الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلْمُوَكِّل غَرَضٌ مُعَيَّنٌ مِنَ التَّأْجِيل كَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِمَّا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِهِ فِي الْحَال فَلاَ بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الْوَكِيل لِقَيْدِ الأَْجَلِ، فَإِذَا خَالَفَ بِأَنْ بَاعَ حَالًّا بَطَل الْبَيْعُ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَصِحُّ مُطْلَقًا. (١)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: بِعْ مُؤَجَّلًا، فَبَاعَ حَالًّا أَوْ بِأَجَلٍ دُونَ الْمُقَدَّرِ بِقِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ بِمَا رَسَمَ بِهِ الْمُوَكِّل وَلاَ غَرَضَ لِلْمُوَكِّل فِيمَا أَمَرَ بِهِ - صَحَّ لأَِنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا.
أَمَّا إِنْ بَاعَ بِهِمَا وَلِلْمُوَكِّل غَرَضٌ كَأَنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لاَ يَأْمَنُ مِنْ نَحْوِ نَهْبٍ أَوْ كَانَ لِحِفْظِهِ مُؤْنَةٌ، فَلاَ يَصِحُّ لأَِنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ. (٢)
٨١ - أَمَّا إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل الْوَكِيل بِأَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ نَسِيئَةً بِثَمَنٍ مُحَدَّدٍ فَخَالَفَ وَبَاعَهَا نَقْدًا بِثَمَنٍ أَقَلَّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ، لأَِنَّ الإِْذْنَ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِمَا يُسَاوِي نَسِيئَةً، فَإِذَا بَاعَ بِالأَْقَل
_________
(١) المبسوط ١٩ / ٥٦، وبدائع الصنائع ٦ / ٢٧، والفتاوى البزازية ٣ / ٤٧٦، والمغني ٥ / ٢٥٤، والإنصاف ٥ / ٣٨٢ - ٣٨٣، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٥، والتاج والإكليل بهامش مذاهب الجليل ٥ / ١٩٨.
(٢) أسنى المطالب ٢ / ٢٧٣.
لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ لِمُخَالَفَةِ الْوَكِيل مَقْصُودَ الْمُوَكِّل وَمَا سَمَّى لَهُ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ فِي حَقِّهِ وَلَزِمَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَقِيمَتِهَا إِنْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِحَوَالَةِ السُّوقِ فَأَعْلَى، هَذَا إِذَا لَمَّ يُسَمِّ. فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّل الثَّمَنَ وَفَاتَتْ فَلَهُ تَغْرِيمُ الْوَكِيل تَمَامَ التَّسْمِيَةِ وَلَكِنْ إِذَا تَحَمَّل الْوَكِيل النَّقْصَ فِي الثَّمَنِ فَلاَ خِيَارَ لِلْمُوَكِّل لإِزَالَتِهِ الْمُخَالَفَةَ. (٢)
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مُخَالَفَةُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ عَلَى الْحُلُول بِأَنْ بَاعَ نَسِيئَةً:
٨٢ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ، لِمُخَالَفَةِ الْوَكِيل مَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ، وَلأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّعْجِيلِ، فَقَدْ يَكُونُ لِلْمُوَكِّل غَرَضٌ مُعَيَّنٌ بِتَعْجِيل الثَّمَنِ فَوَجَبَ عَلَى الْوَكِيل احْتِرَامُ رَغْبَتِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ وَإِلاَّ لاَ يَنْفُذُ فِي حَقِّهِ. (٣)
_________
(١) المبسوط ١٩ / ٥٦، والمبدع ٤ / ٣٧١، والمهذب ١ / ٣٦١، وأسنى المطالب ٢ / ٢٧٣.
(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٤.
(٣) المبسوط ١٩ / ٥٦، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٨٨، والمادة ١٤٩٨ من المجلة، والفتاوى الكبرى لابن حجر ٣ / ٨٥، والمبدع ٤ / ٣٦٨ - ٣٦٩، والحاوي للماوردي ٨ / ٢٤١، والخرشي ٦ / ٧٤، والزرقاني ٦ / ٨٠، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٤.
