الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٧ -
عَلَى عَلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَمُعَالَجَةُ بَقَائِهَا بِمَا هُوَ غَالِبٌ عَلَى طَبَائِعِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْبُعْدَ عَنِ الزَّوْجَةِ مِثْل هَذَا الزَّمَنِ فِيهِ تَشْوِيقٌ لِلزَّوْجِ إِلَيْهَا، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى وَزْنِ حَالِهِ مَعَهَا وَزْنًا صَحِيحًا، فَإِذَا لَمْ تَتَأَثَّرْ نَفْسُهُ بِالْبُعْدِ عَنْهَا، وَلَمْ يُبَال بِهَا سَهُل عَلَيْهِ فِرَاقُهَا، وَإِلاَّ عَادَ إِلَى مُعَاشَرَتِهَا نَادِمًا عَلَى إِسَاءَتِهِ مُصِرًّا عَلَى حُسْنِ مُعَاشَرَتِهَا. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ هَجْرَهَا مِنْ وَسَائِل تَأْدِيبِهَا، فَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا فِي انْصِرَافِ الزَّوْجِ عَنْهَا بِإِهْمَالِهَا فِي شَأْنِ زِينَتِهَا، أَوْ بِمُعَامَلَتِهَا إِيَّاهُ مُعَامَلَةً تُوجِبُ النَّفْرَةَ مِنْهَا، فَإِذَا هَجَرَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ كَانَ هَذَا زَاجِرًا لَهَا عَمَّا فَرَطَ مِنْهَا (١) .
وَسَبَبُ الْخِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْمُرَادِ مِنَ التَّرْتِيبِ الَّذِي تَدُل عَلَيْهِ " الْفَاءُ " فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢) أَهُوَ التَّرْتِيبُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ التَّرْتِيبُ الزَّمَانِيُّ. أَيْ أَنَّ زَمَنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْءِ أَوِ الطَّلاَقِ عَقِبَ مُضِيِّ الأَْجَل الْمَضْرُوبِ، وَهُوَ الأَْرْبَعَةُ الأَْشْهُرُ أَوْ هُوَ التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ لاَ الزَّمَنِيُّ، فَتُفِيدُ تَرْتِيبَ الْمُفَصَّل عَلَى الْمُجْمَل، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْفَيْءُ بَعْدَ الإِْيلاَءِ خِلاَل الأَْجَل الْمَضْرُوبِ لاَ بَعْدَهُ، فَإِذَا انْقَضَى الأَْجَل بِدُونِ فَيْءٍ فِيهِ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِمُضِيِّهِ؟ فَبِالأَْوَّل قَال الْجُمْهُورُ، وَبِالثَّانِي قَال الْحَنَفِيَّةُ.
فَمَعْنَى الآْيَةِ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ لِلأَْزْوَاجِ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَاتِهِمُ انْتِظَارُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءُوا قَبْل مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَعَادُوا إِلَى وَطْئِهِنَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَوْبَةً مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ
_________
(١) البدائع ٣ / ١٧٦.
(٢) سورة البقرة / ٢٢٨.