الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠ الصفحة 6

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١٠

الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ تِلْكَ الأَْيَّامَ إِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَإِنَّهَا تَكُونُ كَالْمَنْصُوصَةِ (١) . وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ التَّأْقِيتَ بِالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ مُجْزِئٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي وَجْهٍ: لاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ وَقْتِهِمَا.، أَمَّا التَّأْرِيخُ بِفِصْحِ النَّصَارَى فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الأَْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اجْتِنَابًا لِمَوَاقِيتِ الْكُفَّارِ، وَقَال جُمْهُورُ الأَْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنِ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْكُفَّارُ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ لاَ اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَإِنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ جَازَ كَالنَّيْرُوزِ، ثُمَّ اعْتَبَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا مَعْرِفَةَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَال أَكْثَرُ الأَْصْحَابِ: يَكْفِي مَعْرِفَةُ النَّاسِ، وَسَوَاءٌ اعْتَبَرْنَا مَعْرِفَتَهُمَا أَمْ لاَ، فَلَوْ عَرَفَا كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي وَجْهٍ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُمَا؛ لأَِنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَلاَ بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ، وَفِي مَعْنَى الْفِصْحِ سَائِرُ أَعْيَادِ أَهْل الْمِلَل كَفِطْرِ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِ. (٢)

_________

(١) مواهب الجليل ٤ / ٥٢٩ ط النجاح، والخرشي ٥ / ٢١٠ ط دار صادر، والزرقاني ٥ / ٢١٢ ط دار الفكر، وحاشية الدسوقي ٣ / ٢٠٥ ط الفكر، وجواهر الإكليل ٢ / ٦٩ ط دار المعرفة.

(٢) الروضة ٤ / ٨ ط المكتب الإسلامي، وحاشية قليوبي ٢ / ٢٤٧ ط الحلبي، ونهاية المحتاج ٤ / ١٨٧ ط المكتبة الإسلامية وتحفة المحتاج ٥ / ١٢ ط دار صادر والمهذب ١ / ٣٠٦ ط دار المعرفة، وأسنى المطالب ٢ / ١٢٥ ط المكتبة الإسلامية.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ التَّأْرِيخِ بِغَيْرِ الشُّهُورِ الْهِلاَلِيَّةِ، كَالشُّهُورِ الرُّومِيَّةِ، وَأَعْيَادِ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِذَا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْل جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيل: لاَ يَصِحُّ كَالشَّعَانِينِ وَعِيدِ الْفَطِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، حَيْثُ قَالُوا بِالأَْهِلَّةِ. (١)

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٩ - يُبْحَثُ عَنِ الأَْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِمُصْطَلَحِ التَّأْرِيخِ فِي مُصْطَلَحِ (أَجَلٌ) وَمُصْطَلَحِ (تَأْقِيتٍ) لأَِنَّ الْفُقَهَاءَ فِي الْغَالِبِ لاَ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ لَفْظَ التَّأْرِيخِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ لَفْظَ الأَْجَل، وَلَفْظَ التَّأْقِيتِ، فَكُل مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّصَرُّفَاتِ مِنَ التَّأْقِيتِ أَوِ التَّأْجِيل يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى هَذَيْنِ الْمُصْطَلَحَيْنِ (الأَْجَل وَالتَّأْقِيتِ) .

_________

(١) الإنصاف ٥ / ١٠٠ - ١٠١ ط التراث، والمغني ٤ / ٣٢٤ - ٣٢٥ ط الرياض، وكشاف القناع ٣ / ٣٠١ ط النصر.

تَأْقِيتٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - التَّأْقِيتُ أَوِ التَّوْقِيتُ: مَصْدَرُ أَقَّتَ أَوْ وَقَّتَ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ، فَالْهَمْزَةُ فِي الْمَصْدَرِ وَالْفِعْل مُبْدَلَةٌ مِنَ الْوَاوِ، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: تَحْدِيدُ الأَْوْقَاتِ، وَهُوَ يَتَنَاوَل الشَّيْءَ الَّذِي قَدَّرْتَ لَهُ حِينًا أَوْ غَايَةً. وَتَقُول: وَقَّتُّهُ لِيَوْمِ كَذَا مِثْل أَجَّلْتُهُ. (١)

