الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٥ -
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْكُل جَازَ، وَلَوْ حَبَسَ الْكُل لِنَفْسِهِ جَازَ، لأَِنَّ الْقُرْبَةَ فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الاِدِّخَارِ عَنْ ثَلاَثِ لَيَالٍ، لأَِنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْل الدَّافَّةِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ دَفَّتْ (أَيْ نَزَلَتْ) بِالْمَدِينَةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَتَصَدَّقَ أَهْل الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ بِمَا فَضَل عَنْ أَضَاحِيِّهِمْ، فَنَهَى عَنِ الاِدِّخَارِ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَْسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْعَلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، قَال: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَل لُحُومُ الأَْضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَقَال: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا. (١) وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ ﵁ أَنَّهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِل. قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ نَفْعَل كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟ قَال: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا. (٢)
وَإِطْعَامُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا أَفْضَل مِنَ ادِّخَارِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي ذَا عِيَالٍ وَهُوَ غَيْرُ مُوَسَّعِ الْحَال، فَإِنَّ الأَْفْضَل لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِعِيَالِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، لأَِنَّ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ عِيَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِمْ، لِقَوْلِهِ ﷺ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا،
_________
(١) حديث: " إنما نهيتكم من أجل الدافة. . . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٥٦١ - ط الحلبي) .
(٢) حديث: " من ضحى منكم. . . . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٠ / ٢٤ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٥٦٣ ط الحلبي) .