الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧ الصفحة 6

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧

ثَانِيًا: مَوْتُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا:

١٥ - لاَ يُؤَثِّرُ الْمَوْتُ فِي انْفِسَاخِ جَمِيعِ الْعُقُودِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَبَعْضُ الْعُقُودِ يَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهَا بَعْدَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول فَوْرًا، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَاقِدَيْنِ وَأَهْلِيَّتِهِمَا بَعْدَ انْعِقَادِهَا، كَالْبَيْعِ الَّذِي يُفِيدُ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَتَمَلُّكَ الْبَائِعَ الثَّمَنَ فَوْرَ إِنْشَائِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِالْخِيَارِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا بَعْدَ إِتْمَامِ الْعَقْدِ وَانْتِقَال مِلْكِيَّةِ الْبَدَلَيْنِ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَعَلَى عَكْسِ ذَلِكَ يَنْتَهِي عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ دَوَامُ الْعِشْرَةِ وَقَدْ زَال بِالْمَوْتِ.

وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ، وَهُنَاكَ عُقُودٌ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْفِسَاخِهَا بِالْمَوْتِ، كَعَقْدِ الإِْجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَعُقُودٌ أُخْرَى اتَّفَقُوا عَلَى انْفِسَاخِهَا بِالْمَوْتِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَكْيِيفِ انْفِسَاخِهَا وَتَعْلِيلِهِ، كَعُقُودِ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ، (١) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أ - انْفِسَاخُ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ:

١٦ - الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ هُوَ مَا لاَ يَسْتَبِدُّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهَا، كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالصُّلْحِ وَنَحْوِهَا.

وَبَعْضُ هَذِهِ الْعُقُودِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى امْتِدَادِ الزَّمَنِ، فَلاَ أَثَرَ لِلْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا، كَعَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا تَمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا، وَيَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا نَشَأَ مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ.

وَهُنَاكَ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ يَتَوَقَّفُ آثَارُهَا

_________

(١) مسلم الثبوت ١ / ١٧٥، والتوضيح مع التلويح ٢ / ١٧٨.

عَلَى مُرُورِ الزَّمَنِ، كَعَقْدِ الإِْجَارَةِ، وَفِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الإِْجَارَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:

فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) عَلَى أَنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، بَل تَبْقَى إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ لاَزِمٌ، فَلاَ يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، كَعَقْدِ الْبَيْعِ. وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجَرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ مَعَ خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ. (١)

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الإِْجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إِنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَتَنْعَقِدُ الإِْجَارَةُ بِحُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلاَ تَبْقَى بِدُونِ الْعَاقِدِ. وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ كَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ؛ وَلأَِنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَسْتُوفِيَتِ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الأُْجْرَةِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَسْتَحَقَّتِ الأُْجْرَةَ مِنْ مَال غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا مَاتَ مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ الْعَقْدُ كَالْوَكِيل وَنَحْوِهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْمَنَافِعِ وَلاَ اسْتِحْقَاقَ الأُْجْرَةِ مِنْ مِلْكِهِ، فَإِبْقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَ يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجِبِ الْعَقْدِ. (٢)

_________

(١) الإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع ٢ / ٧٢، وبلغة السالك ٤ / ٥٠، والمغني ٥ / ٤٦٧ - ٤٦٨.

(٢) الاختيار ٢ / ٦١، والبدائع ٤ / ٢٢٢.

٤ وَأَصْل الْخِلاَفِ ٤ يَرْجِعُ إِلَى تَكْيِيفِ الإِْجَارَةِ فِي نَقْل الْمَنَافِعِ. فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الإِْجَارَةَ إِذَا تَمَّتْ وَكَانَتْ عَلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا إِلَى الْمُدَّةِ، وَيَكُونُ حُدُوثُهَا عَلَى مِلْكِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُؤَجِّرُ يَمْلِكُ الأُْجْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا التَّأْجِيل، كَمَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ. فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْل انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى وَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. (١)

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الإِْجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَالأُْجْرَةُ تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَائِهَا أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيل. وَلاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَدَى الْعَقْدِ؛ لأَِنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَلاَ تَجِبُ الأُْجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الأُْجْرَةَ عَمَلًا بِالْمُسَاوَاةِ. (٢)

وَقَوْل الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ عَقْدِ الإِْجَارَةِ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ لاَ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي الاِنْفِسَاخِ فِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ. فَقَدْ صَرَّحُوا: أَنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الأَْجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَبِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِتَعْلِيمِهِ وَعَلَى رَضَاعِهِ. وَقَدْ نُقِل عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ أَوِ الْمُرْتَضِعِ قَوْلٌ آخَرُ بِعَدَمِ الاِنْفِسَاخِ. (٣)

_________

(١) المغني ٥ / ٤٤٢ - ٤٤٣، والشرح الصغير ٤ / ٤٩، ٥٠، والقليوبي ٣ / ٨٤.

