الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
ثانيا - المسح على الخمار في الوضوء
الإعتبار الثاني اعتبار نجاسة عينه
الاعتبار الثالث اعتبار مالية الخنزير
إقرار أهل الذمة على اقتناء الخنزير
أولا - التقسيم بحسب طبيعة الخيار
ثانيا - التقسيم بحسب غاية الخيار
ثالثا - التقسيم بحسب موضوع الخيار
أن يكون محل الخيار من القيميات
من يشترط له الخيار (صاحب الخيار)
عدم الرؤية عند العقد، أو قبله، مع عدم التغير
العقود التي يثبت فيها خيار الرؤية
أثر الخيار في حكم العقد قبل الرؤية
التصرفات في المبيع بما يوجب حقا للغير
حكم صريح الإسقاط في خيار الرؤية
الإجازة الصريحة أو بما يجري مجراها
ثانيا شريطة التوقيت أو معلومية المدة
الاتجاه الأول - التفويض للمتعاقدين مطلقا
الاتجاه الثاني - التفويض للمتعاقدين في حدود المعتاد
الاتجاه الثالث - التحديد بثلاثة أيام
ثالثا - شريطة الاتصال، والموالاة
اشتراط الخيار للأجنبي عن العقد
شرط الاستئمار (أو المؤامرة) أو المشورة
ثانيا أثر الخيار على انتقال الملك
ثالثا أثر الخيار على ضمان المحل
أثر الخيار على زيادة المبيع وغلته ونفقته
رابعا أثر الخيار على تسليم البدلين
السبب الأول إمضاء العقد بالإجازة أو بمضي مدة الخيار دون فسخ
ثانيا - انتهاء الخيار بمضي المدة
ثانيا انتقال الخيار بالجنون وحالات الغيبوبة
(الشريطة الأولى) ظهور عيب معتبر
الأمر الأول - نقص القيمة، أو فوات غرض صحيح
الأمر الثاني - كون الأصل سلامة أمثال المبيع. من العيب
الرجوع للعرف في تحقق ضابط العيب
٣ - أن لا يكون العيب بفعل المشتري قبل القبض
٤ - أن يكون العيب باقيا بعد التسليم ومستمرا حتى الرد
٥ - أن لا تمكن إزالة العيب بلا مشقة
(الشريطة الثانية) الجهل بالعيب
تلخيص مذاهب العلماء في اشتراط البراءة
العقود التي يثبت فيها خيار العيب
الرأي الثاني - أنه على التراخي
طبيعة الرد، وآثارها في تعاقب البيع
الإمساك مع الأرش (أو الرجوع بنقصان الثمن)
ثالثا - المانع العقدي (العيب الحادث)
ثانيا - وجوب ترك الرد رعاية للمصلحة
ثالثا - إسقاط الخيار بصريح الإسقاط، والإبراء عنه
خامسا التصرفات الدالة على الرضا
١ - تصرفات استعمال للمبيع واستغلال له وانتفاع منه
خيار غبن المسترسل (عند المالكية)
الأحكام المتعلقة بخيار فوات الشرط
أثر خيار المجلس على العقد بخيار شرط
صورة مشهورة من خيار النقد (بيع الوفاء)
أولا البينة على دعوى الملك المطلق
ثانيا البينة على الملك المضاف إلى سبب
استيطان غير المسلم دار الإسلام
إحياء غير المسلم موات دار الإسلام، وحفر معادنه
إقامة الحد على المسلم في دار الحرب
حصول الفرقة باختلاف الدار بين الزوجين
استيلاء الكفار على أموال المسلمين، وأثر الدار في ذلك
قضاء القاضي المسلم في منازعات حدثت أسبابها في دار الحرب
عصمة الأنفس والأموال في دار الحرب
استعمال الجلد المدبوغ والتعامل به
أولا أحكام الدخول بالإطلاق الأول
ثانيا أحكام الدخول بالإطلاق الثاني (الوطء)
الدرهم الإسلامي وكيفية تحديده وتقديره
دخول الخلاء مع حمل الدراهم التي عليها اسم الله
التصوير على الدراهم ونحوها من النقود
تقدير بعض الحقوق الشرعية بالدراهم
اعتبار وزن الدرهم الشرعي في الحقوق الشرعية المقدرة بالدراهم
ما يجوز التصرف فيه بالدراهم وما لا يجوز
