الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٢
أولا - التشبه بالكفار في اللباس
ثانيا - التشبه بالكفار في أعيادهم
ثالثا - التشبه بالكفار في العبادات
خامسا - تشبه الرجال بالنساء وعكسه
سادسا تشبه أهل الذمة بالمسلمين
تشريك ما لا يحتاج إلى نية في نية العبادة
تشميت المرأة الأجنبية للرجل والعكس
الزيادة والنقصان في ألفاظ التشهد والترتيب بينها
ويكون التشهير جائزا لمن يجاهر بالمعصية في الأحوال الآتية
حكم تصادق الزوجين على طلاق سابق
حكم مصادقة الزوجة على إعسار الزوج
أثر عمل العالم وفتياه في التصحيح
تصحيح المتأخرين من علماء الحديث
ثالثا - تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها
رابعا - تصحيح المسائل في الميراث
ما يحتاج إليه في تصحيح المسائل الفرضية
والأصل الثاني من الأصول الأربعة
والأصل الثالث من الأصول الأربعة
والأصل الرابع من الأصول الأربعة
التصرف القولي غير العقدي. وهو ضربان
هل يختلف الحكم بين كثرة اللبن وقلته
تصفيق المصلي لتنبيه إمامه على سهو في صلاته
التصفيق من مصل للإذن للغير بالدخول
التصفيق في الصلاة على وجه اللعب
أولا حكم التصليب (بمعنى القتلة المعروفة)
كيفية تنفيذ عقوبة الصلب في قاطع الطريق
ثانيا الأحكام المتعلقة بالصلبان
القسم الأول ما يتعلق من الأحكام بالصورة الإنسانية
القسم الثاني حكم التصوير (صناعة الصور)
صناعة تصاوير الجمادات المخلوقة
تصوير صورة الإنسان والحيوان في الشريعة الإسلامية
أدلة القولين الثاني والثالث بتحريم التصوير من حيث الجملة
أولا الصور المجسمة (ذوات الظل)
القول الأول في صناعة الصور المسطحة
القول الثاني في صناعة الصور غير ذوات الظل (أي المسطحة)
ثالثا الصور المقطوعة والصور النصفية ونحوها
سادسا صناعة الصور من الطين والحلوى وما يسرع إليه الفساد
اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشرية والجوامد والنباتات
اقتناء واستعمال صور الإنسان والحيوان
استعمال واقتناء الصور المقطوعة
استعمال واقتناء الصور المنصوبة والصور الممتهنة
استعمال لعب الأطفال المجسمة وغير المجسمة
استعمال واقتناء الصور الصغيرة في الخاتم والنقود أو نحو ذلك
ما يصنع بالصورة المحرمة إذا كانت في شيء ينتفع به
الصور في الكعبة والمساجد وأماكن العبادة
الصور في الكنائس والمعابد غير الإسلامية
الضمان في إتلاف الصور وآلات التصوير
ما تسن له الجماعة من صلاة التطوع
(ثانيا) ما يشمل العبادات وغيرها من أحكام
التطوع بالحج ممن لم يحج حجة الإسلام
الالتزام أو التعيين بالنية والقول
الإفلاس في الحجر بالنسبة للتبرعات المالية
التطوع بشيء من القربات في المعصية
ثالثا ما يخص غير العبادات (من أحكام التطوع)الإيجاب والقبول والقبض
ما يباح من الطيب وما لا يباح بالنسبة للمحرم
تعارض الأدلة في حقوق الله تعالى
تعارض احتمال بقاء الإسلام وحدوث الردة
تعارض الأحكام التكليفية في الفعل الواحد
تعارض العبارة (اللفظ) والإشارة الحسية
الأصل في الأحكام من حيث التعليل أو التعبد
المفاضلة بين التعبدي ومعقول المعنى
ثانيا عجز المدعي أو المدعى عليه
أولا التعجيل بالفعل عند وجود سببه
التعجيل بإخراج الزكاة قبل الحول
التعدي بالغصب والإتلاف والسرقة والاختلاس
التعدي بالإطلاق الثاني بمعنى الانتقال
التعديل في دم جزاء الصيد في المناسك
ثانيا التعريض بخطبة المعتدة غير الرجعية
خامسا - التعريض للمقر بحد خالص بالرجوع
اجتماع التعزير مع الحد أو القصاص أو الكفارة
الأنواع الجائزة في عقوبة التعزير
الجرائم التي يشرع فيها التعزير بديلا عن الحدود
جرائم الاعتداء على النفس، وما دونها
جرائم القتل (الجناية على النفس)
الزنى الذي لا حد فيه، ومقدماته
الجرائم التي موجبها الأصلي التعزير
بعض الجرائم التي تقع على آحاد الناس
قتل حيوان غير مؤذ أو الإضرار به
تجاوز الموظفين حدودهم، وتقصيرهم
ترك العمل أو الامتناع عمدا عن تأدية الواجب
