الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٥
الْعُرْفُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالْعِوَضُ الثَّانِي شَيْئًا مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ، عَرَضًا أَوْ نَحْوَهُ، أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا عَدَاهُمَا مُثَمَّنَاتٌ. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمُثَمَّنِ بِبَاءِ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ نَقْدٌ.
فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ فَهُوَ ثَمَنٌ، فَدِينَارٌ بِثَوْبٍ: الثَّمَنُ الثَّوْبُ، لِدُخُول الْبَاءِ عَلَيْهِ. (٢)
تَعَيُّنُ الثَّمَنِ بِالتَّعْيِينِ:
٩ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: إِنَّ النُّقُودَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ غَيْرِهِ.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ - إِلاَّ زُفَرَ - وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِلاَّ إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِنْ ذَوِي الشُّبُهَاتِ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي تَعَيُّنِ الأَْثْمَانِ.
فَالأَْثْمَانُ النَّقْدِيَّةُ الرَّائِجَةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ.
أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالأَْمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ
_________
(١) البهجة شرح التحفة ٢ / ٨٦، والحطاب ٤ / ٤٧٩، والمجموع شرح المهذب ٩ / ٢٦٢، ومغني المحتاج ٢ / ٧٠
(٢) مطالب أولي النهى ٣ / ١٨٥
بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَسَائِل لِغَيْرِهَا بَل تَكُونُ مَقْصُودَةً بِالذَّاتِ، فَإِذَا هَلَكَ رَأْسُ مَال أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ قَبْل الشِّرَاءِ وَقَبْل الْخَلْطِ تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْثْمَانُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لأَِنَّهَا إِذَا عُيِّنَتْ تَكُونُ مَبِيعَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَقْصُودَةً بِالذَّاتِ.
أَمَّا الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي غَالِبُهَا الْغِشُّ:
فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، لِكَوْنِهَا أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الاِصْطِلاَحُ مَوْجُودًا لاَ تَبْطُل الثَّمَنِيَّةُ، لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَائِجَةٍ فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِزَوَال الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الاِصْطِلاَحُ، وَهَذَا لأَِنَّهَا فِي الأَْصْل سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالاِصْطِلاَحِ، فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إِلَى أَصْلِهَا.
كَمَا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالْكِرَاءَ فَفِيهِمَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ، وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الأَْثْمَانَ النَّقْدِيَّةَ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الأَْصْل اسْمٌ لِمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَالثَّمَنَ فِي الأَْصْل مَا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَالْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ.
فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى هَذَا الأَْصْل أَثْمَانٌ لاَ تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فِي حَقِّ الاِسْتِحْقَاقِ وَإِنْ عُيِّنَتْ، حَتَّى لَوْ قَال: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ كَانَ
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَيَرُدَّ مِثْلَهُ.
وَلَكِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْل الْمُشَارِ إِلَيْهِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَلَوْ هَلَكَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ لاَ يَبْطُل الْعَقْدُ. (١)
١٠ - وَالثَّمَنُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الذِّمَّةِ، هَكَذَا نُقِل عَنِ الْفَرَّاءِ، وَهُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَلأَِنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى ثَمَنًا، وَالآْخَرَ مَبِيعًا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاخْتِلاَفُ الأَْسَامِي دَلِيل اخْتِلاَفِ الْمَعَانِي فِي الأَْصْل، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَعْمَل أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ تَوَسُّعًا؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَابِل صَاحِبَهُ، فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، كَمَا يُسَمَّى جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً، وَجَزَاءُ الاِعْتِدَاءِ اعْتِدَاءً.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْيِينِ بِالإِْشَارَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ حَقِيقَةً فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ، فَجُعِل كِنَايَةً عَنْ بَيَانِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِل بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. وَلأَِنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لأَِنَّ كُل عِوَضٍ يُطْلَبُ مِنَ الْمُعَيَّنِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ
_________
(١) رد المحتار ٥ / ١٥٣، وتبيين الحقائق ٤ / ١٤١، والمجلة مادة ٢٤٣، ٢٤٤، ودرر الأحكام لعلي حيدر ١ / ١٩١، والبحر الرائق ٥ / ٢٩٩، ٦ / ٢١٨، والعناية ٥ / ٨٣، والمنتقى شرح الموطأ ٤ / ٢٦٨، والدسوقي ٣ / ١٥٥، والمغني مع الشرح الكبير ٤ / ١٦٩، ١٧٥
مِنْ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَكُنِ التَّعْيِينُ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ مُفِيدًا فَيَلْغُو فِي حَقِّهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي بَيَانِ حَقِّ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ؛ لأَِنَّ التَّعْيِينَ فِي حَقِّهِ مُفِيدٌ.
