الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠ الصفحة 12

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠

حَلاَلًا وَحَرَامًا فَغَلَبَ التَّحْرِيمُ، لأَِنَّ الصَّفْقَةَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهَا فِي جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ فِي الْكُل.

وَمُسْتَنَدُ الصِّحَّةِ فِي الْجُزْءِ: أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمٌ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، وَلأَِنَّ جَائِزَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا قَدْ صَدَرَ فِيهِ الْبَيْعُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ بِشَرْطِهِ فَصَحَّ، وَالْبَيْعُ سَبَبٌ اقْتَضَى الْحُكْمَ فِي مَحَلَّيْنِ وَامْتَنَعَ حُكْمُهُ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِحُّ فِي الآْخَرِ (١) .

مُوجِبُ خِيَارَاتِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ:

٥ - يَنْحَصِرُ اسْتِعْمَال الْخِيَارِ فِي الإِْجَازَةِ وَالْفَسْخِ، فَيُنْظَرُ اخْتِيَارُهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلاَ إِشْكَال فِي اسْتِرْدَادِهِ الثَّمَنَ كُلَّهُ، أَمَّا إِذَا اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي فَكَمْ يَدْفَعُ؟ هَل كُل الثَّمَنِ - وَفِيهِ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ - بِنَاءً عَلَى إِلْحَاقِ الطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ.

أَمْ يَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ - وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ - لأَِنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَدْ قَابَل الْمَبِيعَيْنِ (أَوْ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ الْوَاحِدِ) مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَال الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ أَوِ اسْتِحْقَاقِهِ. (٢)

وَيَنْشَأُ تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ الْمُسْتَوْجِبُ خِيَارًا - فِي

_________

(١) المغني ٤ / ٢١٢ - ٢١٣.

(٢) المجموع شرح المهذب ٩ / ٣٨٦ - ٣٨٧، المغني ٤ / ٣٣١.

كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْيَانِ - عَنْ خِيَارِ الْعَيْبِ، وَعِنْدَمَا يُؤْثِرُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. لَكِنَّ الشَّارِعَ يَمْنَعُ ذَلِكَ تَفَادِيًا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.

وَقَدْ فَصَّل الْكَاسَانِيُّ الْحَالاَتِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنِ الرَّدِّ لِلْمَعِيبِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهَا جَمِيعَهَا الْمَنْعُ بِاسْتِثْنَاءِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ زُفَرَ (١) . -

٦ - وَلِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَكِنَّ طَابَعَ الْخِيَارَاتِ يَبْرُزُ فِي صُورَتَيْنِ، هُمَا: صُورَةُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (وَفِي حُكْمِهِ: انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ قَبْل الْقَبْضِ) .

وَصُورَةُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَمِنْ صُوَرِهِ انْقِطَاعُ بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ مَحِل الأَْجَل) .

أَوَّلًا: خِيَارُ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ:

٧ - الاِسْتِحْقَاقُ (فِي عَقْدِ الْبَيْعِ) هُوَ ظُهُورُ كَوْنِ الْمَبِيعِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقٌ كُلِّيٌّ أَوْ جُزْئِيٌّ.

فَالاِسْتِحْقَاقُ الْكُلِّيُّ (وَهُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ كُلِّهِ) يَجْعَل الْعَقْدَ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ،

_________

(١) البدائع ٥ / ٢٨٧، وبداية المجتهد ٢ / ١٧٨ - ١٧٩.

وَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِظُهُورِ الاِسْتِحْقَاقِ وَلاَ بِالْقَضَاءِ بِهِ، بَل يَظَل مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، بِحَيْثُ لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ، أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ، عَلَى مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (١) .

أَمَّا الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ فَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ هُوَ الْجُزْءُ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ.

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِسْتِحْقَاقَ الْجُزْئِيَّ إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ قَبْل الْقَبْضِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ: فَإِذَا اسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْل الْقَبْضِ - وَالْمُرَادُ قَبْضُ الْكُل، فَلاَ عِبْرَةَ بِقَبْضِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقْبَضْ - فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُل الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ، أَمَّا الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُوجِبُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ لاَ يُوجِبُ.

وَالْوَجْهُ فِي بُطْلاَنِ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ: التَّبَيُّنُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ

_________

(١) أحكام الاستحقاق (الكلي) يرجع إلى فتح القدير والعناية ٥ / ٣٠٤، ٣٠٥، ورد المحتار ٥ / ١٩٠ - ٢٠٨ (ط٢ الحلبي) .

الْبَائِعِ، وَلَمَّا لَمْ تُوجَدَ الإِْجَازَةُ مِنَ الْمَالِكِ - وَتَلاَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمُشْتَرِي لِلثَّمَنِ - انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.

أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي فَلِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْل التَّمَامِ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الرِّضَا بِالْقَبْضِ - وَهُوَ لَمْ يَحْصُل - فَكَانَ ظُهُورُ الاِسْتِحْقَاقِ قَبْل الْقَبْضِ مُفَرِّقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْل تَمَامِهَا فَلَهُ خِيَارُ الرَّدِّ. (١)

وَإِذَا ظَهَرَ الاِسْتِحْقَاقُ الْجُزْئِيُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، كَانَ حُكْمُ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مُمَاثِلًا لِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَيَفْتَرِقُ حُكْمُهُ بِحَسَبِ كَوْنِ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّبُ بِالاِسْتِحْقَاقِ أَوْ لاَ.

فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا، كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، كَمِصْرَاعَيِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ يَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْبَاقِي، لأَِنَّ الاِسْتِحْقَاقَ أَوْجَبَ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، هُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ فِي الأَْعْيَانِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدَّارَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْمَكِيلاَتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ، كَصُبْرَةِ قَمْحٍ، أَوْ جُمْلَةِ وَزْنِيٍّ فَإِنَّ

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٨٨، فتح القدير ٥ / ١٧٦ - ١٧٧، رد المحتار ٤ / ٩٠، المبسوط ١٣ / ١٠٢، العناية شرح الهداية ٥ / ١٧٦ - ١٧٧.

اسْتِحْقَاقَ الْبَعْضِ لاَ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا بَل يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، لأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِي التَّبْعِيضِ. وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ، دَفْعًا لِضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ. (١)

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ صُورَتَهَا فِي قَوْلِهِ: " إِنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ، ثُمَّ تَقَايَلاَ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلاَنَ الإِْقَالَةِ، وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنَ الأَْرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرَسَ نَخْلَةٍ مِنَ النَّخْل الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ.

فَهَل يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِهَا، وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ، فَهَل يَمْنَعُ خِيَارَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرَسُ الْمَذْكُورُ وَإِعْطَائِهَا لَهُ، أَوْ إِعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إِيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لاَ؟ " وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ، لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرَسِ (غَيْرُ الْبَائِعِ) هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ خِيَارُهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَمَّا الْخَفِيُّ فَهُوَ مَا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَغْرَسَ، وَلَمَّا عُلِمَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهَبَهُ لَهُ - أَوْ أَعْرَض عَنْهُ - فَهَذَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ. وَعَلَى هَذَا دَلاَلاَتٌ مِنْ نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ (٢) .

_________

(١) بدائع الصنائع ٥ / ٢٨٩، فتح القدير ٥ / ١٧٦.

(٢) الفتاوى الكبرى ٢ / ٢٤٢ - ٢٤٦.

ثَانِيًا: خِيَارُ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ:

٨ - فِي الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قَبْل الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَالرَّدِّ، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَالاَتِ الْهَلاَكِ الْمُتَنَوِّعَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّبَبِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ كَيْفِيَّةُ الإِْمْضَاءِ (بَعْدَ اسْتِبْعَادِ حَالَةِ هَلاَكِهِ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ حَيْثُ يَسْتَوِي حُكْمُهَا وَحُكْمُ الْهَلاَكِ الْكُلِّيِّ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَتَضْمِينِ الْمُتَعَدِّي أَوِ الْفَسْخِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الأَْجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ) وَالتَّفَاوُتُ فِي الْحُكْمِ ذُو حَالَتَيْنِ: الْهَلاَكُ بِفِعْل الْبَائِعِ، وَفِيهَا يَسْقُطُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرُ النَّقْصِ، سَوَاءٌ كَانَ نَقْصَ قَدْرٍ، أَوْ نُقْصَانَ وَصْفٍ. وَالْهَلاَكُ بِسَبَبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ بِفِعْل الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَيْثُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ. فَمَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، يُطْرَحُ مِنَ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْفَائِتِ إِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْقَدْرِ. أَمَّا إِنْ كَانَ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ " وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ مَا يَدْخُل تَحْتَ الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرٍ كَالأَْشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الأَْرْضِ، وَالأَْطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ " (١) .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، قَبْل الْقَبْضِ، يُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلاَ خِلاَفٍ.

أَمَّا فِي الْبَاقِي فَلَهُمْ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ

_________

(١) رد المحتار ٤ / ٤٦، بدائع الصنائع ٥ / ٢٣٩.

عَلَى الْخِلاَفِ فِيمَنْ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ مَا يَحْدُثُ قَبْل الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَال الْعَقْدِ فِي إِبْطَال الْعَقْدِ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيِ الْفَسَادِ هُنَاكَ.

فَإِذَا قِيل بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِي الْبَاقِي، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ قِسْطُ الْبَاقِي، لأَِنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَابَل الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَال الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلاَ يَتَغَيَّرُ بِهَلاَكِ بَعْضِهِ.

هَذَا إِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الآْخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلاَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَأَوْلَى بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَإِذَا قِيل بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ، فَهَل لَهُ الْفَسْخُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ، وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ إِنْ كَانَ سَلَّمَهُ، وَأَصَحُّهُمَا لاَ، بَل عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ.

