الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣
ثَانِيًا: اسْتِمَالَةُ الزَّوْجِ:
١٦ - مَا يُسْتَخْدَمُ لِتَحْبِيبِ الزَّوْجَةِ أَوِ الزَّوْجِ يُسَمَّى " تُوَلَةً " كَمَا سَبَقَ (ف - ٥) .
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لاَ يَحِل (١)، وَعَلَّل ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ، وَالسِّحْرُ حَرَامٌ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَل فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ (٢) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَضَعَ تَعْوِيذًا لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا، أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لاَ يَحِل (٣) .
وَأَمَّا مَا تَتَحَبَّبُ بِهِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا مِنْ كَلاَمٍ مُبَاحٍ أَوْ مَا تَلْبَسُهُ لِلزِّينَةِ، أَوْ تُطْعِمُهُ مِنْ عَقَارٍ مُبَاحٍ أَكْلُهُ، أَوْ أَجْزَاءِ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ مِمَّا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ سَبَبٌ إِلَى مَحَبَّةِ زَوْجِهَا، لِمَا أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنَ الْخَوَاصِّ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ. لاَ أَنَّهُ يَفْعَل بِذَاتِهِ. فَقَال ابْنُ رَسْلاَنَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، لاَ أَعْرِفُ الآْنَ مَا يَمْنَعُهُ فِي الشَّرْعِ (٤) .
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٣١و ٥ / ٢٣٢.
(٢) الحديث تقدم تخريجه ف / ١٠.
(٣) ابن عابدين ١ / ٣١، ٥ / ٢٣٢.
(٤) نيل الأوطار ٨ / ٢١٢، والآداب الشرعية ٣ / ٧٥، والدين الخالص ٣ / ٢٣٨.
ثَالِثًا: دَفْعُ ضَرَرِ الْعَيْنِ:
الْكَلاَمُ هُنَا فِي مَوَاضِعَ:
أ - الإِْصَابَةُ بِالْعَيْنِ:
١٧ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الإِْصَابَةَ بِالْعَيْنِ ثَابِتَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي النُّفُوسِ، وَتُصِيبُ الْمَال، وَالآْدَمِيَّ، وَالْحَيَوَانَ (١) .
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ رَفَعَهُ الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا (٢) .
وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الْعَيْنُ حَقٌّ. وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ (٣) .
وَأَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الطَّبَائِعِيِّينَ وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ الْعَيْنَ لِغَيْرِ مَعْنًى، وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ إِلاَّ مَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ وَمَا عَدَاهَا فَلاَ حَقِيقَةَ لَهُ. وَالدَّلِيل عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَالشَّرْعُ أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُ (٤) .
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٢٣٢، ٢٣٣، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٤٥٢، وروضة الطالبين ٩ / ٣٤٨، وعمدة القاري ١٠ / ١٨٨، ١٨٩، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٩.
(٢) حديث: " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر. . " أخرجه مسلم (٤ / ١٧١٩ ط الحلبي) .
(٣) حديث: " العين حق ونهى عن الوشم ". أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ٢٠٣ ط السلفية) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٤) عمدة القاري ١٠ / ١٨٩، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٦.
ب - الْوِقَايَةُ مِنَ الْعَيْنِ:
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْعَيْنِ الطُّرُقَ الآْتِيَةَ:
أ - قِرَاءَةُ بَعْضِ الأَْدْعِيَةِ وَالأَْذْكَارِ مِنْ قِبَل الْعَائِنِ:
١٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ بَعْضِ الأَْدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، وَالآْيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ تَدْفَعُ ضَرَرَ الْعَيْنِ، كَمَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ (١)، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لاَ تَضُرُّ، وَلاَ تَعْدُو إِذَا بَرَّكَ الْعَائِنُ، فَالْمَشْرُوعُ عَلَى كُل مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَرِّكَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صَرَفَ الْمَحْذُورَ لاَ مَحَالَةَ، وَالتَّبَرُّكُ أَنْ يَقُول: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ. وَقَال النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِمُعَيَّنٍ بِالْبَرَكَةِ، فَيُقَال: اللَّهُمَّ بَارِكْ وَلاَ تَضُرَّهُ.