وَلأَِنَّهُ يَجُوزُ إِطْلاَقُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْعَقْدِ، فَلاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ، كَالْمِكْيَال وَالصَّنْجَةِ.
وَيَسْتَثْنِي الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الصَّرْفَ فَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ لاِشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا الْكِرَاءَ. (١)
الْقَوْل الثَّانِي: الأَْثْمَانُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:
١١ - فَيَتَعَيَّنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ الأَْعْيَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَلَوْ هَلَكَ قَبْل الْقَبْضِ يَبْطُل الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ هَلَكَ سَائِرُ الأَْعْيَانِ، وَلاَ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. (٢)
_________
(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٢٢٣ - ٣٢٢٥، والمنتقى شرح الموطأ ٤ / ٢٦٨، والمغني لابن قدامة ٤ / ١٦٩ وبهامشه الشرح الكبير ٤ / ١٧٥
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٣٢٢٤، وفتح القدير ٥ / ٣٦٨، والمهذب ١ / ٢٢٦، والمجموع ٩ / ٣٣٢ ط المنيرية، والمغني لابن قدامة ٤ / ١٦٩ وبهامشه الشرح الكبير ص ١٧٥، وكشاف القناع ٣ / ٢٧٠، ومطالب أولي النهى ٣ / ١٨٧
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل:
أَنَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ يُسْتَعْمَلاَنِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا - فَهُمَا مِنَ الأَْسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ فِي الأَْحْكَامِ بِحَرْفِ الْبَاءِ - قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ (١) سَمَّى تَعَالَى الْمُشْتَرَى وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا، فَدَل عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَبِيعٌ، وَالْمَبِيعَ ثَمَنٌ.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُذَكَّرَ الشِّرَاءُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، يُقَال: شَرَيْتُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى بِعْتُهُ، قَال تَعَالَى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ﴾ (٢) أَيْ: وَبَاعُوهُ؛
وَلأَِنَّ ثَمَنَ الشَّيْءِ قِيمَتُهُ، وَقِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلِهَذَا سُمِّيَ قِيمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ. وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمَبِيعًا. دَل عَلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِي اللُّغَةِ.
وَالْمَبِيعُ يَحْتَمِل التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فَكَذَا الثَّمَنُ، إِذْ هُوَ مَبِيعٌ.
وَلأَِنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ، فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَسَائِرِ الأَْعْوَاضِ. (٣)
_________
(١) سورة البقرة / ٤١
(٢) سورة يوسف / ٢٠
(٣) بدائع الصنائع ٧ / ٣٢٢٤، والمغني لابن قدامة ٤ / ١٦٩، وبهامشة الشرح الكبير ص ١٧٥، (لأنه أحد العوضين، فيتعين بالتعيين كالآخر) . المهذب ١ / ٢٦٦
مَا يَحْصُل بِهِ التَّعْيِينُ:
١٢ - يَحْصُل التَّعْيِينُ بِالإِْشَارَةِ، سَوَاءٌ أَضَمَّ إِلَيْهَا الاِسْمَ أَمْ لاَ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ.
أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ.
وَيَحْصُل التَّعْيِينُ أَيْضًا بِالاِسْمِ كَبِعْتُكَ دَارِي بِمَوْضِعِ كَذَا، أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. (١)
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي:
١٣ - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي. وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ. (٢) لِقَوْلِهِ ﷺ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (٣)، وَهُوَ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ. وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مِثْل الْمَبِيعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. (٤)
_________
(١) مطالب أولي النهى ٣ / ١٨٨، وكشاف القناع ٣ / ٢٧١
(٢) رد المحتار ٤ / ٥٠٥، والبحر الرائق ٥ / ٢٧٩ - ٢٨٠، وكشاف القناع ٣ / ١٥٧، ومطالب أولي النهى ٣ / ١٨، والزرقاني والبناني عليه ٥ / ١٦، ومغني المحتاج ٢ / ١٥، والقليوبي ٢ / ١٦٠
(٣) حديث: " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وحسنه من حديث حكيم بن حزام (تحفة الأحوذي ٤ / ٤٣٠ - نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة)
(٤) كشاف القناع ٣ / ١٥٧، ومطالب أولي النهى ٣ / ١٨
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ:
١٤ - يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا. فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ ثَمَنًا، وَكَذَا الْجَمَل الشَّارِدُ الَّذِي لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (١) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (٢) قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيل: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ. . . وَالْمَبِيعُ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ دَاخِلٌ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (٣)
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فِي الثَّمَنِ:
١٥ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الثَّمَنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إِلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ.
