الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٣
الاستئجار لتعليم القرآن والعلم الشرعي
الاستئجار على تعليم الحرف والعلوم غير الشرعية
الاستشفاء بالأدعية المناسبة والأذكار المأثورة
قراءة بعض الأدعية والأذكار من قبل العائن
أخذ الأجرة على التعاويذ والرقى
التعويض بسبب التعدي والتفريط في العقود
ثالثا التغريب على سبيل التعزير
ما ينبغي لغاسل الميت، وما يكره له
تجريد الميت وكيفية وضعه حالة الغسل
ما يصنع بالميت قبل التغسيل وبعده
تغسيل الرجال والنساء للأطفال الصغار وعكسه
(١) تغسيل الرجال والنساء للأطفال الصغار
تغسيل المحرم الحلال وعكسه، وكيفية تغسيل المحرم
ما يجري التغليظ فيه من الدعاوى
تغير حالة الإنسان التكليفية في العبادات
تغيير الزوج أو الزوجة في النكاح من الحرية والدين
تغير حالة الجاني أو المجني عليه
التفرق قبل القبض في بيع الربوي
التفرق قبل التقابض في بيع العرايا
تفريق المال المختلط خشية الصدقة
تفريق الصفقة لتعدد أحد الطرفين أو تعدد المبيع
مس المحدث كتب التفسير وحمله لها
تفسير المقر ما أبهمه في الإقرار
عدد الطلقات الواقعة بألفاظ التفويض ونوعها
مدة التقادم المانع من سماع الدعوى
الأعذار المبيحة لسماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة
تقبيل الرجل للرجل، والمرأة للمرأة
تقبيل المبرة والإكرام، وتقبيل المودة والشفقة
الأول بمعنى تثبيت حق المقرر في شيء وتأكيده
الثاني بمعنى استمرار الأمر الموجود وإبقائه على حاله
الثالث - التقرير بمعنى طلب الإقرار من المتهم وحمله على الاعتراف
التقصير في طلب الشفعة أو أرش العيب
تقليد الهدي هل يكون به الإنسان محرما؟
تعدد المفتين واختلافهم على المقلد
ما يفعله المقلد إذا تغير الاجتهاد
التقليد في استقبال القبلة ومواقيت الصلاة ونحو ذلك
تقويم السلعة المعينة في خيار العيب
ما ينبغي للآخذ بالتقية أن يراعيه
التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين
رفع الصوت بالتكبير عقيب المكتوبة
التكبير في السعي بين الصفا والمروة
الشروط المتعلقة بلفظ تكبيرة الإحرام
الذنوب التي لم تشرع لها كفارات محددة
المفاضلة بين قراءة القرآن في المصحف وقراءته عن ظهر قلب
صيغتها المتفق عليها بين الفقهاء
تلف بعض المبيع بفعل البائع قبل القبض
ثالثا التلف في عقود الأمانات وما في معناها
الصداق بيد الزوج والنقصان فاحش
الصداق بيد الزوجة والنقصان فاحش
الصداق بيد المرأة والنقصان غير فاحش
الأحكام الإجمالية ومواطن البحث
التلفيق في مسافة القصر لمن كان بعض سفره في البحر وبعضه في البر
التلفيق في صوم الشهرين في كفارة الظهار وما شابهها
التلفيق بين شهادتين لإثبات الردة
سعيد بن عبد العزيز (٩٠ - ١٦٧ هـ)
تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - التَّعَلُّمُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَعَلَّمَ. وَالتَّعَلُّمُ مُطَاوِعُ التَّعْلِيمِ، يُقَال: عَلَّمْتُهُ الْعِلْمَ فَتَعَلَّمَهُ. وَالتَّعْلِيمُ مَصْدَرُ عَلَّمَ: يُقَال: عَلَّمَهُ إِذَا عَرَّفَهُ، وَعَلَّمَهُ وَأَعْلَمَهُ إِيَّاهُ فَتَعَلَّمَهُ، وَعَلِمَ الأَْمْرَ وَتَعَلَّمَهُ: أَتْقَنَهُ. وَالْعِلْمُ نَقِيضُ الْجَهْل.
