الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٧
يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ، لأَِنَّهُ حَصَل بِهِ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (١) .
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الرُّؤْيَةِ مَعَ السَّمَاعِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
كَمَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِنْسَانٌ عَلَى مُنْتَقِبَةٍ حَتَّى تَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهَا لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهَا وَوَصْفِهَا لِتَتَعَيَّنَ لأَِدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ مَعَ الاِنْتِقَابِ (٢)، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (شَهَادَةٌ) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل مَا تُقْبَل فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَسَامُعٌ) .
ثَانِيًا: اسْتِعْمَال الْحِجَابِ فِي الْمَعَانِي:
١١ - يُسْتَعْمَل لَفْظُ الْحِجَابِ مَجَازًا فِي الْمَعَانِي وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْيَمَنِ وَقَال لَهُ:. . . وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ (٣) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ: قَوْلُهُ (حِجَابٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا
_________
(١) فتح القدير ٦ / ٤٦٢، ونشر إحياء التراث، والدسوقي ٤ / ١٩٣ - ١٩٤، وابن عابدين ٤ / ٣٧٣، والمغني ٩ / ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) ابن عابدين ٤ / ٣٧٣، والدسوقي ٤ / ١٩٤، ومغني المحتاج ٤ / ٤٤٦ - ٤٤٧، والمغني ٩ / ١٥٩ - ١٦٠.
(٣) حديث: " اتق دعوة المظلوم. . . . " أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٥٧ - ط السلفية) من حديث عبد الله بن عباس.
صَارِفٌ يَصْرِفُهَا وَلاَ مَانِعٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حِجَابًا يَحْجُبُهُ عَنِ النَّاسِ، وَقَال الطِّيبِيُّ: لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ تَعْلِيلٌ لِلاِتِّقَاءِ وَتَمْثِيلٌ لِلدُّعَاءِ كَمَنْ يَقْصِدُ دَارَ السُّلْطَانِ مُتَظَلِّمًا فَلاَ يُحْجَبُ (١) .
وَقَال الْحَافِظُ الْعَلاَئِيُّ: الْمُرَادُ بِالْحَاجِبِ وَالْحِجَابِ نَفْيُ عَدَمِ إِجَابَةِ دُعَاءِ الْمَظْلُومِ ثُمَّ اسْتَعَارَ الْحِجَابَ لِلرَّدِّ، فَكَانَ نَفْيُهُ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الإِْجَابَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِنَفْيِ الْحِجَابِ أَبْلَغُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْقَبُول، لأَِنَّ الْحِجَابَ مِنْ شَأْنِهِ الْمَنْعُ مِنَ الْوُصُول إِلَى الْمَقْصُودِ فَاسْتُعِيرَ نَفْيُهُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ ﷺ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلاَ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ.
٢ - الْحَجْبُ فِي الْمِيرَاثِ:
١٢ - الْحَجْبُ فِي الْمِيرَاثِ مَعْنَاهُ شَرْعًا: مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الإِْرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ، وَيُسَمَّى الأَْوَّل حَجْبَ حِرْمَانٍ، وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ.
وَحَجْبُ الْحِرْمَانِ قِسْمَانِ، حَجْبٌ بِالْوَصْفِ وَيُسَمَّى مَنْعًا كَالْقَتْل وَالرِّقِّ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ
_________
(١) فتح الباري ٣ / ٣٥٧ - ٣٥٩ - ٣٦٠.
عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ. وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوِ الاِسْتِغْرَاقِ، كَالأَْخِ لأَِبَوَيْنِ أَوْ لأَِبٍ يَحْجُبُهُ الأَْبُ وَالاِبْنُ وَابْنُ الاِبْنِ.
وَحَجْبُ النُّقْصَانِ كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ (١) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (إِرْثٌ - حَاجِبٌ) .
_________
(١) مغني المحتاج ٣ / ١١.
حِجَازٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْحِجَازُ لُغَةً مِنَ الْحَجْزِ، وَهُوَ الْفَصْل بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. قَال الأَْزْهَرِيُّ: الْحَجْزُ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَ مُتَقَاتِلَيْنِ، وَالْحِجَازُ الاِسْمُ وَكَذَا الْحَاجِزُ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَل بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾ (١) أَيْ حِجَازًا بَيْنَ مَاءٍ مِلْحٍ وَمَاءٍ عَذْبٍ لاَ يَخْتَلِطَانِ، وَذَلِكَ الْحِجَازُ قُدْرَةُ اللَّهِ (٢) .
وَيُقَال لِلْجِبَال أَيْضًا حِجَازٌ، أَيْ لأَِنَّهَا تَحْجِزُ بَيْنَ أَرْضٍ وَأَرْضٍ.
وَالْحِجَازُ الْبَلَدُ الْمَعْرُوفُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْحَجْزِ الَّذِي هُوَ الْفَصْل بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، قِيل: لأَِنَّهُ فَصَل بَيْنَ الْغَوْرِ (أَيْ تِهَامَةَ) وَالشَّامِ وَالْبَادِيَةِ.
وَقِيل: لأَِنَّهُ فَصَل بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. وَقَال الأَْزْهَرِيُّ: سُمِّيَ حِجَازًا لأَِنَّ الْحِرَارَ حَجَزَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَالِيَةِ نَجْدٍ (٣) . وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ اللُّغَوِيِّينَ فِي بَيَانِ مَا
_________
(١) سورة النمل / ٦١.
(٢) لسان العرب (حجز) .
(٣) لسان العرب أيضا (حجز) .
يَدْخُل تَحْتَ اسْمِ الْحِجَازِ وَبَيَانِ حُدُودِهِ، فَقَال يَاقُوتٌ الْحَمَوِيُّ: الْحِجَازُ الْجَبَل الْمُمْتَدُّ الَّذِي حَال بَيْنَ الْغَوْرِ، غَوْرِ تِهَامَةَ، وَنَجْدٍ، ثُمَّ نَقَل عَنْ الأَْصْمَعِيِّ الْحِجَازُ مِنْ تُخُومِ صَنْعَاءَ مِنْ الْعَبْلاَءِ وَتَبَالَةَ إِلَى تُخُومِ الشَّامِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْل هِشَامٍ الْكَلْبِيِّ إِنَّ جَبَل السَّرَاةِ مِنْ قُعْرَةِ الْيَمَنِ إِلَى أَطْرَافِ بَوَادِي الشَّامِ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ حِجَازًا، فَصَارَ مَا خَلْفَهُ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ غَوْرَ تِهَامَةَ، وَمَا دُونَهُ فِي شَرْقِيِّهِ إِلَى أَطْرَافِ الْعِرَاقِ وَالسَّمَاوَةِ نَجْدًا. وَالْجَبَل نَفْسُهُ وَهُوَ سَرَاتُهُ وَمَا احْتُجِزَ بِهِ فِي شَرْقِيِّهِ مِنَ الْجِبَال وَانْحَازَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِيهِ هُوَ الْحِجَازُ (١) .
وَأَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ وَخَاصَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ قَصَرُوا حُكْمَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، فَبَيَانُ مُرَادِهِمْ بِالْحِجَازِ كَمَا يَلِي:
قَال الشَّافِعِيُّ: وَالْحِجَازُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا كُلُّهَا. ثُمَّ قَال: " وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنْ يُمْنَعُوا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُقَامِ فِي سَوَاحِلِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ فِي بَحْرِ الْحِجَازِ جَزَائِرُ وَجِبَالٌ تُسْكَنُ مُنِعُوا مِنْ سُكْنَاهَا لأَِنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ". اهـ (٢) .
_________
(١) معجم البلدان - حجاز.
(٢) الأم للشافعي ٤ / ١٧٧، ١٧٨، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية.