وهل يعزى المسلم بالكافر أو العكس
أحكام العلو والسفل في الانهدام والبناء
تعلي الذمي على المسلم في البناء
أولا التصرفات التي تقبل التعليق
ثانيا - التصرفات التي لا تقبل التعليق
المسلك الخامس المناسبة والشبه والطرد
التمرتاشي (توفي في حدود ٦٠٠ هـ)
عبد الرحمن بن حرملة (؟ - ١٤٥ هـ) .
عبد العزيز البخاري (؟ - ٧٣٠ هـ)
عبد القادر الجيلاني (٤٧١ - ٥٦١ هـ)
ليث بن أبي سليم (بعد ٦٠ - ١٣٨ هـ) .
تَشَبُّهٌ
التَّعْرِيفُ:
١ - التَّشَبُّهُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَشَبَّهَ، يُقَال: تَشَبَّهَ فُلاَنٌ: بِفُلاَنٍ إِذَا تَكَلَّفَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَالْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ: الاِشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، وَمِنْهُ: أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَبَاهُ: إِذَا شَارَكَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ (١) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (٢)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
٢ - مِنْهَا:
الاِتِّبَاعُ
وَالتَّأَسِّي
وَالتَّقْلِيدُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ فِيهَا تَحْتَ عِنْوَانٍ: (اتِّبَاعٌ) .
٣ - وَمِنْهَا:
الْمُوَافَقَةُ،
وَهِيَ: مُشَارَكَةُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لِلآْخَرِ فِي صُورَةِ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ أَوِ اعْتِقَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ الآْخَرِ أَمْ لاَ لأَِجْلِهِ (٣) .
فَالْمُوَافَقَةُ أَعَمُّ مِنَ التَّشَبُّهِ.
_________
(١) معجم متن اللغة، والمعجم الوسيط مادة: " شبه ".
(٢) ابن عابدين ١ / ٤١٩ ط بولاق، وروضة الطالبين ٢ / ٢٦٣، والزرقاني ٥ / ١٣٠، وكشاف القناع ٢ / ٢٣٩.
(٣) الأحكام للآمدي ١ / ١٧٢.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّشَبُّهِ:
أَوَّلًا - التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ:
٤ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى: أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ - الَّذِي هُوَ شِعَارٌ لَهُمْ بِهِ يَتَمَيَّزُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ - يُحْكَمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ ظَاهِرًا، أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَمَنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ يَكْفُرُ، إِلاَّ إِذَا فَعَلَهُ لِضَرُورَةِ الإِْكْرَاهِ أَوْ لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ. وَكَذَا إِذَا لَبِسَ زُنَّارَ النَّصَارَى إِلاَّ إِذَا فَعَل ذَلِكَ خَدِيعَةً فِي الْحَرْبِ وَطَلِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ. (١) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ (٢) لأَِنَّ اللِّبَاسَ الْخَاصَّ بِالْكُفَّارِ عَلاَمَةُ الْكُفْرِ، وَلاَ يَلْبَسُهُ إِلاَّ مَنِ الْتَزَمَ الْكُفْرَ، وَالاِسْتِدْلاَل بِالْعَلاَمَةِ وَالْحُكْمُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مُقَرَّرٌ فِي الْعَقْل وَالشَّرْعِ. (٣)
فَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ شَدَّ الزُّنَّارَ لاَ لاِعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْكُفْرِ، بَل لِدُخُول دَارِ الْحَرْبِ لِتَخْلِيصِ الأَْسَارَى مَثَلًا لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ. (٤)
_________
(١) الفتاوى الهندية ٢ / ٢٧٦، والاختيار ٤ / ١٥٠، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٧٨، والتاج والإكليل بهامش الحطاب ٦ /، وتحفة المحتاج ٩ / ٩١، ٩٢ ط دار صادر، وأسنى المطالب وحاشية الرملي عليه ٤ / ١١.
