الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ -
مُلْجِئٍ. فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِمَالٍ أَوْ زَوَاجٍ أَوْ طَلاَقٍ كَانَ اعْتِرَافُهُ بَاطِلًا، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ إِنَّمَا جُعِل حُجَّةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِاعْتِبَارِ تَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّرْجِيحُ مَعَ الإِْكْرَاهِ، إِذْ هُوَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لاَ يَقْصِدُ بِإِقْرَارِهِ الصِّدْقَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُدِّدَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا كَانَ أَثَرُ الإِْكْرَاهِ فِيهَا إِفْسَادَهَا لاَ إِبْطَالَهَا، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، حَسَبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لاَزِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْمُكْرَهُ الثَّمَنَ، أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُهُ. (١)
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الإِْكْرَاهَ عِنْدَهُمْ لاَ يُعْدِمُ الاِخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ تَرْجِيحُ فِعْل الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ أَوِ الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ الاِرْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلاَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَإِذَنْ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى فِقْدَانِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ لاَ بُطْلاَنُهُ. وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَقَالُوا بِصِحَّتِهِمَا مَعَ الإِْكْرَاهِ، وَلَوْ كَانَ مُلْجِئًا، وَمِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: الزَّوَاجُ وَالطَّلاَقُ وَمُرَاجَعَةُ الزَّوْجَةِ وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ.
وَعَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ - عِنْدَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ - قَائِمًا مَقَامَ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ، فَإِذَا وُجِدَ اللَّفْظُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ،
_________
(١) ابن عابدين ٤ / ٤، ٥ / ٨٣ وما بعدها.