الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦ الصفحة 11

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦

بِالْوُضُوءِ قَبْل النَّوْمِ، فَهَل الأَْمْرُ لِلإِْيجَابِ أَوْ لِلنَّدْبِ؟ قَوْلاَنِ (١) .

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ مُعَاوَدَةَ الأَْهْل الْوُضُوءَ وَعَدَمَهُ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لاَ بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَال: نَعَمْ (٢)، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْل أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً (٣) وَلأَِنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لأَِدَاءِ الصَّلاَةِ، وَلَيْسَ فِي النَّوْمِ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ.

لَكِنِ اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْكْل وَالشُّرْبِ لِمَنْ كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَغْسِل يَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَقَال مُجَاهِدٌ: يَغْسِل كَفَّيْهِ (٤) .

_________

(١) المجموع ٢ / ١٦٠، والمغني ١ / ٢٢٩، ومنح الجليل ١ / ٧٨.

(٢) حديث عمر: " أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٣٩٢ - ط السلفية) .

(٣) حديث: " كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء " أخرجه الترمذي (١ / ٢٠٢ - ط الحلبي) وأعله ابن حجر في التلخيص (١ / ١٤٠ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٤) البدائع ١ / ٣٨، والمغني ١ / ٢٢٩.

٢٢ - يَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ أَدَاءُ الصَّوْمِ بِأَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا قَبْل أَنْ يَغْتَسِل (١) فَإِنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ قَالَتَا: نَشْهَدُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أِنْ كَانَ لِيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَغْتَسِل ثُمَّ يَصُومُ (٢) .

٢٣ - يَصِحُّ أَذَانُ الْجُنُبِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَذَانٌ) .

٢٤ - تَجُوزُ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ كَانَ جُنُبًا مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَفِي الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الطَّهَارَةَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ هَؤُلاَءِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا؛ وَلأَِنَّهَا مِنْ بَابِ الذِّكْرِ، وَالْجُنُبُ لاَ يُمْنَعُ مِنَ الذِّكْرِ، فَإِنْ خَطَبَ جُنُبًا وَاسْتَخْلَفَ فِي الصَّلاَةِ أَجْزَأَهُ، كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ خَطَبَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ اغْتَسَل وَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الأَْشْبَهُ بِأُصُول مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ فَلاَ تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِدُونِهَا (٣) .

_________

(١) البدائع ١ / ٣٨، والمغني ٣ / ١٠٩، والمهذب ١ / ١٨٨ - ١٨٩، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٢ - ١٥٣.

(٢) حديث: " أن عائشة وأم سلمة قالتا: نشهد على رسول الله ﷺ إن كان ليصبح جنبا من غير احتلام ثم يغتسل ثم يصوم " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٥٣ - ط السلفية) .

(٣) البدائع ١ / ٢٦٣، والشرح الصغير ١ / ١٨٢، والمهذب ١ / ١١٨، والمغني ٢ / ٣٠٧.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (صَلاَةُ الْجُمُعَةِ، خُطْبَةٌ) .

أَثَرُ الْجَنَابَةِ فِي الصَّوْمِ:

٢٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ إِذَا كَانَتْ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ، إِلاَّ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّ الْخَلَل الْحَاصِل قَدِ انْجَبَرَ بِالْكَفَّارَةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ إِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَلَكِنِ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ مَعَ الْكَفَّارَةِ.

وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال يَا رَسُول اللَّهِ هَلَكْتُ، قَال: مَا لَكَ؟ قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ.

فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: هَل تَجِدُ رَقَبَةً تَعْتِقُهَا؟ قَال لاَ. قَال فَهَل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَال لاَ. قَال: فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَال لاَ. قَال فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعِرْقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعِرْقُ: الْمِكْتَل - قَال: أَيْنَ السَّائِل؟ فَقَال أَنَا. قَال: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَال الرَّجُل: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُول اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْل بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْل بَيْتِي. فَضَحِكَ

النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ (١) .

وَالْكَفَّارَةُ فِيمَا سَبَقَ إِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ الْجِمَاعُ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ نِسْيَانًا فَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ لَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالنِّسْيَانِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانٌ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ يَجِبُ الْقَضَاءُ. وَلاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (٢) .

٢٦ - أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجَنَابَةُ بِالإِْنْزَال بِغَيْرِ جِمَاعٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. فَإِنْ كَانَ عَنِ احْتِلاَمٍ فَلاَ يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالإِْجْمَاعِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: ثَلاَثٌ لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَيْءُ

_________

(١) حديث: أبي هريرة: " بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٦٣ - ط السلفية) .

