الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٥
ثَمَنٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الثَّمَنُ لُغَةً: مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشَّيْءُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الثَّمَنُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَمَنُ كُل شَيْءٍ قِيمَتُهُ.
قَال الزَّبِيدِيُّ: قَال شَيْخُنَا: اشْتُهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي وَلَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ الْوَاقِعِ، وَالْقِيمَةُ مَا يُقَاوِمُ الشَّيْءَ، أَيْ: يُوَافِقُ مِقْدَارَهُ فِي الْوَاقِعِ وَيُعَادِلُهُ.
وَقَال الرَّاغِبُ: الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ سِلْعَةً، وَكُل مَا يُحَصَّل عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ ثَمَنُهُ.
وَالثَّمَنُ هُوَ: مَبِيعٌ بِثَمَنٍ. (١)
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَالثَّمَنُ، مَا يَكُونُ بَدَلًا لِلْمَبِيعِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الذِّمَّةِ، وَتُطْلَقُ الأَْثْمَانُ أَيْضًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. (٢)
_________
(١) لسان العرب وتاج العروس والمصباح والمفردات للراغب الأصفهاني مادة: " ثمن "
(٢) البحر الرائق لابن نجيم ٥ / ٢٧٧، والمغني لابن قدامة - ط دار الكتاب العربي ببيروت ٤ / ٢، وكشاف القناع للبهوتي - تحقيق الشيخ هلال مصيلحي. بيروت ٣ / ١٤٦، ومغني المحتاج للشربيني ٢ / ٢، وشرح الزرقاني على سيدي خليل - دار الفكر بيروت ٥ / ٣
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقِيمَةُ:
٢ - الْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ. (١)
وَالثَّمَنُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الْقِيمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْل، وَالثَّمَنُ الْمُتَرَاضَى عَلَيْهِ قَدْ يُسَاوِي الْقِيمَةَ أَوْ يَزِيدُ عَنْهَا أَوْ يَنْقُصُ (٢) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل أَحْكَامِ ثَمَنِ الْمِثْل فِي (الْقِيمَةُ) .
ب - السِّعْرُ:
٣ - السِّعْرُ هُوَ الثَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلسِّلْعَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ مَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ أَمَّا السِّعْرُ فَهُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْبَائِعُ.
الثَّمَنُ مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ:
٤ - اتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (٣) عَلَى أَنَّ
_________
(١) المغرب مادة: " ثمن "، المجلة، المادة / ١٥٣، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين - ط ٢ مصرة سنة ١٩٦٦ - ٤ / ٥٧٥
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٣٤٠
(٣) مغني المحتاج للشربيني ٢ / ٣، والمنهج وشرحه والجمل عليه - ٣ / ٥، والشرح الكبير للدردير ٣ / ٢، والزرقاني على سيدي خليل ٥ / ٣، وكشاف القناع ٣ / ١٤٦ وما بعدها، ومطالب أولي النهى للرحيباني ٣ / ٤ وما بعدها.
الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ) مِنْ أَرْكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (١) إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ (الإِْيجَابُ وَالْقَبُول) أَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ أَحَدُ جُزْأَيْ مَحَل عَقْدِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ (الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ) وَلَيْسَ الْمَحَل رُكْنًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَفَاسَخَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الْبَائِعُ الَّذِي قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ، عَرَضًا كَانَ أَوْ نَقْدًا، ثَمَنًا كَانَ أَوْ قِيمَةً؛
لأَِنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ. فَكَانَ لَهُ وِلاَيَةُ أَنْ لاَ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.
وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فِي حَالَةِ التَّفَاسُخِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ؛ لأَِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَال حَيَاتِهِ، فَكَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (٢)
شُرُوطُ الثَّمَنِ:
٥ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالًا، وَمَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
_________
(١) البحر الرائق ٥ / ٢٧٨، ورد المحتار ٤ / ٥٠٤، ٥٠٥
(٢) تبيين الحقائق للزيلعي ٤ / ٦٥، والعناية وفتح القدير على الهداية ٥ / ٢٣٤ - طبعة مصطفى محمد بمصر سنة ١٣٥٦ هـ
الشَّرْطُ الأَْوَّل - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ:
٦ - تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ لاَزِمَةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ، إِذْ لاَ مُبَادَلَةَ حِينَئِذٍ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ، كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ. (١)
فَإِذَا بِيعَ الْمَال وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حَقِيقَةً، كَأَنْ يَقُول الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال مَجَّانًا أَوْ بِلاَ بَدَلٍ فَيَقُول الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَنُ حُكْمًا، كَأَنْ يَقُول إِنْسَانٌ لآِخَرَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَال بِالأَْلْفِ الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي، فَيَقْبَل الْمُشْتَرِي، مَعَ كَوْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَعْلَمَانِ أَنْ لاَ دَيْنَ، فَالْبَيْعُ فِي مِثْل هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَيَكُونُ الشَّيْءُ هِبَةً فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَسْكُوتًا عَنْهُ حِينَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ الْبَائِعُ عَنِ الثَّمَنِ كَانَ مَقْصِدُهُ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُول: بِعْتُ مَا لِي بِقِيمَتِهِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُجْمَلَةً يَجْعَل الثَّمَنَ مَجْهُولًا فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (٢)
وَبَيْعُ التَّعَاطِي صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لأَِنَّ
_________
(١) مجلة الأحكام العدلية المادة ٢٣٧ وشرحها لمنير القاضي ١ / ٢٧٦، ومنحة الخالق على البحر الرائق ٥ / ٢٩٦
(٢) درر الحكام شرح مجلة الأحكام - علي حيدر ١ / ١٨٥ - طبعة مصورة ببيروت
الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ فِيهِ، وَالتَّرَاضِي قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةٌ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى الصَّدَاقِ: الصَّدَاقُ نِحْلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَرَضَهَا لِلزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لاَ عَنْ عِوَضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلَى تَسْمِيَةٍ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ ثَمَنًا لِلْبُضْعِ حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ دُونَ تَسْمِيَةٍ، كَالْبَيْعِ الَّذِي لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ قَال النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَال الْعَقْدِ، فَيَقُول: بِعْتُكَ كَذَا بِكَذَا، فَإِنْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا، فَقَال الْمُخَاطَبُ: اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَحْصُل بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِل عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيل: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً.
وَقَال السُّيُوطِيُّ: إِذَا قَال: بِعْتُكَ بِلاَ ثَمَنٍ، أَوْ لاَ ثَمَنَ لِي عَلَيْكَ، فَقَال: اشْتَرَيْتُ وَقَبَضَهُ فَلَيْسَ بَيْعًا، وَفِي انْعِقَادِهِ هِبَةً قَوْلاَ تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِذَا قَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً، أَوْ اللَّفْظَ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي الإِْنْصَافِ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَال الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ
مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْل كَالنِّكَاحِ. (١)
الشَّرْطُ الثَّانِي - كَوْنُ الثَّمَنِ مَالًا:
٧ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ لاِنْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا.
لأَِنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَال بِالْمَال بِالتَّرَاضِي. (٢)
وَالْمَال هُوَ مَا يَمِيل إِلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّل النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ.
وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا. فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّل النَّاسِ لاَ يَكُونُ مَالًا، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ. وَمَا يَكُونُ مَالًا بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ يَكُونُ مُبَاحَ الاِنْتِفَاعِ لاَ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، كَالْخَمْرِ. وَإِذَا عُدِمَ الأَْمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ.
فَالْمَال أَعَمُّ مِنَ الْمُتَقَوِّمِ؛ لأَِنَّ الْمَال مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الإِْبَاحَةِ. فَالْخَمْرُ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ
_________
(١) المقدمات الممهدات ٢ / ٣٠، والمجموع ٩ / ١٥٨، ١٥٩ تحقيق المطيعي والأشباه للسيوطي ص / ١٨٤، والإنصاف ٤ / ٣٠٩، الاختيارات الفقهية ص / ١٢٢
(٢) البحر الرائق ٥ / ٢٧٧
أَصْلًا بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَل وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ، إِذْ الاِنْتِفَاعُ بِالأَْعْيَانِ لاَ بِالأَْثْمَانِ، وَلِهَذَا اشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَبِهَذَا الاِعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلاَتِ الصُّنَّاعِ.
وَمِنْ هَذَا قَال فِي الْبَحْرِ: الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ، لَكِنَّ الأَْصْل فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِذَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. (١)
وَالتَّقَوُّمُ فِي الثَّمَنِ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَفِي الْمَبِيعِ شَرْطُ انْعِقَادٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ:
أَنْ يَكُونَ مَالًا طَاهِرًا، فَلاَ يَصِحُّ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، (٢) وَقَال: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (٣) . وَقِيسَ عَلَيْهَا مَا فِي مَعْنَاهَا. وَلاَ يَصِحُّ مَا هُوَ
_________
(١) رد المحتار ٤ / ٥٠١، والبحر الرائق ٥ / ٢٧٨.
