِي هِيَ مَحَل الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ الْخِيَارَ مُقَيَّدٌ فِي الْعَادَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَا حُمِل عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ (٢) .

وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ إِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلاَثًا، لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ (٣) .

د - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الشَّرْطِ بِحَالِهِ: فَيَبْقَى الْخِيَارُ مُطْلَقًا أَبَدًا كَمَا نَشَأَ حَتَّى يَصْدُرَ

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ١٧٤ و١٧٨، والفتاوى الهندية ٣ / ٣٨ - ٣٩، والمجموع ٩ / ١٩١، والمغني لابن قدامة ٣ / ٥٢٧، والمقنع ٢ / ٣٥.

(٢) المقدمات ٢ / ٥٦٠.

(٣) الاختيارات، لعلاء الدين البعلي ص٧٤.

مَا يُسْقِطُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَقَوْلٌ لأَِحْمَدَ (١) .

تَأْبِيدُ الْخِيَارِ:

١٨ - مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ فِي الْبَيْعِ بِأَنْ قَال (أَبَدًا) أَوْ (أَيَّامًا) (٢) .

التَّوْقِيتُ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ:

١٩ - مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَقُدُومِ فُلاَنٍ، وَمَوْتِ فُلاَنٍ، وَوَضْعِ الْحَامِل وَنَحْوِهِ. أَوْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً، كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ. (٣)

ثَالِثًا - شَرِيطَةُ الاِتِّصَال، وَالْمُوَالاَةِ

٢٠ - الْمُرَادُ بِالاِتِّصَال أَنْ تَبْدَأَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ فَوْرِ إِبْرَامِ الْعَقْدِ، أَيْ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَرَاخَى عَنْهُ، فَلَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ تَبْدَأُ مِنَ الْغَدِ، أَوْ تَبْدَأُ مَتَى شَاءَ. . أَوْ

_________

(١) المغني ٣ / ٥٢٧، والمقنع ٢ / ٣٥.

(٢) البدائع ٥ / ١٧٤ و١٥٧، والفتاوى الهندية ٣ / ٣٨، البحر الرائق ٦ / ٥.

(٣) البدائع ٥ / ١٧٤، الخرشي على خليل ٤ / ٢١ وقال: يستمر العقد لو أسقط الشرط، الدسوقي على الشرح الكبير ٣ / ٩٤، شرح الروض لزكريا الأنصاري ٢، والبحر ٦ / ٥ نقلا عن التتارخانية.

شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ، فَسَدَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْتَضَى هُنَا: حُصُول آثَارِهِ مُبَاشَرَةً. هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، قَال النَّوَوِيُّ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ. لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنِ الْعَقْدِ) (١) لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُبْطِلُونَ هَذَا الْعَقْدَ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ نَظَرًا لِذَهَابِهِمْ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ مُنْعَقِدٌ وَيَحْتَمِل بَعْضُهُ التَّصْحِيحَ، وَسَبِيل ذَلِكَ هُنَا اعْتِبَارُ الْمُدَّةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ مَبْدَأِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ مَشْمُولَةً بِالشَّرْطِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ، مِثْل مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَاشْتَرَطَ خِيَارَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ (الْيَوْمُ الآْخِرُ مِنْ رَمَضَانَ وَالْيَوْمَانِ مِمَّا بَعْدَهُ) .

وَهَكَذَا يُحْمَل كَلاَمُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْمُدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ وَمَا بَعْدَهَا. أَمَّا إِذَا كَانَ الاِشْتِرَاطُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَمْل عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ بِإِرَادَةِ كُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ وَبِإِرَادَةِ الْقَاضِي، وَمِثَالُهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَا لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَهُ كَذَا يَوْمًا مِمَّا بَعْدَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ (٢) .

_________

(١) المجموع للنووي ٩ / ١٩١، والبدائع ٥ / ٣٠٠، والمغني ٣ / ٥٠٢.

(٢) الفتاوى الهندية ٣ / ٣٩، (نقلا عن فتاوى قاضيخان ٢ / ١٨٣)، والبحر الرائق ٦ / ٥.

