الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥ الصفحة 6

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥

الْمَيْتَةِ: ﴿إِنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّهُ كَمَا يُحِل خَلٌّ الْخَمْرَ﴾ (١) فَأَجَازَ النَّبِيُّ ﷺ التَّخْلِيل، كَمَا ثَبَتَ حِل الْخَل شَرْعًا، بِدَلِيل قَوْلِهِ ﷺ أَيْضًا: ﴿خَيْرُ خَلِّكُمْ خَل خَمْرِكُمْ﴾ (٢) وَبِدَلِيل قَوْلِهِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ أَيْضًا: ﴿نِعْمَ الأُْدْمُ الْخَل﴾، فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّخَلُّل بِنَفْسِهِ وَالتَّخْلِيل، فَالنَّصُّ مُطْلَقٌ. (٣) وَلأَِنَّ التَّخْلِيل يُزِيل الْوَصْفَ الْمُفْسِدَ، وَيَجْعَل فِي الْخَمْرِ صِفَةَ الصَّلاَحِ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، لأَِنَّهُ يُشْبِهُ إِرَاقَةَ الْخَمْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْ مَالِكٍ - وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ - أَنَّهُ عَلَى سَبِيل الْكَرَاهَةِ.

تَخْلِيل الْخَمْرِ بِنَقْلِهَا، أَوْ بِخَلْطِهَا بِخَلٍّ:

٣٥ - إِذَا نُقِلَتِ الْخَمْرُ مِنَ الظِّل إِلَى الشَّمْسِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ بِقَصْدِ التَّخْلِيل، فَتَخَلَّلَتْ يَحِل الْخَل الْحَاصِل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى الْخَمْرِ بِلاَ نَقْلٍ، كَرَفْعِ سَقْفٍ كَانَ فَوْقَهَا، لاَ يَحِل نَقْلُهَا. وَعَلَّل الشَّافِعِيَّةُ الْحِل بِقَوْلِهِمْ: لأَِنَّ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ (أَيِ الإِْسْكَارَ) الَّتِي هِيَ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ، قَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَقِّبَ نَجَاسَةً فِي الْوِعَاءِ، فَتَطْهُرُ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ نُقِلَتِ الْخَمْرُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى آخَرَ، فَتَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ

_________

(١) حديث: " إن دباغها يحله كما يحل خل الخمر " (يعني جلد الشاة الميتة) . أخرجه الدارقطني (٤ / ٢٦٦ - ط دار المحاسن) وقال: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف.

(٢) حديث: " خير خلكم خل خمركم " أخرجه البيهقي في المعرفة وقال: تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي (نصب الراية للزيلعي ٤ / ٣١١ - ط المجلس العلمي بالهند) . ويلاحظ أن أهل الحجاز يسمون خل العنب الخمر.

(٣) تبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٤٨.

يَكُنْ قَصَدَ تَخْلِيلَهَا حَلَّتْ بِذَلِكَ، لأَِنَّهَا تَخَلَّلَتْ بِفِعْل اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ تَخْلِيلُهَا احْتَمَل أَنْ تَطْهُرَ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ الْقَصْدُ، فَلاَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا. وَيُحْتَمَل أَلاَّ تَطْهُرَ، لأَِنَّهَا خُلِّلَتْ بِفِعْلٍ، كَمَا لَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ. (١)

إِمْسَاكُ الْخَمْرِ لِتَخْلِيلِهَا:

٣٦ - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إِمْسَاكِ الْخَمْرِ بِقَصْدِ تَخْلِيلِهَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ، وَهَذَا الْخَل عِنْدَهُمْ حَلاَلٌ طَاهِرٌ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ إِمْسَاكِ الْخَمْرِ بِقَصْدِ تَخْلِيلِهَا، لَكِنْ يَحِل عِنْدَهُمْ لِلْخَلاَّل إِمْسَاكُ الْخَمْرِ لِيَتَخَلَّل، لِئَلاَّ يَضِيعَ مَالُهُ. (٢)

طَهَارَةُ الإِْنَاءِ:

٣٧ - إِذَا تَخَلَّلَتِ الْخَمْرَةُ وَطَهُرَتْ - حَسَبَ اخْتِلاَفِ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ السَّابِقَةِ فِي طَهَارَتِهَا أَوْ نَجَاسَتِهَا - فَإِنَّ الإِْنَاءَ الَّذِي فِيهِ الْخَمْرُ يَطْهُرُ أَعْلاَهُ وَأَسْفَلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ. وَهُنَاكَ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حَوْل طَهَارَةِ

