الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦ الصفحة 10

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٦

مَحَلِّهِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَتَكُونُ الْجَنَابَةُ مَوْجُودَةً فَيَجِبُ الْغُسْل بِهَا؛ وَلأَِنَّ الْغُسْل تُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ بِانْتِقَالِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَ.

وَاسْتَدَل ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلَّقَ الاِغْتِسَال عَلَى الرُّؤْيَةِ وَفَضْخِهِ بِقَوْلِهِ: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (١) وَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِل (٢) فَلاَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى جُنُبًا لِمُجَانَبَتِهِ الْمَاءَ، وَلاَ يَحْصُل إِلاَّ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ. وَكَلاَمُ أَحْمَدَ إِنَّمَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا انْتَقَل لَزِمَ مِنْهُ الْخُرُوجُ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ.

وَيُعْتَبَرُ جُنُبًا مَنِ انْتَقَل مَنِيُّهُ مِنْ مَحَلِّهِ بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ لاَ عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ؛ إِذْ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ هُوَ الاِنْفِصَال مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ (٣) .

مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَنَابَةُ:

٨ - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَكُونُ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ بِدُونِ

_________

(١) حديث: " إذا رأت الماء. . . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٣٨٨ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٢٥١ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " إذا فضخت الماء فاغتسل " أخرجه أبو داود (١ / ١٤٢ - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حبان (٢ / ٢١٨ - ط دار الكتب العلمية) .

(٣) البدائع ١ / ٣٦ - ٣٧، والهداية ١ / ١٦، ومنح الجليل ١ / ٧١ - ٧٢ والمجموع ٢ / ١٤١ - ١٤٢، والمغني ١ / ١٩٩ - ٢٠٠.

إِنْزَالٍ أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ، وَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ بِمَا يَأْتِي:

أ - بِالْغُسْل، وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل مِنَ الْجِمَاعِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ (١): وَإِنْ لَمْ يُنْزِل.

وَالْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ فَنُسِخَ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ، وَالآْثَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ الصَّحَابَةِ قَالُوهَا قَبْل أَنْ يَبْلُغَهُمُ النَّسْخُ، قَال سَهْل بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ (٢)

كَانَ رُخْصَةً أَرْخَصَ فِيهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا (٣) .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (غُسْلٌ) .

وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل بِنُزُول الْمَنِيِّ مِنْ

_________

(١) قول النبي ﷺ: " إذا جلس بين شعبها الأربع. . . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٣٩٥ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٢٢٧١ - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.

(٢) حديث " الماء من الماء " أخرجه مسلم (١ / ٢٦٩ - ط الحلبي)

(٣) البدائع ١ / ٣٦ - ٣٧، ومنح الجليل ١ / ٧١ - ٧٢، والمجموع ٢ / ١٣٧ إلى ١٤١، ومغني المحتاج ١ / ٦٩ - ٧٠، والمغني ١ / ١٩٩ إلى ٢٠٤، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٧٤ - ٧٥.

غَيْرِ جِمَاعٍ مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ ﵂ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ هَل عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ. قَال: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (١) .

٩ - ب - التَّيَمُّمُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ هَل هُوَ رَافِعٌ لِلْجَنَابَةِ، أَوْ غَيْرُ رَافِعٍ لَهَا؟ وَمَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ بِهِ مَا يُبَاحُ بِالْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لأَِنَّهُ بَدَلٌ مُطْلَقٌ عَنِ الْمَاءِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ (٢) فَقَدْ سَمَّى التَّيَمُّمَ وُضُوءًا، وَالْوُضُوءُ مُزِيلٌ لِلْحَدَثِ، وَقَال ﷺ: جُعِلَتْ لِيَ

_________

(١) حديث: " إذا رأت الماء. . . . " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٣٨٨ - ط السلفية) مسلم (١ / ٢٥١ - ط الحلبي) .

(٢) حديث: " إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير " أخرجه الترمذي (١ / ٢١٢ - ط الحلبي) والحاكم (١ / ١٧٦ - ١٧٧ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي ذر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

الأَْرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا (١)، وَالطَّهُورُ اسْمٌ لِلْمُطَهِّرِ فَدَل عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَزُول بِالتَّيَمُّمِ، إِلاَّ أَنَّ زَوَالَهُ مُؤَقَّتٌ إِلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ يَعُودُ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَلَكِنْ فِي الْمُسْتَقْبَل لاَ فِي الْمَاضِي، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الصَّلاَةِ الْمُؤَدَّاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ قَبْل دُخُول الْوَقْتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال الْقَرَافِيُّ: الْحَدَثُ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الصَّلاَةِ، وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ، وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلاَةُ إِجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إِجْمَاعًا؛ لأَِنَّهُ لاَ مَنْعَ مَعَ الإِْبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ، وَإِذَا كَانَتِ الإِْبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا، وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ - أَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لأَِنَّهُ بَدَلٌ ضَرُورِيٌّ، أَوْ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَل مَعَ الْقَوْمِ فَقَال: يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ فَقَال: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ، فَلَمَّا

