الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٢٠
كَلاَمِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَقْبَل اللَّهَ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ. (١) مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى خِمَارٍ فِي صَلاَتِهَا فَكَذَلِكَ فِي كَفَنِهَا.
وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: إِذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ يُصْنَعُ بِهَا مَا يُصْنَعُ بِالْمَرْأَةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (٢) وَعَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعًا فَهِيَ امْرَأَةٌ (٣) .
وَفِي تَرْتِيبِ أَثْوَابِ الْكَفَنِ وَمَوْضِعِ الْخِمَارِ بَيْنَهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَكْفِينٌ) .
خَمْرٌ
انْظُرْ: أَشْرِبَةٌ
_________
(١) حديث: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ". .، سبق تخريجه ف / ٨.
(٢) حديث عائشة رضي الله تعالى عنها:. . " أن النبي ﷺ دخل بها وهي بنت تسع سنين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٩ / ١٩٠ نشر السلفية)، ومسلم (٢ / ١٠٣٨ ط. الحلبي) بهذا المعنى.
(٣) رد المحتار ١ / ٥٧٨، جواهر الإكليل ١ / ١١٠، قليوبي ١ / ٣٢٨، المغني ٢ / ٤٧٠ - ٤٧١.
خُمُسٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْخُمُسُ - بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَوْ ضَمِّهَا - الْجُزْءُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، وَالْخَمْسُ - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ - أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ خَمْسَةٍ، يُقَال: خَمَسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ - بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْمُضَارِعِ - أَيْ أَخَذْتُ خُمْسَ أَمْوَالِهِمْ، وَخَمَسْتُهُمْ أَخْمِسُهُمْ - بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُضَارِعِ - أَيْ كُنْتُ خَامِسَهُمْ أَوْ كَمَّلْتُهُمْ خَمْسَةً بِنَفْسِي، وَيُقَال: خَمَّسْتُ الشَّيْءَ - بِالتَّثْقِيل - أَيْ جَعَلْتُهُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ، وَيُقَال: أَخَمَسَ الْقَوْمُ أَيْ صَارُوا خَمْسَةً (١) . وَالْخُمُسُ: خُمُسُ الْغَنِيمَةِ أَوِ الْفَيْءِ، وَالتَّخْمِيسُ: إِخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ (٢) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمِرْبَاعُ:
٢ - الْمِرْبَاعُ هُوَ الرُّبُعُ: قَال قُطْرُبٌ: الْمِرْبَاعُ
_________
(١) المصباح المنير، القاموس المحيط، ولسان العرب في المادة.
(٢) قواعد الفقه للبركتي المجددي ٢٥٤.
الرُّبُعُ، وَالْمِعْشَارُ الْعُشْرُ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي غَيْرِهِمَا، وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَبْل إِسْلاَمِهِ: إِنَّكَ لَتَأْكُل الْمِرْبَاعَ وَهُوَ لاَ يَحِل لَكَ فِي دِينِكَ (١) كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا غَزَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَغَنِمُوا أَخَذَ الرَّئِيسُ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ خَالِصًا دُونَ أَصْحَابِهِ وَقَال الشَّاعِرُ:
لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا
وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُول (٢)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اخْتِلاَفُ الْقَدْرِ بَيْنَهُمَا.
ب - الصَّفِيُّ:
٣ - الصَّفِيُّ: مَا كَانَ يَصْطَفِيهِ الرَّئِيسُ فِي الْحَرْبِ قَبْل الإِْسْلاَمِ لِنَفْسِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَمَا لاَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْجَيْشِ.
وَالصَّفِيُّ فِي الإِْسْلاَمِ شَيْءٌ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ قَبْل الْقِسْمَةِ كَسَيْفٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ أَمَةٍ، وَقَدِ اصْطَفَى ﷺ سَيْفَ مُنَبِّهِ بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ذُو الْفَقَارِ - يَوْمَ بَدْرٍ (٣)، وَاصْطَفَى
_________
(١) حديث: " إنك لتأكل المرباع وهو لا يحل لك في دينك ".، أخرجه أحمد (٤ / ٢٥٧ - ط. اليمنية) من حديث عدي بن حاتم.