_________

(١) مغني المحتاج ١ / ٨١، وحاشيتي قليوبي وعميرة على شرح المحلي ١ / ٧٢، والمغني ٨ / ٣١٩، وكشاف القناع ١ / ١٨٧، والمبسوط ٢٤ / ٢، ٧، ٢٠، والبدائع ٥ / ١١٢ - ١١٤، ونتائج الأفكار تكملة فتح القدير ٨ / ١٥٥، ١٦٦، وتبيين الحقائق للزيلعي ٦ / ٤٤، ٤٨، والفتاوى الهندية ٢ / ٤١٠، والدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ٥ / ٣١٩، ومختصر الطحاوي ص ٢٧٩، والخرشي مع خليل ١ / ٨٨، والحطاب ١ / ٩٧ - ٩٨، والدسوقي ١ / ٥٢.

(٢) البدايع ٦ / ٢٩٣٧، والهندية ٥ / ٤١٠، والدسوقي ١ / ٥٢، والحطاب ١ / ٩٧، ومغني المحتاج ١ / ٨١ - ٨٢، والمغني ٨ / ٣١٩، وكشاف القناع ١ / ١٨٧.

أَعْلَى الإِْنَاءِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ الْجَزْمُ بِالطَّهَارَةِ. (١) أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّ أَعْلَى الإِْنَاءِ يَطْهُرُ تَبَعًا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ أَعْلاَهُ لاَ يَطْهُرُ، لأَِنَّهُ خَمْرٌ يَابِسَةٌ إِلاَّ إِذَا غُسِل بِالْخَل، فَتَخَلَّل مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ. (٢)

إِشْعَارٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الإِْشْعَارُ: الإِْعْلاَمُ، يُقَال أَشْعَرَ الْبَدَنَةَ: أَعْلَمَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُقَّ جِلْدَهَا، أَوْ يَطْعَنَهَا فِي سَنَامِهَا فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِمِبْضَعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِيُعْرَفَ أَنَّهَا هَدْيٌ. (٣) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ

(٤) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّقْلِيدُ:

٢ - التَّقْلِيدُ: وَهُوَ لِلْبَدَنَةِ، أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهَا شَيْءٌ

_________

(١) حاشية الباجوري مع ابن القاسم ١ / ١١١، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٥٢، والرهوني على الزرقاني ١ / ٧٤، وكشاف القناع ١ / ١٨٧.

(٢) حاشية ابن عابدين ٥ / ٢٩٠.

(٣) لسان العرب المحيط مادة: (شعر) . والمطلع على أبواب المقنع ص ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٤) حاشية ابن عابدين ٢ / ١٩٧ ط بولاق، والمغني ٣ / ٥٤٩ ط الرياض، وجواهر الإكليل ١ / ٢٠٣ ط المعرفة.

مِنْ نَعْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ، فَلَيْسَ فِي التَّقْلِيدِ خُرُوجُ دَمٍ. وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. (١)

صِفَتُهُ (الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ):

٣ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِشْعَارِ بُدْنِ الْهَدْيِ وَهِيَ الإِْبِل خَاصَّةً، فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ) عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ إِشْعَارُهَا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: ﴿فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا﴾ (٢) وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، وَلأَِنَّهُ إِيلاَمٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَجَازَ كَالْكَيِّ، وَالْوَسْمِ، وَالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَتُشْعَرُ الْبَقَرَةُ كَالإِْبِل لأَِنَّهَا مِنَ الْبُدْنِ. وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الإِْشْعَارَ لِلْبَدَنَةِ، لأَِنَّهُ مُثْلَةٌ وَإِيلاَمٌ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْل الإِْشْعَارِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ إِشْعَارَ أَهْل زَمَانِهِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلاَكُ، فَأَمَّا مَنْ قَطَعَ الْجِلْدَ دُونَ اللَّحْمِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ أَحْسَنَهُ. (٣)

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٤ - أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةَ إِشْعَارِ الْبُدْنِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْهَدْيِ، وَالْبَعْضُ الآْخَرُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ النِّيَّةِ عِنْدَ الإِْحْرَامِ.

