الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٥
وَاكْتَفَى الْبَعْضُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ. (١)
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّهْرِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَْحْكَامِ: كَوُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ بِثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَالْفِطْرِ بِثُبُوتِ شَهْرِ شَوَّال، وَكَالْحَجِّ بِثُبُوتِ أَشْهُرِهِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: شَهْرُ رَمَضَانَ - شَهَادَةٌ - حَجٌّ.
ثُبُوتُ الْحُقُوقِ:
٤ - ثُبُوتُ الْحُقُوقِ لأَِصْحَابِهَا شَرْعًا يَعْتَمِدُ عَلَى ثُبُوتِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَدِلَّةٍ وَبَيِّنَاتٍ، سَوَاءٌ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَال، أَوِ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّفْسِ.
وَبَحَثَ الْفُقَهَاءُ ثُبُوتَهَا فِي أَبْوَابِ الدَّعَاوَى، وَالْبَيِّنَاتِ، وَالْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالإِْقْرَارِ، وَالأَْيْمَانِ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيل أَحْكَامِهَا فِي مُصْطَلَحِ: (إِثْبَاتٌ) .
وَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
ثُبُوتُ الْحَدِيثِ:
٥ - الْحَدِيثُ هُوَ الأَْصْل الثَّانِي مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُعْتَمَدُ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا، وَأَنْ يَتَّصِل إِسْنَادُهُ بِنَقْل الْعَدْل الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْل الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلاَ يَكُونَ شَاذًّا، وَلاَ
_________
(١) المجموع ٦ / ٢٨٠
مُعَلًّا. وَيَتَنَوَّعُ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ الْمَقْبُول إِلَى الصَّحِيحِ بِنَفْسِهِ وَالصَّحِيحِ لِغَيْرِهِ، وَإِلَى الْحَسَنِ بِنَفْسِهِ وَالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ. وَيَقْدَحُ فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مُعَلًّا.
وَأَسْبَابُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ: الإِْرْسَال، وَالاِنْقِطَاعُ، وَالتَّدْلِيسُ، وَالشُّذُوذُ، وَالنَّكَارَةُ، وَالاِضْطِرَابُ، وَالَّتِي تَشْمَلُهَا أَنْوَاعُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، وَالْمَوْضُوعِ.
وَمِنْ صِفَاتِ رَاوِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الْمَقْبُول أَنْ يَكُونَ ثَبْتًا أَيْ عَدْلًا ضَابِطًا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْدِيل مَا وُصِفَ بِأَفْعَل كَأَثْبَتَ النَّاسِ، أَوْ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ، وَيَلِي هَذِهِ الدَّرَجَةَ مَنْ وُصِفَ بِصِفَتَيْنِ كَقَوْلِهِمْ: ثَبْتٌ ثَبْتٌ، أَوْ ثِقَةٌ حَافِظٌ، أَوْ عَدْلٌ ضَابِطٌ، مِمَّا يُفِيدُ تَثَبُّتَهُ فِي النَّقْل وَضَبْطَهُ لِمَا تَلَقَّاهُ وَسَمِعَهُ مِنْ شُيُوخِهِ. (١)
ثُغُورٌ
انْظُرْ: رِبَاطٌ.
ثَلْجٌ
انْظُرْ: مِيَاهٌ، تَيَمُّمٌ
_________
(١) علوم الحديث لابن الصلاح - تحقيق نور الدين عتر ص ١٠، نزهة النظر ط - الهند ص ١٣٤
ثِمَارٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - الثِّمَارُ لُغَةً جَمْعُ ثَمَرٍ، وَالثَّمَرُ: حَمْل الشَّجَرِ. وَيُطْلَقُ الثَّمَرُ أَيْضًا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَال. (١)
وَاصْطِلاَحًا: اسْمٌ لِكُل مَا يُسْتَطْعَمُ مِنْ أَحْمَال الشَّجَرِ. قَالَهُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ: الثَّمَرُ الْحَمْل الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَل فَيُقَال: ثَمَرُ الأَْرَاكِ وَالْعَوْسَجِ، كَمَا يُقَال ثَمَرُ الْعِنَبِ وَالنَّخْل. قَال: وَفِي الْفَتْحِ: وَيَدْخُل فِي الثَّمَرَةِ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْمَشْمُومَاتِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَعْرِيفِ صَاحِبِ الْكُلِّيَّاتِ وَشَهَّرَهُ. وَقَال الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: الثِّمَارُ الْفَوَاكِهُ. (٢)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَوَاكِهُ:
٢ - الْفَوَاكِهُ لُغَةً أَجْنَاسُ الْفَاكِهَةِ
_________
(١) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " ثمر "
(٢) الكليات ٢ / ١٢٢، حاشية ابن عابدين ٢ / ٤٩، ٤ / ٣٧، وحاشية الدسوقي ٣ / ١٧٦
وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل عَلَى سَبِيل التَّفَكُّهِ أَيِ التَّنَعُّمِ بِأَكْلِهِ وَالاِلْتِذَاذِ بِهِ (١)
فَالْفَوَاكِهُ أَخَصُّ مِنَ الثِّمَارِ.
