الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٥
حكمة تشريع القصاص وتحريم الثأر على طريقة الجاهلية
بيع الثمار بعد ظهورها وقبل بدو الصلاح
نماء ثمر المشفوع فيه عند المشتري
خامسا العمل في الأرض على جزء من الثمر
القول الثاني الأثمان تتعين بالتعيين
الشرط الثالث أن يكون الثمن المعين مملوكا للمشتري
الشرط الخامس معرفة القدر والوصف في الثمن
لا يجوز البيع إلا بثمن معلوم الصفة
اعتبار مكان العقد وزمنه عند دفع الثمن المؤجل
الحوالة بالثمن هل تبطل حق حبس المبيع
ما يثاب عليه الإنسان مما ليس من كسبه
أولا - فيما يهبه الإنسان لغيره من الثواب
ثانيا - ثواب فرض الكفاية لمن لم يفعله
ثالثا - المصائب التي تنزل بالإنسان هل يثاب عليها أم لا
شروط الجارحة التي يحل أكل صيدها
أحكام الجارية في الإطلاقات الفقهية
ثانيا - مقدار ما يستحقه مقابل عمله
أولا - غسل الجبهة في الوضوء ومسحها في التيمم
الفرق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخف
مرتبة الجد في الصلاة على الجنازة
التفريق بين الزوجين بسبب الجذام
حكم الجروح الواقعة على الرأس والوجه وسائر البدن
صور مستثناة من اشتراط الجزم في النية لانعقاد العبادة
١ - الجزية علامة خضوع وانقياد لحكم المسلمين
٢ - الجزية وسيلة لهداية أهل الذمة
٣- الجزية وسيلة للتخلص من الاستئصال والاضطهاد
أولا - الجزية الصلحية والعنوية
الفرق بين الجزية الصلحية والجزية العنوية
ثانيا - جزية الرءوس، والجزية على الأموال
إجابة الكافر إلى عقد الذمة بالجزية
أخذ الجزية من أهل الكتاب العرب
الأماكن التي يقر الكافرون فيها بالجزية
سادسا ألا يكون من الرهبان المنقطعين للعبادة في الصوامع
سابعا السلامة من العاهات المزمنة
ضبط أسماء أهل الذمة وصفاتهم في ديوان
١ - حكم دفع الجزية إلى أئمة العدل
٢ - حكم دفع الجزية إلى أئمة الجور والظلم
الأموال التي تستوفى منها الجزية
استيفاء الجزية من ثمن الخمر والخنزير
الطريقة الثانية لاستيفاء الجزية
الثالث اجتماع جزية سنتين فأكثر
الخامس الترهب والانعزال عن الناس
السابع العمى والزمانة والشيخوخة
التاسع اشتراك الذميين في القتال مع المسلمين
عقد الجعالة قبل تمام العمل هل هو لازم
اشتراط كون الجعل حلالا، ومقدورا على تسليمه
النفقة على المال وهو في يد العامل
حبس المال المردود عن الجاعل لاستيفاء النفقة
الدلالة على المال الضائع، والإخبار عنه
الفراغ من العمل والتسليم للجاعل
مشاركة العامل في العمل وأثرها في استحقاق الجعل
استحقاق الجعل في تعاقد الفضولي، والنائب
ما يستحقه العامل عند تلف الجعل المعين
ما يستحقه العامل في حالة فساد الجعل
ثالثا - النتائج المترتبة على فسخ عقد الجعالة
ما يترتب على فسخ العقد بعتق العبد الآبق
ما يترتب على انفساخ عقد الجعالة
ثانيا تعلق الجلد المنزوع بمحل الطهارة
عاشرا - نزع الملابس الجلدية للشهيد
ثالث عشر الإجارة على سلخ حيوان بجلده
جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة
الجلوس عند العجز عن القيام في الصلاة
الجلوس قبل الخطبتين وبعد الصعود إلى المنبر
حكم الجلوس بين الخطبتين ومقداره
جلوس من يتبع الجنازة قبل وضعها
أولا - الجمار بمعنى الحصيات التي يرمى بها
ثانيا - الجمار التي يستنجى بها
الجمع للمطر، والثلج، والبرد، ونحوها
ابن زنجويه (١٨٠ - ٢٤٧، وقيل ٢٥١ هـ)
أبو الحويرث (؟ - ١٢٨، وقيل ١٣٢ هـ)
أبو المليح (؟ - ٩٨ وقيل ١٠٨ هـ)
عبد الله بن أبي أوفى (؟ - ٨٦ وقيل ٨٨ هـ)
عدي بن عميرة الكندي (؟ - ٤٠ هـ)
ثَأْرٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الثَّأْرُ: الدَّمُ، أَوْ الطَّلَبُ بِالدَّمِ، يُقَال: ثَأَرْتُ الْقَتِيل وَثَأَرْتُ بِهِ فَأَنَا ثَائِرٌ، أَيْ قَتَلْتُ قَاتِلَهُ (١)
وَالثَّأْرُ: الذَّحْل، يُقَال: طَلَبَ بِذَحْلِهِ، أَيْ بِثَأْرِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلٌ قَتَل فِي الْحَرَمِ، وَرَجُلٌ أَخَذَ بِذُحُول الْجَاهِلِيَّةِ (٢)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ الدَّمِ.