_________

(١) المطلع على أبواب المقنع ص ٢٠٦، والمبسوط ٤ / ١٣٧ ط دار المعرفة.

(٢) حديث: " فتلت قلائد هدي النبي ﷺ ثم أشعرها " أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم من حديث عائشة ﵂ (فتح الباري ٣ / ٥٤٤ ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٢ / ٩٥٧ ط عيسى الحلبي) .

(٣) جواهر الإكليل ١ / ١٧٧، والمهذب ١ / ٢٤٢ - ٢٤٣، والمغني ٣ / ٥٤٩، والمبسوط ٤ / ٤٣٨، وحاشية ابن عابدين ٢ / ١٩٧

إِشْلاَءٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الإِْشْلاَءُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ: أَشْلَى الْكَلْبَ إِذَا دَعَاهُ بِاسْمِهِ، أَمَّا مَنْ قَال: أَشْلَيْتُ الْكَلْبَ عَلَى الصَّيْدِ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: دَعَوْتُهُ فَأَرْسَلْتُهُ عَلَى الصَّيْدِ. وَقَدْ ثَبَتَتْ صِحَّةُ إِشْلاَءِ الْكَلْبِ بِمَعْنَى إِغْرَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيطُ عَلَى أَشْلاَءِ الصَّيْدِ، وَهِيَ أَعْضَاؤُهُ. (١) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلإِْشْلاَءِ عَنْ مَعْنَى الإِْغْرَاءِ (٢) وَالتَّسْلِيطِ عَلَيْهِ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الزَّجْرُ:

٢ - الزَّجْرُ يَكُونُ بِمَعْنَى: النَّهْيِ وَالْمَنْعِ بِلَفْظٍ، يُقَال: زَجَرْتُهُ فَانْزَجَرَ، وَيُقَال: زَجَرَ الصَّيَّادُ الْكَلْبَ: أَيْ صَاحَ بِهِ فَانْزَجَرَ، أَيْ مَنَعَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الصَّيْدِ فَامْتَنَعَ، فَالزَّجْرُ عَلَى هَذَا ضِدُّ الإِْشْلاَءِ (٣) .

_________

(١) لسان العرب المحيط، والمغرب في ترتيب المعرب، ومعجم مقاييس اللغة، والنهاية في غريب الحديث والأثر. مادة: (شلا) .

(٢) المبسوط ١١ / ٢٢٣ ط السعادة، والحطاب ٣ / ٢١٦ - ٢١٨، وحلية العلماء للقفال ٣ / ٣٦٩ ط الرسالة، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٤ ط مكتبة النصر الحديثة.

(٣) لسان العرب المحيط.

صِفَتُهُ (الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ):

٣ - اسْتِجَابَةُ الْكَلْبِ لِلإِْشْلاَءِ - بِمَعْنَى الدُّعَاءِ - لاَ يَكُونُ عَلاَمَةً عَلَى كَوْنِ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا، وَخَاصَّةً الْكَلْبُ، لأَِنَّهُ أَلُوفٌ يَأْتِي إِلَى صَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ، وَعَلاَمَةُ التَّعَلُّمِ هُنَا: أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِطَبْعِهِ. أَمَّا اسْتِجَابَةُ الْكَلْبِ لِلإِْشْلاَءِ - بِمَعْنَى التَّسْلِيطِ وَالزَّجْرِ - فَقَدْ عَدَّهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ عَلاَمَةِ كَوْنِ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا، بِحَيْثُ يَسْتَجِيبُ لِهَذَا الإِْشْلاَءِ، فَيُنَفِّذُ مَا يُرِيدُهُ صَاحِبُهُ.

(١) مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٤ - اسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ الإِْشْلاَءَ فِي بَابِ الصَّيْدِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ شُرُوطِ حِل الصَّيْدِ.

إِشْهَادٌ

التَّعْرِيفُ:

١ - الإِْشْهَادُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَشْهَدَ، وَأَشْهَدْتُهُ عَلَى كَذَا فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ: صَارَ شَاهِدًا، وَأَشْهَدَنِي عَقْدَ زَوَاجِهِ: أَيْ أَحْضَرَنِي. (٢) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلإِْشْهَادِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.