وَقَدْ عَلَّل الشَّافِعِيَّةُ حَجْبَ الْخِيَارِ عَنِ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ.

وَمِمَّا لَهُ حُكْمُ تَلَفِ بَعْضِ الصَّفْقَةِ، مَا لَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَل، وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، قَال النَّوَوِيُّ: " فَإِذَا قُلْنَا: لَوِ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ كَانَ

الْمُسْلِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ. وَهَل لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالإِْجَازَةُ فِي الْبَاقِي؟ فِيهِ قَوْلاَنِ (١) .

خِيَارُ التَّفْلِيسِ

انْظُرْ: إِفْلاَسٌ

خِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ

انْظُرْ: بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ

خِيَارُ التَّوْلِيَةِ

انْظُرْ: تَوْلِيَةٌ

_________

(١) المجموع شرح المهذب ٩ / ٣٨٣، ٣٨٦ - ٣٨٧.

خِيَارُ الرُّؤْيَةِ

التَّعْرِيفُ:

١ - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً فِي مُصْطَلَحِ: " خِيَارٌ " بِوَجْهٍ عَامٍّ.

أَمَّا لَفْظُ (الرُّؤْيَةِ) مِنَ الْمُرَكَّبِ الإِْضَافِيِّ (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) فَهُوَ مَصْدَرٌ لِفِعْل رَأَى يَرَى وَمَعْنَاهُ لُغَةً: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ وَبِالْقَلْبِ. (١)

أَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ اصْطِلاَحًا: فَهُوَ حَقٌّ يَثْبُتُ بِهِ لِلْمُتَمَلِّكِ الْفَسْخُ، أَوِ الإِْمْضَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَحَل الْعَقْدِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ، وَالإِْضَافَةُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ إِضَافَةِ السَّبَبِ إِلَى الْمُسَبَّبِ أَيْ خِيَارٌ سَبَبُهُ الرُّؤْيَةُ (٢) .

وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ نَظَرًا لِلْعَاقِدِ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَى شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ، فَرُبَّمَا لاَ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُ، فَقَدْ أَبَاحَ لَهُ الشَّارِعُ مُمَارَسَةَ حَقِّ الْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِهِ أَوِ الاِسْتِمْرَارِ فِيهِ، وَهَكَذَا لاَ يَحْتَاجُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إِلَى اشْتِرَاطٍ عِنْدَ جُمْهُورِ

_________

(١) المصباح المنير، والمغرب، والقاموس المحيط مادة: " رأى ".

(٢) رد المحتار ٤ / ٢٢، فتح القدير ٥ / ١٣٧، البحر الرائق ٦ / ١٨.

الْقَائِلِينَ بِهِ، إِلاَّ الْمَالِكِيَّةَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ خِيَارٌ إِرَادِيٌّ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ أَحْيَانًا تَصْحِيحًا لَهُ.

وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ - بِالرَّغْمِ مِنْ سَلْكِهِ فِي عِدَادِ خِيَارَاتِ الْجَهَالَةِ - هُوَ مِنَ الْخِيَارَاتِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا إِتَاحَةُ الْمَجَال لِلْعَاقِدِ لِيَتَرَوَّى وَيَنْظُرَ هَل الْمَبِيعُ صَالِحٌ لِحَاجَتِهِ أَمْ لاَ؟

خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْمَذَاهِبُ فِيهِ:

٢ - الْقَوْل بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إِيجَابًا أَوْ نَفْيًا مُرْتَبِطٌ كُل الاِرْتِبَاطِ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ صِحَّةً وَفَسَادًا.

وَمِنَ الضَّرُورِيِّ التَّعْجِيل بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِمُ (الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ) فَالْمُرَادُ خُصُوصُ غَيْبَتِهَا عَنِ الْبَصَرِ بِحَيْثُ لَمْ تَجْرِ رُؤْيَتُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ غَائِبَةً أَيْضًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ حَاضِرَةً فِيهِ لَكِنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنْ عَيْنِ الْعَاقِدِ، فَهِيَ تُسَمَّى غَائِبَةً فِي كِلْتَا الْحَالَيْنِ، وَيَسْتَوِي فِي غِيَابِهَا عَنِ الْمَجْلِسِ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُ الْغَيْبَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ أَحْيَانًا.

فَالْغَائِبُ هُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ، إِمَّا لِعَدَمِ حُضُورِهِ، وَإِمَّا لاِنْتِفَاءِ رُؤْيَتِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ حُضُورِهِ، فَلَيْسَ كُل حَاضِرٍ مَرْئِيًّا، فَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا غَيْرَ مَرْئِيٍّ (١) .

_________

(١) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٢٧، وتفريعات غير المالكية واستعمالاتهم تدل عليه أيضًا، والمحلى ٨ / ٣٤١.