(٢) حديث: " من تشبه بقوم فهو منهم. . . ". أخرجه أبو داود (٤ / ٣١٤ - ط عزت عبيد دعاس) وجوده ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (١ / ٢٣٦ - ط العبيكان) .
(٣) البزازية بهامش الهندية ٦ / ٣٣٢.
(٤) تحفة المحتاج لابن حجر ٩ / ٩١، ٩٢.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ - وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - أَنَّ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْكَافِرِ فِي الْمَلْبُوسِ الْخَاصِّ بِهِ لاَ يُعْتَبَرُ كَافِرًا، إِلاَّ أَنْ يَعْتَقِدَ مُعْتَقَدَهُمْ؛ لأَِنَّهُ مُوَحِّدٌ بِلِسَانِهِ مُصَدِّقٌ بِجَنَانِهِ.
وَقَدْ قَال الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀: لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الإِْيمَانِ إِلاَّ مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَل فِيهِ، وَالدُّخُول بِالإِْقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ، وَهُمَا قَائِمَانِ. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي هُوَ شِعَارٌ لَهُمْ. قَال الْبُهُوتِيُّ: إِنْ تَزَيَّا مُسْلِمٌ بِمَا صَارَ شِعَارًا لأَِهْل ذِمَّةٍ، أَوْ عَلَّقَ صَلِيبًا بِصَدْرِهِ حَرُمَ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي. (٢)
وَيَرَى النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَبِسَ الزُّنَّارَ وَنَحْوَهُ لاَ يَكْفُرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ. (٣)
أَحْوَال تَحْرِيمِ التَّشَبُّهِ:
وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ كُفْرَ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ الْخَاصِّ بِهِمْ بِقُيُودٍ مِنْهَا:
٥ - أَنْ يَفْعَلَهُ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ (٤)، قَال أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ: كَوْنُ التَّزَيِّي بِزِيِّ الْكُفَّارِ رِدَّةً مَحَلُّهُ إِذَا كَانَ
_________
(١) الفتاوى البزازية بهامش الهندية ٦ / ٣٣٢، ودار الشروق مع الفروق ٤ / ١١٦.
(٢) كشاف القناع ٣ / ١٢٨.
(٣) روضة الطالبين ١٠ / ٦٩.
(٤) الزرقاني ٨ / ٦٣.
فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. أَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلاَ يُمْكِنُ الْقَوْل بِكَوْنِهِ رِدَّةً؛ لاِحْتِمَال أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ. (١)
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ دَارِ كُفْرٍ غَيْرِ حَرْبٍ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَفَةِ لَهُمْ (لِلْكُفَّارِ) فِي الْهَدْيِ الظَّاهِرِ؛ لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ بَل قَدْ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشَارِكَهُمْ أَحْيَانًا فِي هَدْيِهِمُ الظَّاهِرِ، إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الدِّينِ وَالاِطِّلاَعِ عَلَى بَاطِنِ أُمُورِهِمْ لإِِخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ. فَأَمَّا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهَا دِينَهُ، وَجَعَل عَلَى الْكَافِرِينَ فِيهَا الصَّغَارَ وَالْجِزْيَةَ فَفِيهَا شُرِعَتِ الْمُخَالَفَةُ. (٢)
٦ - أَنْ يَكُونَ التَّشَبُّهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَمَنْ فَعَل ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ لاَ يَكْفُرُ، فَمَنْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا وَدَخَل دَارَ الْحَرْبِ لِتَخْلِيصِ الأَْسْرَى، أَوْ فَعَل ذَلِكَ خَدِيعَةً فِي الْحَرْبِ وَطَلِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لاَ يَكْفُرُ. (٣) وَكَذَلِكَ إِنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ
_________
(١) أسنى المطالب ٤ / ١١، وانظر أصول الدين لأبي منصور عبد القاهر التميمي البغدادي ص ٢٦٦ ط استانبول.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم بتحقيق د. ناصر العقل ١ / ٤١٨.
(٣) الفتاوى الهندية ٢ / ٢٧٦، والفتاوى البزازية بهامش الهندية ٦ / ٣٣٢، وأسنى المطالب ٤ / ١١٩.
عَلَى رَأْسِهِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ لاَ يَكْفُرُ. (١)
٧ - أَنْ يَكُونَ التَّشَبُّهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْكَافِرِ، كَبُرْنِيطَةِ النَّصْرَانِيِّ وَطُرْطُورِ الْيَهُودِيِّ. وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِتَحَقُّقِ الرِّدَّةِ بِجَانِبِ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَشَبِّهُ قَدْ سَعَى بِذَلِكَ لِلْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا. (٢)
٨ - أَنْ يَكُونَ التَّشَبُّهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ اللِّبَاسُ الْمُعَيَّنُ شِعَارًا لِلْكُفَّارِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَجَرٍ حَدِيثَ أَنَسٍ ﵁ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ، فَقَال: كَأَنَّهُمْ يَهُودُ خَيْبَرَ (٣) ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا يَصْلُحُ الاِسْتِدْلاَل بِقِصَّةِ الْيَهُودِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونُ الطَّيَالِسَةُ مِنْ شِعَارِهِمْ، وَقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، فَصَارَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْمُبَاحِ. (٤)
٩ - أَنْ يَكُونَ التَّشَبُّهُ مَيْلًا لِلْكُفْرِ، فَمَنْ تَشَبَّهَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالسُّخْرِيَةِ لَمْ يَرْتَدَّ، بَل يَكُونُ فَاسِقًا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (٥)
١٠ - هَذَا، وَالتَّشَبُّهُ فِي غَيْرِ الْمَذْمُومِ وَفِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّشَبُّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
_________
(١) الفتاوى الهندية ٢ / ٢٧٦.
(٢) الزرقاني ٨ / ٦٣، والشرح الصغير ٤ / ٤٣٣، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨٨.
(٣) الأثر عن أنس أنه رأى قوما عليهم الطيالسة. أورده ابن القيم في كتابيه زاد المعاد (١ / ١٤٢) وأحكام أهل الذمة (٢ / ٧٥٤) .
(٤) فتح الباري ١٠ / ٢٧٥ ط السلفية.
(٥) الشرح الصغير ٤ / ٤٣٣، والزرقاني ٨ / ٦٣.
قَال صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: إِنَّ التَّشَبُّهَ (بِأَهْل الْكِتَابِ) لاَ يُكْرَهُ فِي كُل شَيْءٍ، بَل فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشَبُّهُ.
قَال هِشَامٌ: رَأَيْتُ أَبَا يُوسُفَ لاَبِسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ بِمَسَامِيرَ فَقُلْتُ أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا؟ قَال: لاَ، قُلْتُ: سُفْيَانُ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ كَرِهَا ذَلِكَ لأَِنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ، فَقَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَلْبَسُ النِّعَال الَّتِي لَهَا شَعْرٌ وَإِنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ. فَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّ صُورَةَ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ صَلاَحُ الْعِبَادِ لاَ يَضُرُّ، فَإِنَّ الأَْرْضَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِيهَا إِلاَّ بِهَذَا النَّوْعِ. (١)
وَلِلتَّفْصِيل ر: (رِدَّةٌ، كُفْرٌ) .