وَهَذَا الْقَوْل ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَاسَانِيُّ فِي بَدَائِعِهِ حَيْثُ قَال: لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً، لَمْ يَنْفُذْ، بَل يَتَوَقَّفْ. (١)
ب - الْمُخَالَفَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ:
٨٣ - قَدْ يَأْمُرُ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً بِجِنْسٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الثَّمَنِ، فَيَبِيعَهَا بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَهَا بِالدَّنَانِيرِ فَبَاعَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعُرُوضِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ أَكْثَرَ، لِمُخَالَفَةِ الْوَكِيل مَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ، وَلأَِنَّ الإِْذْنَ فِي جِنْسٍ لَيْسَ بِإِذْنٍ فِي جِنْسٍ آخَرَ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ قَال الْمُوَكِّل: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهُ الْوَكِيل بِدِينَارٍ صَحَّ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِدِرْهَمٍ رَضِيَ بِمَكَانِهِ بِدِينَارٍ.
وَيَرَى الْكَاسَانِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ وَيُخَيَّرُ
_________
(١) البدائع ٦ / ٢٧.
الْمُوَكِّل بَيْنَ الإِْمْضَاءِ وَالْفَسْخِ. (١)
وَلِلْمَالِكِيَّةِ إِذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ بِالدَّنَانِيرِ فَبَاعَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الْعَكْسِ قَوْلاَنِ فِي تَخْيِيرِ الْمُوَكِّل وَإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا نَقْدَ الْبَلَدِ وَالسِّلْعَةَ مِمَّا تُبَاعُ بِهِمَا وَاسْتَوَتْ قِيمَةُ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِلاَّ خُيِّرَ قَوْلًا وَاحِدًا. (٢)
٨٤ - أَمَّا إِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ فَبَاعَهُ بِالثِّيَابِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْعُرُوضِ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ لأَِنَّ الْعُرُوضَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَْثْمَانِ، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. (٣)
ج - الْمُخَالَفَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ:
٨٥ - إِذَا بَاعَ الْوَكِيل بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الْمُحَدَّدِ لَهُ وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ) لأَِنَّ الْمُخَالَفَةَ هُنَا إِلَى خَيْرٍ فَلاَ تَكُونُ مُخَالَفَةً فِي الْحَقِيقَةِ، وَلأَِنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا إِنَّمَا هُوَ مَنْعُ النَّقْصِ.
_________
(١) المبدع ٤ / ٣٧٠، الإنصاف ٥ / ٣٨٢، شرح الزرقاني ٦ / ٨٠، البدائع ٦ / ٢٧، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٩٠، المهذب ١ / ٣٦٠.
(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٦، والزرقاني ٦ / ٨١.
(٣) المغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٥٧، والزرقاني ٦ / ٨٠.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلاَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ عَنِ الزِّيَادَةِ فَتَمْتَنِعُ، لأَِنَّ النُّطْقَ أَبْطَل حَقَّ الْعُرْفِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ، لأَِنَّ الْمَالِكَ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي إِبْرَارِ قَسَمٍ. (١)
٨٦ - أَمَّا إِذَا بَاعَ بِأَقَل مِنَ الثَّمَنِ الْمُحَدَّدِ لَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ فِي حَقِّهِ، وَإِلاَّ لاَ يَلْزَمُهُ، وَلَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَقِيمَتُهَا إِنْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. (٢)
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: إِذَا قَال الْوَكِيل أَوِ الْمُشْتَرِي: أَنَا أُتِمُّ مَا نَقَصَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوَكِّل فَفِيهِ قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا نَفَذَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ وَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يُلْتَفِتُ إِلَى قَوْلِهِ، لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ. (٣)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى
_________
(١) البدائع ٧ / ٣٤٦٢، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٩٠، وتكملة ابن عابدين ٧ / ٣٢٩، والزرقاني ٦ / ٨٠، والمهذب ١ / ٣٦٢، وحاشية الجمل ٣ / ٤١٣، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٨، ومعونة أولي النهى ٤ / ٦٤٧، والمبدع ٤ / ٣٧٠، وروضة الطالبين ٤ / ٣١٦.
(٢) البدائع ٦ / ٢٧، الفتاوى الهندية ٣ / ٥٩٠، المادة ١٤٩٥ من المجلة، والشرح الكبير ٣ / ٣٤٥، مواهب الجليل ٥ / ١٩٦، وشرح الخرشي ٤ / ٢٨٩ - ٢٩٠، والمدونة الكبرى ٤ / ٢٤٤.
(٣) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٥، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٤.
