الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥ الصفحة 7

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥

مِنَ الْمُوَكِّلِ، لأَِنَّ التَّوْكِيل إِنَابَةٌ وَشُبْهَةٌ يُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. (١)

ب - اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ:

٦٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِيهِ، لأَِنَّ كُل مَا جَازَ التَّوْكِيل فِيهِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّل وَغَيْبَتِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَكَذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل غَائِبًا، وَيَجُوزُ التَّوْكِيل فِي الاِسْتِيفَاءِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل حَاضِرًا، لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّوْكِيلِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي الاِسْتِيفَاءِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل غَائِبًا، لأَِنَّ احْتِمَال الْعَفْوِ قَائِمٌ، لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَعَفَى، فَلاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْعَدِمٌ حَالَةَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّل. (٢) .

_________

(١) بدائع الصنائع ٧ / ٣٤٤٩ - ٣٤٤٥٠، وفتح القدير ٦ / ١٠٥ ط - بولاق - بداية المجتهد، وابن رشد ٢ / ٣٠٢، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢١، ونهاية المحتاج ٥ / ٢٥، والمغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٠٧، والمبدع ٤ / ٣٥٩، والإنصاف ٥ / ٣٦١، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٥ - ٤٦٦، والمهذب ١ / ٣٥٥.

(٢) المراجع السابقة.

تَاسِعًا إِثْبَاتُ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاؤُهَا:

٦٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَائِهَا عَلَى رَأْيَيْنِ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَائِهَا تَفْصِيلٌ، فَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِْثْبَاتِ وَالاِسْتِيفَاءِ.

أَمَّا فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ ﷺ. . وَاغَدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ (١)، فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي إِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا وَاسْتِيفَائِهِ.

وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ: لاَ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَعَلَّلُوا عَدَمَ جَوَازِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أُمِرْنَا فِيهِ بِالدَّرْءِ وَالتَّوَصُّل إِلَى إِسْقَاطِهِ، وَبِالتَّوْكِيل يُتَوَصَّل إِلَى إِيجَابِهِ فَلَمْ يَجُزْ.

وَأَمَّا إِثْبَاتُ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حَدِّ الْقَذْفِ فَقَدْ

_________

(١) حديث: " اغد يا أنيس إلى امرأة هذا. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٢ / ١٦٠) ومسلم (٣ / ١٣٢٥) .

عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَجَازَ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِهِ كَالْمَال. (١)

وَأَمَّا فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ لِحَدِيثِ أُنَيْسٍ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فَرَجَمُوهُ (٢) .

وَوَكَّل عُثْمَانُ عَلِيًّا فِي إِقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَوَكَّل عَلِيٌّ الْحَسَنَ فِي ذَلِكَ فَأَبَى الْحَسَنُ، فَوَكَّل عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَقَامَهُ وَعَلَيٌّ يَعُدُّ (٣) .

وَيَجُوزُ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ كُلِّهَا فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّل وَغَيْبَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْقَذْفِ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّل لاِحْتِمَال الْعَفْوِ. (٤)

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّوْكِيل

_________

(١) الإنصاف ٥ / ٣٦٠، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٥، وحاشية القليوبي وعميرة ٢ / ٣٣٩، والمهذب ١ / ٣٥٦.

(٢) حديث " أن النبي ﷺ أمر برجم ماعز. . . " أخرجه مسلم (٣ / ١٣٢٢) من حديث بريدة.

(٣) أثر عثمان حين جلد الوليد بن عقبة. أخرجه مسلم (٣ / ١٣٣١ - ١٣٣٢ ط الحلبي) .

(٤) الإنصاف ٥ / ٣٦٠، والمغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٠٦، المهذب ١ / ٣٥٦، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢١، جواهر الإكليل ٢ / ١٢٥.

بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: بِالإِْثْبَاتِ،

وَالثَّانِي: بِالاِسْتِيفَاءِ.

أَمَّا التَّوْكِيل بِالإِْثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ حَدًّا لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْخُصُومَةِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِيهِ بِالإِْثْبَاتِ، لأَِنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْخُصُومَةِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَيَجُوزُ التَّوْكِيل بِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لأَِنَّ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَ الإِْثْبَاتِ وَالاِسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّوْكِيل فِي الاِسْتِيفَاءِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي التَّوْكِيل بِالإِْثْبَاتِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَجُوزُ وَلاَ تُقْبَل الْبَيِّنَةُ فِيهِمَا إِلاَّ مِنَ الْمُوَكِّل؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِيهِ بِالاِسْتِيفَاءِ، فَكَذَا بِالإِْثْبَاتِ، لأَِنَّ الإِْثْبَاتَ وَسِيلَةٌ إِلَى الاِسْتِيفَاءِ.