(٢) المصباح المنير ولسان العرب مادة: " ربع ".
(٣) حديث: " اصطفى ﷺ سيف منبه بن أبي الحجاج - وهو. . . " أخرجه الترمذي (٤ / ١٣٠ - ط. الحلبي وابن ماجه (٢ / ٩٣٩ - ط. الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس، وقال الترمذي: " حديث حسن ".
صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ﵂.
(١) وَقَدِ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ ﷺ. (٢)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُمُسِ وَالصَّفِيِّ أَنَّ الْخُمُسَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا لَهُ مَصَارِفُ مُعَيَّنَةٌ، أَمَّا الصَّفِيُّ فَكَانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِلرَّئِيسِ فِي الْحَرْبِ قَبْل الإِْسْلاَمِ.
ج - النَّشِيطَةُ:
٤ - النَّشِيطَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ: مَا يُصِيبُهُ الْقَوْمُ قَبْل أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْحَيِّ الَّذِي يُرِيدُونَ الإِْغَارَةَ عَلَيْهِ فَيَنْشُطُهُ الرَّئِيسُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَيَأْخُذُهُ قَبْل الْقِسْمَةِ. (٣)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّشِيطَةِ وَالْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَنَّ النَّشِيطَةَ كَانَ يَسْتَأْثِرُ بِهَا الرَّئِيسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَمَّا الْخُمُسُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَصَارِفَهُ
د - الْفُضُول:
٥ - الْفُضُول مِنَ الْغَنِيمَةِ: بَقَايَا تَبْقَى مِنْهَا لاَ تَسْتَقِيمُ قِسْمَتُهَا عَلَى الْجَيْشِ لِقِلَّتِهَا وَكَثْرَةِ الْجَيْشِ فَيَخْتَصُّ بِهَا رَئِيسُ الْجَيْشِ قَبْل
_________
(١) حديث: " اصطفى صفية بنت حيي. . . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٤٨٠ - ط. السلفية)، ومسلم (٢ / ١٠٤٤ - ط. الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(٢) المصباح المنير، التعريفات ١٧٥، والمغني ٦ / ٤٠٩، وكشاف القناع ٣ / ٨٥.
(٣) المفردات في غريب القرآن / ٤٩٣، ومعجم مقاييس اللغة ٥ / ٤٢٦.
الإِْسْلاَمِ (١) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفُضُول مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْخُمُسِ أَنَّ الْفُضُول كَانَ يَخُصُّ بِهَا رَئِيسُ الْجَيْشِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَفْسَهُ وَيَسْتَأْثِرُ بِهَا دُونَ أَصْحَابِهِ، أَمَّا الْخُمُسُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَصَارِفَهُ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٦ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل﴾ (٢)
وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْمِيسِ الْفَيْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
الأَْمْوَال الَّتِي تُخَمَّسُ:
أَوَّلًا: الْغَنِيمَةُ:
٧ - وَهِيَ الْمَال الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْقُوَّةِ وَالْقَهْرِ بِإِيجَافِ الْخَيْل وَالرِّكَابِ (٣) .
وَلَمْ تَكُنِ الْغَنَائِمُ تَحِل لِمَنْ مَضَى مِنَ الأُْمَمِ، وَفِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي. . . وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ (٤) وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ فِي أَوَّل الإِْسْلاَمِ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
_________
(١) المصباح المنير ولسان العرب مادة: " فضل ".
(٢) سورة الأنفال / ٤١.
(٣) رد المحتار ٣ / ٢٢٨، كفاية الطالب ٢ / ٧، قليوبي وعميرة ٣ / ١٩١، المغني ٦ / ٤٠٣.
