الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٩ -
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَنَقَل عَنْ هَذَا قَوْلَهُ: " بِعِ الْحَلاَل مِمَّنْ شِئْتَ (١) " وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ (٢) وَقَدْ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ.
وَلأَِنَّ الْمَعْصِيَةَ لاَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ، بَل بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِشُرْبِهِ، وَهُوَ فِعْل فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْل؛ لأَِنَّ الشُّرْبَ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْحَمْل، وَلَيْسَ الْحَمْل مِنْ ضَرُورَاتِ الشُّرْبِ، لأَِنَّ الْحَمْل قَدْ يُوجَدُ لِلإِْرَاقَةِ وَالتَّخْلِيل بِالصَّبِّ فِي الْخَل، فَلَيْسَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَمْل، وَصَارَ كَالاِسْتِئْجَارِ لِعَصْرِ الْعِنَبِ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا قَال الْكَرْلاَنِيُّ. لَكِنْ يَبْدُو أَنَّ الْمَذْهَبَ - مَعَ ذَلِكَ - أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَأَنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى، فَقَدْ قَال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا (٣) وَكَلِمَةُ لاَ بَأْسَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَتَرْكُهُ أَوْلَى.
وَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا، هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ.
_________
(١) الدر المختار ٥ / ٢٥٠، والمغني ٤ / ٢٨٣
(٢) سورة البقرة / ٢٧٥
(٣) الهداية بشروحها ٨ / ٤٩٣، وانظر في التعليل والتفصيل في القياس والاستحسان شرح الكفاية على التخصيص في الموضع نفسه