وَقَال فِي الْقَامُوسِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَقْتِ: وَأَنَّهُ يُسْتَعْمَل بِمَعْنَى تَحْدِيدِ الأَْوْقَاتِ كَالتَّوْقِيتِ، وَالْوَقْتُ الْمِقْدَارُ مِنَ الدَّهْرِ. (٢) وَقَال فِي الصِّحَاحِ: وَقَّتُّهُ فَهُوَ مَوْقُوتٌ، إِذَا بَيَّنَ لِلْفِعْل وَقْتًا يُفْعَل فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (٣) . أَيْ مَفْرُوضًا فِي الأَْوْقَاتِ. (٤) وَقَدِ اُسْتُعِيرَ الْوَقْتُ لِلْمَكَانِ، وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِعِ الإِْحْرَامِ. (٥)

_________

(١) لسان العرب والقاموس والصحاح مادة: " وقت ".

(٢) القاموس المحيط.

(٣) سورة النساء / ١٠٣.

(٤) الصحاح.

(٥) المصباح المنير.

وَالتَّأْقِيتُ فِي الاِصْطِلاَحِ: تَحْدِيدُ وَقْتِ الْفِعْل ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَالتَّأْقِيتُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الشَّارِعِ فِي الْعِبَادَاتِ مَثَلًا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ (١) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الأَْجَل:

٢ - أَجَل الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْمِصْبَاحِ: مُدَّتُهُ وَوَقْتُهُ الَّذِي يَحِل فِيهِ. (٢) وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: الْمُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي يُضَافُ إِلَيْهَا أَمْرٌ مِنَ الأُْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الإِْضَافَةُ أَجَلًا لِلْوَفَاءِ بِالْتِزَامٍ، أَوْ أَجَلًا لإِنْهَاءِ الْتِزَامٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مُقَرَّرَةً بِالشَّرْعِ، أَوْ بِالْقَضَاءِ، أَوْ بِإِرَادَةِ الْمُلْتَزِمِ فَرْدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّأْقِيتِ وَاضِحٌ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي التَّأْقِيتِ تَثْبُتُ فِي الْحَال غَالِبًا وَتَنْتَهِي فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ (٣) .

ب - الإِْضَافَةُ:

٣ - الإِْضَافَةُ فِي اللُّغَةِ تَأْتِي لِمَعَانٍ مِنْهَا: الإِْسْنَادُ، وَالتَّخْصِيصُ. (٤)

_________

(١) الكليات لأبي البقاء الكفوي ٢ / ١٠٣ ط دمشق، وانظر جامع الفصولين ٢ / ٧ ط العامرة.

(٢) المصباح المنير مادة: " أجل ".

(٣) انظر الموسوعة الفقهية مصطلح: " أجل ".

(٤) الصحاح للجوهري، والقاموس المحيط والمصباح المنير مادة " ضيف ".

وَيَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، كَمَا يَسْتَعْمِلُونَهَا أَيْضًا بِمَعْنَى إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل، أَيْ إِرْجَاءِ نَفَاذِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَل الَّذِي حَدَّدَهُ الْمُتَصَرِّفُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ. (١)

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّأْقِيتِ: أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي التَّأْقِيتِ تَثْبُتُ فِي الْحَال، وَتَنْتَهِي فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلاَفِ الإِْضَافَةِ، فَإِنَّهَا تُؤَخِّرُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ السَّبَبُ (٢) .

ج - التَّأْبِيدُ:

٤ - التَّأْبِيدُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: التَّخْلِيدُ أَوِ التَّوَحُّشُ كَمَا جَاءَ فِي الصِّحَاحِ. (٣) وَقَال فِي الْمِصْبَاحِ: فَإِذَا قُلْتَ: لاَ أُكَلِّمُهُ أَبَدًا، فَالأَْبَدُ مِنْ لَدُنْ تَكَلَّمْتَ إِلَى آخِرِ عُمْرِكَ. (٤) وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَيُعْرَفُ مِنَ اسْتِعْمَالاَتِهِمْ: أَنَّهُ تَقْيِيدُ صِيغَةِ التَّصَرُّفَاتِ بِالأَْبَدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْبِيدِ وَالتَّأْقِيتِ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتًا فِي الْحَال، إِلاَّ

_________

(١) العناية على الهداية صدر هامش فتح القدير ٣ / ٦١ ط دار صادر.