_________
(١) لسان العرب والنهاية لابن الأثير والمفردات للأصفهاني والمعجم الوسيط، ومعجم مقاييس اللغة
(٢) القرطبي ٢ / ٢٢٥ - ٢٢٦ ط أولى دار الكتب سنة ١٣٥٣ هـ. وحديث: " إن من أعتى الناس. . . " أخرجه أحمد في المسند (٤ / ٣٢ - ط الميمنية) من حديث أبي شريح قال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح " (مجمع الزوائد ٧ / ١٧٤ - ط دار الكتاب العربي)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْقِصَاصُ:
٢ - الْقِصَاصُ: الْقَوَدُ، وَهُوَ الْقَتْل بِالْقَتْل، أَوْ الْجَرْحُ بِالْجَرْحِ. (١)
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّأْرِ وَالْقِصَاصِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَدُل عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَتْل أَوْ الْجَرْحِ، أَمَّا الثَّأْرُ فَلاَ يَدُل عَلَى ذَلِكَ بَل رُبَّمَا دَل عَلَى الْمُغَالاَةِ لِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنِ انْتِشَارِ الْغَضَبِ، وَطَلَبِ الدَّمِ وَإِسَالَتِهِ.
الثَّأْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
٣ - تَزْخَرُ كُتُبُ التَّارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ وَالسُّنَنِ بِذِكْرِ عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّأْرِ، وَكُلُّهَا تُؤَكِّدُ أَنَّ عَادَةَ الثَّأْرِ كَانَتْ مُتَأَصِّلَةً عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْل الإِْسْلاَمِ، وَأَنَّ الثَّأْرَ كَانَ شَائِعًا ذَائِعًا حَيْثُ كَانَ نِظَامُ الْقَبِيلَةِ يَقُومُ مَقَامَ الدَّوْلَةِ، وَكُل قَبِيلَةٍ تُفَاخِرُ بِنَسَبِهَا وَحَسَبِهَا وَقُوَّتِهَا، وَتَعْتَبِرُ نَفْسَهَا أَفْضَل مِنْ غَيْرِهَا، وَكَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْقَبَائِل خَاضِعَةً لِحُكْمِ الْقُوَّةِ، فَالْقُوَّةُ هِيَ الْقَانُونُ، وَالْحَقُّ لِلْقَوِيِّ وَلَوْ كَانَ مُعْتَدِيًا، وَالاِعْتِدَاءُ عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِ الْقَبِيلَةِ يُعْتَبَرُ اعْتِدَاءً عَلَى الْقَبِيلَةِ بِأَجْمَعِهَا، يَتَضَامَنُ أَفْرَادُهَا فِي الاِنْتِقَامِ وَيُسْرِفُونَ فِي الثَّأْرِ، فَلاَ تَكْتَفِي قَبِيلَةُ الْمَقْتُول بِقَتْل الْجَانِي، لأَِنَّهَا تَرَاهُ غَيْرَ كُفْءٍ لِمَنْ فَقَدُوهُ. وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي نُشُوبِ
_________
(١) لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، ومختار الصحاح والنهاية لابن الأثير، والقرطبي ٢ / ٢٢٥
الْحُرُوبِ الْمُدَمِّرَةِ الَّتِي اسْتَغْرَقَتِ الأَْعْوَامَ الطِّوَال.