بُطْلاَنِ الْبَيْعِ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْوَكِيل. (١)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ ضَمَانِ الْوَكِيل نُقْصَانَ الثَّمَنِ، وَلَهُمْ فِي تَقْدِيرِ قِيمَةِ النُّقْصَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ الْوَكِيل مَا بَيْنَ ثَمَنِ الْمِثْل وَالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ السِّلْعَةَ. وَالثَّانِي يَضْمَنُ مَا بَيْنَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ وَمَا لاَ يَتَغَابَنُونَ بِهِ لأَِنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. (٢)
الأَْمْرُ الثَّانِي: الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَكَانِ:
٨٧ - إِذَا عَيَّنَ الْمُوَكِّل لِوَكِيلِهِ مَكَانًا مُحَدَّدًا لِيَبِيعَ السِّلْعَةَ فِيهِ، فَخَالَفَ وَبَاعَهَا فِي مَكَانٍ آخَرَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ شَاسٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ غَرَضٌ مُعَيَّنٌ لِلْمُوَكِّلِ، مِثْل أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ فِي سُوقٍ مُعَيَّنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ السُّوقُ مَعْرُوفًا بِجَوْدَةِ النَّقْدِ أَوْ كَثْرَةِ الثَّمَنِ أَوْ حِلِّهِ أَوْ بِصَلاَحِ أَهْلِهِ أَوْ بِمَوَدَّةٍ بَيْنَ الْمُوَكِّل وَبَيْنَهُمْ، وَجَبَ عَلَى الْوَكِيل أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَذَا الْمَكَانِ وَلاَ تَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ بِأَنْ يَبِيعَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل نَصَّ عَلَى أَمْرٍ لَهُ فِيهِ
_________
(١) المهذب ١ / ٣٥٥، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٨، والمغني ٥ / ٢٥٥.
(٢) المغني ٥ / ٢٥٥، والإنصاف ٥ / ٣٧٩.
غَرَضٌ مُعَيَّنٌ فَلاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيل تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُعَيَّنٌ بِأَنْ كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً فِي نَظَرِ الْمُوَكِّل. فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيل أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهَذَا الْمَكَانِ، وَجَازَ لَهُ الْبَيْعُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِمُسَاوَاتِهِ الْمَكَانَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْغَرَضِ، فَكَانَ تَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِذْنًا فِي الآْخَرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ تَقَيُّدِ الْوَكِيل بِالْمَكَانِ الَّذِي حَدَّدَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا خَالَفَ كَانَ ضَامِنًا، وَلاَ يُلْزِمُ الْمُوَكِّل بِالْبَيْعِ الْمُخَالِفِ، لأَِنَّ مَقْصُودَهُ سِعْرُ الْمَكَانِ الَّذِي قُيِّدَ الْبَيْعُ فِيهِ فَلاَ تَصِحُّ مُخَالَفَةٌ مَقْصُودَةٌ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ الْمُخَالِفَ لِقَيْدِ الْمَكَانِ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ فِي حَقِّهِ، وَإِلاَّ لاَ يَنْفُذُ، وَلَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَقِيمَتُهَا إِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ، سَوَاءً كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الأَْغْرَاضُ أَمْ لاَ. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِ، لأَِنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَيْهِ دَل عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ
_________
(١) المبسوط ١٩ / ٥٤ - ٥٥، وتكملة ابن عابدين ٧ / ٣٦٦.
(٢) شرح الخرشي ٧ / ٧٣، ومواهب الجليل مع التاج والإكليل ٥ / ١٩٦، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٤، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٣.
عَيْنَهُ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ يَمِينٍ وَغَيْرِهَا فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ. (١)
الأَْمْرُ الثَّالِثُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الزَّمَانِ:
٨٨ - إِذَا حَدَّدَ الْمُوَكِّل لِوَكِيلِهِ زَمَنًا مُعَيَّنًا
_________
(١) حاشية الجمل ٣ / ٤١٣، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٧ - ٢٢٨، والمغني ٥ / ٢٥٧، وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٣١١، والمبدع شرح المقنع ٤ / ٣٧٥، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٤.