(٤) حديث: " أعطيت خمسًا لم يعطهن نبي قبلي. . . وأحلت لي الغنائم "، أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٤٣٦ -. ط السلفية) البخاري (ومسلم ١ / ٣٧١ -. ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَْنْفَال قُل الأَْنْفَال لِلَّهِ وَالرَّسُول﴾ (١) ثُمَّ صَارَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ لِغَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول. . .﴾ (٢) فَأَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَيْهِمْ وَجَعَل الْخُمُسَ لِغَيْرِهِمْ فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَائِرَهَا (الْبَقِيَّةَ) لَهُمْ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا﴾ (٣) فَأَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُمْ. (٤)
وَالْغَنِيمَةُ إِذَا كَانَتْ أَرْضًا فُتِحَتْ عَنْوَةً فَفِي تَخْمِيسِهَا خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يُنْظَرُ فِي: (تَخْمِيسٌ وَغَنِيمَةٌ وَأَرْضٌ وَخَرَاجٌ) .
وَإِنْ كَانَتِ الْغَنِيمَةُ مِنَ الأَْمْوَال الْمَنْقُولَةِ وَجَبَ تَخْمِيسُهَا وَقَسْمُ أَخْمَاسِهَا الأَْرْبَعَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ، وَصَرْفُ الْخُمُسِ فِي مَصَارِفِهِ.
وَيَبْدَأُ الإِْمَامُ أَوِ الأَْمِيرُ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ بِالسَّلَبِ فَيُعْطِيهِ لِلْقَاتِل، ثُمَّ يُخْرِجُ الْمُؤَنَ اللاَّزِمَةَ كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَحَافِظٍ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ يَجْعَل الْبَاقِيَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ، خُمُسٌ لأَِهْل الْخُمُسِ، وَالأَْرْبَعَةُ الأَْخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ. (٥)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قَسْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
_________
(١) سورة الأنفال / ١.
(٢) سورة الأنفال / ٤١.
(٣) سورة الأنفال / ٦٩.
(٤) المغني ٦ / ٤٠٣.
(٥) روضة الطالبين ٦ / ٣٧٦.
الْقَوْل الأَْوَّل:
٨ - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُقْسَمُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل﴾ (١) وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةٍ (٢) وَبِهَذَا قَال عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ (٣) .
وَبَيَانُ هَذِهِ الأَْسْهُمِ كَالآْتِي:
١ - سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ﷺ: وَكَانَ هَذَا السَّهْمُ لَهُ ﷺ فِي حَيَاتِهِ يَضَعُهُ فِي مَصَارِفِهِ الَّتِي يَرَاهَا، ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِهِ ﷺ يُصْرَفُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَسَدِّ الثُّغُورِ، وَشَحْنِهَا بِالْعُدَدِ، وَالْمُقَاتِلَةِ، وَكَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْحُصُونِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ، وَالأَْئِمَّةِ، وَالْعُلَمَاءِ بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّ بِالثُّغُورِ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِئَلاَّ يَتَعَطَّل مَنْ ذُكِرَ بِالاِكْتِسَابِ عَنِ الاِشْتِغَال بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الأَْحْكَامِ وَعَنِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ، فَيُرْزَقُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ. وَيُقَدَّمُ الأَْهَمُّ فَالأَْهَمُّ وُجُوبًا.
_________
(١) سورة الأنفال / ٤١.
(٢) المغني ٦ / ٤٠١ - ٤٠٧.
وَقَالُوا: إِنَّ سَهْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُول ﷺ وَاحِدٌ، لأَِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ لاِفْتِتَاحِ الْكَلاَمِ بِاسْمِهِ تَعَالَى تَبَرُّكًا بِهِ لاَ لإِفْرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِسَهْمٍ، فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى الدُّنْيَا وَالآْخِرَةَ. (١)
٢ - سَهْمٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ: وَهُمُ الْمُرَادُ بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَ الأَْرْبَعَةُ أَبْنَاءَ عَبْدِ مَنَافٍ، لاِقْتِصَارِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْقَسْمِ عَلَى بَنِي الأَْوَّلَيْنِ مَعَ سُؤَال ابْنِ الآْخَرَيْنِ لَهُ، رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَال: لَمَّا قَسَمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّهِ، أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فَلاَ نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَمَا بَال إِخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتُهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَال ﷺ: إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. (٢)
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ٩٣، المغني ٦ / ٤٠٦.