_________

(١) المبسوط ١١ / ٢٢٢ - ٢٢٣، والمدونة ٢ / ٥١ ط دار صادر، ونهاية المحتاج مع حواشيه ٨ / ١١٦ ط الحلبي، وكشاف القناع ٦ / ٢٢٤.

(٢) الصحاح، والمغرب مادة: (شهد) وتكملة فتح القدير ٨ / ٣٤١ - ٣٤٢.

وَسَيَقْتَصِرُ الْبَحْثُ عَلَى الإِْشْهَادِ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل وَهُوَ: طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الشَّهَادَةُ:

٢ - قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ دُونَ سَبْقِ إِشْهَادٍ، تَحْصُل بِطَلَبٍ أَوْ دُونَهُ، وَالإِْشْهَادُ هُوَ طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ.

ب - الاِسْتِشْهَادُ:

٣ - الاِسْتِشْهَادُ يَأْتِي بِمَعْنَى الإِْشْهَادِ، أَيْ طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ (١) وَقَدْ يَأْتِي الاِسْتِشْهَادُ بِمَعْنَى طَلَبِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (٢) . كَمَا يَأْتِي الاِسْتِشْهَادُ بِمَعْنَى أَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّهِ.

ج - الإِْعْلاَنُ (وَالإِْشْهَارُ)

٤ - قَدْ يَتَحَقَّقُ الإِْعْلاَنُ دُونَ الإِْشْهَادِ، كَمَا لَوْ أَعْلَنُوا النِّكَاحَ بِحَضْرَةِ صِبْيَانٍ، أَوْ أَمَامَ نِسَاءٍ. (٣) وَقَدْ يَتَحَقَّقُ الإِْشْهَادُ دُونَ الإِْعْلاَنِ، كَإِشْهَادِ رَجُلَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ وَاسْتِكْتَامِهِمَا.

_________

(١) سورة البقرة / ٢٨٢.

(٢) طلبة الطلبة ص ١٣٢، والنظم المستعذب ٢ / ١٠٤، ٣٢٥ ط مصطفى الحلبي، والإقناع ٤ / ٦٦، والخرشي ٧ / ١٨٨.

(٣) فتح القدير ٢ / ٣٥٢ ط بولاق، ونهاية المحتاج ٦ / ١١٧ ط الحلبي.

صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ):

٥ - الإِْشْهَادُ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ، فَيَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي النِّكَاحِ، (١) وَيَكُونُ مَنْدُوبًا، كَالإِْشْهَادِ فِي الْبَيْعِ (٢) عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَجَائِزًا كَمَا فِي الْبَيْعِ (٣) عِنْدَ الْبَعْضِ، وَمَكْرُوهًا كَالإِْشْهَادِ عَلَى الْعَطِيَّةِ، أَوِ الْهِبَةِ لِلأَْوْلاَدِ إِنْ حَصَل فِيهَا تَفَاوُتٌ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَحَرَامًا كَالإِْشْهَادِ عَلَى الْجَوْرِ (٤) وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى إِيجَابِ الإِْشْهَادِ فِي كُل مَا وَرَدَ الأَْمْرُ بِهِ. (٥)

مَوَاطِنُ الإِْشْهَادِ

:

رُجُوعُ الأَْجْنَبِيِّ بِقِيمَةِ مَا جَهَّزَ بِهِ الْمَيِّتَ إِذَا أَشْهَدَ:

٦ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْجْنَبِيَّ أَوِ الْغَرِيبَ - الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ - لَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ كَفَنَ الْمِثْل، وَكَذَا كُل مَا يَلْزَمُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا دَفَعَ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الإِْشْهَادَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، وَكَانَ مَال الْمَيِّتِ غَائِبًا، أَوِ امْتَنَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ عَنْ ذَلِكَ. (٦) وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يُشْتَرَطُ الإِْشْهَادُ لِلرُّجُوعِ، وَيَرْجِعُ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ،

_________

(١) العناية على الهداية ٢ / ٣٥١ ط بولاق الأولى، ونهاية المحتاج ٦ / ٢١٣، والحطاب ٣ / ٤٠٨ - ٤١٠.

(٢) الطحطاوي على الدر ٣ / ٢٢٨، وتبصرة الحكام ١ / ١٨٦.

(٣) المجموع ٩ / ١٥٥ ط المنيرية.