لِيَبِيعَ لَهُ السِّلْعَةَ فِيهِ، فَخَالَفَ وَبَاعَهَا فِي زَمَنٍ آخَرَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ الْمُخَالِفِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَلاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّل وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُوَكِّل قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَلاَ يُؤْثِرُهُ فِي زَمَنٍ آخَرَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَلأَِنَّ إِذْنَ الْمُوَكِّل لاَ يَتَنَاوَل تَصَرُّفَ الْوَكِيل الْمُخَالِفِ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَلاَ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ، وَلَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَقِيمَتُهَا إِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ. (٢)
الأَْمْرُ الرَّابِعُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْبَيْعِ لِمُشْتَرٍ مُعَيَّنٍ:
٨٩ - إِذَا حَدَّدَ الْمُوَكِّل لِوَكِيلِهِ مُشْتَرِيًا مُعَيَّنًا وَقَال لَهُ: لاَ تَبِعْ إِلاَّ لَهُ، فَخَالَفَ الْوَكِيل وَبَاعَ لِمُشْتَرٍ آخَرَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمَ يُقَدِّرْهُ. لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَمْلِيكِهِ الْمَبِيعَ دُونَ غَيْرِهِ، فَلاَ يَكُونُ الإِْذْنُ فِي الْبَيْعِ لَهُ إِذْنًا فِي الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ. وَرُبَّمَا كَانَ مَالُهُ أَبْعَدَ عَنِ الشُّبْهَةِ.
غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: إِذَا عَلِمَ الْوَكِيل بِقَرِينَةٍ أَوْ صَرَاحَةً أَنَّ الْمُوَكِّل لاَ غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي جَازَ لَهُ الْبَيْعُ لِغَيْرِهِ. (٣)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ، وَلَهُ رَدُّ السِّلْعَةِ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، أَمَّا إِنْ فَاتَتْ فَلَهُ رَدُّ قِيمَتِهَا. (٤)
الأَْمْرُ الْخَامِسُ: الْمُخَالَفَةُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ:
إِذَا أَمَرَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً، فَخَالَفَ وَبَاعَ بَعْضَهَا فَقَطْ وَلَمْ يَبِعِ الْبَاقِي، أَوْ بَاعَ الْبَعْضَ ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:
_________
(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٢٧، والمغني ٥ / ٢٥١، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٧، والبدائع ٧ / ٣٤٦٢، وتكملة ابن عابدين ٧ / ٣٣٦.
(٢) شرح الخرشي ٦ / ٧٣، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٣.
(٣) المبسوط ١٩ / ٣٧، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٩٠، والمهذب ١ / ٣٥٢، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٧، والمغني ٥ / ٢٥٢.
(٤) شرح الخرشي ٤ / ٢٩٠ - ٢٩١، ومواهب الجليل مع التاج والإكليل ٥ / ١٩٦.
الْحَالَةُ الأُْولَى: تَبْعِيضٌ لاَ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّل:
٩٠ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لاَ ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ كَأَنْ وَكُلَّهُ فِي بَيْعِ عَقَارَيْنِ أَوْ حَيَوَانَيْنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ صَحِيحًا مَعَ التَّفْرِيقِ، لأَِنَّ التَّفْرِيقَ لاَ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّلِ، بَل قَدْ يَكُونُ فِي صَالِحِهِ، لأَِنَّ الْوَكِيل قَدْ لاَ يَسْتَطِيعُ بَيْعَ السِّلْعَةِ كُلِّهَا إِلاَّ بِالتَّفْرِيقِ، وَلأَِنَّ الْعُرْفَ قَدْ يَقْتَضِي أَنْ تُبَاعَ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَا لَمْ يَنْهَهُ الْمُوَكِّل عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ. (١) وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا خَالَفَ الْوَكِيل مُوَكِّلَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ خَالَفَ مَا قَضَتِ الْعَادَةُ بِهِ فَإِنَّ الْمُوَكِّل يُخَيَّرُ فِي إِجَازَةِ الْبَيْعِ وَالرَّدِّ إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَفِي الإِْجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ إِنْ فَاتَتْ. (٢)
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: تَبْعِيضٌ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّل:
٩١ - إِذَا كَانَ التَّبْعِيضُ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّل كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ فَقَدِ
_________
(١) المبسوط ١٩ / ٥٣، والبدائع ٧ / ٣٤٦٣ - ٣٤٦٤، والمادة ١٤٩٩ من المجلة، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٩٣، والبحر الرائق ٧ / ١٧٠، والمهذب ١ / ٣٥٣، والمغني ٥ / ٢٥٢.
(٢) الخرشي ٦ / ٧٤، والزرقاني ٦ / ٨٠ وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٧، والتاج والإكليل ٥ / ١٩٦.