ب - الزُّرُوعُ:
٣ - الزُّرُوعُ جَمْعُ زَرْعٍ وَهُوَ مَا اسْتُنِبْتَ بِالْبَذْرِ، سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ، يُقَال زَرَعَ الْحَبَّ يَزْرَعُهُ زَرْعًا وَزِرَاعَةً إِذَا بَذَرَهُ. وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ.
وَقِيل: الزَّرْعُ نَبَاتُ كُل شَيْءٍ يُحْرَثُ. (٢)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثِّمَارِ:
٤ - بَعْضُ الثِّمَارِ مِنَ الأَْمْوَال الزَّكَوِيَّةِ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلِلثِّمَارِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالشُّفْعَةِ، وَالسَّرِقَةِ، كَمَا سَيَأْتِي:
أَوَّلًا: زَكَاةُ الثِّمَارِ:
أ - الثِّمَارُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ:
٥ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي ثَمَرٍ إِلاَّ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ لِكَوْنِهِمَا مِنَ الْقُوتِ. (٣)
وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ الزَّكَاةَ فِي كُل ثَمَرٍ يُكَال
_________
(١) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " فكه "، والمغرب ٣٦٤، والكليات ٣ / ٣١٨، ٣٥٧، دستور العلماء ٣ / ١٣
(٢) لسان العرب ومختار الصحاح مادة: " زرع "
(٣) حاشية الدسوقي ١ / ٤٤٧، ومواهب الجليل ٢ / ٢٨٠، ونهاية المحتاج ٣ / ٦٩
وَيُدَّخَرُ، كَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ. (١)
وَذَهَبَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ - الَّتِي يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهَا نَمَاءُ الأَْرْضِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ﴾ (٢) وَلأَِنَّ السَّبَبَ هِيَ الأَْرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لاَ يَبْقَى فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَالْخَرَاجِ.
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الثِّمَارِ الَّتِي لَهَا ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ (٣) .
ب - نِصَابُ الثِّمَارِ:
٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ،
_________
(١) المغني لابن قدامة ٢ / ٦٩٠، ٦٩١، وكشاف القناع ٢ / ٢٠٤
(٢) سورة البقرة / ٢٦٧
(٣) حديث: " ليس في الخضروات صدقة. . . " أخرجه الدارقطني (٢ / ٩٦ ط دار المحاسن بمصر) من حديث طلحة بن عبيد الله بإسناد ضعيف، ونوه بذكر طرقه وشواهده ابن حجر في التلخيص (٢ / ١٦٥ - ط شركة الطباعة الفنية) والشوكاني في نيل الأوطار (٤ / ١٤٢ - ط المطبعة العثمانية) وقال الشوكاني: " طرقه يقوي بعضها بعضا "
وَهُوَ عِنْدَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا دُونَهَا. وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ (١) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ فِي كَثِيرِ الْخَارِجِ وَقَلِيلِهِ (٢) .
وَمِمَّا اسْتَدَل بِهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ﴾ (٣) .