وَالْعِلْمُ أَيْضًا: هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيل الثِّقَةِ. وَجَاءَ بِمَعْنَى: الْمَعْرِفَةِ أَيْضًا (١) . قَال الرَّاغِبُ: التَّعْلِيمُ وَالإِْعْلاَمُ فِي الأَْصْل وَاحِدٌ، إِلاَّ أَنَّ الإِْعْلاَمَ اخْتَصَّ بِمَا كَانَ بِإِخْبَارٍ سَرِيعٍ، وَالتَّعْلِيمُ اخْتَصَّ بِمَا يَكُونُ بِتَكْرِيرٍ وَتَكْثِيرٍ، حَتَّى يَحْصُل مِنْهُ أَثَرٌ فِي نَفْسِ الْمُتَعَلِّمِ. رُبَّمَا اسْتُعْمِل التَّعْلِيمُ بِمَعْنَى الإِْعْلاَمِ إِذَا كَانَ فِيهِ تَكْرِيرٌ (٢)
_________
(١) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، والصحاح مادة: " علم ".
(٢) مفردات الراغب ص ٣٤٨ ط كراتشي، باكستان ١٣٨٠ هـ.
نَحْوُ ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ (١) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلتَّعْلِيمِ عَمَّا ذُكِرَ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّثْقِيفُ:
٢ - التَّثْقِيفُ: مَصْدَرُ ثَقَّفَ. يُقَال: ثَقَّفْتُ الرُّمْحَ: أَيْ سَوَّيْتُهُ وَأَزَلْتُ عِوَجَهُ وَيُقَال: رَجُلٌ ثَقِفٌ: إِذَا كَانَ حَاذِقًا فَطِنًا سَرِيعَ الْفَهْمِ، وَثَقَّفَ الإِْنْسَانَ: أَدَّبَهُ وَعَلَّمَهُ وَهَذَّبَهُ (٢) . فَالتَّثْقِيفُ أَعَمُّ مِنَ التَّعْلِيمِ.
ب - التَّدْرِيبُ:
٣ - التَّدْرِيبُ: مِنَ الدُّرْبَةِ، وَهِيَ: التَّجْرِبَةُ وَالتَّعَوُّدُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى الأَْمْرِ. وَقَدْ دَرَّبْتُهُ تَدْرِيبًا، وَمِنْهُ مَا فِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ " وَكَانَتْ نَاقَةً مُدَرَّبَةً: " أَيْ مُخَرَّجَةً مُؤَدَّبَةً " قَدْ أَلِفَتِ الرُّكُوبَ وَالسَّيْرَ: " أَيْ عُوِّدَتِ الْمَشْيَ فِي الدُّرُوبِ، فَصَارَتْ تَأْلَفُهَا وَتَعْرِفُهَا وَلاَ تَنْفِرُ (٣)
فَالتَّدْرِيبُ مِنْ وَسَائِل التَّعْلِيمِ (٤) .
_________
(١) سورة الحجرات / ١٦.
(٢) لسان العرب، والصحاح والمعجم الوسيط مادة: " ثقف ".
(٣) حديث: الثقفي: " وهي ناقة مدربة " أخرجه مسلم (٣ / ١٢٦٣ ط الجمل) .
(٤) لسان العرب.
ج - التَّأْدِيبُ:
٤ - التَّأْدِيبُ: مَصْدَرُ أَدَّبَ. يُقَال: أَدَّبْتُهُ أَدَبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَيُضَاعَفُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ، فَيُقَال: أَدَّبْتُهُ - بِالتَّشْدِيدِ - إِذَا عَلَّمْتُهُ رِيَاضَةَ النَّفْسِ وَمَحَاسِنَ الأَْخْلاَقِ. وَالاِسْمُ: الأَْدَبُ. قَال أَبُو زَيْدٍ الأَْنْصَارِيُّ: الأَْدَبُ يَقَعُ عَلَى كُل رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الإِْنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنَ الْفَضَائِل. وَيَأْتِي التَّأْدِيبُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الْعُقُوبَةِ. يُقَال. أَدَّبْتُهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبْتُهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ، لأَِنَّهُ سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى حَقِيقَةِ الأَْدَبِ (١) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ
أ - التَّعَلُّمُ:
٥ - تَعَلُّمُ الْعِلْمِ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الآْتِيَةُ: قَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ فَرْضَ عَيْنٍ وَهُوَ تَعَلُّمُ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِ، لإِقَامَةِ دِينِهِ وَإِخْلاَصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ مُعَاشَرَةِ عِبَادِهِ. فَقَدْ فُرِضَ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ وَمُكَلَّفَةٍ - بَعْدَ تَعَلُّمِهِ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ مِنْ أُصُول الدِّينِ - تَعَلُّمُ مَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَالْمُعَامَلاَتُ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ، وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِخْلاَصُ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ. وَيَجِبُ تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الْبُيُوعِ عَلَى التُّجَّارِ لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ،
_________
(١) المصباح المنير، والصحاح مادة: " أدب ".