ثَانِيًا - التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ:
١١ - لاَ يَجُوزُ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ، لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَعْنَى ذَلِكَ تَنْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ فِي كُل مَا اخْتَصُّوا بِهِ. (٢) قَال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ
_________
(١) ابن عابدين ١ / ٤١٩، والفتاوى الهندية ٥ / ٣٣٣.
(٢) أحكام أهل الذمة ٢ / ٧٢٢، نشر دار العلم للملايين، والمدخل لابن الحاج ٢ / ٤٦ - ٤٨، والآداب الشرعية لابن مفلح ٣ / ٤٤١، وكشاف القناع ٣ / ١٣١.
مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ (١) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَال: لاَ تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأَْعَاجِمِ، وَلاَ تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِل عَلَيْهِمْ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَال: مَنْ مَرَّ بِبِلاَدِ الأَْعَاجِمِ فَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ، حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٢) .
وَلأَِنَّ الأَْعْيَادَ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرْعِ وَالْمَنَاهِجِ وَالْمَنَاسِكِ الَّتِي قَال اللَّهُ ﷾: ﴿لِكُل أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ (٣) كَالْقِبْلَةِ وَالصَّلاَةِ، وَالصِّيَامِ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مُشَارَكَتِهِمْ فِي الْعِيدِ وَبَيْنَ مُشَارَكَتِهِمْ فِي سَائِرِ الْمَبَاهِجِ، فَإِنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي جَمِيعِ الْعِيدِ مُوَافَقَةٌ فِي الْكُفْرِ، وَالْمُوَافَقَةُ فِي بَعْضِ فُرُوعِهِ مُوَافَقَةٌ فِي بَعْضِ شُعَبِ الْكُفْرِ، بَل الأَْعْيَادُ مِنْ أَخَصِّ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّرَائِعُ وَمِنْ أَظْهَرِ مَا لَهَا مِنَ الشَّعَائِرِ، فَالْمُوَافَقَةُ فِيهَا مُوَافَقَةٌ فِي أَخَصِّ شَرَائِعِ الْكُفْرِ وَأَظْهَرِ شَعَائِرِهِ. (٤)
قَال قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَشْتَرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ: إنْ أَرَادَ بِهِ
_________
(١) سورة البقرة / ١٢٠.
(٢) أحكام أهل الذمة ٢ / ٧٢٣.
(٣) سورة الحج / ٦٧.
(٤) اقتضاء الصراط المستقيم ١ / ٤٧١.
تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْكَفَرَةُ يَكُونُ كُفْرًا، وَإِنْ فَعَل ذَلِكَ لأَِجْل السَّرَفِ وَالتَّنَعُّمِ لاَ لِتَعْظِيمِ الْيَوْمِ لاَ يَكُونُ كُفْرًا. وَإِنْ أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إِلَى إِنْسَانٍ شَيْئًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ، إِنَّمَا فَعَل ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ لاَ يَكُونُ كُفْرًا.
وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَفْعَل فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا لاَ يَفْعَلُهُ قَبْل ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلاَ بَعْدَهُ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْكَفَرَةِ. (١)
وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ (مِنَ الْمَالِكِيَّةِ) لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً، وَرَآهُ مِنْ تَعْظِيمِ عِيدِهِ وَعَوْنًا لَهُ عَلَى كُفْرِهِ. (٢) وَكَمَا لاَ يَجُوزُ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي الأَْعْيَادِ لاَ يُعَانُ الْمُسْلِمُ الْمُتَشَبِّهُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ بَل يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، فَمَنْ صَنَعَ دَعْوَةً مُخَالِفَةً لِلْعَادَةِ فِي أَعْيَادِهِمْ لَمْ تُجَبْ دَعْوَتُهُ، وَمَنْ أَهْدَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ هَدِيَّةً فِي هَذِهِ الأَْعْيَادِ، مُخَالِفَةً لِلْعَادَةِ فِي سَائِرِ الأَْوْقَاتِ غَيْرِ هَذَا الْعِيدِ لَمْ تُقْبَل هَدِيَّتُهُ، خُصُوصًا إِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ، مِثْل إِهْدَاءِ الشَّمْعِ وَنَحْوِهِ فِي عِيدِ الْمِيلاَدِ (٣) .