٤ - وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيل الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَرْقُو عِنْدَ قَبْرِهِ: وَتَقُول: اسْقُونِي، اسْقُونِي مِنْ دَمِ قَاتِلِي، فَإِذَا أُخِذَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ.
وَهَذَا أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: لاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ (١) كَمَا يَقُول الدَّمِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ (حَيَاةُ الْحَيَوَانِ)
وَكَانَ الْعَرَبُ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الثَّأْرِ وَإِسْرَافِهِمْ فِيهِ، وَخَوْفِهِمْ مِنَ الْعَارِ إذَا تَرَكُوهُ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، وَالْخَمْرَ حَتَّى يَنَالُوا ثَأْرَهُمْ، وَلاَ يُغَيِّرُونَ ثِيَابَهُمْ وَلاَ يَغْسِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَلاَ يَأْكُلُونَ لَحْمًا حَتَّى يَشْفُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الثَّأْرِ. (٢)
٥ - وَظَل الْعَرَبُ مُتَأَثِّرِينَ بِهَذِهِ الْعَادَةِ حَتَّى بَعْدَ ظُهُورِ الإِْسْلاَمِ، يَرْوِي الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَال: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ
_________
(١) حديث: " لا صفر ولا هامة " جزء من حديث أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٢١٥ - ط السلفية)، ومسلم (٤ / ١٧٤٣ - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(٢) ينظر في هذا: الكامل لابن الأثير ١ / ٣٣٦ وما بعدها، والأم ٦ / ٨، والألوسي ٥ / ٦٩، والقرطبي ٢ / ٢٢٥ - ٢٢٦، والطبري ٢ / ٦٠ وما بعدها، ١٥ / ٥٨ وما بعدها، وأحكام القرآن للشافعي / ٢٦٧ وما بعدها، وأحكام القرآن لابن العربي ١ / ٦١، وأحكام القرآن للجصاص ١ / ١٥٥ وما بعدها، والسياسة الشرعية لابن تيمية / ١٥٦
الأَْنْصَارِ قِتَالٌ كَانَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ الطَّوْل فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْفَضْل، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ (١) كَمَا نَزَل عَلَيْهِ مِنْ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ (٢) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثَّأْرِ:
٦ - أ - حَرَّمَ الإِْسْلاَمُ قَتْل النَّفْسِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ حَقٍّ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ الإِْنْسَانِيَّةِ، فَقَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ (٣) وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الْحَقَّ الَّذِي يُقْتَل بِهِ الْمُسْلِمُ (٤) فَقَال: لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ (٥) .
٧ - ب - أَبَاحَ الإِْسْلاَمُ الأَْخْذَ بِالثَّأْرِ عَلَى سَبِيل الْقِصَاصِ بِشُرُوطِهِ الْمُفَصَّلَةِ فِي مُصْطَلَحِ:
_________
(١» حديث: " إصلاح النبي ﷺ بين حيين من الأنصار. . . " أخرجه الطبري (٢ / ٦١ - ط دار المعرفة) من طريق السدي عن أبي مالك مرسلا. والسدي متكلم فيه (التقريب ص ١٠٨ - ط دار الرشيد)
(٢) سورة البقرة / ١٧٨. وانظر الطبري ٢ / ٦١، وأحكام القرآن للشافعي / ٢٧١.
(٣) سورة الأنعام / ١٥١
(٤) السياسة الشرعية لابن تيمية / ١٥٣ - ١٥٤، وفتح الباري ١٢ / ٢٠١، والألوسي ١٥ / ٦٩
(٥» حديث: " لا يحل دم امرئ مسلم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٢ / ٢٠١ - ط السلفية) . ومسلم (٣ / ١٣٠٢ - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود
(قِصَاصٌ وَجِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَجِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ) .
قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ (١) وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْل الْقَتِيل، قَال ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ يُؤْخَذُ لَهُمْ بِثَأْرِهِمْ (٢) .