دعاء الإنسان على من ظلمه أو ظلم المسلمين
كيفية التمييز بين المدعي والمدعى عليه
الفائدة المترتبة على التمييز بين المدعي والمدعى عليه
ثانيا القاضي المختص بنظر الدعوى
أنواع الدعاوى باعتبار تنوع الشيء المدعى
أولا ما يشترط في القول الذي يصدر عن المدعي ويطلب به حقا لنفسه
ثانيا شروط المدعي والمدعى عليه
الشرط الأول يشترط في المدعى به أن يكون معلوما
كيفية العلم بالمدعى به في دعاوى العين
العلم بسبب الاستحقاق في دعوى المنقول
كيفية العلم بالمدعى به في دعوى الدين
العلم بسبب الاستحقاق في دعوى الدين
كيفية العلم بالمدعى به في دعوى العقد
الاستثناءات الواردة على شرط المعلومية
أولا الدعوة بمعنى الدين " أو المذهب " أو بمعنى الدخول فيهما
من الآداب التي يراعيها الداعي في دعوته
إجابة دعوة الفقراء والإجابة على الطعام القليل
الآداب الشرعية للدعوة بمعنى المناداة
الحكم التكليفي للدعوة والإجابة إليها
أبو إسحاق الفزاري (؟ - ١٨٥، وقيل ١٨٨ هـ)
حسن الزجاجي (؟ - توفي في حدود ٤٠٠ هـ)
عبد الملك بن مروان (٢٦ - ٨٦ هـ)
علي بن عثمان الأوسي (؟ - ٥٦٩ هـ)
خِمَارٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْخِمَارُ مِنَ الْخَمْرِ، وَأَصْلُهُ السَّتْرُ، يُقَال: خَمَرَ الشَّيْءَ يَخْمُرُهُ خَمْرًا، وَأَخْمَرَهُ أَيْ سَتَرَهُ، وَكُل مُغَطًّى مُخَمَّرٌ يُقَال: خَمَّرْتُ الإِْنَاءَ أَيْ غَطَّيْتُهُ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ (١)
وَفِي رِوَايَةٍ: خَمِّرُوا الآْنِيَةَ وَأَوْكِئُوا الأَْسْقِيَةَ (٢) وَكُل مَا يَسْتُرُ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارُهُ. لَكِنَّ الْخِمَارَ غَلَبَ فِي التَّعَارُفِ اسْمًا لِمَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، يُقَال: اخْتَمَرَتِ الْمَرْأَةُ وَتَخَمَّرَتْ: أَيْ لَبِسَتِ الْخِمَارَ، وَجَمْعُ الْخِمَارِ خُمُرٌ، (٣) قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ . (٤)
_________
(١) حديث: " خمروا آنيتكم ". أخرجه البخاري، (الفتح ١٠ / ٨٨ - ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١٥٩٥ - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) حديث: " خمروا الآنية وأوكوا الأسقية ". أخرجه البخاري، (الفتح ٦ / ٣٥٥ - ط السلفية) من حديث جابر.
(٣) المصباح المنير، والقاموس المحيط، ولسان العرب، والمفردات في غريب القرآن (مادة خمر)، والكليات ٢ / ٢٧٨.
(٤) سورة النور / ٣١.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلْخِمَارِ فِي الْجُمْلَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ، لأَِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ: مَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَالصُّدْغَيْنِ أَوِ الْعُنُقَ (١) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحِجَابُ:
٢ - الْحِجَابُ: السِّتْرُ، يُقَال: حَجَبَ الشَّيْءَ يَحْجُبُهُ حَجْبًا وَحِجَابًا، وَحَجَبَهُ: سَتَرَهُ، وَامْرَأَةٌ مَحْجُوبَةٌ: قَدْ سُتِرَتْ بِسِتْرٍ، وَحِجَابُ الْجَوْفِ: مَا يَحْجِبُ بَيْنَ الْفُؤَادِ وَسَائِرِهِ، قَال الأَْزْهَرِيُّ: هِيَ جِلْدَةٌ بَيْنَ الْفُؤَادِ وَسَائِرِ الْبَطْنِ.