وَكَذَا أَهْل الْحِرَفِ، وَكُل مَنِ اشْتَغَل بِشَيْءٍ يُفْرَضُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ حُكْمِهِ لِيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرَامِ فِيهِ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ تَعَلُّمُ كُل عِلْمٍ لاَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي قِيَامِ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْكَلاَمِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأَسَانِيدِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمِنَ التَّعَلُّمِ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ، وَمِنْهُ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ بِالتَّوَسُّعِ فِيهِ، وَالاِطِّلاَعِ عَلَى غَوَامِضِهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ حَرَامًا: وَمِنْهُ تَعَلُّمُ الشَّعْوَذَةِ (١) . وَضَرْبِ الرَّمْل (٢)، وَالسِّحْرِ وَكَذَا الْكِهَانَةُ، وَالْعِرَافَةُ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ مَكْرُوهًا، وَمِنْهُ تَعَلُّمُ أَشْعَارِ الْغَزَل مِمَّا فِيهِ وَصْفُ النِّسَاءِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَتَفْصِيل كُل مَا تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِهِ الْخَاصِّ.
وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ مُبَاحًا، وَمِنْهُ الأَْشْعَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يُنْكَرُ مِنَ اسْتِخْفَافٍ بِأَحَدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ذِكْرِ عَوْرَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (٣) .
_________
(١) وهي: خفة في اليد كالسحر ترى الشيء بغير ما عليه كما في القاموس، وفي المصباح هي: لعب يرى الإنسان منها ما ليس له حقيقة كالسحر، وانظر إحياء علوم الدين (١ / ١٦ وما بعدها) .
(٢) الرمل: هو علم بضروب أشكال من الخطوط والنقط بقواعد معلومة تخرج حروفا تجمع ويستخرج جملة دالة على عواقب الأمور، وهو حرام قطعا، وتعلمه وتعليمه حرام، لما فيه من إيهام العوام أن فاعله يشارك الله تعالى في غيبه.
(٣) حاشية رد المحتار على الدر المختار، وشرح تنوير الأبصار ١ / ٤٢ - ٤٧ ط مصطفى الحلبي بمصر الطبعة الثانية، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٨، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج ٧ / ٣٨٠ ط المكتبة الإسلامية، والإقناع للشربيني ١ / ١٠ ط دار المعرفة، والمغني لابن قدامة ٨ / ١٥٠ - ١٥٥ ط الرياض، وتفسير القرطبي ٦ / ٣٦ - ٤٠ ط دار الكتب المصرية بالقاهرة.
ب - التَّعْلِيمُ:
٦ - قَال النَّوَوِيُّ: تَعْلِيمُ الطَّالِبِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ إِلاَّ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ، فَطُلِبَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمْ فَامْتَنَعَ فَهَل يَأْثَمُ؟ يَجْرِي فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. وَالأَْصَحُّ: لاَ يَأْثَمُ (١) .
هَذَا وَيَلْزَمُ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ اللاَّزِمِ تَعْلِيمُهُ، كَاسْتِعْلاَمِ كَافِرٍ يُرِيدُ الإِْسْلاَمَ عَنِ الإِْسْلاَمِ، أَوِ اسْتِعْلاَمِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالإِْسْلاَمِ عَنْ صَلاَةٍ حَضَرَ وَقْتُهَا، وَكَالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلاَل وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الأُْمُورِ الإِْجَابَةُ، وَمَنِ امْتَنَعَ كَانَ آثِمًا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الأَْمْرُ فِي نَوَافِل الْعِلْمِ الَّتِي لاَ ضَرُورَةَ بِالنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا (٢) .