وَيَقُول: مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ (٢) .
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ رَفَعَهُ: مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَقَال: مَا شَاءَ اللَّهُ، لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرُّهُ (٣) .
_________
(١) حديث: " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئا يعجبه. . " أخرجه الحاكم (٤ / ٢١٤ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) عمدة القاري ١٠ / ١٨٩، وابن عابدين ٥ / ٢٣٢، وروضة الطالبين ٩ / ٣٤٨، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٦، ٢١٧، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٤٥٢.
(٣) حديث: " من رأى شيئا فأعجبه فقال: " ما شاء الله. . . " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص ٥٨ ط دائرة المعارف العثمانية) وفي إسناده راو ضعيف كما في ميزان الاعتدال للذهبي (٤ / ٤٩٦ ط الحلبي) .
ب - الاِسْتِرْقَاءُ مِنَ الْعَيْنِ:
١٩ - رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تَسْرُعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ، أَوَنَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَال: نَعَمْ (١) الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّهُ ﷺ قَال لأَِسْمَاءِ: مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أَتُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنَّ الْعَيْنَ تَسْرُعُ إِلَيْهِمْ، قَال ارْقِيهِمْ، قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَال: ارْقِيهِمْ (٢) .
ج - الاِسْتِشْفَاءُ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ:
٢٠ - صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِوُجُوبِ الاِغْتِسَال لِلاِسْتِشْفَاءِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ، فَيُؤْمَرُ الْعَائِنُ بِالاِغْتِسَال، وَيُجْبَرُ إِنْ أَبَى، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَغْتَسِل مِنْهُ الْمُعْيَنُ (٣) . وَالأَْمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْوُجُوبِ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَخَاهُ
_________
(١) حديث أسماء بنت عميس ﵁. أخرجه الترمذي (٤ / ٣٩٥ ط الحلبي) وصححه. وانظر عمدة القاري ١٠ / ١٨٩، وحاشية العدوي ٢ / ٤٥١، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٤.
(٢) حديث جابر بن عبد الله ﵄. أخرجه مسلم (٤ / ١٧٢٦ ط الحلبي) . وانظر فتح الباري ١٠ / ٢٠١، وزاد المعاد ٤ / ١٦٢.
(٣) حديث: عن عائشة ﵂: " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين " أخرجه أبو داود (٤ / ٢١٠ تحقيق عزت عبيد دعاس) قال الشوكاني: ورجال إسناده ثقات. (نيل الأوطار ٨ / ٢١٦ ط المطبعة العثمانية المصرية) .
مِمَّا يَنْتَقِعُ بِهِ، وَلاَ يَضُرُّهُ هُوَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِي عَلَيْهِ (١) .
د - الْمَعْرُوفُ بِالإِْصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَمَا عَلَيْهِ:
٢١ - نَقَل ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ وَاحِدٌ بِالإِْصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُحْتَرَزَ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلإِْمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيُلْزِمَهُ بَيْتَهُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ، فَضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ آكِل الثُّومِ وَالْبَصَل الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ دُخُول الْمَسْجِدِ لِئَلاَّ يُؤْذِيَ النَّاسَ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ ﵁. وَقَال النَّوَوِيُّ: هَذَا الْقَوْل صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ، لاَ يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلاَفِهِ (٢)
رَابِعًا: دَفْعُ الْبَلاَءِ:
٢٢ - كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ التَّمَائِمَ وَالْقَلاَئِدَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا تَقِيهِمْ وَتَصْرِفُ عَنْهُمُ الْبَلاَءَ، فَأَبْطَلَهَا الإِْسْلاَمُ (٣)، وَنَهَاهُمْ رَسُول اللَّهِ ﷺ
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٢٣٣، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٤٥٢، وروضة الطالبين ٩ / ٢٤٨، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٦.