(٢) الاختيار ٢ / ٥٥.

(٣) الحطاب ٤ / ٤٣٢، والمغني ٥ / ٤٩٩، والإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع ٢ / ٧٢، والمهذب ١ / ٤١٢ - ٤١٣، والوجيز للغزالي ١ / ٢٣٩.

ب - الاِنْفِسَاخُ بِالْمَوْتِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ:

١٧ - الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ (الْجَائِزَةُ) هِيَ مَا يَسْتَبِدُّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا.

وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا؛ لأَِنَّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَسْخُهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَا تُوُفِّيَ فَقَدْ ذَهَبَتْ إِرَادَتُهُ، وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذِهِ الْعُقُودِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَمِرُّ بِاسْتِمْرَارِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.

فَعَقْدُ الإِْعَارَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ)؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَتَجَدَّدُ الْعَقْدُ حَسَبَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ (١) وَلأَِنَّ الْعَارِيَّةَ إِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى الإِْذْنِ، وَقَدْ بَطَل بِالْمَوْتِ، فَانْفَسَخَتِ الإِْعَارَةُ، كَمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (٢)

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْعَارِيَّةُ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لاَزِمٌ، إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، وَتَدُومُ إِلَى أَنْ تَتِمَّ الْمُدَّةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً فَفِي انْفِسَاخِهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُهُمَا عَدَمُ الاِنْفِسَاخِ إِلَى الْعَمَل أَوِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ. (٣)

وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْوَكَالَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْوَكِيل أَوِ الْمُوَكِّل عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَنْفَسِخُ

_________

(١) الزيلعي ٥ / ٨٤، وابن عابدين ٤ / ٥٠٧.

(٢) نهاية المحتاج ٥ / ١٣٠، والمغني ٥ / ٢٢٥.

(٣) المدونة ١٥ / ١٦٧، وجواهر الإكليل ٢ / ١٤٦.

بِالْعَزْل، وَالْمَوْتُ فِي حُكْمِ عَزْل الْوَكِيل. وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيل زَالَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِلتَّصَرُّفِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُوَكِّل زَالَتْ صَلاَحِيَّتُهُ بِتَفْوِيضِ الأَْمْرِ إِلَى الْوَكِيل فَتَبْطُل الْوَكَالَةُ.

هَذَا وَلاَ يَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي انْفِسَاخِ الْوَكَالَةِ عِلْمَ الْوَكِيل بِمَوْتِ الْمُوَكِّل. وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) عِلْمَ الْوَكِيل بِمَوْتِ الْمُوَكِّل فِي انْفِسَاخِ الْوَكَالَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ. (١)

وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ، الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَوَاضِعِهَا.

هَذَا، وَهُنَاكَ عُقُودٌ أُخْرَى تُعْتَبَرُ لاَزِمَةً مِنْ جَانِبِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، جَائِزَةً مِنْ جَانِبِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، كَعَقْدِ الْكَفَالَةِ، فَهِيَ لاَزِمَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْكَفِيل الَّذِي لاَ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا، دُونَ إِذْنِ الْمَكْفُول لَهُ، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَكْفُول لَهُ يَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهَا. وَكَعَقْدِ الرَّهْنِ، فَهُوَ لاَزِمٌ مِنْ قِبَل الرَّاهِنِ، جَائِزٌ مِنْ قِبَل الْمُرْتَهِنِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ فَسْخَهُ بِدُونِ إِذْنِ الرَّاهِنِ.

وَفِيمَا يَلِي أَثَرُ الْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ:

أَثَرُ الْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

١٨ - مَوْتُ الْكَفِيل أَوِ الْمَكْفُول لاَ تَنْفَسِخُ بِهِ الْكَفَالَةُ، وَلاَ يَمْنَعُ مُطَالَبَةَ الْمَكْفُول لَهُ بِالدَّيْنِ، فَإِذَا مَاتَ الْكَفِيل أَوِ الْمَكْفُول يَحِل الدَّيْنُ الْمُؤَجَّل عَلَى

_________

(١) الوجيز للغزالي ١ / ١٨٧ - ٢٢٥، والقليوبي ٣ / ٥٩، وابن عابدين ٤ / ٤١٧، وبداية المجتهد ٢ / ٢٧٣، والمغني ٥ / ١٢٣، ونهاية المحتاج ٥ / ٥٥، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ٢١٦.

الْمَيِّتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، تُحَصِّل الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى، وَلَوْ مَاتَا خُيِّرَ الطَّالِبُ فِي أَخْذِهِ مِنْ أَيِّ التَّرِكَتَيْنِ. وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُول لَهُ يَحِل الْوَرَثَةُ مَحَلَّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَحِل الدَّيْنُ الْمُؤَجَّل بِمَوْتِ الْكَفِيل أَوِ الْمَكْفُول، وَيَبْقَى مُؤَجَّلًا كَمَا هُوَ.

أَثَرُ الْمَوْتِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الرَّهْنِ:

١٩ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ، فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْهِنُ يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى، وَتَبْقَى الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَرَثَتِهِ، وَلاَ سَبِيل إِلَى خَلاَصِ الرَّهْنِ إِلاَّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ إِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ وَبِثَمَنِهِ إِنْ بِيعَ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (١)

وَعَقْدُ الرَّهْنِ قَبْل قَبْضِ الْمَرْهُونِ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَكَانَ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَنْفَسِخَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي انْفِسَاخِهِ قَبْل الْقَبْضِ:

فَقَال الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ قَامَ

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٢٣٤، والبدائع ٦ / ١٤٥، ومختصر الطحاوي ص ٩٥، والمدونة ٥ / ٣٠٩، والقليوبي ٢ / ٢٧٣، ٢٧٥، والمغني ٤ / ٤٤٧، ٤٤٨.

وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ، لَكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ الإِْقْبَاضُ.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَبْل الْقَبْضِ؛ لأَِنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ. (١) أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاخَى الْمُرْتَهِنُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فِي مُطَالَبَةِ الْمَدِينِ وَقَبْضِ الْمَرْهُونِ، لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَفَلْسِهِ قَبْل حَوْزِهِ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ. (٢)

أَثَرُ تَغَيُّرِ الأَْهْلِيَّةِ فِي انْفِسَاخِ الْعُقُودِ:

٢٠ - الأَْهْلِيَّةُ: صَلاَحِيَّةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلِصُدُورِ الْفِعْل مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا (٣) . وَتَعْرِضُ لِلأَْهْلِيَّةِ أُمُورٌ تُغَيِّرُهَا وَتُحَدِّدُهَا فَتَتَغَيَّرُ بِهَا الأَْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

وَتَغَيُّرُ الأَْهْلِيَّةِ بِمَا يَعْرِضُ مِنْ بَعْضِ الْعَوَارِضِ، كَالْجُنُونِ أَوِ الإِْغْمَاءِ أَوِ الاِرْتِدَادِ وَنَحْوِهَا، لَهُ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ بَعْضِ الْعُقُودِ، فَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ: مِثْل الْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْوَكَالَةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا (٤) .

_________

(١) ابن عابدين ٥ / ٣٠٨، والمغني ٤ / ٣٦٥، ونهاية المحتاج ٤ / ٢٥١.

(٢) بداية المجتهد ٢ / ٢٧٤، والشرح الصغير ٣ / ٣١٦.

(٣) التلويح والتوضيح ٢ / ١٦١، ١٦٢.

(٤) ابن عابدين ٣ / ٣٥١ و٤ / ٤١٧، والبدائع ٦ / ٣٨، والوجيز ١ / ١٨٧، ٢٢٥، وقليوبي ٣ / ٥٩، ١٨١، ونهاية المحتاج ٥ / ٥٥، والمغني ٥ / ١٢٤، ١٣٣، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٥٣.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لاَزِمٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَل وَلِهَذَا يُورَثُ، وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلاَ يَنْفَسِخَانِ بِالْجُنُونِ.

أَمَّا فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ جُنُونَ الْوَكِيل لاَ يُوجِبُ عَزْلَهُ إِنْ بَرِأَ، وَكَذَا جُنُونُ الْمُوَكِّل وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ طَال نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي أَمْرِهِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الشَّرِكَةِ؛ لأَِنَّ الشَّرِيكَ يُعْتَبَرُ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا عَنْهُ، وَكِلاَهُمَا مِنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ (الْجَائِزَةِ) . (١)

