الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧ الصفحة 3

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحِجَامَةِ:

٤ - اعْتَنَى الْفُقَهَاءُ بِبَيَانِ أَحْكَامِ الْحِجَامَةِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ، وَعَلَى الصَّوْمِ، وَعَلَى الإِْحْرَامِ. وَمِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ بِهَا، وَأَخْذِ الأَْجْرِ عَلَيْهَا، وَالتَّدَاوِي بِهَا.

تَأْثِيرُ الْحِجَامَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ:

٥ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ بِالْحِجَامَةِ نَاقِضٌ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَال السَّرَخْسِيُّ: الْحِجَامَةُ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَغَسْل مَوْضِعِ الْمِحْجَمَةِ عِنْدَنَا، لأَِنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِخُرُوجِ النَّجَسِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِل مَوْضِعَ الْمِحْجَمَةِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ.

وَالْفَصْدُ مِثْل الْحِجَامَةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ. فَإِذَا افْتُصِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا إِذَا مَصَّتْ عَلَقَةٌ عُضْوًا وَأَخَذَتْ مِنَ الدَّمِ قَدْرًا يَسِيل مِنْهَا لَوْ شُقَّتْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ وَالْفَصْدَ وَمَصَّ الْعَلَقِ لاَ يُوجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ. قَال الزَّرْقَانِيُّ: لاَ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِحِجَامَةٍ مِنْ حَاجِمٍ وَمُحْتَجِمٍ وَفَصْدٍ. وَفِي الأُْمِّ " لاَ وُضُوءَ فِي قَيْءٍ وَلاَ رُعَافٍ وَلاَ حِجَامَةٍ وَلاَ شَيْءٍ خَرَجَ مِنَ الْجَسَدِ وَأُخْرِجَ مِنْهُ غَيْرَ الْفُرُوجِ الثَّلاَثَةِ الْقُبُل وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ " (١) .

_________

(١) المبسوط ١ / ٨٣، رد المحتار ١ / ٩١ - ٩٤، شرح الزرقاني على خليل ١ / ٩٢، والأم ١ / ١٤.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنَ الدَّمِ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ إِذَا كَانَ فَاحِشًا. وَفِي حَدِّ الْفَاحِشِ عِنْدَهُمْ خِلاَفٌ: فَقِيل: الْفَاحِشُ مَا وَجَدَهُ الإِْنْسَانُ فَاحِشًا كَثِيرًا. قَال ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَفْحُشُ فِي نُفُوسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ لاَ الْمُتَبَذِّلِينَ وَلاَ الْمُوَسْوَسِينَ. وَقِيل: هُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. وَقِيل: عَشَرَةُ أَصَابِعٍ (١) .

تَأْثِيرُ الْحِجَامَةِ عَلَى الصَّوْمِ:

٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ جَائِزَةٌ لِلصَّائِمِ إِذَا كَانَتْ لاَ تُضْعِفُهُ، وَمَكْرُوهَةٌ إِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ وَأَضْعَفَتْهُ، يَقُول ابْنُ نُجَيْمٍ: الاِحْتِجَامُ غَيْرُ مَنَافٍ لِلصَّوْمِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلصَّائِمِ. إِذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنِ الصَّوْمِ، أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يُضْعِفُهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُحْتَجِمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفَ الْبَدَنِ لِمَرَضٍ أَوْ خِلْقَةٍ. وَفِي كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الاِحْتِجَامَ لاَ يَضُرُّهُ، أَوْ يَشُكُّ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنِ احْتَجَمَ لاَ يَقْوَى عَلَى مُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ.

فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لاَ يَتَضَرَّرُ بِالْحِجَامَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ. وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَيَعْجِزُ عَنْ مُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ إِذَا هُوَ احْتَجَمَ حَرُمَ عَلَيْهِ. إِلاَّ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ هَلاَكًا أَوْ شَدِيدَ

_________

(١) المغني ١ / ١٨٤، نشر مكتبة الرياض الحديثة.

أَذًى بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَقْضِيَ إِذَا أَفْطَرَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَمَنْ شَكَّ فِي تَأْثِيرِ الْحِجَامَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ فَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبِنْيَةِ جَازَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْبَدَنِ كُرِهَ لَهُ.