_________

(١) حديث: " جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا " أخرجه مسلم (١ / ٣٧١ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

حَضَرَ الْمَاءُ أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ هَذَا الرَّجُل إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَقَال: اغْتَسِل بِهِ. (١)

وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ تَيَمَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ وَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ. (٢)

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَعْزُبُ فِي الإِْبِل وَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال لَهُ: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسُّهُ بَشَرَتَهُ (٣) . قَال النَّوَوِيُّ: وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا ارْتَفَعَ، إِذْ لَوِ ارْتَفَعَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الاِغْتِسَال (٤) .

مَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ:

١٠ - يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الصَّلاَةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ

_________

(١) حديث: " أعطى النبي ﷺ هذا الرجل إناء من ماء فقال اغتسل به. " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ٤٤٧ - ٤٤٨ - ط السلفية) ومسلم (١ / ٤٧٥ - ط السلفية) .

(٢) حديث: " صليت بأصحابك. . . . " أخرجه أبو داود (١ / ٢٣٨ - تحقيق عزت عبيد دعاس) عن عمرو بن العاص. وقواه ابن حجر في الفتح (١ / ٤٥٤ - ط السلفية) .

(٣) حديث: " الصعيد الطيب طهور المسلم. . . " سبق تخريجه ف / ٩.

(٤) البدائع ١ / ٤٤ - ٤٥، ٥٥، والفروق للقرافي ٢ / ١١٤، ١١٦، الفرق الثاني والثمانون، ومنح الجليل ١ / ٨٦ إلى ٨٩، ومغني المحتاج ١ / ٩٧ - ٩٨، والمجموع ٢ / ٢١٠، ٢٢٣، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص ٢٢، والمغني ١ / ٢٥٢.

فَرْضًا أَمْ نَفْلًا؛ لأَِنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلاَةِ وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ. (١)

وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. وَيَشْمَل ذَلِكَ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ وَصَلاَةَ الْجِنَازَةِ (٢) .

١١ - وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ الطَّوَافَ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَحَل لَكُمْ فِيهِ الْكَلاَمَ (٣) وَلِذَلِكَ لاَ يَصِحُّ الطَّوَافُ مِمَّنْ كَانَ جُنُبًا، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ لأَِنَّ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ شَرْطًا وَإِنَّمَا هِيَ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال: الْبَدَنَةُ تَجِبُ فِي الْحَجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ: إِذَا طَافَ جُنُبًا، وَالثَّانِي: إِذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ (٤) .

_________

(١) حديث: " لا تقبل صلاة بغير طهور " أخرجه مسلم (١ / ٢٠٤ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.

(٢) البدائع ١ / ٣٣، ٣٧، وجواهر الإكليل ١ / ٢١، ٢٣، ومغني المحتاج ١ / ٣٦، ٧١، والمجموع ٢ / ٦٨، ٦٩، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٧٢، ٨٣

(٣) حديث: " الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل لكم فيه الكلام " أخرجه الترمذي (٣ / ٢٨٤ - ط الحلبي) والحاكم (١ / ٤٥٩ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عباس. واللفظ للحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.

(٤) البدائع ٢ / ١٢٩، والاختيار ١ / ١٦٣، وجواهر الإكليل ١ / ٢١، ٢٣، ومغني المحتاج ١ / ٣٦، ٧١، والمجموع ٢ / ١٥٩، وشرح المنتهى ١ / ٧٢، ٨٣.

١٢ - وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُصْحَفًا جَامِعًا لِلْقُرْآنِ، أَمْ كَانَ جُزْءًا أَمْ وَرَقًا مَكْتُوبًا فِيهِ بَعْضُ السُّوَرِ، وَكَذَا مَسُّ جِلْدِهِ الْمُتَّصِل بِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (١)﴾ وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ (٢) .

١٣ - وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ كَذَلِكَ حَمْل الْقُرْآنِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِأَمْتِعَةٍ، وَالأَْمْتِعَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ، كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ حَمْلَهُ بِعَلاَّقَةٍ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَجُوزُ حَمْل الْمُصْحَفِ بِعَلاَّقَتِهِ وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي وَائِلٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَاسٍّ لَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَهُ فِي رَحْلِهِ.