(٢) حديث: " نهى عن ثمن الكلب. . . " أخرجه أبو داود (٣ / ٧٥٤ - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله، وأصله في صحيح مسلم (٣ / ١١٩٩ ط الحلبي)
(٣) حديث: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ". أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٤٢٤ ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله
مُتَنَجِّسٌ لاَ يَقْبَل التَّطْهِيرَ كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ تَنَجَّسَ. وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا وَلَوْ فِي الْمَال كَالْبَهِيمَةِ الصَّغِيرَةِ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مَالًا، كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لاَ نَفْعَ فِيهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَالًا.
وَالْمَال شَرْعًا: (مَا يُبَاحُ نَفْعُهُ مُطْلَقًا، وَيُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ بِلاَ حَاجَةٍ) فَخَرَجَ: مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا كَبَعْضِ الْحَشَرَاتِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ، وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَال الْمَخْمَصَةِ، وَخَمْرٍ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا. (١)
أَنْوَاعُ الأَْمْوَال مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةِ:
٨ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْمْوَال أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - ثَمَنٌ بِكُل حَالٍ، وَهُوَ النَّقْدَانِ، صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لاَ، قُوبِل بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، (٢) وَالنُّقُودُ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ دَيْنًا فِي
_________
(١) الشرح الكبير للدردير ٣ / ١٠، وشرح الزرقاني ٥ / ١٦، والمنهاج ومغني المحتاج عليه ٢ / ١١، وكشاف القناع ٣ / ١٥٢، ومطالب أولي النهى ٣ / ١٢
(٢) قال الفراء في قوله ﷿: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) . (سورة البقرة / ٤١) . اشتريت ثوبا بكساء، أيهما شئت تجعله ثمنا لصاحبه، لأنه ليس من الأثمان، وما كان ليس من الأثمان مثل الرقيق والدور وجميع العروض فهو على هذا فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير
الذِّمَّةِ، فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُل حَالٍ.
ب - مَبِيعٌ بِكُل حَالٍ، كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْعْيَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّةِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ؛ لأَِنَّ الْعُرُوضَ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إِلاَّ عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً.
ج - ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَتِ النَّقْدَ، وَمَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، نَظَرًا إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِأَعْيَانِهَا فَأَشْبَهَتِ الْعُرُوضَ. وَذَلِكَ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْبَيْضِ. فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ، وَقُوبِل بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهُ ثَمَنٌ فَهُوَ مَبِيعٌ؛
لأَِنَّ الْمَكِيل وَالْمَوْزُونَ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً، وَدَيْنًا أُخْرَى، فَكَانَ ثَمَنًا فِي حَالٍ، مَبِيعًا فِي حَالٍ.
د - ثَمَنٌ بِالاِصْطِلاَحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الأَْصْل كَالْفُلُوسِ.
فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ. وَالْحَاصِل - كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ - إِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ ثَمَنًا إِذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ، أَيْ: بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تَدْخُلْهَا الْبَاءُ، وَلَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ. وَتَكُونُ مَبِيعًا إِذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ دَخَلَتْهَا الْبَاءُ أَوْ لاَ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لاَ. وَكَذَا إِذَا لَمْ تُقَابَل بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ، كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ.
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِخِلاَفِ جِنْسِهَا فَهِيَ أَثْمَانٌ، وَكَذَا إِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ. وَإِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلَةً فِي الْعَدَدِ فَهِيَ مَبِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ أَثْمَانٌ عَلَى كُل حَالٍ. (١)
وَقَرِيبٌ مِنْهُ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ إِنْ قُوبِل بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ أَوْ عَرَضَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ بَاءُ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ ثَمَنٌ لِلآْخَرِ وَمُثَمَّنٌ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ كَوْنِ النُّقُودِ مَبِيعَةً؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الْعِوَضَيْنِ مَبِيعٌ بِالآْخَرِ، لَكِنْ جَرَى
_________
(١) تبيين الحقائق ٤ / ١٤٥، والبحر الرائق ٦ / ٢٢١، ورد المحتار ٤ / ٥٣١، ٥ / ٢٧٢، وفتح القدير ٥ / ٨٣، ٣٦٨، وبدائع الصنائع ٧ / ٣٢٢٥