(٢) ابن عابدين ٥ / ٢٣٣، وعمدة القاري ١٠ / ١٨٩، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٧.
(٣) روضة الطالبين ٩ / ٣٤٨، وعمدة القاري ١٠ / ١٨٩، ونيل الأوطار ٨ / ٢١٧.
عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللَّهُ لَهُ (١) وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ يَصْرِفُهُ إِلاَّ اللَّهُ ﷿، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعَافِي وَالْمُبْتَلِي.
أ - تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ عَلَى الإِْنْسَانِ:
٢٣ - إِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ خَرَزًا أَوْ خُيُوطًا أَوْ عِظَامًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَذَلِكَ حَرَامٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّل إِلَيْهِ (٢) . وَلِحَدِيثِ: أَنَّهُ ﷺ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً - أَرَاهُ قَال مِنْ صُفْرٍ - فَقَال: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قَال: مِنَ الْوَاهِنَةِ. قَال أَمَّا إِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا (٣) .
وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ شَيْئًا مِمَّا كُتِبَ فِيهِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ الْمَمْنُوعَةُ فَذَلِكَ حَرَامٌ أَيْضًا.
_________
(١) حديث: " من تعلق تميمة. . " أخرجه أحمد (٤ / ١٥٤ ط الميمنية في إسناده جهالة (تعجيل المنفعة ص ١١٤ نشر دار الكتاب العربي) .
(٢) حديث: " من تعلق شيئا وكل إليه " أخرجه أحمد (٤ / ٣١٠ ط الميمنية) من حديث عبد الله بن حكيم ﵁ مرسلا. وأخرجه النسائي (٧ / ١١٢ ط المكتبة التجارية) من حديث أبي هريرة ﵁، وإسناداهما يقوي أحدهما الآخر. وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (٣ / ٧٨ ط المنار) .
(٣) حديث: " أنه ﷺ أبصر على عضد رجل حلقة. . . " أخرجه أحمد (٤ / ٤٤٥ ط الميمنية) وأعل ابن حجر إسناده في التهذيب (١٠ / ٢٩ ط دائرة المعارف العثمانية) .
لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللَّهُ لَهُ (١) .
وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ شَيْئًا كُتِبَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ الاِسْتِرْقَاءُ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الأَْدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ:
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵁، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ وَبِهِ قَال أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. وَحَمَلُوا حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ عَلَى مَا فِيهِ شِرْكٌ وَنَحْوُهُ مِنَ الرُّقَى الْمَمْنُوعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ حَكِيمٍ ﵃، وَبِهِ قَال جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا - يَعْنِي أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ - يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا، مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ. وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ، وَلِسَدِّ الذَّرِيعَةِ؛ لأَِنَّ تَعْلِيقَهُ يُفْضِي إِلَى تَعْلِيقِ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّهُ إِذَا عُلِّقَ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَمْتَهِنَهُ الْمُعَلِّقُ، بِحَمْلِهِ مَعَهُ فِي حَال قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالاِسْتِنْجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (٢) .
_________
(١) حديث: " من تعلق تميمة. . . " سبق تخريجه ف / ٢٢.
(٢) الدين الخاص لصديق حسن خان ٢ / ٢٣٦ مطبعة المدني بالقاهرة، ونصاب الاحتساب ص ٢٥٢ الباب ٣١.
وَاَلَّذِينَ ذَهَبُوا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ التَّعْوِيذِ اشْتَرَطُوا مَا يَلِي:
(١) أَنْ يَكُونَ فِي قَصَبَةٍ أَوْ رُقْعَةٍ يُخْرَزُ فِيهَا.
(٢) أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ قُرْآنًا، أَوْ أَدْعِيَةً مَأْثُورَةً.
(٣) أَنْ يَتْرُكَ حَمْلَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوِ الْغَائِطِ.
(٤) أَلاَّ يَكُونَ لِدَفْعِ الْبَلاَءِ قَبْل وُقُوعِهِ، وَلاَ لِدَفْعِ الْعَيْنِ قَبْل أَنْ يُصَابَ، قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: مَا تَعَلَّقَ بَعْدَ نُزُول الْبَلاَءِ فَلَيْسَ مِنَ التَّمَائِمِ (١) .
ب - تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ عَلَى الْحَيَوَانِ:
٢٤ - وَأَمَّا تَعْلِيقُ التَّعْوِيذِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ طَاهِرًا، فَيُكْرَهُ لأَِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْثُورٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الاِمْتِهَانِ وَمُلاَبَسَةِ الأَْنْجَاسِ وَالأَْقْذَارِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ مَنْ يَصُونُهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلاَ إِشْكَال فِي التَّحْرِيمِ (٢)
تَعْلِيقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ التَّعَاوِيذَ:
٢٥ - ذَهَبَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَعْلِيقِ التَّعَاوِيذِ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ
_________
(١) تفسير القرطبي ١٠ / ٣١٩، ٣٢٠، ٢٠ / ٢٥٨.
(٢) الآداب الشرعية ٣ / ٧١.
التَّعَاوِيذَ أَوْ بِشَدِّهَا عَلَى الْعَضُدِ إِذَا كَانَتْ مَلْفُوفَةً، أَوْ خُرِزَ عَلَيْهَا أَدِيمٌ (١) .
رُقْيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ وَعَكْسُهُ:
أ - رُقْيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ.
٢٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى: جَوَازِ رُقْيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا رَقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِذِكْرِ اللَّهِ. لِمَا رُوِيَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ دَخَل عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَهِيَ تَشْتَكِي، وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ. (٢) قَال الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَل - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " بِكِتَابِ اللَّهِ " أَيْ " بِذِكْرِ اللَّهِ ﷿ " أَوْ رُقْيَةً مُوَافِقَةً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَيُعْلَمُ صِحَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ تُظْهِرَ رُقْيَتَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ أَمَرَ بِهَا (٣) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال: أَكْرَهُ
_________
(١) ابن عابدين ٥ / ٢٣٢، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٩، وحاشية العدوي ٢ / ٤٥١، وأسنى المطالب ١ / ٦١، ونهاية المحتاج ١ / ١٢٧، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ١ / ٩٥، وكشاف القناع ١ / ١٣٥.
(٢) الأثر: " دخل أبو بكر على عائشة وهي تشتكي. . . " أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٩٤٣ ط الحلبي) وإسناده صحيح.
(٣) المنتقي ٧ / ٢٦١.
رُقَى أَهْل الْكِتَابِ، وَلاَ أُحِبُّهُ، لأَِنَّنَا لاَ نَعْلَمُ هَل يَرْقُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، أَوْ بِالْمَكْرُوهِ الَّذِي يُضَاهِي السِّحْرَ (١) .
ب - رُقْيَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ:
٢٧ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ (ف - ١٤) وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل أَنَّ الْحَيَّ - الَّذِي نَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ - كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ عَلَيْهِ (٢) .
أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَى التَّعَاوِيذِ وَالرُّقَى:
٢٨ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الأُْجْرَةِ عَلَى التَّعَاوِيذِ وَالرُّقَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ (ف - ١٤) وَاسْتَدَل الطَّحَاوِيُّ لِلْجَوَازِ وَقَال: يَجُوزُ أَخْذُ الأَْجْرِ عَلَى الرُّقَى، لأَِنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ أَخْذَ الأُْجْرَةِ عَلَى الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلرُّقْيَةِ (٣) .
_________
(١) عمدة القاري ١٠ / ١٨٥.
(٢) الشرح الصغير ٤ / ٧٦٩، وتفسير القرطبي ١٠ / ٣١٧، وعمدة القاري ٥ / ٦٤٩.
(٣) عمدة القاري ٥ / ٦٤٧، ٦٤٩، والشرح الصغير ٤ / ٧٦٩.