١٤ - وَيَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ؛ لأَِنَّهُ يَصِيرُ بِمَسِّهَا مَاسًّا لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقِلَّةِ

_________

(١) سورة الواقعة / ٧٩.

(٢) حديث: " لا يمس القرآن إلا طاهر " أخرجه الحاكم (١ / ٣٩٧ - ط دائرة المعارف العثمانية) ثم أورد له شاهدا من حديث حكيم بن حزام (٣ / ٤٨٥) وصححه ووافقه الذهبي.

وَالْكَثْرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ كَبَعْضِ كُتُبِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ حَرُمَ مَسُّهُ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لاَ يَحْرُمُ مَسُّهُ فِي الأَْصَحِّ.

وَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ - غَيْرَ ابْنِ عَرَفَةَ - وَالْحَنَابِلَةُ لأَِنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ مُصْحَفٍ.

١٥ - وَيَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَسُّ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؛ لأَِنَّ الدَّرَاهِمَ كَالْوَرَقَةِ الَّتِي كُتِبَ فِيهَا قُرْآنٌ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَالشَّعْبِيُّ، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الأَْصَحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَتْ كُتُبَ الْفِقْهِ؛ وَلأَِنَّ فِي الاِحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةً، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَالْبَلْوَى تَعُمُّ، فَعُفِيَ عَنْهُ.

١٦ - وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لاَ يَكْتُبَ؛ لأَِنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى الْقِرَاءَةِ (١) .

١٧ - وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ

_________

(١) البدائع ١ / ٣٣، ٣٧، ٣٨، ومنح الجليل ١ / ٧٠ - ٧١، ٧٨ - ٧٩، والشرح الصغير ١ / ٥٧، ٦٧ ط الحلبي، ومغني المحتاج ١ / ٣٦ - ٣٧، ٧٢، والمجموع شرح المهذب ٢ / ٦٩ - ٧٣، ١٥٩ - ١٦٢، والمغني ١ / ١٤٣ - ١٤٤، ١٤٧ - ١٤٨.

لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لاَ يَحْجِزُهُ شَيْءٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِلاَّ الْجَنَابَةُ (١) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ (٢) .

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ كُل الْقُرْآنِ. قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا: اخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ تِلاَوَةُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْآنُ كَالأَْدْعِيَةِ وَالذِّكْرِ الْبَحْتِ (٣) .

١٨ - وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُخُول الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثُ فِيهِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عُبُورَهُ، لِلاِسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ (٤)﴾ . وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْعُبُورَ إِلاَّ بِالتَّيَمُّمِ (٥) .

١٩ - وَيَحْرُمُ الاِعْتِكَافُ لِلْجُنُبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿

_________

(١) حديث: " كان لا يحجزه شيء من قراءة القرآن إلا الجنابة " أخرجه أحمد (١ / ٨٤ - ط الميمنية) من حديث علي بن أبي طالب، والنووي في المجموع (٢ / ١٥٩ - ط المنيرية)، وقال الحفاظ المحققون: هو حديث ضعيف.

(٢) حديث: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " أخرجه الترمذي (١ / ٢٣٦ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر، وضعفه ابن حجر في التلخيص (١ / ١٣٨ - ط شركة الطباعة الفنية) .

(٣) المراجع السابقة.

(٤) سورة النساء / ٤٣.

(٥) الاختيار ١ / ١٣، ومنهج الجليل ١ / ٧٨ - ٧٩، ومغني المحتاج ١ / ٧١ ومنتهى الإردات ١ / ٧٧.

وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اعْتِكَافٌ)

مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُبَاحُ لِلْجُنُبِ:

٢٠ - يُبَاحُ لِلْجُنُبِ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ (١) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُل أَحْيَانِهِ (٢) .

٢١ - يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِل فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ (٣) . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٤) .

وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِمُعَاوَدَةِ الأَْهْل وَاجِبٌ؛ لأَِنَّ الْجُنُبَ مَأْمُورٌ

_________

(١) الاختيار ١ / ١٣، ومغني المحتاج ١ / ٧١، وكشاف القناع ١ / ١٤٧ - ١٤٨.

(٢) حديث: " كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه " أخرجه مسلم (١ / ٢٨٢ - ط الحلبي) من حديث عائشة.

(٣) حديث: " كان إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه " أخرجه مسلم (١ / ٢٤٨ - ط الحلبي) .

(٤) حديث: " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا " أخرجه مسلم (١ / ٢٤٩ - ط الحلبي) .