(٤) معين الحكام ص ١٠٢، ونهاية المحتاج ٥ / ٤١٢، ومطالب أولي النهى ٤ / ٤٠٠، ٤٠٢، والفروع ٢ / ٦٠٦.

(٥) تبصرة الحكام ١ / ١٨٦، ١٨٧، والمغني ٤ / ٣٠٢.

(٦) ابن عابدين ٥ / ٤٥٨ ط بولاق الأولى، والجمل على المنهج ٢ / ١٦٣

اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ أَوْ لاَ، (١) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمِ اشْتِرَاطِ الإِْشْهَادِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (٢)

الإِْشْهَادُ عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الصَّغِيرِ:

٧ - أَغْلَبُ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّغِيرِ لاَ يَطْلُبُونَ الإِْشْهَادَ عَلَى إِخْرَاجِهَا. (٣) وَيَشْهَدُ الْوَصِيُّ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ مَال الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ، وَغَيْرُ الْمَأْمُونِ هَل يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْمَال أَوْ يَحْلِفُ؟ لَمْ يَجِدْ الْخَطَّابُ فِيهِ نَصًّا. وَكَالزَّكَاةِ عِنْدَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ (٤)

الإِْشْهَادُ فِي الْبَيْعِ:

الإِْشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ:

٨ - الإِْشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّجَاحُدِ، لِذَلِكَ يَنْبَغِي الإِْشْهَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِ التَّكْلِيفِيِّ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ: أ - نَدْبُ الإِْشْهَادِ فِيمَا لَهُ خَطَرٌ: وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ (٥) حَمَلُوا الأَْمْرَ عَلَى النَّدْبِ، وَصَرَفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: ﴿أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ

_________

(١) كشاف القناع ٤ / ٤٠٢ نشر مكتبة النصر.

(٢) منح الجليل ٣ / ٩٧.

(٣) الحطاب ٦ / ٣٩٩، ونهاية المحتاج ٣ / ١٢٧، وقواعد ابن رجب ص ٦٤.

(٤) الحطاب ٦ / ٣٩٩.

(٥) سورة البقرة / ٢٨٢.

فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا﴾ (١)، وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيل، (٢) وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا (٣) فَجَحَدَهُ الأَْعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الأَْسْوَاقِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإِْشْهَادِ وَلاَ نُقِل عَنْهُمْ فِعْلُهُ. أَمَّا الأَْشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ كَحَوَائِجِ الْبَقَّال وَالْعَطَّارِ وَشَبَهِهِمَا، فَلاَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا، لأَِنَّ الْعُقُودَ تَكْثُرُ فَيُشَقُّ الإِْشْهَادُ عَلَيْهَا وَتَقْبُحُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ

_________

(١) حديث: " اشترى رسول الله ﷺ من يهودي. . . . ". أخرجه البخاري، ومسلم واللفظ له من حديث عائشة ﵂ (فتح الباري ٤ / ٤٣٣ ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٣ / ١٢٢٦ ط عيسى الحلبي) .

(٢) حديث: " شراء النبي ﷺ سراويل " أخرجه أحمد بن حنبل والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث سويد بن قيس ولفظ الترمذي: " جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي ﷺ فساومنا بسراويل، وعندي وزان يزن بالأجر فقال النبي ﷺ للوزان: زن وأرجح ". وقال الترمذي: حديث سويد حديث حسن صحيح، وقال الحاك وتحفة الأحوذي ٤ / ٥٣٢، ٥٣٣ نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٢ / ٧٤٧، ٧٤٨ ط عيسى الحلبي، والمستدرك ٢ / ٣٠، ٣١ نشر دار الكتاب العربي) .

(٣) حديث: " اشترى من أعرابي فرسا فجحده الأعرابي. . . . . ". أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، والحاكم من حديث عم عمارة بن خزيمة الأنصاري مطولا، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٢١٥، ٢١٦ نشر المكتب الإسلامي، وعون المعبود ٣ / ٣٤٠، ٣٤١ ط الهند، وسنن النسائي ٧ / ٣٠١، ٣٠٢ ط المطبعة المصرية بالأزهر، والمستدرك ٢ / ١٧، ١٨ نشر دار الكتاب العربي، والفتح الرباني للبناء الساعاتي ١٥ / ٥٤، ٥٥ الطبعة الأولى ١٣٧٠ هـ) .