أَمَّا الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، فَلاَ تَنْفَسِخُ بِالْجُنُونِ بَعْدَ تَمَامِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. حَتَّى إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْفِسَاخِ الإِْجَارَةِ بِالْمَوْتِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا - صَرَّحُوا بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْجُنُونِ، فَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الإِْجَارَةُ لاَ تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الآْجِرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلاَ بِارْتِدَادِهِمَا، وَإِذَا ارْتَدَّ الآْجِرُ أَوِ الْمُسْتَأْجِرُ فِي مُدَّةِ الإِْجَارَةِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ بَطَلَتِ الإِْجَارَةُ، وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ فِي مُدَّةِ الإِْجَارَةِ عَادَتِ الإِْجَارَةُ. (٢)

وَلَعَل دَلِيل التَّفْرِقَةِ بَيْنَ انْفِسَاخِ الإِْجَارَةِ بِالْمَوْتِ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ نَقْل الْمِلْكِيَّةِ، فَلَوْ أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ لاَسْتُوفِيَتِ

_________

(١) بداية المجتهد ٢ / ٢٣٧، ٢٥٣، ٢٩٧، ومنح الجليل ٣ / ٣٩٢.

(٢) الفتاوى الهندية ٤ / ٤٦٣، وانظر ابن عابدين ٥ / ٥٢.

الْمَنَافِعُ أَوِ الأُْجْرَةُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ (الْوَرَثَةُ) وَهَذَا خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، بِخِلاَفِ الْجُنُونِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لاِنْتِقَال الْمِلْكِيَّةِ، فَبَقَاءُ الإِْجَارَةِ لأَِنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ وَالأُْجْرَةِ مِنْ مِلْكِ الْعَاقِدَيْنِ. (١)

٢١ - وَمِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ الَّتِي لاَ تَنْفَسِخُ تِلْقَائِيًّا بِالْجُنُونِ عَقْدُ النِّكَاحِ، لَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَيْبًا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) ر (نِكَاحٌ. فَسْخٌ) .

٢٢ - وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُوجِبَةٌ لاِنْفِسَاخِ عَقْدِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: ﴿لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ (٢)، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ . (٣)

فَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْل الدُّخُول انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْحَال وَلَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُول قَال الشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - حِيل بَيْنَهُمَا إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالْعِصْمَةُ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِْسْلاَمِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِلاَ طَلاَقٍ. (٤) وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ ارْتِدَادَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ عَاجِلٌ بِلاَ قَضَاءٍ فَلاَ يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلاَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْل الدُّخُول أَمْ بَعْدَهُ. (٥) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ

_________

(١) البدائع ٤ / ٢٢٢.

(٢) سورة الممتحنة / ١٠.

(٣) سورة الممتحنة / ١٠.

(٤) الأم ٢ / ٤٨، والمغني ٦ / ٢٩٨، ٦٣٩.

(٥) ابن عابدين ٢ / ٣٩٣، ٣٩٤، والمغني ٦ / ٢٩٨.

بِطَلاَقٍ بَائِنٍ. (١)

أَمَّا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَتَخَلَّفَ الآْخَرُ - مَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَخَلِّفُ زَوْجَةً كِتَابِيَّةً - حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي قَوْل الْجُمْهُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَا بِدَارِ الإِْسْلاَمِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُتَخَلِّفُ عَنِ الإِْسْلاَمِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، أَمَّا إِنْ كَانَ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ فَلاَ بُدَّ مِنْ عَرْضِ الإِْسْلاَمِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلاَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

وَهَل يُعْتَبَرُ هَذَا الاِنْفِسَاخُ طَلاَقًا أَمْ لاَ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنِ الإِْسْلاَمِ يُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْرِيقُ طَلاَقًا يُنْقِصُ الْعَدَدَ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ الإِْسْلاَمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ التَّفْرِيقُ فَسْخًا؛ لأَِنَّهَا لاَ تَمْلِكُ الطَّلاَقَ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ لاَ طَلاَقٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ. (٢)

أَثَرُ تَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ:

٢٣ - الْمُرَادُ بِذَلِكَ صُعُوبَةُ دَوَامِ الْعَقْدِ (٣)، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّلَفِ، فَيَشْمَل الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. (٤)

وَهَذَا يَكُونُ بِأُمُورٍ، مِنْهَا هَلاَكُ مَحَل الْعَقْدِ، وَقَدْ

_________

(١) الدسوقي ٢ / ٢٧٠، وابن عابدين ٢ / ٣٩٢.

(٢) ابن عابدين ٢ / ٣٨٩، والمغني ٦ / ٦١٤، ٦١٧، والدسوقي ٢ / ٢٧٠، والأم ٥ / ٤٥، ٤٨.

(٣) لسان العرب مادة (عذر) .

(٤) الشرح الصغير ٤ / ٤٩، والبدائع ٤ / ٢٠٠.