الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ -
وَصَارَ فِيهَا كَعَهْدِهِ بِهَا إِلَى غَيْرِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَهَل يَكُونُ رِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَهْدِ مُعْتَبَرًا فِي لُزُومِهِ لِلأُْمَّةِ أَوْ لاَ؟ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِوَالِدِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا لِوَلَدِهِ، لأَِنَّ الطَّبْعَ يَبْعَثُ عَلَى مُمَايَلَةِ الْوَلَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَبْعَثُ عَلَى مُمَايَلَةِ الْوَالِدِ، وَلِذَلِكَ كَانَ كُل مَا يَقْتَنِيهِ فِي الأَْغْلَبِ مَذْخُورًا لِوَلَدِهِ دُونَ وَالِدِهِ.
فَأَمَّا عَقْدُهَا لأَِخِيهِ وَمَنْ قَارَبَهُ مِنْ عَصَبَتِهِ وَمُنَاسِبِيهِ فَكَعَقْدِهَا لِلْبُعَدَاءِ الأَْجَانِبِ فِي جَوَازِ تَفَرُّدِهِ بِهَا. (١)
وَقَال ابْنُ خَلْدُونٍ، بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْكَلاَمَ فِي الإِْمَامَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّ حَقِيقَتَهَا لِلنَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الأُْمَّةِ لِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
قَال: فَالإِْمَامُ هُوَ وَلِيُّهُمْ وَالأَْمِينُ عَلَيْهِمْ، يَنْظُرُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَيُقِيمَ لَهُمْ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ كَمَا كَانَ هُوَ يَتَوَلاَّهَا، وَيَثِقُونَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا وَثِقُوا بِهِ فِيمَا قَبْل، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنَ الشَّرْعِ بِإِجْمَاعِ الأُْمَّةِ عَلَى جَوَازِهِ وَانْعِقَادِهِ، إِذْ وَقَعَ بِعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ ﵁ لِعُمَرِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَجَازُوهُ، وَأَوْجَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهِ طَاعَةَ عُمَرَ ﵁ وَعَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ عَهِدَ عُمَرُ فِي الشُّورَى إِلَى السِّتَّةِ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ، وَجَعَل لَهُمْ أَنْ يَخْتَارُوا لِلْمُسْلِمِينَ، فَفَوَّضَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَاجْتَهَدَ وَنَاظَرَ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدَهُمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى عَلِيٍّ، فَآثَرَ عُثْمَانَ بِالْبَيْعَةِ عَلَى ذَلِكَ لِمُوَافَقَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى لُزُومِ الاِقْتِدَاءِ
_________
(١) الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٠