(٢) الاختيار ١ / ١٣١، والهداية ١ / ١٢٢، والبدائع ٢ / ٩٠ - ٩٨، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٠، والشرح الصغير ١ / ٢٤٨، - ٢٤٩ ط الحلبي، ومغني المحتاج ١ / ٤٤٢ - ٤٤٤، والمهذب ١ / ١٩٠، والمغني ٣ / ١٢٠ - ١٢١، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤٥١ - ٤٥٢.

وَالاِحْتِلاَمُ (١) . وَلأَِنَّهُ لاَ صُنْعَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَنَابَةُ بِالإِْنْزَال عَنْ تَعَمُّدٍ بِمُبَاشَرَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ قُبْلَةٍ، أَوْ لَمْسٍ بِشَهْوَةٍ، أَوِ اسْتِمْنَاءٍ فَسَدَ الصَّوْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِفَسَادِ الصَّوْمِ يَجِبُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَالرَّجُل وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

أَمَّا الْجَنَابَةُ الَّتِي تَكُونُ بِالإِْنْزَال عَنْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فَلاَ تُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ (٢) .

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَل فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنِ اعْتَادَ الإِْنْزَال بِالنَّظَرِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ

_________

(١) حديث: " ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام " أخرجه الترمذي (٣ / ٨٨ - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، وضعفه ابن حجر في التلخيص (٢ / ١٩٤ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٢) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم " أخرجه البخاري (الفتح ١١ / ٥٤٩ - ط السلفية) ومسلم (١ / ١١٦ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَل فَسَدَ صَوْمُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ دَاوَمَ الْفِكْرَ أَوِ النَّظَرَ فَأَنْزَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ عَدَمَ الإِْنْزَال فَأَنْزَل فَسَدَ صَوْمُهُ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهَا قَوْلاَنِ، وَإِنْ لَمْ يُدِمِ النَّظَرَ أَوِ الْفِكْرَ فَأَنْزَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُ الإِْنْزَال فَقَوْلاَنِ فِي الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهَا (١) .

أَثَرُ الْجَنَابَةِ فِي الْحَجِّ:

٢٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ إِذَا كَانَتْ بِجِمَاعٍ فَإِنْ كَانَتْ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَاةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ، وَالْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي الْجَدِيدِ لاَ يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ نِسْيَانًا.

وَإِنْ كَانَتِ الْجَنَابَةُ بِالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَفْسُدُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ لِقَوْل

_________

(١) البدائع ٢ / ٩١ - ٩٣ - ٩٤، والزيلعي ١ / ٣٢٣، والاختيار ١ / ١٣١ - ١٣٢، والهداية ١ / ١٢٢ - ١٢٣، ومنح الجليل ١ / ٤٠٢ - ٤٠٣، والشرح الصغير ١ / ٢٤٩، وجواهر الإكليل ١ / ١٥٠، والمهذب ١ / ١٨٩ - ١٩٠، ومغني المحتاج ١ / ٤٣٠ - ٤٤٣ - ٤٤٨ - ٤٤٩، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤٥١ - ٤٥٢، والمغني ٣ / ١١١ - ١١٢ - ١١٣ - ١١٤ - ١١٥ - ١١٦ - ١٢٤.

النَّبِيِّ ﷺ: الْحَجُّ عَرَفَةَ (١) فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْجُمْلَةِ، إِنْ كَانَتِ الْجَنَابَةُ بِالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْل التَّحَلُّل الأَْوَّل فَسَدَ الْحَجُّ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ وُجُوبِ بَدَنَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَشَاةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَنَابَةُ بَعْدَ التَّحَلُّل الأَْوَّل لَمْ يَفْسُدِ الْحَجُّ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، قِيل بَدَنَةٌ وَقِيل شَاةٌ.

وَلاَ يَفْسُدُ الْحَجُّ بِالْجَنَابَةِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَأَنْ كَانَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجَنَابَةُ بِذَلِكَ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَمْ بَعْدَهُ مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْخِلاَفِ هَل هِيَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ فَصَّل الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْل فَقَالُوا: إِنَّ الْحَجَّ يَفْسُدُ بِالْجَنَابَةِ بِالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا وَذَلِكَ إِنْ وَقَعَتِ الْجَنَابَةُ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي.

أ - إِذَا كَانَتْ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

ب - إِذَا كَانَتْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (أَيْ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) . وَلَكِنْ قَبْل رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْل الطَّوَافِ.