_________
(١) البحر الرائق ٥ / ٢٧٩ و٢٨٠، ورد المحتار ٤ / ٥٠٥، والشرح الكبير للدردير ٣ / ١٠ - ١١، والزرقاني ٥ / ١٦، ومغني المحتاج ٢ / ١٢، والقليوبي ٢ / ١٥٨، وكشاف القناع ٣ / ١٦٢، ومطالب أولي النهى ٣ / ٢٥
(٢) حديث: " نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " أخرجه مسلم (٣ / ١١٥٣ - ط الحلبي)
(٣) مغني المحتاج ٢ / ١٢، وأسنى المطالب ٢ / ١١
فَإِنْ كَانَ مُشَارًا إِلَيْهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
(وَالْقَدْرُ: كَخَمْسَةِ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارُ حِنْطَةٍ. (١) وَالصِّفَةُ: كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ كُوَيْتِيَّةٍ أَوْ أُرْدُنِيَّةٍ، وَكَذَا حِنْطَةٌ بُحَيْرِيَّةٌ أَوْ صَعِيدِيَّةٌ) .
فَإِذَا قَال: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِكَ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِل جَازَ وَلَزِمَ؛ لأَِنَّ الإِْشَارَةَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، وَجَهَالَةُ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ فَلاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لأَِنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ الرِّبَوِيِّ إِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ جُزَافًا؛ لاِحْتِمَال الرِّبَا لأَِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ التَّمَاثُل يُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُل، وَبِخِلاَفِ رَأْسِ مَال السَّلَمِ، حَيْثُ لاَ يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الْقَدْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (٢)
وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: (وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَْثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا) .
_________
(١) الكر جمعه أكرار، وهو كيل معروف، مقداره ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. المصباح المنير للفيومي مادة: (كرر)
(٢) تبيين الحقائق ٤ / ٥، والبحر الرائق ٥ / ٢٩٤، والدر المختار ورد المحتار عليه ٤ / ٥٣٠، وانظر: المادة ٢٣٨، ٢٣٩ من مجلة الأحكام العدلية وفتح القدير ٥ / ٨٢، ٨٣
فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذَا عُقِدَ عَلَى ثَمَنٍ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ.
وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا وَلاَ وَزْنَهَا وَلاَ عَدَّهَا. (١)
وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْل مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، قَال الشِّيرَازِيُّ: إِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا جَازَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُجْهَل قَدْرُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. (٢)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا إِذَا كَانَ مَسْكُوكًا، وَكَانَ التَّعَامُل بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْوَزْنِ، لِقَصْدِ أَفْرَادِهِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا (٣) سَوَاءٌ تَعَامَلُوا بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا، لِعَدَمِ قَصْدِ آحَادِهِ. (٤)
_________
(١) المهذب ١ / ٢٦٥، ٢٦٦، ومغني المحتاج ٢ / ١٨
(٢) المهذب ١ / ٢٦٥، ٢٦٦، ومغني المحتاج ٢ / ١٨
(٣) المسكوك: المصوغ بالكيفية الخاصة، والمختوم بختم السلطان / جواهر الإكليل ٢ / ٨
(٤) جواهر الإكليل ٢ / ٨، والدسوقي ٣ / ٢٢
١٦ - أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لأَِنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَكُل جَهَالَةٍ تُفْضِي إِلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَالصِّفَةُ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَصْفِهَا، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْدْوَنِ، وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأَْرْفَعَ. فَلاَ يَحْصُل مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ.
فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ عِلْمًا مَانِعًا مِنَ الْمُنَازَعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ. (١)
١٧ - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ.
أ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ. فَإِذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ جَعَل ثَمَنَهُ قِيمَتَهُ،
_________
(١) الهداية والعناية عليها ٥ / ٨٣، والدر المختار ٤ / ٥٢٩، ٥ / ٥٠٥، وكنز الدقائق - تبيين الحقائق ٤ / ٤، وانظر توجيه كلام بدائع الصنائع الوارد في ٦ / ٣٠٥٣ (إن معرفة وصف المبيع والثمن ليست شرطا لصحة البيع، والجهل بها ليس بمانع من الصحة، لكن شرط اللزوم، فيصح بيع ما لم يره) . المنهاج ومغني المحتاج عليه ٢ / ١٦، والقليوبي ٢ / ١٥٧ المقدمات الممهدات لابن رشد (الجد) ص ٥٥٠، بداية المجتهد لابن رشد (الحفيد) ٢ / ١٤٧، والشرح الكبير للدردير ٣ / ١٥، وجواهر الإكليل ٢ / ٦، والقوانين لابن جزي ص ٢٧٢، والشرح الكبير لابن قدامة ٤ / ٣٣، وكشاف القناع ٣ / ١٧٣، ومطالب أولي النهى ٣ / ٣٨