وَالأَْصْل فِي الْحِجَابِ أَنَّهُ جِسْمٌ حَائِلٌ بَيْنَ جَسَدَيْنِ، وَاسْتُعْمِل فِي الْمَعَانِي فَقِيل: الْعَجْزُ حِجَابٌ وَالْمَعْصِيَةُ حِجَابٌ. (٢)
فَالْحِجَابُ أَعَمُّ مِنَ الْخِمَارِ.
ب - الْقِنَاعُ:
٣ - الْقِنَاعُ مَا تَتَقَنَّعُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ ثَوْبٍ تُغَطِّي رَأْسَهَا وَمَحَاسِنَهَا. وَنَحْوُهُ الْمِقْنَعَةُ وَهِيَ مَا تُقَنِّعُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. قَال صَاحِبُ الْقَامُوسِ: الْقِنَاعُ أَوْسَعُ مِنْهَا.
_________
(١) حاشية الصعيدي على كفاية الطالب الرباني ١ / ١٣٧، المجموع ١ / ١٧١.
(٢) المصباح المنير، الكليات، لسان العرب مادة: " حجب "، والتعريفات ١١١.
وَيُطْلِقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْقِنَاعَ عَلَى الثَّوْبِ يُلْقِيهِ الرَّجُل عَلَى كَتِفِهِ، وَيُغَطِّي بِهِ رَأْسَهُ وَيَرُدُّ طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الآْخَرِ. (١)
وَالْقِنَاعُ أَعَمُّ وَأَشْمَل فِي السَّتْرِ مِنَ الْخِمَارِ، أَوْ هُوَ يُخَالِفُهُ بِإِطْلاَقِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.
ج - النِّقَابُ:
٤ - النِّقَابُ مَا تَنْتَقِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ، يُقَال: انْتَقَبَتِ الْمَرْأَةُ وَتَنَقَّبَتْ: غَطَّتْ وَجْهَهَا بِالنِّقَابِ.
وَيُعَرِّفُ ابْنُ مَنْظُورٍ النِّقَابَ بِأَنَّهُ: الْقِنَاعُ عَلَى مَارِنِ الأَْنْفِ، ثُمَّ يَقُول: وَالنِّقَابُ عَلَى وُجُوهٍ. قَال الْفَرَّاءُ: إِذَا أَدْنَتِ الْمَرْأَةُ النِّقَابَ إِلَى عَيْنِهَا فَتِلْكَ الْوَصْوَصَةُ، فَإِنْ أَنْزَلَتْهُ دُونَ ذَلِكَ إِلَى الْمَحْجَرِ فَهُوَ النِّقَابُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرَفِ الأَْنْفِ فَهُوَ اللِّفَامُ. قَال ابْنُ مَنْظُورٍ: الْوَصْوَاصُ: الْبُرْقُعُ الصَّغِيرُ. (٢)
وَكُلٌّ مِنَ الْخِمَارِ وَالنِّقَابِ يُغَطَّى بِهِ جُزْءٌ مِنَ الْجِسْمِ، الْخِمَارُ يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ، وَالنِّقَابُ يُغَطَّى بِهِ الْوَجْهُ.
د - الْبُرْقُعُ:
٥ - الْبُرْقُعُ لُغَةً: مَا تَسْتُرُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا (٣)
_________
(١) لسان العرب مادة (قنع)، وجواهر الإكليل ١ / ٥٢.
(٢) القاموس المحيط، المصباح المنير، لسان العرب مادة: " نقب "، ومادة: " وصوص ".
(٣) المصباح المنير مادة: " برقع ".