(٢) حديث جبير بن مطعم: " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ".، أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٢٤٤ -. ط السلفية) دون قوله: " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام "، وأخرجه أحمد (٤ / ٨١ -. ط الميمنية)، والنسائي (٧ / ١٣١ -. ط المكتبة التجارية) .
وَالْعِبْرَةُ فِي الاِسْتِحْقَاقِ مِنْ هَذَا السَّهْمِ بِالاِنْتِسَابِ إِلَى الآْبَاءِ، أَيْ بِكَوْنِ الأَْبِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، أَمَّا مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْهُمْ وَأَبُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَدْفَعْ إِلَى أَقَارِبِ أُمِّهِ وَهُمْ بَنُو زُهْرَةَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا دَفَعَ إِلَى أَقَارِبِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إِلَى بَنِي عَمَّاتِهِ وَهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْمُهَاجِرُ ابْنَا أَبِي أُمَيَّةَ، وَبَنُو جَحْشٍ.
وَيَشْتَرِكُ فِي الاِسْتِحْقَاقِ مِنْ هَذَا السَّهْمِ الذُّكُورُ وَالإِْنَاثُ، لأَِنَّ الْقَرَابَةَ تَشْمَلُهُمْ، وَلِحَدِيثِ جُبَيْرٍ السَّابِقِ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ ﵁ كَانَ يَأْخُذُ مَعَهُمْ أُمَّهُ صَفِيَّةَ عَمَّةَ النَّبِيِّ ﷺ وَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّهُ ﷺ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَفِيَّةَ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَدْفَعُ لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مِنْ هَذَا السَّهْمِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ - أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ، لأَِنَّهُ سَهْمٌ اسْتُحِقَّ بِقَرَابَةِ الأَْبِ شَرْعًا فَفُضِّل فِيهِ الذَّكَرُ عَلَى الأُْنْثَى كَالْمِيرَاثِ، وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ وَمِيرَاثَ وَلَدِ الأُْمِّ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتُحِقَّتْ بِقَوْل الْمُوصِي، وَمِيرَاثَ وَلَدِ الأُْمِّ اسْتُحِقَّ بِقَرَابَةِ الأُْمِّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَمَا نُقِل عَنِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، لأَِنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ وَالذَّكَرُ
وَالأُْنْثَى فِيهَا سَوَاءٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِقَرَابَةِ فُلاَنٍ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ مَعَ الأَْبِ، وَابْنَ الاِبْنِ يَأْخُذُ مِنَ الاِبْنِ، وَهَذَا يَدُل عَلَى مُخَالَفَةِ الْمَوَارِيثِ، وَلأَِنَّهُ سَهْمٌ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِجَمَاعَةٍ فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالأُْنْثَى كَسَائِرِ سِهَامِهِ.
وَيَسْتَوِي فِي الاِسْتِحْقَاقِ - عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ - الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ لاِسْتِوَائِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمِيرَاثَ.
وَغَنِيُّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَفَقِيرُهُمْ فِي الاِسْتِحْقَاقِ مِنْ هَذَا السَّهْمِ سَوَاءٌ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ وَلاَ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ كُلَّهُمْ وَفِيهِمُ الأَْغْنِيَاءُ كَالْعَبَّاسِ ﵁ وَكَانَ مِنْ أَغْنِيَاءِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُنْقَل تَخْصِيصُ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا، وَأُمَّهُ سَهْمًا، وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ (١)
وَإِنَّمَا أَعْطَى أُمَّهُ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَقَدْ كَانَتْ مُوسِرَةً وَلَهَا مَوَالٍ وَأَمْوَالٌ، وَلأَِنَّهُ مَالٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ
_________
(١) حديث: " أن النبي ﷺ أعطى الزبير سهمًا وأمه سهمًا. . . " أخرجه أحمد (١ / ١٦٦ -. ط الميمنية)، ولمح ابن حجر إلى الانقطاع في سنده، كذا في (تعجيل المنفعة ص٣٣٥ - نشر دار الكتاب العربي) . والأسهم المعطاة للزبير وفرسه هي من الغنيمة بصفته من المجاهدين