ج - وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ:
٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الثِّمَارِ بِبُدُوِّ صَلاَحِهَا؛ لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ. وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا هُوَ انْعِقَادُ سَبَبِ وُجُوبِ إِخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وُجُوبَ إِخْرَاجِهَا فِي الْحَال.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ وَقْتَ
_________
(١) حديث: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ٣١٠ ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٦٧٤ - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري
(٢) ابن عابدين ٢ / ٤٩، البدائع ٢ / ٥٩
(٣) سورة البقرة / ٢٦٧
الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ ظُهُورِ الثَّمَرِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَْرْضِ﴾ (١) . قَال: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِْنْفَاقِ مِمَّا أَخْرَجَهُ مِنَ الأَْرْضِ فَدَل أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخُرُوجِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ وَالإِْدْرَاكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (٢) وَيَوْمُ حَصَادِهِ يَوْمُ إِدْرَاكِهِ فَكَانَ هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ وَقْتُ الْجِذَاذِ لأَِنَّ حَال الْجِذَاذِ هِيَ حَال تَنَاهِي عِظَمِ الثَّمَرِ وَاسْتِحْكَامِهِ فَكَانَتْ هِيَ حَال الْوُجُوبِ. (٣)
د - الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي زَكَاةِ الثَّمَرِ:
٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ الَّتِي تُسْقَى بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ كَالَّذِي يُسْقَى بِالْغَيْثِ، وَالسُّيُول، وَالأَْنْهَارِ، وَالسَّوَّاقِي الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنَ الأَْنْهَارِ بِلاَ آلَةٍ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَاءِ. وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ مِنْهَا بِمُؤْنَةٍ كَالدَّالِيَةِ، وَالنَّاعُورَةِ، وَالسَّانِيَةِ. (٤) لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ
_________
(١) سورة البقرة / ٢٦٧
(٢) سورة الأنعام / ١٤١
(٣) بدائع الصنائع ٢ / ٦٣، وحاشية ابن عابدين ٢ / ٥٣، وحاشية الدسوقي ١ / ٤٥١، ومغني المحتاج ١ / ٣٨٦، كشاف القناع ٢ / ٢١٠
(٤) السانية: البعير يسني عليه أي يستقي من البئر. وتطلق السانية أيضا على القرب (الدلو) مع أدواته من حبل ونحوه (المغرب للمطرزي) والعثري: ما يشرب بعروقه
عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ (١) .
وَفِي زَكَاةِ الثِّمَارِ تَفْصِيلاَتٌ (٢) يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاةٌ) .
ثَانِيًا: بَيْعُ الثِّمَارِ:
٩ - بَيْعُ الثِّمَارِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل ظُهُورِهَا أَوْ بَعْدَهُ.
وَإِذَا بِيعَتْ بَعْدَ ظُهُورِهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْل ظُهُورِهَا:
١٠ - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْل ظُهُورِهَا لأَِنَّهَا مَعْدُومَةٌ. وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْغَرَرِ.
ب - بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَقَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ:
١١ - بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا لاَ يَخْلُو مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:
_________
(١) حديث: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ٣٤٧ ط السلفية) .
(٢) بدائع الصنائع ٢ / ٦٢، وفتح القدير ٢ / ١٩٠، وابن عابدين ٢ / ٤٨ وما بعدها، وحاشية الدسوقي ١ / ٤٤٨، ٤٤٩، ومغني المحتاج ١ / ٣٨٥، ٣٨٦، وكشاف القناع ٢ / ٢٠٩، ٢١٠
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، وَحِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإِْجْمَاعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ (١) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْل بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ.
ثَانِيَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَال فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِالإِْجْمَاعِ. لأَِنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الثَّمَرَةِ وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْل أَخْذِهَا بِدَلِيل مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ. قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَ، بِمَ تَسْتَحِل مَال أَخِيكَ (٢) وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يُقْطَعُ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَدَا صَلاَحُهُ.
ثُمَّ إِنَّ صِحَّةَ هَذَا الْبَيْعِ لَيْسَتْ عَلَى إِطْلاَقِهَا، بَل هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ، بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَالَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
_________
(١) حديث: " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع. . . " أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٩٤ - ط السلفية)
(٢) حديث: " نهى عن بيع ثمر التمر حتى يزهو. قال: أرأيت إن منع الله الثمر بم تستحل مال أخيك " أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٤٠٤ - ط السلفية)، ومسلم (٣ / ١١٩٠ - ط الجمل) واللفظ للبخاري
الاِنْتِفَاعُ، أَيْ أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ الْمَقْطُوعَةُ مُنْتَفَعًا بِهَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهَا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى مُطْلَقِ الاِنْتِفَاعِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَال، وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ لَكِنْ بِحَيْثُ لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْتَقِل مِنْ طَوْرِهِ إِلَى طَوْرٍ آخَرَ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا: الْحَاجَةُ، وَعَدَمُ التَّمَالُؤِ. وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْحَاجَةُ مُتَعَلِّقَةً بِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بِكِلَيْهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّمَالُؤِ اتِّفَاقُهُمْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، فَإِنْ تَمَالأَ عَلَيْهِ الأَْكْثَرُ بِالْفِعْل مُنِعَ.
وَشَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ الثَّمَرُ مَشَاعًا، بِأَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا مَشَاعًا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ قَطْعُ مَا يَمْلِكُهُ إِلاَّ بِقَطْعِ مَا لاَ يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
ثَالِثَتُهَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا - أَيْ لاَ يَذْكُرُ قَطْعًا وَلاَ تَبْقِيَةً - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ لإِطْلاَقِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الأَْكْل، وَلاَ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عَلَى خِلاَفٍ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَإِنْ