الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٦ -
الإِْقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فِي الإِْنْكَارِ يَكُونُ صَادِقًا فِي الإِْقْرَارِ، فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي ظُهُورِ الْحَدِّ، وَالْحُدُودُ لاَ تُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالزِّنَا لَقَّنَهُ الرُّجُوعَ (١) . فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلسُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ مَا كَانَ لِلتَّلْقِينِ مَعْنًى، سَوَاءٌ أَرَجَعَ قَبْل الْقَضَاءِ أَمْ بَعْدَهُ، قَبْل الإِْمْضَاءِ أَمْ بَعْدَهُ. (٢) وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ بِالْقَوْل أَوْ بِالْفِعْل بِأَنْ يَهْرُبَ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْكَارُ الإِْقْرَارِ رُجُوعٌ، فَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَقَال: مَا أَقْرَرْتُ بِشَيْءٍ - يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ. (٣) وَلأَِنَّ مِنْ شَرْطِ إِقَامِةِ الْحَدِّ بِالإِْقْرَارِ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ إِلَى تَمَامِ الْحَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ أَوْ هَرَبَ كَفَّ عَنْهُ، وَبِهَذَا قَال عَطَاءٌ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (٤) . وَقَال الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلاَ يُتْرَكُ، لأَِنَّ مَاعِزًا هَرَبَ فَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ، وَلَوْ قُبِل رُجُوعُهُ لَلَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ، وَلأَِنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ، فَلَمْ يُقْبَل رُجُوعُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَحُكِيَ عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ حُدَّ لِلْفِرْيَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ
_________
(١) حديث: " وقد روي أن ماعزا " أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٢ - ط الحلبي) .
(٢) البدائع ٧ / ٦١، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٤ / ٣١٨ - ٣١٩، والمهذب ٢ / ٣٤٦، وشرح روض الطالب ٢ / ٢٩٣، وحاشية قليوبي على منهاج الطالبين ٣ / ٥، والمغني ٥ / ١٦٤.
(٣) البحر الرائق ٥ / ٨.
(٤) المغني ٨ / ١٩٧، والبدائع ٧ / ٦١، والبحر الرائق ٥ / ٨ - ٩، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٤ / ٣١٨ - ٣١٩، ونهاية المحتاج ٧ / ٤١٠، وقليوبي وعميرة ٣ / ١٨١ - ١٨٢.