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخِمَارِ:
أَوَّلًا: ارْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ الْخِمَارَ عُمُومًا:
٦ - ارْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْخِمَارَ بِوَجْهٍ عَامٍّ وَاجِبٌ شَرْعًا، لأَِنَّ شَعْرَ رَأْسِهَا عَوْرَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَقَدْ أُمِرَتِ الْمَرْأَةُ بِضَرْبِ الْخِمَارِ عَلَى جَيْبِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (١) قَال الْقُرْطُبِيُّ: سَبَبُ هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِذَا غَطَّيْنَ رُءُوسَهُنَّ بِالأَْخْمِرَةِ، وَهِيَ الْمَقَانِعُ سَدَلْنَهَا مِنْ وَرَاءِ الظَّهْرِ فَيَبْقَى النَّحْرُ وَالْعُنُقُ وَالأُْذُنَانِ لاَ سِتْرَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِلَيِّ الْخِمَارِ عَلَى الْجُيُوبِ، وَهَيْئَةُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ الْمَرْأَةُ بِخِمَارِهَا عَلَى جَيْبِهَا لِتَسْتُرَ صَدْرَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: إِنَّمَا يُضْرَبُ بِالْخِمَارِ الْكَثِيفِ الَّذِي يَسْتُرُ (٢)
ثَانِيًا - الْمَسْحُ عَلَى الْخِمَارِ فِي الْوُضُوءِ:
٧ - مَسْحُ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فَرْضٌ تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ الأَْدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ. وَالْفَرْضُ الَّذِي تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِ الأَْدِلَّةُ هُوَ أَصْل الْمَسْحِ، أَمَّا صِفَتُهُ وَمِقْدَارُ مَا يُمْسَحُ مِنَ الرَّأْسِ فَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرَانِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (وُضُوءٌ) (وَمَسْحٌ) .
وَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ كَذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى الْخِمَارِ: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُجْزِئُ
_________
(١) سورة النور / ٣١.
(٢) القرطبي ١٢ / ٢٣٠.
فِي الْوُضُوءِ مَسْحُ الْمَرْأَةِ خِمَارَهَا وَحْدَهُ دُونَ مَسْحِ رَأْسِهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْخِمَارُ رَقِيقًا يَنْفُذُ مِنْهُ الْمَاءُ إِلَى شَعْرِهَا، فَيَجُوزُ لِوُجُودِ الإِْصَابَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا أَدْخَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ الْخِمَارِ وَمَسَحَتْ بِرَأْسِهَا، وَقَالَتْ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ. (١) وَلأَِنَّهُ لاَ حَرَجَ فِي نَزْعِهِ، وَالرُّخْصَةُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، وَلأَِنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ (٢) يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ مَسْحِ غَيْرِ الرَّأْسِ.
قَال نَافِعٌ: رَأَيْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ تَتَوَضَّأُ وَتَنْزِعُ خِمَارَهَا ثُمَّ تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا، قَال نَافِعٌ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ، قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بِهَذَا نَأْخُذُ، لاَ نَمْسَحُ عَلَى خِمَارٍ وَلاَ عَلَى عِمَامَةٍ، بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَتُدْخِل يَدَهَا تَحْتَ خِمَارِهَا حَتَّى يَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ، فَلَوْ وَضَعَتْ يَدَهَا الْمُبْتَلَّةَ عَلَى خِمَارِهَا قَال أَصْحَابُنَا: إِنْ لَمْ يَصِل الْبَلَل إِلَى الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِئْهَا، وَإِنْ وَصَل فَهِيَ كَالرَّجُل إِذَا وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى رَأْسِهِ إِنْ أَمَرَّهَا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الإِْجْزَاءُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَسَحَ نَاصِيَتَهُ وَلَمْ يَسْتَوْعِبِ الرَّأْسَ بِالْمَسْحِ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ عَلَى
_________
(١) حديث عائشة: " أنها دخلت يدها تحت الخمار. . . " أورده صاحب بدائع الصنائع (١ / ٥)، ولم نعثر عليه فيما لدينا من مراجع السنن والآثار.
(٢) سورة المائدة / ٦.
الْعِمَامَةِ، وَقَالُوا: وَهَذَا حُكْمُ مَا عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ (١) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فِي مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مِقْنَعَتِهَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْحَجَّاوِيُّ يَجُوزُ، لأَِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ (٢) وَلأَِنَّهُ مَلْبُوسٌ لِلرَّأْسِ مُعْتَادٌ يَشُقُّ نَزْعُهُ فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِل: كَيْفَ تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا؟ قَال: مِنْ تَحْتِ الْخِمَارِ وَلاَ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ، قَال: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا (٣) .