_________
(١) الفتاوى الخانية بهامش الهندية ٣ / ٥٧٧، وانظر الفتاوى الهندية ٢ / ٢٧٦ - ٢٧٧، والفتاوى البزازية بهامش الهندية ٦ / ٣٣٣، ٣٣٤، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٤٨١، والفتاوى الأنقروية ١ / ١٦٤، وبذل المجهود في حل أبي داود ٦ / ١٦٠ نشر دار الكتب العلمية.
(٢) المدخل لابن الحاج ٢ / ٤٧، وأحكام أهل الذمة ٢ / ٧٢٥.
(٣) اقتضاء الصراط المستقيم ٢ / ٥١٧.
هَذَا وَتَجِبُ عُقُوبَةُ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ (١) .
وَأَمَّا مَا يَبِيعُهُ الْكُفَّارُ فِي الأَْسْوَاقِ فِي أَعْيَادِهِمْ فَلاَ بَأْسَ بِحُضُورِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَقَال: إِنَّمَا يُمْنَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَكَنَائِسَهُمْ، فَأَمَّا مَا يُبَاعُ فِي الأَْسْوَاقِ مِنَ الْمَأْكَل فَلاَ، وَإِنْ قَصَدَ إِلَى تَوْفِيرِ ذَلِكَ وَتَحْسِينِهِ لأَِجْلِهِمْ. (٢)
وَلِلتَّفْصِيل (ر: عِيدٌ)
ثَالِثًا - التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي الْعِبَادَاتِ:
يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ فِي الْعِبَادَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي هَذَا الْمَجَال:
أ - الصَّلاَةُ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ:
١٢ - نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ مِنْهَا لِلتَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ. (٣)
فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: صَل صَلاَةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ
_________
(١) كشاف القناع ٣ / ١٣١، وقليوبي وعميرة ٤ / ٢٠٥.
(٢) الآداب الشرعية لابن مفلح ٣ / ٤٤١، واقتضاء الصراط المستقيم ٢ / ٥١٨.
(٣) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ١ / ١٩٠، وفتح القدير ١ / ٢٠٢ ط دار إحياء التراث العربي، والكافي لابن عبد البر ١ / ١٩٥، والبجيرمي على الخطيب ٢ / ١٠١ نشر دار المعرفة، والمغني ٢ / ١٠٧ ط الرياض.
الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. ثُمَّ صَل فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِل الظِّل بِالرُّمْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَل الْفَيْءُ فَصَل فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. (١)
وَلِلتَّفْصِيل فِي الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ (ر: الْمَوْسُوعَةَ الْفِقْهِيَّةَ ٧ ١٨٠ أَوْقَاتُ الصَّلاَةِ ف ٢٣)
ب - الاِخْتِصَارُ فِي الصَّلاَةِ:
١٣ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي كَرَاهَةِ الاِخْتِصَارِ (٢) فِي الصَّلاَةِ لأَِنَّ الْيَهُودَ تُكْثِرُ مِنْ فِعْلِهِ، فَنُهِيَ عَنْهُ كَرَاهَةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِمْ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُصَلِّيَ
_________
(١) حديث: " صل صلاة الصبح. . . " أخرجه مسلم (١ / ٥٧٠ - ط الحلبي) .
(٢) اختلف العلماء في معنى الاختصار فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته (صحيح مسلم بشرح النووي ٥ / ٣٦ ط المطبعة المصرية بالأزهر) .