٢١ - وَيَتْبَعُ شَرِيطَةَ الاِتِّصَال شَرِيطَةٌ أُخْرَى يُمْكِنُ تَسْمِيَتُهَا " الْمُوَالاَةَ " لأَِنَّ الْمُرَادَ بِهَا: تَتَابُعُ أَجْزَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِمُدَّةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ عَلَى أَنَّهُ يَوْمًا يَثْبُتُ وَيَوْمًا لاَ يَثْبُتُ فَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا - وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ -: الصِّحَّةُ فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل، لإِمْكَانِهِ، وَالْبُطْلاَنُ فِيمَا بَعْدَهُ، لأَِنَّ الْعَقْدَ إِذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَعُدْ إِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ.

وَالْوَجْهُ الآْخَرُ: (احْتِمَال) بُطْلاَنِ الشَّرْطِ كُلِّهِ، لأَِنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ تَنَاوَل الْخِيَارَ فِي أَيَّامٍ، فَإِذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ جَمِيعُهُ (١) .

رَابِعًا - تَعْيِينُ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ:

٢٢ - مُسْتَحِقُّ الْخِيَارِ أَوْ صَاحِبُ الْخِيَارِ: هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يَكُونُ إِلَيْهِ اسْتِعْمَال الْخِيَارِ وَمُمَارَسَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُشْتَرِطَهُ أَوْ خُوِّل إِلَيْهِ مِنَ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَرَفًا فِي الْعَقْدِ أَمْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَلاَ يَصِحُّ تَطَرُّقُ الْجَهَالَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ، فَلَوِ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لأَِحَدِهِمَا لاَ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنَا هَل هُوَ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِشَخْصٍ مَا يُعَيِّنُهُ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَعْدُ، أَوْ لِمَنْ يَشَاءُ أَحَدُهُمَا، فَهَذَا كُلُّهُ فِيهِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ.

_________

(١) المغني ٣ / ٥٢٨.

وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ وَلأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ. لِذَا كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ تَعْيِينًا مُشَخَّصًا أَهُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُهُ بِالذَّاتِ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ الاِكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الصِّفَةِ (مَثَلًا) كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لأَِحَدِ التُّجَّارِ أَوِ الْخُبَرَاءِ دُونَ تَحْدِيدٍ. وَقَال النَّوَوِيُّ: (لَوْ يُشْرَطُ الْخِيَارُ لأَِحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلاَنِ، الأَْصَحُّ: الصِّحَّةُ) (١) .

مَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ:

٢٣ - خِيَارُ الشَّرْطِ لاَ يَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا وُقُوعُ خِيَارِ الشَّرْطِ هِيَ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الْقَابِلَةُ لِلْفَسْخِ، لأَِنَّ فَائِدَتَهُ إِنَّمَا تَظْهَرُ فِيهَا فَقَطْ. أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ فَهِيَ بِمَا تَتَّصِفُ بِهِ مِنْ طَبِيعَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ لاَ فَائِدَةَ لاِشْتِرَاطِ خِيَارٍ فِيهَا. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَقْبَل الْفَسْخَ فَيَتَعَذَّرُ قِيَامُ الْخِيَارِ فِيهَا، لأَِنَّهُ يُنَاقِضُ طَبِيعَتَهَا.

وَالْبَيْعُ هُوَ الْمَجَال الأَْسَاسِيُّ لِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَجَرَيَانُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ اتِّفَاقِيٌّ، لأَِنَّهُ هُوَ الْعَقْدُ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَالْبَيْعُ عَقْدٌ لاَزِمٌ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ (بِطَرِيقِ الإِْقَالَةِ) فَهُوَ يَقْبَل

_________

(١) المغني ٣ / ٤٩٩ م ٢٧٨٠، والمجموع ٩ / ٢٠٧، وقال النووي: له شرط الخيار لأحدهما دون الآخر ففي صحة البيع قولان: الأصح: الصحة.

الْفَسْخَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. بَل يَدْخُل الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْهِدَايَةِ لِلْمَرْغِينَانِيِّ، كَمَا لاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَيْعِ بَيْعَ مُسَاوَمَةٍ، أَوْ بَيْعَ أَمَانَةٍ كَالْمُرَابَحَةِ وَأَخَوَاتِهَا (١) .

أَمَّا الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنَ الْبَيْعِ فَهِيَ: السَّلَمُ، وَالصَّرْفُ، وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِقَوْلِهِ: كُل بَيْعٍ قَبْضُ عِوَضِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (٢) . وَهِيَ عُقُودٌ يُبْطِلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ إِنْ لَمْ يَحْصُل إِسْقَاطُهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْل التَّفَرُّقِ (٣) .

وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ مُخِلٌّ بِالضَّابِطِ، وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي الْعَقْدِ اللاَّزِمِ الْمُحْتَمَل الْفَسْخَ، فَهُمَا - أَيِ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ - كَذَلِكَ (٤) .

وَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ فِي السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ (٥) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (سَلَمٌ)، (صَرْفٌ) .

وَيَجْرِي خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الإِْجَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَيَّدُوا

_________

(١) الهداية ٥ / ٣٦٧ بهامش الفتح.

(٢) المقنع وحواشيه ٢ / ٣٥.

(٣) البدائع ٥ / ٢٠١.

(٤) حواشي ابن عابدين على البحر ٦ / ٤، البدائع ٥ / ٢٠١، المبسوط ١٤ / ٢٤، المقنع وحواشيه ٢ / ٣٥، المجموع ٩ / ١٩٢، المغني ٣ / ٥٣١.

(٥) المدونة ١٠ / ٢١، والمواق ٤ / ٤٢٢، والمقدمات لابن رشد ٢ / ١٩٠.

الْخِيَارَ بِالإِْجَارَةِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ، أَمَّا الإِْجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَيَدْخُلُهَا الْخِيَارُ إِذَا كَانَتْ لِمُدَّةٍ غَيْرِ تَالِيَةٍ لِلْعَقْدِ.

أَمَّا إِنْ كَانَتْ لِمُدَّةٍ تَبْدَأُ مِنْ فَوْرِ الْعَقْدِ فَلاَ يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا، لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ، أَوْ إِلَى اسْتِيفَائِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكِلاَهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي وَجْهٍ لِلْحَنَابِلَةِ: تَجُوزُ فِي الْمُدَّةِ التَّالِيَةِ لِلْعَقْدِ أَيْضًا، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَنَافِعِ (١) .

وَالْحَوَالَةُ: اخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الأَْوَّل: تَقْبَلُهُ، وَعَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْحَنَابِلَةِ - كَمَا ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ - فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْحَوَالَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُحَال، وَالْمُحَال عَلَيْهِ - وَهُمَا اللَّذَانِ يَجِبُ رِضَاهُمَا فِي عَقْدِهَا - أَمَّا الْمُحِيل - وَرِضَاهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الأَْصَحِّ - فَلَيْسَ لَهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ أَصَالَةً أَيْ بِاعْتِبَارِهِ طَرَفًا فِي الْعَقْدِ، أَمَّا إِنِ اشْتَرَطَ لَهُ كَمَا يَشْتَرِطُ الأَْجْنَبِيُّ مِنْ قِبَل أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، بِأَنِ اشْتَرَطَهُ لَهُ الْمُحَال أَوِ الْمُحَال عَلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَلَكِنْ تُطَبَّقُ أَحْكَامُ الاِشْتِرَاطِ لأَِجْنَبِيٍّ، وَهِيَ ثُبُوتُهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ فَيَكُونُ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِطِ. وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ قَبُول الْحَوَالَةِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْعِوَضُ.

الثَّانِي: عَدَمُ قَبُول الْحَوَالَةِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَهُوَ

_________

(١) البدائع ٥ / ٢٠١، والمجموع ٩ / ١٩٢، والمغني ٣ / ٥٣١.