وَالْفِصَادَةُ مِثْل الْحِجَامَةِ فَتُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ دُونَ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الإِْرْشَادِ (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْفَصْدِ أَوِ الْحِجَامَةِ يَقُول الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: أَمَّا الْفَصْدُ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَلأَِنَّهُ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ (٢) . وَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (٣) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُؤَثِّرُ فِي الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَيُفْطِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا. يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: الْحِجَامَةُ يُفْطِرُ بِهَا الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، وَبِهِ قَال إِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ. وَكَانَ الْحَسَنُ وَمَسْرُوقٌ وَابْنُ سِيرِينَ

_________

(١) البحر الرائق ٢ / ٢٩٤، وبدائع الصنائع ٢ / ١٠٤٥، وشرح الزرقاني على خليل ١ / ٩٢، ومواهب الجليل ٢ / ٤١٦.

(٢) حديث: " احتجم رسول الله ﷺ وهو صائم " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٤٩ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.

(٣) حديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبو داود (٢ / ٧٧٠ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ثوبان. وذكر الزيلعي في نصب الراية (٢ / ٤٧٢ - ط المجلس العلمي) أن الترمذي نقل عن البخاري تصحيحه.

لاَ يَرَوْنَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ. وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَحْتَجِمُونَ لَيْلًا فِي الصَّوْمِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَأَنَسٌ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (٢) .

تَأْثِيرُ الْحِجَامَةِ عَلَى الإِْحْرَامِ:

٧ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لاَ تُنَافِي الإِْحْرَامَ. قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَمِمَّا لاَ يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا - أَيْ لِلْمُحْرِمِ - الاِكْتِحَال بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ وَأَنْ يَخْتَتِنَ وَيَفْتَصِدَ. وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ، وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ، وَيَحْتَجِمَ ".

فَالْحِجَامَةُ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا قَلْعُ الشَّعْرِ لاَ تُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ، أَمَّا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ قَلْعُ شَعْرٍ، فَإِنْ حَلَقَ مَحَاجِمَهُ وَاحْتَجَمَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ.

وَلاَ يَضُرُّ تَعْصِيبُ مَكَانِ الْفَصْدِ: يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: (وَإِنْ لَزِمَ تَعْصِيبُ الْيَدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَعْصِيبَ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ إِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ) (٣) .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي الإِْحْرَامِ: إِنْ كَانَتْ لِعُذْرٍ فَجَوَازُ الإِْقْدَامِ عَلَيْهَا ثَابِتٌ قَوْلًا

_________

(١) مغني المحتاج ١ / ٤٣١، والمغني ٣ / ١٠٣.

(٢) حديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " سبق تخريجه قريبا.

(٣) البحر الرائق ٢ / ٣٥٠، وابن عابدين مع الدر المختار ٢ / ١٦٤، ٢٠٤، ٣٠٥.

وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَرُمَتْ إِنْ لَزِمَ قَلْعُ الشَّعْرِ. وَكُرِهَتْ إِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ ذَلِكَ، لأَِنَّ الْحِجَامَةَ قَدْ تُضْعِفُهُ قَال مَالِكٌ: لاَ يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ. عَلَّقَ عَلَيْهِ الزَّرْقَانِيُّ أَيْ يُكْرَهُ لأَِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ضَعْفِهِ كَمَا كُرِهَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ أَخَفُّ مِنَ الْحِجَامَةِ (١) .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوْقَ رَأْسِهِ (٢)، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَسَطَ رَأْسِهِ (٣)، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ احْتَجَمَ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ (٤) وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَثْءٍ (وَهُوَ رَضُّ الْعَظْمِ بِلاَ كَسْرٍ) وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِلَحْيِ جَمَلٍ (٥) وَلأَِبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ (٦) وَلَفْظُ الْحَاكِمِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ:

_________

(١) الزرقاني ٢ / ٨٧.

(٢) حديث: " احتجم وهو محرم فوق رأسه " أخرجه مالك في الموطأ (١ / ٣٤٩ - ط الحلبي) من حديث سليمان بن يسار مرسلا.

(٣) حديث: " احتجم وهو محرم وسط رأسه " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٥٢ - ط السلفية) ومسلم (٢ / ٨٦٣ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن بحينة.

(٤) حديث: " احتجم من شقيقة كانت به " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٥٣ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.

(٥) قيل هو مكان بطريق مكة.

(٦) حديث: " احتجم على ظهر القدم من وجع كان به " أخرجه النسائي (٥ / ١٩٤ - ط المكتبة التجارية) من حديث أنس بن مالك.

