الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥ -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ السُّنِّيَّةِ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ مَنْدُوبٌ مُؤَكَّدٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي رَمَضَانَ وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ، وَفِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ آكَدُ اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَطَلَبًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي كُل وَقْتٍ، وَآكَدُهُ فِي رَمَضَانَ، وَآكَدُهُ فِي الْعَشْرِ الأَْخِيرِ مِنْهُ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاِعْتِكَافَ سُنَّةٌ، لاَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ الاِعْتِكَافَ نَذْرًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فِعْل النَّبِيِّ ﷺ وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ، وَاعْتِكَافُ أَزْوَاجِهِ مَعَهُ وَبَعْدَهُ.
أَمَّا أَنَّ الاِعْتِكَافَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلأَِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَلْتَزِمُوا الاِعْتِكَافَ كُلُّهُمْ، وَإِنْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالاِعْتِكَافِ إِلاَّ مَنْ أَرَادَهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ (١) - أَيْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ - وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا عَلَّقَهُ بِالإِْرَادَةِ.
وَيَلْزَمُ الاِعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ:
_________
(١) حديث: " من كان اعتكف معي. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٢٧١ ط السلفية) .