_________

(١) حديث: " الحج عرفة " أخرجه أبو داود (٢ / ٤٨٦ - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (١ / ٤٦٤ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وَلاَ يَفْسُدُ الْحَجُّ إِنْ وَقَعَ الْجِمَاعُ أَوْ مُقَدِّمَاتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ.

أَوْ وَقَعَ الْجِمَاعُ أَوْ مُقَدِّمَاتُهُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ قَبْل الطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ.

وَالْعُمْرَةُ تَفْسُدُ بِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْمَذَاهِبِ قَبْل التَّحَلُّل مِنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَنَابَةُ بَعْدَ طَوَافِ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلاَ تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ (١) .

وَفِي كُل مَا سَبَقَ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي (حَجٌّ، عُمْرَةٌ، إِحْرَامٌ) .

_________

(١) الاختيار ١ / ١٦٤، والهداية ١ / ١٦٤ - ١٦٥، والبدائع ٢ / ١٩٥، ٢١٦ - ٢١٧، وجواهر الإكليل ١ / ١٩٢، والشرح الصغير ١ / ٢٩١ - ٢٩٢ ط الحلبي، ومغني المحتاج ١ / ٥٢٢ - ٥٢٣، والمهذب ١ / ٢٢٠ - ٢٢٢ - ٢٢٣، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٣١ - ٣٢، ٣٧، والمغني ٣ / ٣٣٤ وما بعدها

جِنَايَةٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ، وَهُوَ فِي الأَْصْل مَصْدَرُ جَنَى، ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُول، قَال الْجُرْجَانِيِّ: الْجِنَايَةُ كُل فِعْلٍ مَحْظُورٍ يَتَضَمَّنُ ضَرَرًا عَلَى النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَال الْحَصْكَفِيُّ: الْجِنَايَةُ شَرْعًا اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَل بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ. إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوا لَفْظَ الْجِنَايَةِ بِمَا حَل بِنَفْسٍ وَأَطْرَافٍ، وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ بِمَا حَل بِمَالٍ (١) .

وَتُذْكَرُ الْجِنَايَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَيُرَادُ بِهَا كُل فِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَل بِمَالٍ، كَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالإِْتْلاَفِ، وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا أَيْضًا مَا تُحْدِثُهُ الْبَهَائِمُ، وَتُسَمَّى: جِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا كَمَا أَطْلَقَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى كُل فِعْلٍ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الإِْحْرَامِ أَوِ الْحَرَمِ.

فَقَالُوا: جِنَايَاتُ الإِْحْرَامِ، وَالْمُرَادُ بِهَا كُل فِعْلٍ لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَوِ الْحَاجِّ أَنْ يَفْعَلَهُ (٢) .

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣٣٩ ط دار إحياء التراث العربي، والطحطاوي ١ / ٥١٩ ط دار المعرفة، والتعريفات للجرجاني مادة: (جناية)، ولسان العرب، مادة: (جنى) .

(٢) الاختيار ١ / ١٦١، والبدائع ٧ / ٢٣٣، وابن عابدين ٥ / ٣٣٩، وفتح القدير ٢ / ٤٣٨ ط دار إحياء التراث العربي، والطحطاوي ١ / ٥١٩.

وَعَبَّرَ عَنْهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِمَمْنُوعَاتِ الإِْحْرَامِ أَوْ مَحْظُورَاتِهِ، أَوْ مُحَرَّمَاتِ الإِْحْرَامِ، وَالْحَرَمِ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْجَرِيمَةُ:

٢ - الْجُرْمُ وَالْجَرِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: الذَّنْبُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ: الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، فَالْجَرِيمَةُ أَعَمُّ مِنَ الْجِنَايَةِ (٢)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

٣ - كُل عُدْوَانٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا.

الْحُكْمُ الْوَضْعِيُّ:

٤ - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ بِحَسَبِهَا فَيَكُونُ قِصَاصًا، أَوْ دِيَةً، أَوْ أَرْشًا، أَوْ حُكُومَةَ عَدْلٍ، أَوْ ضَمَانًا عَلَى حَسَبِ الأَْحْوَال، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ارْتِكَابِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ، الْكَفَّارَةُ أَوِ الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ.

_________

(١) شرح الزرقاني ٢ / ٢٩٠، وجواهر الإكليل ١ / ١٨٦، والقوانين الفقهية / ١٣٤، والقليوبي ٢ / ١٣١، وكشاف القناع ٢ / ٤٢١.

(٢) الأحكام السلطانية للماوردي / ١٩٢ ولسان العرب ومتن اللغة " جرم ".