وَذُكِرَ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ مِنْ مُدِنِ الْحِجَازِ وَقُرَاهُ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالْيَمَامَةَ وَقُرَاهَا كَالطَّائِفِ وَوَجٍّ وَجَدَّةَ وَالْيَنْبُعَ وَخَيْبَرَ، (وَأَضَافَ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ فَدَكًا) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْكَافِرَ يُمْنَعُ مِنْ الإِْقَامَةِ بِجَزَائِرِ بَحْرِ الْحِجَازِ وَلَوْ كَانَتْ خَرَابًا، وَمِنَ الإِْقَامَةِ فِي بَحْرٍ فِي الْحِجَازِ وَلَوْ فِي سَفِينَةٍ. وَفَسَّرَ الْقَلْيُوبِيُّ الْيَمَامَةَ بِأَنَّهَا الْبَلَدُ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُسَيْلِمَةُ، وَاَلَّتِي سُمِّيَتْ بِاسْمِهَا زَرْقَاءُ الْيَمَامَةِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحِجَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا يَأْتِي - يَشْمَل مَا هُوَ شَرْقِيُّ جِبَال الْحِجَازِ حَتَّى الْيَمَامَةِ وَقُرَاهَا وَهِيَ مِنْطَقَةُ الرِّيَاضِ الآْنَ (١)، أَوْ مَا كَانَ يُسَمَّى قَدِيمًا الْعَرْضُ أَوِ الْعَارِضُ (٢) وَهِيَ بَعْضُ الْعُرُوضِ، جَاءَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: الْعُرُوضُ الْيَمَامَةُ وَالْبَحْرَيْنُ وَمَا وَالاَهُمَا (٣) .
وَلَيْسَتْ الْبَحْرَيْنُ وَقَاعِدَتُهَا هَجَرُ مِنَ الْحِجَازِ (٤) .
وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ: فَإِنَّهُمْ عِنْدَمَا تَعَرَّضُوا لِمَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ سُكْنَاهُ بَيَّنُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ فِي الْحَدِيثِ (الْحِجَازُ) . جَاءَ فِي الْمُغْنِي:
_________
(١) شرح المنهاج وحاشية القليوبي ٤ / ٢٣٠.
(٢) لسان العرب - عرض.
(٣) معجم البلدان (الحجاز) .
(٤) المسالك والممالك للإصطخري ص ١٩.
قَال أَحْمَدُ، فِي حَدِيثِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (١): جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالاَهَا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالاَهَا وَهُوَ مَكَّةُ وَالْيَمَامَةُ وَخَيْبَرُ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا وَمَا وَالاَهَا. وَجَاءَ فِي كَلاَمِهِ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ تَيْمَاءَ وَفَيْدًا وَنَحْوَهُمَا لاَ يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ سُكْنَاهَا وَكَذَلِكَ الْيَمَنُ وَنَجْرَانُ وَتَيْمَاءُ وَفَيْدٌ مِنْ بِلاَدِ طَيِّئٍ (٢) .
وَجَاءَ فِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى: يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ الإِْقَامَةِ بِالْحِجَازِ، وَهُوَ مَا حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. وَالْحِجَازِ كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ وَفَدَكِ وَقُرَاهَا، وَفَدَكُ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ. وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمِنْ الْحِجَازِ تَبُوكُ وَنَحْوُهَا، وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى وَهُوَ عَقَبَةُ الصَّوَّانِ يُعْتَبَرُ مِنْ الشَّامِ كَمَعَانٍ (٣) .
الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحِجَازِ:
٢ - الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَمِنْهَا الْحِجَازُ تَرْجِعُ أَسَاسًا إِلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ: الأَْوَّل: أَنَّهَا لاَ يَسْكُنُهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ.
_________
(١) حديث: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٢٧١ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٢٥٨ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس.
(٢) المغني لابن قدامة ٨ / ٥٣٠، وكشاف القناع ٣ / ١٣٥ - ١٣٧.
(٣) مطالب أولي النهى ٢ / ٦١٥، والفروع ٦ / ٢٧٦.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لاَ يُدْفَنُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا لاَ يَبْقَى بِهَا دَارُ عِبَادَةٍ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا زَكَوِيَّةٌ كُلُّهَا لاَ يُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِهَا خَرَاجٌ.
وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ وَأَدِلَّتُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَالْخِلاَفُ فِيهِ تَحْتَ عِنْوَانِ (أَرْضُ الْعَرَبِ) لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ أَنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ نَوْعَانِ:
الأَْوَّل: مَا اتَّفَقَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ الْوَارِدَةِ أَحْكَامُهَا فِي الأَْحَادِيثِ، فَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الأَْحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ إِجْمَاعًا، وَهُوَ أَرْضُ الْحِجَازِ.
وَالثَّانِي: مَا اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ مُرَادٌ بِالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَأْنِ أَرْضِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَا عَدَا أَرْضَ الْحِجَازِ، كَالْبَحْرَيْنِ، وَالْيُمْنِ، وَمَا وَرَاءَ جِبَال طَيِّئٍ إِلَى حُدُودِ الْعِرَاقِ. فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا مُرَادَةٌ بِالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا. وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ وَلاَ تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا تِلْكَ الأَْحْكَامُ (١) .
وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ: (أَرْضُ الْعَرَبِ) .
_________
(١) جواهر الإكليل ١ / ٢٦٧، فتح القدير ط بولاق ٤ / ٣٧٩
حِجَامَةٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الْحِجَامَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحَجْمِ أَيِ الْمَصِّ. يُقَال: حَجَمَ الصَّبِيُّ ثَدْيَ أُمِّهِ إِذَا مَصَّهُ.
وَالْحَجَّامُ الْمَصَّاصُ، وَالْحِجَامَةُ صِنَاعَتُهُ وَالْمِحْجَمُ يُطْلَقُ عَلَى الآْلَةِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا الدَّمُ وَعَلَى مِشْرَطِ الْحَجَّامِ (١) فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ (٢) .
وَالْحِجَامَةُ فِي كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ قُيِّدَتْ عِنْدَ الْبَعْضِ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ مِنَ الْقَفَا بِوَاسِطَةِ الْمَصِّ بَعْدَ الشَّرْطِ بِالْحَجْمِ لاَ بِالْفَصْدِ (٣) . وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ الْحِجَامَةَ لاَ تَخْتَصُّ بِالْقَفَا بَل تَكُونُ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ (٤) . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ.
_________
(١) لسان العرب مادة: (حجم) .
(٢) حديث: " الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة. . . . . " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٣٦ - ط السلفية) من حديث ابن عباس ﵄ مرفوعا.
(٣) إكمال الإكمال ٤ / ٢٦٥.
(٤) الزرقاني على الموطأ ٢ / ١٨٧، وفتح الباري ١٢ / ٢٤٤.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَصْدُ:
٢ - فَصَدَ يَفْصِدُ فَصْدًا وَفِصَادًا: شَقَّ الْعِرْقَ لإِخْرَاجِ الدَّمِ. وَفَصَدَ النَّاقَةَ شَقَّ عِرْقَهَا لِيَسْتَخْرِجَ مِنْهُ الدَّمَ فَيَشْرَبَهُ (١) .
فَالْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِخْرَاجٌ لِلدَّمِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْفَصْدَ شَقُّ الْعِرْقِ، وَالْحِجَامَةُ مَصُّ الدَّمِ بَعْدَ الشَّرْطِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
٣ - التَّدَاوِي بِالْحِجَامَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْهَا قَوْلُهُ: خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: خَيْرُ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ (٢) .
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ (٣) .
_________
(١) لسان العرب وتاج العروس مادة: (فصد) .
(٢) حديث: " خير ما تداويتم به الحجامة " وحديث: " خير الدواء الحجامة " أخرجه أحمد (٣ / ١٠٧ - ط الحلبي) أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٥٠ - ط السلفية) بلفظ: " أن أمثل ما تداويتم به الحجامة ".
(٣) الطب النبوي ص ٥٥، الترغيب والترهيب ٦ / ١١٤ وما بعدها. وحديث: " إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة. . . . " أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٣٩ - ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله.