الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢

حُكْمُ التَّشْبِيهِ

يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّشْبِيهِ بِحَسَبِ مَوْقِعِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

أ - التَّشْبِيهُ فِي الظِّهَارِ:

٣ - الظِّهَارُ شَرْعًا: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ زَوْجَتَهُ أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَخِذِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّشْبِيهِ حَرَامٌ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْل وَزُورًا﴾ . (١)

وَإِذَا وَقَعَ مِنَ الزَّوْجِ التَّشْبِيهُ، مِمَّا يُعْتَبَرُ ظِهَارًا، يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ امْرَأَتِهِ قَبْل أَنْ يُكَفِّرَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ (٢) وَالتَّمَاسُّ شَامِلٌ لِلْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ.

_________

(١) سورة المجادلة / ٢.

(٢) سورة المجادلة / ٣، ٤.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يَحْرُمُ إِلاَّ الْوَطْءُ. (١)

وَهَذَا فِي صَرِيحِ أَلْفَاظِ الظِّهَارِ. أَمَّا فِي كِنَايَاتِهِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثَل أُمِّي صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِرًّا أَوْ ظِهَارًا أَوْ طَلاَقًا. (٢)

وَفِي الْمَوْضُوعِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مُصْطَلَحِ (ظِهَارٌ) .

ب - التَّشْبِيهُ فِي الْقَذْفِ:

٤ - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَرَّحَ الْقَاذِفُ بِالزِّنَى كَانَ قَذْفًا وَرَمْيًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ، فَإِنْ عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ، فَقَال مَالِكٌ: هُوَ قَذْفٌ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لاَ يَكُونُ قَذْفًا حَتَّى يَقُول: أَرَدْتُ بِهِ الْقَذْفَ. وَالدَّلِيل لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ هُوَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ إِنَّمَا هُوَ لإِِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا الْقَاذِفُ بِالْمَقْذُوفِ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْمَعَرَّةُ بِالتَّعْرِيضِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا كَالتَّصْرِيحِ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْفَهْمِ، وَقَدْ قَال تَعَالَى عَلَى لِسَانِ قَوْمِ شُعَيْبٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ ﴿إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (٣) أَيِ السَّفِيهُ الضَّال، فَعَرَّضُوا

_________

(١) ابن عابدين ٢ / ٥٧٤، ٥٧٥، وجواهر الإكليل ١ / ٣٧١، و٣٧٢، والمهذب ٢ / ١١٣، ١١٤، والمغني ٧ / ٣٤٧، ٣٤٨.

(٢) ابن عابدين ٢ / ٥٧٦، والمغني ٧ / ٣٤٥، وجواهر الإكليل ١ / ٣٧٢.

(٣) سورة هود / ٨٧.

لَهُ بِالسَّبِّ بِكَلاَمٍ ظَاهِرُهُ الْمَدْحُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلاَتِ.

وَقَدْ حَبَسَ عُمَرُ ﵁ الْحُطَيْئَةَ لَمَّا قَال لأَِحَدِهِمْ:

دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَل لِبُغْيَتِهَا

وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي

لأَِنَّهُ شَبَّهَهُ بِالنِّسَاءِ فِي أَنَّهُنَّ يُطْعَمْنَ وَيُسْقَيْنَ وَيُكْسَيْنَ. (١)

وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا فُهِمَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ أَوِ الرَّجُل بِالْعَفِيفَةِ أَوِ الْعَفِيفِ اسْتِهْزَاءً، كَانَ كَالرَّمْيِ الصَّرِيحِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.

ج - تَشْبِيهُ الرَّجُل غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُ:

٥ - لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَبِّهَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَهُهُ، قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ﴾ (٢) وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّشْبِيهُ بِذِكْرِ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ أَوْ بِحَذْفِهَا كَقَوْلِهِ: يَا مُخَنَّثُ، يَا أَعْمَى (٣)

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ يَا أَعْوَرُ يَا نَمَّامُ يَا كَذَّابُ يَا خَبِيثُ يَا مُخَنَّثُ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُل مَا فِيهِ

_________

(١) تفسير القرطبي ٨ / ٨٧.

(٢) سورة الحجرات / ١١.

(٣) انظر في أقسام التشبيه مختصر المعاني ص ١٢٥.

إِيذَاءٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ أَوْ إِشَارَةِ الْيَدِ، لاِرْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا، وَكُل مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا فِيهَا التَّعْزِيرُ (١) .

وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إِذَا شَبَّهَهُ بِالْحَيَوَانَاتِ الدَّنِيئَةِ كَقَوْلِهِ: يَا حِمَارُ، يَا كَلْبُ، يَا قِرْدُ، يَا بَقَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ) لأَِنَّ كُل مَنِ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِشَارَةٍ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ.

وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ: يَا حِمَارُ، يَا كَلْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنَ الأَْشْرَافِ فَيُعَزَّرُ، أَوْ مِنَ الْعَامَّةِ فَلاَ يُعَزَّرُ، كَمَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيُّ (٢) .

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَصِل الشَّتْمُ وَالسَّبُّ إِلَى حَدِّ الْقَذْفِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَذْفِ: كَالرَّمْيِ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَذْفٌ) . (٣)

_________

(١) ابن عابدين ٣ / ١٨٢، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٨، وحاشية الجمل على شرح المنهج ٥ / ١٦٢، وكشاف القناع ٦ / ١١٢، والمغني ٨ / ٢٢٠، وحاشية القليوبي ٤ / ١٨٤.

(٢) ابن عابدين ٣ / ١٨٥.

(٣) مختصر المعاني ص ١٢٥، وتفسير الكشاف ٢ / ١٧٩، والقرطبي ٧ / ٣٢٥.

تَشْرِيقٌ

انْظُرْ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

تَشْرِيكٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّشْرِيكُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ شَرَّكَ. يُقَال: شَرَّكَ فُلاَنٌ فُلاَنًا. إِذَا أَدْخَلَهُ فِي الأَْمْرِ وَجَعَلَهُ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ. وَيُقَال: شَرَّكَ غَيْرَهُ فِي مَا اشْتَرَاهُ لِيَدْفَعَ الْغَيْرُ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَيَصِيرُ شَرِيكًا لَهُ فِي الْمَبِيعِ.

وَيُقَال أَيْضًا: شَرَّكَ نَعْلَهُ تَشْرِيكًا: إِذَا حَمَل لَهُ شِرَاكًا، وَالشِّرَاكُ: سَيْرُ النَّعْل الَّذِي عَلَى ظَهْرِهَا. (١)

وَالتَّشْرِيكُ فِي الاِصْطِلاَحِ الشَّرْعِيِّ: إِدْخَال الْغَيْرِ فِي الاِسْمِ كَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ، لِيَكُونَ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ.

_________

(١) تاج العروس، ومتن اللغة مادة: " شرك ".

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الإِْشْرَاكُ:

٢ - الإِْشْرَاكُ بِمَعْنَى التَّشْرِيكِ. وَإِذَا قِيل: أَشْرَكَ الْكَافِرُ بِاللَّهِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ جَعَل غَيْرَ اللَّهِ شَرِيكًا لَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. (ر: إِشْرَاكٌ) .

حُكْمُ التَّشْرِيكِ:

٣ - التَّشْرِيكُ فِي الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ جَائِزٌ، وَتَشْرِيكُ غَيْرِ عِبَادَةٍ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ أَوْ تَشْرِيكُ عِبَادَتَيْنِ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزٌ عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:

أ - تَشْرِيكُ مَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ:

٤ - لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ تَشْرِيكِ مَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ، كَالتِّجَارَةِ مَعَ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ. . .﴾ (١) وَقَوْلُهُ فِي شَأْنِ الْحَجِّ أَيْضًا: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (٢) نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ مَعَ الْحَجِّ. وَالصَّوْمِ مَعَ قَصْدِ الصِّحَّةِ، وَالْوُضُوءِ مَعَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ، وَالصَّلاَةِ مَعَ نِيَّةِ دَفْعِ الْغَرِيمِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ

_________

(١) سورة الحج / ٢٨.

(٢) سورة البقرة / ١٩٨.

تَحْصُل بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَشْرِيكُهَا فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَكَالْجِهَادِ مَعَ قَصْدِ حُصُول الْغَنِيمَةِ. (١)

جَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيل نَقْلًا عَنْ الْفُرُوقِ لِلْقَرَافِيِّ:

مَنْ يُجَاهِدُ لِتَحْصِيل طَاعَةِ اللَّهِ بِالْجِهَادِ، وَلِيَحْصُل لَهُ الْمَال مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَهَذَا لاَ يَضُرُّهُ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالإِْجْمَاعِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ. فَفَرَّقَ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُول النَّاسُ: هَذَا شُجَاعٌ، أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الإِْمَامُ، فَيُكْثِرُ عَطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال. فَهَذَا وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ.

وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِتَحْصِيل الْغَنَائِمِ مِنْ جِهَةِ أَمْوَال الْعَدُوِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ شَرَّكَ.

وَلاَ يُقَال لِهَذَا رِيَاءٌ، بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ أَنْ يَعْمَل لِيَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءًا لِيَحْصُل لَهُ التَّبَرُّدُ أَوِ التَّنَظُّفُ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَْغْرَاضِ لاَ يَدْخُل فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَلْقِ، بَل هِيَ لِتَشْرِيكِ أُمُورٍ مِنَ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إِدْرَاكٌ، وَلاَ تَصْلُحُ لِلإِْدْرَاكِ وَلاَ لِلتَّعْظِيمِ، ذَلِكَ لاَ يَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِيهَا. (٢)

_________

(١) مواهب الجليل ٢ / ٥٣٢، وحاشية البجيرمي على المنهج ١ / ٦٧، ومغني المحتاج ١ / ٤٩، ١٥٠، والمغني لابن قدامة ١ / ١١٢.

(٢) مواهب الجليل ٢ / ٥٣٣.

وَجَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: (١) مَنْ نَوَى بِوُضُوئِهِ تَبَرُّدًا أَوْ شَيْئًا يَحْصُل بِدُونِ قَصْدٍ كَتَنَظُّفٍ، وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ (مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ) أَيْ مُسْتَحْضِرًا عِنْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ نَحْوِهِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِحُصُول ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَمُصَلٍّ نَوَى الصَّلاَةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّ اشْتِغَالَهُ عَنِ الْغَرِيمِ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ. وَالْقَوْل الثَّانِي يَضُرُّ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّشْرِيكِ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ فَقَدَ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ، كَأَنْ نَوَى التَّبَرُّدَ أَوْ نَحْوَهُ وَقَدْ غَفَل عَنْهَا، لَمْ يَصِحَّ غَسْل مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ، وَيَلْزَمُهُ إِعَادَتُهُ دُونَ اسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ.

قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْخِلاَفُ فِي الصِّحَّةِ.

أَمَّا الثَّوَابُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ حُصُولِهِ، وَقَدْ اخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِيمَا إِذَا شَرَّكَ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهَا مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ اعْتِبَارَ الْبَاعِثِ عَلَى الْعَمَل، فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الأَْغْلَبُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ، إِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدِّينِيُّ أَغْلَب فَلَهُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ أَنَّهُ لاَ أَجْرَ فِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَتَسَاوَى الْقَصْدَانِ أَمِ اخْتَلَفَا.

وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (نِيَّةٌ) .

_________

(١) مغني المحتاج ١ / ٤٩.

ب - تَشْرِيكُ عِبَادَتَيْنِ فِي نِيَّةٍ:

٥ - إِنْ أَشْرَكَ عِبَادَتَيْنِ فِي النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى التَّدَاخُل كَغُسْلَيِ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ، أَوِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، أَوْ غُسْل الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، أَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ فَرْضٍ أَوْ سُنَّةٍ أُخْرَى، فَلاَ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُل، وَالتَّحِيَّةُ وَأَمْثَالُهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِذَاتِهَا، بَل الْمَقْصُودُ شَغْل الْمَكَانِ بِالصَّلاَةِ، فَيَنْدَرِجُ فِي غَيْرِهِ.

أَمَّا التَّشْرِيكُ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ مَقْصُودَتَيْنِ بِذَاتِهَا كَالظُّهْرِ وَرَاتِبَتِهِ، فَلاَ يَصِحُّ تَشْرِيكُهُمَا فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لأَِنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ لاَ تَنْدَرِجُ إِحْدَاهُمَا فِي الأُْخْرَى. (١)

وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (نِيَّةٌ) .

ج - التَّشْرِيكُ فِي الْمَبِيعِ:

٦ - يَجُوزُ التَّشْرِيكُ فِي الْعَقْدِ، كَأَنْ يَقُول الْمُشْتَرِي لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ: أَشْرَكْتُكَ فِي هَذَا الْمَبِيعِ وَيَقْبَل الآْخَرَ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (٢) فَإِنْ أَشْرَكَهُ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَهُ النِّصْفُ؛ لأَِنَّ

_________

(١) الإقناع على شرح الخطيب ٢ / ٦، ونهاية المحتاج ٤ / ١٠٦، والمغني ١ / ٢٢١.

(٢) البدائع ٥ / ٢٢٦، وحاشية الدسوقي ٣ / ١٥٧، وأسنى المطالب ٢ / ٩١ - ٩٢، ونهاية المحتاج ٤ / ١٠٦، والمغني ٤ / ١٣١.

الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ وَالتَّوْلِيَةِ فِي أَحْكَامِهِ وَشُرُوطِهِ. (١)

د - التَّشْرِيكُ بَيْنَ نِسْوَةٍ فِي طَلْقَةٍ:

٧ - إِذَا قَال لِنِسَائِهِ الأَْرْبَعِ: أَوْقَعَتُ عَلَيْكُنَّ طَلْقَةً وَقَعَ عَلَى كُل وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ؛ لأَِنَّ الطَّلْقَةَ لاَ تَتَجَزَّأُ.

وَلَوْ قَال: طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا، وَقَعَ عَلَى كُل وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ فَقَطْ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ تَوْزِيعَ كُل طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ، فَيَقَعُ فِي " طَلْقَتَيْنِ " عَلَى كُل وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ، وَفِي " ثَلاَثٍ وَأَرْبَعٍ "، ثَلاَثٌ. (٢)

_________

(١) المصادر السابقة.

(٢) روضة الطالبين ٧ / ٨٨، وحاشية الطحطاوي ٢ / ١٣٠، والمغني ٧ / ٢٤٤.