(٢) تيسير التحرير ١ / ١٢٩ ط الحلبي، وانظر مصطلح (إضافة) .

(٣) الصحاح مادة " أبد ".

(٤) المصباح المنير مادة: " أبد ".

أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي التَّأْقِيتِ مُقَيَّدَةٌ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَنْتَهِي أَثَرُهَا عِنْدَهُ، بِخِلاَفِ التَّأْبِيدِ. وَلِلتَّوَسُّعِ ر: (تَأْبِيدٌ) .

د - التَّأْجِيل:

٥ - التَّأْجِيل فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَجَّل - بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ - وَمَعْنَاهُ: أَنْ تَجْعَل لِلشَّيْءِ أَجَلًا، وَأَجَل الشَّيْءِ: مُدَّتُهُ وَوَقْتُهُ الَّذِي يَحِل فِيهِ. (١)

وَفِي الاِصْطِلاَحِ مَعْنَاهُ: تَأْخِيرُ الثَّابِتِ فِي الْحَال إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَتَأْجِيل الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ إِلَى مُضِيِّ شَهْرٍ مَثَلًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْجِيل وَالتَّأْقِيتِ: أَنَّ التَّأْقِيتَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَال، بِخِلاَفِ التَّأْجِيل فَإِنَّهُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ (٢) .

هـ - التَّعْلِيقُ:

٦ - التَّعْلِيقُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ - كَمَا قَال ابْنُ نُجَيْمٍ -: رَبْطُ حُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى. (٣)

وَفَسَّرَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ تَرْتِيبُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى

_________

(١) المصباح المنير مادة: " أجل ".

(٢) الكليات لأبي البقاء الكفوي ٢ / ١٠٣ ط دمشق.

(٣) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٦٧ ط دار مكتبة الهلال بيروت.

أَمْرٍ سَيُوجَدُ، بِإِنْ أَوْ إِحْدَى أَدَوَاتِ الشَّرْطِ الأُْخْرَى. (١) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّأْقِيتِ: أَنَّ التَّأْقِيتَ تَثْبُتُ فِيهِ التَّصَرُّفَاتُ فِي الْحَال، فَلاَ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ، بِخِلاَفِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْمُعَلَّقَ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِي الْحَال. ر: (تَعْلِيقٌ) .

أَثَرُ التَّأْقِيتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ:

٧ - التَّصَرُّفَاتُ مِنْ حَيْثُ قَبُولُهَا التَّأْقِيتَ أَوْ عَدَمُ قَبُولِهَا لَهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ هِيَ: تَصَرُّفَاتٌ لاَ تَقَعُ إِلاَّ مُؤَقَّتَةً كَالإِْجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَتَصَرُّفَاتٌ لاَ تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ، وَتَصَرُّفَاتٌ تَكُونُ مُؤَقَّتَةً وَغَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ كَالْعَارِيَّةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلًا: التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ تَقَعُ إِلاَّ مُؤَقَّتَةً

أ - الإِْجَارَةُ:

٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإِْجَارَةَ لاَ تَصِحُّ إِلاَّ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِوُقُوعِهَا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ.

فَمِنَ الأَْوَّل: إِجَارَةُ الأَْرْضِ أَوِ الدُّورِ أَوِ الدَّوَابِّ، وَالأَْجِيرُ الْخَاصُّ.

_________

(١) الحموي على ابن نجيم ٢ / ٢٢٥ ط العامرة.

وَمِنَ الثَّانِي: الاِسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلٍ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا، وَهُوَ الأَْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ. (١)

ب - الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ:

٩ - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَقَدْ قَالاَ بِجَوَازِهَا، وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا بَيَانَ الْمُدَّةِ، فَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْمُؤَقَّتَةِ عِنْدَهُمَا. (٢) وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ تَوْقِيتُهَا عِنْدَهُمَا، فَإِنْ تُرِكَ تَأْقِيتُهَا جَازَتِ اسْتِحْسَانًا؛ لأَِنَّ وَقْتَ إِدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ. (٣) وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِ التَّأْقِيتِ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَتَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلاَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ. (٤) وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ، أَيْ: جَنْيِ الثَّمَرِ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى فَسَادَهَا

_________

(١) الفتاوى الهندية ٤ / ٤١١ ط المكتبة الإسلامية، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ٤ / ١٢ ط دار الفكر، ومواهب الجليل ٥ / ٤١٠ ط مكتبة النجاح، وجواهر الإكليل ٢ / ١٨٧ ط دار المعرفة، وحاشية قليوبي ٣ / ٦٧ ط الحلبي، والروضة ٥ / ١٧٣ و١٩٦ ط المكتب الإسلامي، وكشاف القناع ٤ / ٥، ١١ ط النصر. وانظر مصطلح (إجارة) .