قَال ابْنُ الْحَاجِّ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ
_________
(١) المجموع للنووي ١ / ٥٢ نشر المكتبة العالمية بالفجالة.
(٢) المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٢٨٦ ط مكتبة امدادية - باكستان وشرح السنة للبغوي ١ / ٣٠٢ وشرح سنن أبي داود للخطابي ٤ / ١٨٥.
عَلَيْهِ: إِذَا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، لِتَعْلِيمِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مُعْرِضِينَ (١) .
٧ - وَقَدْ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى تَعْلِيمِ الْعُلُومِ الَّتِي تَحْتَاجُهَا الأُْمَّةُ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، وَجَاءَتِ الآْيَاتُ وَالأَْحَادِيثُ وَالأَْخْبَارُ بِذَلِكَ (٢) . وَمِنَ الآْيَاتِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (٣) وَالْمُرَادُ هُوَ التَّعْلِيمُ.
وَقَوْلُهُ جَل شَأْنُهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ (٤) وَهُوَ إِيجَابٌ لِلتَّعْلِيمِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٥) وَهُوَ تَحْرِيمٌ لِلْكِتْمَانِ.
وَقَال ﷺ: مَنْ سُئِل عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٦) .
_________
(١) المدخل لابن الحاج ٢ / ٨٨.
(٢) الإحياء للغزالي ١ / ١٦ وما بعدها.
(٣) سورة التوبة / ١٢٢.
(٤) سورة آل عمران / ١٨٧.
(٥) سورة البقرة / ١٤٦.
(٦) حديث: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من. . . " أخرجه أحمد (٢ / ٢٦٣ - ط الميمنية) والحاكم (١ / ١٠١ ط. دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وَقَال ﷺ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُل شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ (١) . وَقَوْلُهُ ﵇: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ (٢) .
وَالتَّحْقِيقُ حَمْل الْعِلْمِ فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ، فَيَشْمَل عُلُومَ الشَّرْعِ: عِلْمَ الْكَلاَمِ، وَالْفِقْهِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَعُلُومَ الدُّنْيَا. وَمِنْهَا الزِّرَاعَةُ، وَالصِّنَاعَةُ، وَالسِّيَاسَةُ، وَالْحِرَفُ، وَالطِّبُّ، وَالتِّكْنُولُوجْيَا، وَالْحِسَابُ، وَالْهَنْدَسَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَمَا يَرْتَبِطُ بِهِ مَصَالِحُ أُمُورِ الدُّنْيَا (٣) .
فَضْل التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ:
٨ - وَرَدَتِ الآْيَاتُ وَالأَْخْبَارُ وَالآْثَارُ، وَتَطَابَقَتِ الدَّلاَئِل الصَّرِيحَةُ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ، وَالْحَثِّ
_________
(١) حديث: " طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر. . . ". أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١ / ٧ ط المنيرية) من حديث أنس ﵁، وضعف ابن حجر أحد رواته وهو حسان بن سياه كما في لسان الميزان (٢ / ١٨٨ ط دائرة المعارف العثمانية) .
(٢) حديث: " طلب العلم فريضة على كل مسلم " أخرجه ابن ماجه (١ / ٨١ ط الحلبي) من حديث أنس ﵁ بإسناد ضعيف، وأخرجه كذلك آخرون، وحسنه المزي لطرقه كما في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص ٢٧٥ - ٢٧٦ ط الخانجي) .
(٣) الإحياء ١ / ١٦ وما بعدها.
عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَالاِجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسِهِ وَتَعْلِيمِهِ (١) .
فَمِنَ الآْيَاتِ قَوْله تَعَالَى: ﴿قُل هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (٢) وقَوْله تَعَالَى. ﴿وَقُل رَبِّي زِدْنِي عِلْمًا﴾ (٣) وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (٤) وَقَال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (٥)
وَمِنَ الأَْخْبَارِ قَوْلُهُ ﷺ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ (٦) وَقَوْلُهُ ﷺ لِعَلِيٍّ ﵁: لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ (٧) .
وَقَوْلُهُ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ
_________
(١) إحياء علوم الدين ١ / ١٦ وما بعدها.