ثَالِثًا: لُبْسُ الْخِمَارِ فِي الصَّلاَةِ:
٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَةِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ، وَمِنَ الْعَوْرَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ سَتْرُهَا فِي الصَّلاَةِ شَعْرُ الْمَرْأَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا فِي الصَّلاَةِ، أَيْ تُغَطِّيَهُ بِخِمَارٍ كَثِيفٍ لاَ يَشِفُّ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَل كَانَتْ
_________
(١) بدائع الصنائع ١ / ٥، فتح القدير ١ / ١٠٩، الزرقاني ١ / ١٣٠، المجموع ١ / ٤٠٧ - ٤٠٩.
(٢) حديث: " أمر النبي ﷺ بالمسح على الخفين والخمار. . . " أخرجه أحمد (٦ / ١٢ - ط. الميمنية) من حديث بلال، وإسناده صحيح وورد من فعله ﷺ، أخرجه مسلم (١ / ٢٣١ - ط. الحلبي) .
(٣) المغني ١ / ٣٠١، ٣٠٥، كشاف القناع ١ / ١١٢.
صَلاَتُهَا بَاطِلَةً، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ (١) وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الْبَالِغَةُ، لأَِنَّ الْحَائِضَ فِعْلًا أَثْنَاءَ حَيْضِهَا لاَ صَلاَةَ لَهَا، لاَ بِخِمَارٍ وَلاَ بِغَيْرِهِ، فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْحَائِضِ مَجَازًا عَنِ الْبَالِغَةِ لأَِنَّ الْحَيْضَ يَسْتَلْزِمُ الْبُلُوغَ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ تَرَكَتِ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ سَتْرَ رُبُعِ رَأْسِهَا فَأَكْثَرَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ بِلاَ صُنْعِهَا أَعَادَتْ.
وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلأُْسْتُرُوشَنِيِّ: وَجَوَازُ صَلاَةِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ قِنَاعٍ اسْتِحْسَانٌ، لأَِنَّهُ لاَ خِطَابَ مَعَ الصِّبَا، وَالأَْحْسَنُ أَنْ تُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لأَِنَّهَا إِنَّمَا تُؤْمَرُ بِالصَّلاَةِ لِلتَّعَوُّدِ فَتُؤْمَرُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا مَعَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
ثُمَّ قَال: الْمُرَاهِقَةُ (٢) إِذَا صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ لاَ تُؤْمَرُ بِالإِْعَادَةِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ تُؤْمَرُ بِذَلِكَ. (٣)
_________
(١) حديث: " لا يقبل صلاة حائض إلا بخمار. . . " أخرجه أبو داود (١ / ٤٢١ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، والحاكم (١ / ٢٥١ - ط. دار المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) المراهقة التي قد قاربت البلوغ ولم تبلغ بعد.
(٣) رد المحتار ١ / ٢٧٠ - ٢٧٣، ٢٧٦، فتح القدير ١ / ١٨٠.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ الْمَأْمُورَةِ بِالصَّلاَةِ سَتْرٌ لِلصَّلاَةِ - وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ - وَتُعِيدُ الصَّلاَةَ نَدْبًا إِنْ رَاهَقَتْ - أَيْ قَارَبَتِ الْبُلُوغَ - وَتَرَكَتِ الْقِنَاعَ - أَيْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ - فِي الصَّلاَةِ. . . وَقَالُوا: يُكْرَهُ الْقِنَاعُ فِي الصَّلاَةِ لِلرَّجُل إِذَا كَانَ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ هِيَ أَنْ يُلْقِيَ ثَوْبًا عَلَى كَتِفِهِ وَيُغَطِّيَ بِهِ رَأْسَهُ وَيَرُدَّ طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الآْخَرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَال لأَِنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ يَكُونُ شِعَارَ قَوْمٍ فَلاَ يُكْرَهُ. (١)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ تُقْبَل صَلاَةُ الصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ إِلاَّ بِخِمَارٍ. (٢)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: غَيْرُ الْبَالِغَةِ لاَ يَلْزَمُهَا سَتْرُ رَأْسِهَا فِي الصَّلاَةِ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ. (٣)
رَابِعًا - لُبْسُ الْخِمَارِ فِي الإِْحْرَامِ:
٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ، وَعَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ لاَ تَكْشِفُ رَأْسَهَا فِي الإِْحْرَامِ - كَمَا يَفْعَل الرَّجُل - لأَِنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ يَجِبُ سَتْرُهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا بِمَا يَسْتُرُهُ سَتْرًا كَامِلًا، وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَوْلَهُ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى
_________
(١) كفاية الطالب ١ / ١٣٧، جواهر الإكليل ١ / ٤٢، ٥٢.