(٢) تبيين الحقائق ٥ / ٢٧٨ ط دار المعرفة.

(٣) تبيين الحقائق ٥ / ٢٨٤.

(٤) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير ٣ / ٣٧٢، ٣٧٧ ط دار الفكر، وجواهر الإكليل ٢ / ١٢٣، ١٢٥ ط دار المعرفة.

إِنْ أُطْلِقَتْ وَلَمْ تُؤَقَّتْ، أَوْ أُقِّتَتْ بِوَقْتٍ يَزِيدُ عَلَى الْجُذَاذِ، وَيَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا إِنْ أُطْلِقَتْ صَحَّتْ وَحُمِلَتْ عَلَى الْجُذَاذِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَنَّ التَّأْقِيتَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا، وَغَايَةُ مَا فِي الأَْمْرِ أَنَّهَا إِنْ أُقِّتَتْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ. (١)

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ تَقْرِيرِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى الْمُسَاقَاةِ يَجْرِي عَلَيْهَا. (٢)

وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً، إِذْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْعَمَل بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ. (٣)

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ التَّأْقِيتَ، بَل تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَغَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، فَلَوْ زَارَعَهُ أَوْ سَاقَاهُ دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةً جَازَ؛ لأَِنَّهُ ﷺ لَمْ يَضْرِبْ لأَِهْل خَيْبَرَ مُدَّةً. (٤) وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ ﷺ. وَلِكُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا مَتَى

_________

(١) حاشية الدسوقي ٣ / ٥٤٢.

(٢) روضة الطالبين ٥ / ١٧٠.

(٣) روضة الطالبين ٥ / ١٥٦، وحاشية قليوبي ٣ / ٦٤ ط الحلبي.

(٤) حديث: " أن النبي ﷺ لم يضرب لأهل خيبر مدة. . . " أخرجه البخاري في صحيحه (الفتح ٥ / ١٠) ط السلفية. ومسلم (٣ / ١١٨٦) ط عيسى البابي الحلبي.

شَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ رَبِّ الْمَال قَبْل ظُهُورِ الثَّمَرِ وَبَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِل بِالْعَمَل فَعَلَيْهِ لِلْعَامِل أُجْرَةُ مِثْل عَمَلِهِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِل قَبْل ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ. (١)

ثَانِيًا: التَّصَرُّفَاتُ غَيْرُ الْمُؤَقَّتَةِ

وَهِيَ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ تَقْبَل التَّأْقِيتَ، أَيْ: أَنَّ التَّأْقِيتَ يُفْسِدُهَا، (٢) وَهِيَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَا يَلِي:

أ - الْبَيْعُ:

١٠ - الْبَيْعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ لاَ يَقْبَل التَّأْقِيتَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْعَامَّةِ أَلاَّ يَكُونَ مُؤَقَّتًا (٣) . ر: (بَيْعٌ) . وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي أَشْبَاهِهِ أَنَّ الْبَيْعَ لاَ يَقْبَل التَّأْقِيتَ بِحَالٍ، وَمَتَى أُقِّتَ بَطَل.

_________

(١) كشاف القناع ٣ / ٥٣٧ ط النصر، وانظر مصطلح (مزارعة) و(مساقاة) .

(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي ص٢٨٢ ط الحلبي.

(٣) الفتاوى الهندية ٣٣ / ٣ ط المكتبة الإسلامية، ومغني المحتاج ٢ / ٣، والمغني مع الشرح الكبير ٦ / ٢٥٦ ط المنار، وانظر حاشية الدسوقي ٣ / ٧٦ - ٧٨، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٨، ٢٩، ومواهب الجليل ٤ / ٣٨٨ - ٤٠٤.