(٢) سورة الزمر / ٩.
(٣) سورة طه / ١١٤.
(٤) سورة فاطر / ٢٨.
(٥) سورة الجمعة / ٢.
(٦) حديث: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " أخرجه البخاري (الفتح ١ / ١٦٧ ط السلفية)، ومسلم (٢ / ٧١٨ ط الحلبي) من حديث معاوية ﵁.
(٧) حديث: " لأن يهدي الله بك رجلا واحد خيرا. . . " أخرجه مسلم (٤ / ١٨٧٢ ط الحلبي) من حديث سهل بن سعد ﵁.
مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا (١) .
وَمِنَ الآْثَارِ قَوْل عَلِيٍّ ﵁: كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لاَ يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْل ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَال. وَالْمَال تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالإِْنْفَاقِ.
آدَابُ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ
أ - آدَابُ الْمُعَلِّمِ:
٩ - فَصَّل الْفُقَهَاءُ الْقَوْل فِي آدَابِ الْمُعَلِّمِ وَوَظَائِفِهِ وَأَهَمُّهَا مَا يَلِي:
- أَنْ يَقْصِدَ بِتَعْلِيمِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَقْصِدَ تَوَصُّلًا إِلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ (٢) .
- وَأَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْمَحَاسِنِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَالْخِلاَل الْحَمِيدَةِ وَالشِّيَمِ الْمَرْضِيَّةِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا.
- وَأَنْ يَحْذَرَ مِنَ الْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَالإِْعْجَابِ وَاحْتِقَارِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ بِدَرَجَاتٍ.
- وَأَنْ لاَ يُذِل الْعِلْمَ وَلاَ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى مَكَانٍ
_________
(١) حديث: " إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن. . . ". أخرجه مسلم (٣ / ١١٠٥ ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله ﵄.
(٢) المجموع النووي بتحقيق المطيعي ١ / ٥٣ نشر المكتبة العالمية بالفجالة. وإحياء علوم الدين ١ / ٥٦ مطبعة الاستقامة، وجامع بيان العلم وفضله ١ / ١٩٣.
يُنْتَسَبُ إِلَى مَنْ يَتَعَلَّمُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَلِّمُ كَبِيرَ الْقَدْرِ (١) .
- وَأَنْ يُشْفِقَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، وَأَنْ يُجْرِيَهُمْ مُجْرَى بَنِيهِ، قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ (٢) بِأَنْ يَقْصِدَ إِنْقَاذَهُمْ مِنْ نَارِ الآْخِرَةِ، وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ إِنْقَاذِ الْوَالِدَيْنِ وَلَدَهُمَا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا (٣) .
- وَأَنْ لاَ يَتَعَظَّمَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، بَل يَلِينُ لَهُمْ وَيَتَوَاضَعُ. قَال عُمَرُ ﵁: تَوَاضَعُوا لِمَنْ عَلَّمَكُمْ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ جَبَّارِي الْعُلَمَاءِ (٤) .
- وَأَنْ يَتَفَقَّدَ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَيَسْأَل عَمَّنْ غَابَ مِنْهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا وُسْعَهُ فِي تَفْهِيمِهِمْ وَتَقْرِيبِ الْفَائِدَةِ إِلَى أَذْهَانِهِمْ (٥) .
- وَأَنْ يَزْجُرَ الْمُتَعَلِّمَ عَنْ سُوءِ الأَْخْلاَقِ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ مَا أَمْكَنَ وَلاَ يُصَرِّحُ، وَبِطَرِيقِ الرَّحْمَةِ لاَ بِطَرِيقِ التَّوْبِيخِ.
- وَأَنْ يَقْتَصِرَ بِالْمُتَعَلِّمِ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ، فَلاَ
_________
(١) المجموع النووي ١ / ٥٣، ٥٤، والآداب الشرعية لابن مفلح ٢ / ٥٦
(٢) حديث: " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ". أخرجه أبو داود (١ / ١٨ - ١٩ تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي هريرة ﵁ وإسناده حسن.
(٣) إحياء علوم الدين ١ / ٥٥.
(٤) المجموع ١ / ٥٧، والآداب الشرعية ١ / ٢٥٤.
(٥) المجموع ١ / ٥٨.