هَذَا وَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ إِذْنِ الإِْمَامِ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِدُونِ إِذْنِهِ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَعُزِّرَ لاِفْتِيَاتِهِ عَلَى الإِْمَامِ.
وَصَرَّحَ الزُّرْقَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ إِذَا عَلِمَ وَلِيُّ الْمَقْتُول أَنَّ الإِْمَامَ لاَ يَقْتُل الْقَاتِل، فَلاَ أَدَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ وَلَوْ غِيلَةً، وَلَكِنْ يُرَاعِي فِيهِ أَمْنَ الْفِتْنَةِ وَالرَّذِيلَةِ. (٣)
٨ - ج - إِبَاحَةُ الإِْسْلاَمِ لِلثَّأْرِ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ التَّعَدِّي عَلَى غَيْرِ الْقَاتِل، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الإِْسْلاَمُ مَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْل غَيْرِ الْقَاتِل، وَمِنَ الإِْسْرَافِ فِي الْقَتْل، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُتِل مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْل﴾ (٤)، قَال الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ فَلاَ يُسْرِفِ
_________
(١) حديث: " من قتل له قتيل. . . " أخرجه النسائي (٨ / ٣٨ - ط دار البشائر) . وابن ماجه (٢ / ٨٧٦ - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(٢) فتح الباري ١٢ / ٢٠٥ - ٢٠٨
(٣) شرح الزرقاني ٨ / ٤
(٤) سورة الإسراء / ٣٣
الْوَلِيُّ فِي قَتْل الْقَاتِل بِأَنْ يُمَثِّل بِهِ، أَوْ يَقْتَصَّ مِنْ غَيْرِ الْقَاتِل، وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ (١)، وَقَوْلُهُ ﷺ: أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ (٢)، قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَ شَخْصٍ فَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِهِ. (٣)
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْقِصَاصِ وَتَحْرِيمِ الثَّأْرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ:
٩ - أ - الْقِصَاصُ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْجَانِي فَلاَ يُؤْخَذُ غَيْرُهُ بِجَرِيرَتِهِ، فِي حِينِ أَنَّ الثَّأْرَ لاَ يُبَالِي وَلِيُّ الدَّمِ فِي الاِنْتِقَامِ مِنَ الْجَانِي أَوْ أُسْرَتِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ
وَبِذَلِكَ يَتَعَرَّضُ الأَْبْرِيَاءُ لِلْقَتْل دُونَ ذَنْبٍ جَنَوْهُ.
_________
(١) حديث: " إن من أعتى الناس على الله ﷿. . . " سبق تخريجه ف / ١
(٢) حديث: " أبغض الناس إلى الله ثلاثة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٢ / ٢١٠ - ط السلفية) من حديث ابن عباس
(٣) الألوسي ١٥ / ٦٩، والطبري ١٥ / ٥٩ - ٦٠، ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٣٧٦، وفتح الباري ١٢ / ٢١٠ - ٢١١، وأحكام القرآن للشافعي / ٢٧٢، والسياسة الشرعية لابن تيمية / ١٥٥
ب - الْقِصَاصُ يَرْدَعُ الْقَاتِل عَنِ الْقَتْل لأَِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَفَّ عَنِ الْقَتْل بَيْنَمَا الثَّأْرُ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ.
يَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْظِ حَتَّى يُؤْثِرُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِل وَأَوْلِيَاءَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا بِقَتْل الْقَاتِل، بَل يَقْتُلُونَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْقَاتِل كَسَيِّدِ الْقَبِيلَةِ وَمُقَدَّمِ الطَّائِفَةِ، فَيَكُونُ الْقَاتِل قَدِ اعْتَدَى فِي الاِبْتِدَاءِ، وَتَعَدَّى هَؤُلاَءِ فِي الاِسْتِيفَاءِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ الْخَارِجُونَ عَنِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ مِنَ الأَْعْرَابِ، وَالْحَاضِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَسْتَعْظِمُونَ قَتْل الْقَاتِل لِكَوْنِهِ عَظِيمًا أَشْرَفَ مِنَ الْمَقْتُول، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول يَقْتُلُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَاتِل، وَرُبَّمَا حَالَفَ هَؤُلاَءِ قَوْمًا وَاسْتَعَانُوا بِهِمْ وَهَؤُلاَءِ قَوْمًا فَيُفْضِي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ الْعَظِيمَةِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ خُرُوجُهُمْ عَنْ سَنَنِ الْعَدْل الَّذِي هُوَ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، فَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْقِصَاصَ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي الْقَتْلَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ حَيَاةً فَإِنَّهُ يَحْقِنُ دَمَ غَيْرِ الْقَاتِل مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِذَا عَلِمَ مَنْ يُرِيدُ الْقَتْل أَنَّهُ يُقْتَل كَفَّ عَنِ الْقَتْل. (١) قَال
_________
(١) السياسة الشرعية لابن تيمية / ١٥٦ - ١٥٧
رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلاَ لاَ يُقْتَل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ (١) .
_________
(١) حديث: " المؤمنون تتكافأ. . . ". أخرجه أبو داود (٤ / ٦٦٦ - ٦٦٨ ط عزت عبيد الدعاس) . والنسائي (٨ / ٢٤ - ط دار البشائر) . من حديث علي بن أبي طالب وصححه أحمد شاكر (المسند ٢ / ٢١٢ - ط دار المعارف)
ثُبُوتٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الثُّبُوتُ مَصْدَرُ ثَبَتَ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ثَبَاتًا وَثُبُوتًا إِذَا دَامَ وَاسْتَقَرَّ فَهُوَ ثَابِتٌ.
وَثَبَتَ الأَْمْرُ صَحَّ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَال: أَثْبَتَهُ وَثَبَّتَهُ، وَرَجُلٌ ثَبْتٌ أَيْ: مُتَثَبِّتٌ فِي أُمُورِهِ، وَرَجُلٌ ثَبَتٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا، وَالْجَمْعُ أَثْبَاتٌ.
وَيُقَال: ثَبَتَ فُلاَنٌ فِي الْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ. (١)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُهُ اصْطِلاَحًا عَنِ الدَّوَامِ وَالاِسْتِقْرَارِ وَالضَّبْطِ. وَمِنْهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مَثَلًا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِقْرَارُ النَّسَبِ وَلُزُومُهُ عَلَى وَجْهٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ الشَّرْعِيَّةُ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثُّبُوتِ:
ثُبُوتُ النَّسَبِ:
٢ - ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ ﵊
_________
(١) المصباح المنير، ولسان العرب مادة: " ثبت "
: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ (١) .
وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِالإِْقْرَارِ بِهِ، وَبِاسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَبِالْبَيِّنَةِ (٢)، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (نَسَبٌ، إِقْرَارٌ، اسْتِلْحَاقٌ) .
ثُبُوتُ الشَّهْرِ:
٣ - يُعْتَمَدُ فِي ثُبُوتِ الشَّهْرِ فِي السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: رُؤْيَةُ الْهِلاَل. وَالثَّانِي: إِكْمَال عِدَّةِ الشَّهْرِ قَبْلَهُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا، إِنْ غُمَّ الْهِلاَل فِي لَيْلَةِ الثَّلاَثِينَ مِنْهُ.
وَيُغَمُّ الْهِلاَل بِأَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فِي آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ حَال دُونَ رُؤْيَتِهِ قَتَرٌ أَوْ غُبَارٌ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَلاَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى إِكْمَال ثَلاَثِينَ، بَل تَارَةً يَثْبُتُ بِإِكْمَال الْعِدَّةِ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلاَل، وَتَارَةً يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ. (٣)
وَتَثْبُتُ الرُّؤْيَةُ لَدَى الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، أَمَّا فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ،
_________
(١) حديث: " الولد للفراش " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٢ / ١٢٧ ط السلفية) ومسلم (٢ / ١٠٣٠ - ط الحلبي) من حديث عائشة ﵂
(٢) نهاية المحتاج ٧ / ١٠٦، وبدائع الصنائع ٧ / ٢٢٨، والشرح الصغير ٣ / ٥٤، والمغني ٥ / ٢٠٠
(٣) حاشية الدسوقي ١ / ٥١٩، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٩٥