الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ -
قَال: أُهْدِيَتْ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ بَغْلَةٌ فَرَكِبَهَا، فَقُلْتُ: لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْل فَكَانَتْ لَنَا مِثْل هَذِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا يَفْعَل ذَلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (١) . وَقَالُوا: وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِقِلَّةِ الْخَيْل وَضَعْفِهَا (٢) .
قَال الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْحُمُرَ إِذَا حَمَلَتْ عَلَى الْخَيْل تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُ الْخَيْل، وَقَل عَدَدُهَا، وَانْقَطَعَ نَمَاؤُهَا. وَالْخَيْل يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لِلرُّكُوبِ وَالطَّلَبِ، وَعَلَيْهَا يُجَاهَدُ الْعَدُوُّ، وَبِهَا تُحْرَزُ الْغَنَائِمُ، وَلَحْمُهَا مَأْكُولٌ، وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ كَمَا يُسْهَمُ لِلْفَارِسِ، وَلَيْسَ لِلْبَغْل شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِل، فَأَحَبَّ ﷺ أَنْ يَنْمُوَ عَدَدُ الْخَيْل وَيَكْثُرَ نَسْلُهَا لِمَا فِيهَا مِنَ النَّفْعِ وَالصَّلاَحِ. وَلَكِنْ قَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ حَمْل الْخَيْل عَلَى الْحُمُرِ جَائِزًا؛ لأَِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي حَمْل الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْل، لِئَلاَّ تُشْغَل أَرْحَامُهَا بِنَسْل الْحُمُرِ، فَيَقْطَعَهَا ذَلِكَ عَنْ نَسْل الْخَيْل، فَإِذَا كَانَتِ الْفُحُولَةُ خَيْلًا وَالأُْمَّهَاتُ حُمُرًا فَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ لاَ يَكُونَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ، إِلاَّ أَنْ يَتَأَوَّل مُتَأَوِّلٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ صِيَانَةُ الْخَيْل عَنْ مُزَاوَجَةِ الْحُمُرِ، وَكَرَاهَةُ اخْتِلاَطِ مَائِهَا، لِئَلاَّ يَضِيعَ طُرُقُهَا، وَلِئَلاَّ يَكُونَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ الْمُرَكَّبُ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُرَكَّبَاتِ الْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ أَخْبَثُ طَبْعًا مِنْ أُصُولِهَا الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَشَدُّ شَرَاسَةً كَالسِّمْعِ،
_________
(١) حديث: " إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ". أخرجه أبو داود في الجهاد (٣ / ٥٨ / ٢٥٦٥) ط الدعاس، وأحمد (٧٦٦، ٧٨٥) بتحقيق أحمد شاكر. وقال: إسناده صحيح.
(٢) المجموع ٦ / ١٧٨ ط السلفية، القليوبي ٣ / ٢٠٣ ط عيسى الحلبي.