أَمَّا التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاءِ حَدَّيِ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ أَوِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَقْتَ الاِسْتِيفَاءِ جَازَ التَّوْكِيلُ، لأَِنَّ وِلاَيَةَ الاِسْتِيفَاءِ إِلَى الإِْمَامِ وَأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَوَلَّى الاِسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ عَلَى كُل حَالٍ.

أَمَّا إِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ: فَقَال بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ، لأَِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ

لاِحْتِمَال الْعَفْوِ وَالصُّلْحِ وَأَنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُهُمَا.

وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَجُوزُ لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لاَ يَحْتَمِل الْعَفْوَ وَالصُّلْحَ، فَيَحْتَمِل الإِْقْرَارَ وَالتَّصْدِيقَ. (١)

أَحْكَامُ الْوَكَالَةِ:

لِلْوَكَالَةِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ.

الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيل مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ:

٦٨ - تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيل أَحْكَامٌ، مِنْهَا:

الأَْوَّل: أَنْ يَقُومَ الْوَكِيل بِتَنْفِيذِ الْوَكَالَةِ فِي الْحُدُودِ الَّتِي أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل بِهَا أَوِ الَّتِي قَيَّدَهُ الشَّرْعُ أَوِ الْعُرْفُ بِالْتِزَامِهَا.

الثَّانِي: مُوَافَاةُ الْمُوَكِّل بِالْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَتَقْدِيمُ حِسَابٍ عَنِ الْوَكَالَةِ.

الثَّالِثُ: رَدُّ مَا لِلْمُوَكِّل فِي يَدِ الْوَكِيل وَتَفْصِيل هَذِهِ الأَْحْكَامِ فِيمَا يَلِي:

الْحُكْمُ الأَْوَّل: تَنْفِيذُ الْوَكَالَةِ:

٦٩ - سَبَقَ أَنْ بَيَّنَّا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ إِمَّا عَامَّةٌ وَإِمَّا خَاصَّةٌ، وَبَيَّنَّا حُكْمَ كُلٍّ، وَنُبَيِّنُ هُنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ

_________

(١) البدائع ٦ / ٢١ - ٢٢، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٤، والبحر الرائق ٧ / ١٤٧.

الْخَاصَّةَ تَارَةً تَصْدُرُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً تَصْدُرُ مُقَيَّدَةً.

الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ فِي عَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ:

مِنْ صُوَرِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ مَا يَلِي:

الصُّورَة ُالأُْولَى: الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ:

الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً.

أَوَّلًا: إِطْلاَقُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ:

٧٠ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا َجُوزُ لِلْوَكِيل عِنْدَ تَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ.

الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا عَنِ الْقُيُودِ لاَ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِأَيِّ قَيْدٍ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا.

فَالْوَكِيل فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْقَلِيل وَالْكَثِيرِ، وَبِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَبِالْعَرْضِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ أَنْ يُجْرَى عَلَى إِطْلاَقِهِ وَلاَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَالْعُرْفُ مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لِغَرَضِ التَّوَصُّل بِثَمَنِهِ إِلَى شِرَاءِ مَا هُوَ أَرْبَحُ مِنْهُ مُتَعَارَفٌ أَيْضًا، فَلاَ يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ مَعَ التَّعَارُضِ، مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا فِعْلًا، فَهُوَ مُتَعَارَفٌ ذِكْرًا وَتَسْمِيَةً، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى بَيْعًا، أَوْ هُوَ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ

لُغَةً، وَقَدْ وُجِدَ، وَمُطْلَقُ الْكَلاَمِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَعَارَفِ ذِكْرًا وَتَسْمِيَةً مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْفِعْل. (١)

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ عِدَّةٍ يَأْتِي بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

أ - الْبَيْعُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ:

٧١ - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيل بِالْبَيْعِ عِنْدَ إِطْلاَقِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لأَِنَّ إِطْلاَقَ النَّقْدِ يَنْصَرِفُ إِلَى نَقْدِ الْبَلَدِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَكِيل لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ إِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ.

وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الْوَكِيل يَبِيعُ حَالًّا بِنَقْدِ بَلَدِهِ وَبِغَيْرِهِ، لاَ نَسَاءً. (٢)

ب - الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْل:

٧٢ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل

_________

(١) بدائع الصنائع ٦ / ٢٧، والبحر الرائق ٧ / ١٦٦ - ١٦٧، ابن عابدين ٤ / ٤٠٦، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٨٨.

(٢) حاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٢، والمغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٥٤، والإنصاف ٥ / ٣٧٨ - ٣٧٩، والمبدع ٤ / ٣٦٨، وحاشية الجمل ٣ / ٤٠٨، مغني المحتاج ٢ / ٢٢٣ - ٢٢٤.

بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْل مِمَّا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ.

وَأَمَّا مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَالدِّرْهَمِ فِي الْعَشْرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَبِيعُ الْوَكِيل بِثَمَنِ الْمِثْل وَثَمَّ رَاغِبٌ بِأَزْيَدَ.

٧٣ - وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْل فَقَدِ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَبُول وَالرَّدِّ إِذَا بَاعَ الْوَكِيل بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْل وَلَوْ يَسِيرًا، وَالْيَسِيرُ عِنْدَهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ فَأَقَل.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْوَكِيل الْمَبِيعَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ مِثْلِيًّا لِتَعَدِّيهِ بِتَسْلِيمِهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَيَسْتَرِدُّهُ إِنْ بَقِيَ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَضْمَنُ الْوَكِيل النَّقْصَ، لأَِنَّ مَنْ صَحَّ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْل صَحَّ بِدُونِهِ كَالْمَرِيضِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: لاَ يَصِحُّ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَصِحُّ. (١)

_________

(١) الإنصاف ٥ / ٣٧٩ - ٣٨٠، والمبدع ٤ / ٣٦٩، والمغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٥٥ - ٢٥٦، وحاشية الجمل ٣ / ٤٠٨ - ٤٠٩، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٢ - ٣٨٣، بدائع الصنائع ٦ / ٢٧، البحر الرائق ٧ / ١٦٧.

ج - الْبَيْعُ بِالنُّقُودِ:

٧٤ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل إِذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لاَ يَصِحُّ لِلْوَكِيل أَنْ يَبِيعَ بِعَرَضٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ إِلاَّ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، لأَِنَّ مُطْلَقَ الأَْمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، لأَِنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِهَا، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِالنُّقُودِ. كَمَا أَنَّ الْمُقَايَضَةَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلاَ يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ.

وَهَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ الْعَرَضُ مِمَّا لاَ يَتَعَامَل بِهِ أَهْل الْبَلَدِ.

وَفِي رِوَايَةِ الْمُوجَزِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ احْتِمَالٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْعَرَضِ. (١)

د - الْحُلُول:

٧٥ - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَ انْصَرَفَ إِلَى الْحُلُولِ، فَكَذَا وَكَيْلُهُ.

وَيَتَخَرَّجُ - بِنَاءً عَلَى رِوَايَةٍ فِي الْمَضَارِبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّ لِلْوَكِيل بِالْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً لأَِنَّهُ

_________

(١) القوانين الفقهية ص٣٣٣، والإنصاف ٥ / ٣٧٩، وبدائع الصنائع ٦ / ٢٧، وحاشية الجمل ٣ / ٤٠٨.

مُعْتَادٌ فَأَشْبَهَ الْحَال. (١)

هـ - الْبَيْعُ بِالْعَيْنِ:

٧٦ - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِمَنْفَعَةٍ. (١)

وعَدَمُ بَيْعِ الْوَكِيل لِنَفْسِهِ:

٧٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْقَيْدِ عَلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَكِيل فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ، لأَِنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ الرَّجُل مِنْ غَيْرِهِ فَحُمِلَتِ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلأَِنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ.

وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لاَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا، وَقَالُوا: لَوْ أَمَرَ الْمُوَكِّل الْوَكِيل أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكِيل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي الأَْصَحِّ: يَتَوَلَّى الْوَكِيل طَرَفَيِ الْعَقْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا انْتَفَتِ التُّهْمَةُ كَأَبِ الصَّغِيرِ.

_________

(١) المبدع ٤ / ٣٦٨، والإنصاف ٥ / ٣٧٨، والمغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٥٤، وحاشية الجمل ٣ / ٤٠٨.

(٢) الإنصاف ٥ / ٣٧٩.