(٢) المجموع ٣ / ١٦٦.
(٣) المغني ١ / ٦٠٢ - ٦٠٦، ٢ / ٤٧١.
أَنَّ لِلْمُحْرِمَةِ لُبْسَ الْقُمُصِ وَالدُّرُوعِ وَالسَّرَاوِيلاَتِ وَالْخُمُرِ وَالْخِفَافِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَال إِحْرَامِهَا سَتْرُ وَجْهِهَا، أَوْ بَعْضِهِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُحْرِمَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ تَسْتُرَ مِنْ وَجْهِهَا مَا لاَ يَتَأَتَّى سَتْرُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إِلاَّ بِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ مِنْ رَأْسِهَا مَا لاَ يَتَأَتَّى كَشْفُ وَجْهِهَا إِلاَّ بِهِ، لأَِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي لاَ يَتَأَتَّى تَمَامُ سَتْرِ الرَّأْسِ إِلاَّ بِهِ. (١)
خَامِسًا: الْخِمَارُ فِي كَفَنِ الْمَرْأَةِ:
١٠ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَقَل الْكَفَنِ الضَّرُورِيِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مَا يُغَطِّي بَدَنَ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً إِلاَّ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ. وَعَلَى أَنَّ الأَْفْضَل فِي الْكَفَنِ لِلْمَرْأَةِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ: إِزَارٌ تَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ، وَخِمَارٌ يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ ذَلِكَ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي حَال حَيَاتِهَا
_________
(١) رد المحتار ٢ / ١٨٩، جواهر الإكليل ١ / ١٨٦، الجمل ٢ / ٥٠٥، المغني ٣ / ٣٢٨.
عَلَى الرَّجُل فِي السَّتْرِ لِزِيَادَةِ عَوْرَتِهَا عَلَى عَوْرَتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَائِفٍ الثَّقَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّل أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِنْتَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّل مَا أَعْطَانَا رَسُول اللَّهِ ﷺ الْحَقْوَ (١) ثُمَّ الدِّرْعَ (٢)، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الآْخَرِ. (٣)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ لاَ تُخَمَّرُ عِنْدَ تَكْفِينِهَا، جَاءَ فِي الْمُغْنِي: قَال الْمَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي كَمْ تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ؟ قَال: فِي لِفَافَتَيْنِ، وَقَمِيصٍ لاَ خِمَارَ فِيهِ، وَكَفَّنَ ابْنُ سِيرِينَ بِنْتًا لَهُ قَدْ أَعْصَرَتْ (٤) فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ، وَلأَِنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لاَ يَلْزَمُهَا سَتْرُ رَأْسِهَا فِي الصَّلاَةِ.
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْحَدِّ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ فِي التَّكْفِينِ وَيَكُونُ فِي كَفَنِهَا الْخِمَارُ، فَرُوِيَ عَنْهُ، إِذَا بَلَغَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ
_________
(١) في رواية الحقاء، أي الإزار.
(٢) الدرع هو القميص، وفرق بعض الفقهاء بينهما بأن شق الدرع إلى الصدر والقميص إلى المنكب (رد المحتار ١ / ٢٧٨) .
(٣) حديث ليلى بنت قائف: " كنت فيمن غسل أم كلثوم ". . . أخرجه أبو داود (٣ / ٥١٠ - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وفي إسناده نوح بن حكيم الثقفي وفيه جهالة كما في ترجمته في " التهذيب " لابن حجر (١٠ / ٤٨٢ - ط. دار المعارف العثمانية) .
(٤) أعصرت أي قاربت المحيض.