يَقُول الزَّرْقَانِيُّ: وَهَذَا يَدُل عَلَى تَعَدُّدِهَا مِنْهُ فِي الإِْحْرَامِ. وَعَلَى الْحِجَامَةِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ لِلْعُذْرِ. وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَلَوْ أَدَّتْ إِلَى قَلْعِ الشَّعْرِ. لَكِنْ يَفْتَدِي إِذَا قَلَعَ الشَّعْرَ (١) .

وَأَمَّا الْفَصْدُ فَيَقُول الزَّرْقَانِيُّ: وَجَازَ فَصْدٌ لِحَاجَةٍ وَإِلاَّ كُرِهَ إِنْ لَمْ يَعْصِبْهُ، فَإِنْ عَصَبَهُ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ افْتَدَى (٢) .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ الْحِجَامَةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ تَضَمَّنَتْ قَطْعَ شَعْرٍ فَهِيَ حَرَامٌ لِقَطْعِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ جَازَتْ. وَاسْتَدَل بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ ﵁ قَال: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ (٣) .

وَاسْتُدِل بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الْفَصْدِ، وَبَطِّ الْجُرْحِ، وَقَطْعِ الْعِرْقِ، وَقَلْعِ الضِّرْسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّدَاوِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ارْتِكَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنْ تَنَاوُل الطِّيبِ، وَقَطْعِ الشَّعْرِ، وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (٤) .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الاِحْتِجَامِ لِلْمُحْرِمِ

_________

(١) الزرقاني على الموطأ ٢ / ٨٧.

(٢) البيان ٢ / ٢٩٤، ٢٩٧

(٣) حديث: " عن ابن بحينة قال: احتجم النبي ﷺ وهو محرم بلحي جمل في وسط رأسه " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٥٢ - ط السلفية) .

(٤) مغني المحتاج ١ / ٤٣١، والروضة ٢ / ٣٥٧.

إِذَا لَمْ يَقْلَعْ شَعْرًا دُونَ تَفْصِيلٍ، وَإِنِ اقْتَلَعَ شَعْرًا مِنْ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ بَدَنِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَرُمَ. وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَ.

وَيَجِبُ عَلَى مَنِ اقْتَلَعَ شَعْرًا بِسَبَبِ الْحِجَامَةِ فِدْيَةٌ فِي ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ مُدٌّ عَنْ كُل وَاحِدَةٍ. وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامُ ثَلاَثَةِ آصُعٍ أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ (١) . وَالْفَصْدُ مِثْل الْحِجَامَةِ فِي الأَْحْكَامِ.

امْتِهَانُ الْحِجَامَةِ وَأَخْذُ الأَْجْرِ عَلَيْهَا:

٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ) إِلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْحِجَامَةِ حِرْفَةً وَأَخْذِ الأُْجْرَةِ عَلَيْهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ (٢)، وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ وَفِي لَفْظٍ لَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ. وَلأَِنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَجَازَ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ، وَلأَِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا وَلاَ نَجِدُ كُل أَحَدٍ مُتَبَرِّعًا بِهَا، فَجَازَ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كَالرَّضَاعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ نَسَبَهُ الْقَاضِي إِلَى أَحْمَدَ قَال: لاَ يُبَاحُ أَجْرُ الْحَجَّامِ، فَإِذَا أُعْطِيَ

_________

(١) المغني ٣ / ٣٠٥، ٤٩٢، ٤٩٧.

(٢) حديث: " عن ابن عباس قال: احتجم النبي ﷺ وأعطى الحجام أجره " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٤٧ - ط السلفية) ومسلم (٤ / ١٧٣١ - ط الحلبي) .

شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلاَ شَرْطٍ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيَصْرِفُهُ فِي عَلَفِ دَوَابِّهِ وَمُؤْنَةِ صِنَاعَتِهِ، وَلاَ يَحِل لَهُ أَكْلُهُ (١)، وَاسْتَدَل لِهَذَا الْقَوْل بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ (٢) .

ضَمَانُ الْحَجَّامِ:

٩ - الْحَجَّامُ لاَ يَضْمَنُ إِذَا فَعَل مَا أُمِرَ بِهِ وَتَوَفَّرَ شَرْطَانِ:

أ - أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَ مُسْتَوًى فِي حِذْقِ صِنَاعَتِهِ يُمَكِّنُهُ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا بِنَجَاحٍ.

ب - أَنْ لاَ يَتَجَاوَزَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَل فِي مِثْلِهِ (٣) .

وَتَفْصِيلُهُ فِي تَدَاوٍ وَتَطْبِيبٍ.

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣٣، إكمال الإكمال ٤ / ٢٥١، وشرح النووي ١٠ / ٢٣٣، والمغني ٥ / ٥٣٩ - ٥٤٠، ونيل الأوطار ٦ / ٢٣.

(٢) حديث: " كسب الحجام خبيث " أخرجه مسلم (٣ / ١١٩٩ - ط الحلبي) من حديث رافع بن خديج.

(٣) المغني ٥ / ٥٣٨.

حَجَبَ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْحَجْبُ لُغَةً مَصْدَرُ حَجَبَ يُقَال: حَجَبَ الشَّيْءَ يَحْجُبُهُ حَجْبًا إِذَا سَتَرَهُ، وَقَدِ احْتَجَبَ وَتَحَجَّبَ إِذَا اكْتَنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.

وَحَجَبَهُ مَنَعَهُ عَنِ الدُّخُول، وَكُل مَا حَال بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَهُوَ حِجَابٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ (١) .

وَكُل شَيْءٍ مَنَعَ شَيْئًا فَقَدْ حَجَبَهُ، وَسُمِّيَ الْبَوَّابُ حَاجِبًا لأَِنَّهُ يَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ الدُّخُول.

وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل الْحَجْبُ فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ اصْطِلاَحًا: مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الإِْرْثِ مِنَ الإِْرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُسَمَّى حَجْبَ حِرْمَانٍ، أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ وَيُسَمَّى حَجْبَ نُقْصَانٍ (٢) .

وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْحَضَانَةِ وَالْوِلاَيَةِ بِمَعْنَى مَنْعِ الشَّخْصِ مِنْ دُونِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ كَمَا يُقَال: الأُْمُّ تَحْجُبُ كُل حَاضِنَةٍ سِوَاهَا، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِمَحْرَمٍ مِنَ الصَّغِيرِ، وَفِي الْوِلاَيَةِ يُقَال: إِنَّ الْوَلِيَّ

_________

(١) سورة فصلت / ٥.

(٢) لسان العرب وتحفة المحتاج ٦ / ٣٩٧، ومغني المحتاج ٣ / ١١، وكشف المخدرات ص ٣٣٤.

الأَْقْرَبَ يَحْجُبُ الْوَلِيَّ الأَْبْعَدَ. وَتَفْصِيلُهُ فِي الْحَضَانَةِ وَالْوِلاَيَةِ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْمَنْعُ:

٢ - مِنْ مَعَانِي الْمَنْعِ فِي اللُّغَةِ: الْحِرْمَانُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ تَعْطِيل الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَامْتِنَاعِ الْمِيرَاثِ مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ بِسَبَبِ اخْتِلاَفِ الدِّينِ - مَثَلًا - وَالْمَنْعُ فِي الإِْرْثِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَل فِي الْحَجْبِ بِالْوَصْفِ، أَمَّا الْحَجْبُ فَيُسْتَعْمَل فِي الْحَجْبِ بِالشَّخْصِ.

الْحَجْبُ فِي الْمِيرَاثِ:

٣ - الْحَجْبُ مُطْلَقًا قِسْمَانِ:

حَجْبٌ بِوَصْفٍ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَانِعِ، وَحَجْبٌ بِشَخْصٍ، وَهُوَ قِسْمَانِ: حَجْبُ حِرْمَانٍ، وَهُوَ أَنْ يُسْقِطَ الْوَارِثُ غَيْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَهُوَ لاَ يَدْخُل عَلَى سِتَّةٍ مِنَ الْوَرَثَةِ إِجْمَاعًا، وَهُمُ: الأَْبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالاِبْنُ وَالْبِنْتُ وَضَابِطُهُ: كُل مَنْ أَدْلَى بِنَفْسِهِ إِلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ الْمُعْتَقَ.

وَالثَّانِي: حَجْبُ نُقْصَانٍ: وَهُوَ حَجْبٌ عَنْ نَصِيبٍ أَكْثَرَ إِلَى نَصِيبٍ أَقَل. وَهُوَ لِخَمْسَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ: الزَّوْجَيْنِ، وَالأُْمِّ، وَبِنْتِ الاِبْنِ، وَالأُْخْتِ لأَِبٍ، وَالإِْخْوَةِ لأُِمٍّ.

وَلِلْحَجْبِ مُطْلَقًا قَوَاعِدُ يَقُومُ عَلَيْهَا، وَهِيَ: