الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥ الصفحة 4

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لاَزِمَةً. (١) .

وَمَثَّل الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِوَكِيل خُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْخَصْمِ، فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّل عَزْلُهُ، فَإِذَا وَكَّل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ (الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي) ثُمَّ غَابَ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَعَزَلَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ لِئَلاَّ يَضِيعَ حَقُّ الْمُدَّعِي.

وَكَذَا لَوْ عَزَل الْعَدْل الْمُوَكَّل بِبَيْعِ الرَّهْنِ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ، إِنْ رَضِيَ بِالْعَزْل صَحَّ وَإِلاَّ لاَ يَصِحُّ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ.

كَمَا أَنَّ لِلْوَكِيل أَنْ يَعْزِل نَفْسَهُ مِنَ الْوَكَالَةِ وَلَكِنْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ يَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى إِبْقَاءِ الْوَكَالَةِ. (٢)

وَمَثَّل الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا وَكَّل الْمُوَكِّل وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ وَقَاعَدَ خَصْمُهُ ثَلاَثَ مَجَالِسَ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَانْعَقَدَتِ الْمَقَالاَتُ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّل حِينَئِذٍ عَزْل الْوَكِيل إِلاَّ لِمُقْتَضٍ كَظُهُورِ تَفْرِيطٍ أَوْ مَيْلٍ مَعَ الْخَصْمِ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْعْذَارِ.

وَلَيْسَ لِلْوَكِيل حِينَئِذٍ عَزْل نَفْسِهِ إِلاَّ لِعُذْرٍ. (٣)

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٤١٦، ومواهب الجليل ٥ / ١٨٨، ودرر الحكام ٣ / ٦٥٨ - ٦٥٩.

(٢) ابن عابدين٤ / ٤١٦، ودرر الحكام ٣ / ٦٥٨ - ٦٥٩.

(٣) الشرح الكبير ٣ / ٣٧٩ والخرشي ٦ / ٦٩.

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِهَذَا الْجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ خَالِيَةً عَنِ الْجُعْل وَلَمْ تُعْقَدْ بِلَفْظِ الإِْجَارَةِ. (١)

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: تَتَفَرَّعُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ ثَلاَثُ مَسَائِل:

الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: لاَ يَدْخُل الْوَكَالَةَ خِيَارُ الشَّرْطِ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي عَقْدٍ لاَزِمٍ لِيَتَمَكَّنَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ فَسْخِهِ إِذَا أَرَادَ. (٢)

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْوَكَالَةِ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي ضِمْنِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى غَرِيمٍ. (٣)

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا أَنَّ لِلْمُوَكِّل عَزْل وَكِيلِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، فَإِنَّ لِلْوَكِيل أَيْضًا أَنْ يَسْتَقِيل مِنَ الْوَكَالَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ. (٤)

وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْحَالاَتِ الَّتِي لَيْسَ لِلْمُوَكِّل أَنْ يَعْزِل وَكِيلَهُ، عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ عَزْل الْوَكِيل.

الرَّأْيُ الثَّانِي: إِنْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ بِأُجْرَةٍ عَلَى سَبِيل الإِْجَارَةِ فَهِيَ لاَزِمَةٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهَا شَرَائِطُ الإِْجَارَةِ، وَبِهَذَا

_________

(١) مغني المحتاج ٢ / ٢٣١ - ٢٣٢.

(٢) درر الحكام شرح مجلة الأحكام٣ / ٥٢٨، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤١٦ والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٧.

(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ٤١٦ ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام ٣ / ٥٢٨.

(٤) درر الحكام شرح مجلة الأحكام ٣ / ٥٢٨.

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ. (١)

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ لاَزِمٌ مِنْ جَانِبِ الْوَكِيل وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، بِنَاءً عَلَى لُزُومِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. (٢)

وَإِنْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ عَلَى سَبِيل الْجَعَالَةِ فَفِي صِفَةِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: اللُّزُومُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (٣)

الْقَوْل الثَّانِي: الْجَوَازُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَحَدُ الأَْقْوَال الثَّلاَثَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (٤)

الْقَوْل الثَّالِثُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَاعِل وَالْمَجْعُول لَهُ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا مِنْ جِهَةِ الْجَاعِل - وَهُوَ الْمُوَكِّل - بِشُرُوعِ الْمَجْعُول لَهُ بِالْعَمَل، وَهَذَا أَحَدُ الأَْقْوَال الثَّلاَثَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (٥)

_________

(١) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٨، وروضة الطالبين ٤ / ٣٣٢.

(٢) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٨.

(٣) المرجع السابق.

(٤) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٨ والشرح الصغير مع حاشية الصاوي ٣ / ٥٢٣.

(٥) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٨٨ والشرح الصغير مع حاشية الصاوي عليه ٣ / ٥٢٣ طبعة دار المعارف.

الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْوَكَالَةِ: الْعَاقِدَانِ:

وَهَمَّا الْمُوَكِّل وَالْوَكِيل:

أَوَّلًا: الْمُوَكِّل:

٣١ - الْمُوَكِّل: هُوَ مَنْ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ، وَتَلْزَمُهُ الأَْحْكَامُ. (١)

وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنَ الْمَجْنُونِ، وَالْمَعْتُوهِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالنَّائِمِ، وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا مَهْمَا كَانَ نَوْعُ التَّصَرُّفِ مَحَل الْوَكَالَةِ. (٢)، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَأْتِي:

أ - تَوْكِيل الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ:

٣٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ تَوْكِيل الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي تَصَرُّفَاتٍ نَافِعَةٍ لَهُ نَفْعًا مَحْضًا.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَوْكِيلِهِ فِيمَا كَانَ

_________

(١) تكملة فتح القدير ٨ / ٦، وانظر حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٠٠، والبحر الرائق ٧ / ١٤٠، والفتاوى الهندية ج٣ ص٥٦١، والإنصاف ٥ / ٣٥٥، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٢، ومغني المحتاج ٢ / ٢١٧، ومواهب الجليل٥ / ١١٨، ونهاية المحتاج ج٥ ص١٦، المغني مع الشرح الكبير ٥ / ٢٠٢.

(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٤٠٠، والبدائع ٦ / ٢٠، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦١، ونهاية المحتاج ٥ / ١٦، والمغني ٥ / ٢٠٢.

ضَارًّا ضَرَرًا مَحْضًا.

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ بِحَسَبِ أَصْل وَصْفِهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَوْكِيل الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيهَا.

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.

قَال الْبُهُوتِيُّ: وَكَالَةُ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فِي كُل تَصَرُّفٍ لاَ يُعْتَبَرُ لَهُ الْبُلُوغُ كَتَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَوْكِيل الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بَاطِلٌ. (١)

ب - تَوْكِيل السَّفِيهِ:

٣٣ - لاَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ مِنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فِيمَا لاَ يَسْتَقِل بِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَمَّا مَا يَسْتَقِل بِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّل فِيهِ. (٢)

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (سَفَه ف ٣٠) .

_________

(١) الفتاوى الهندية ٣ / ٥٦١، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٣، والإنصاف ٥ / ٣٥٥، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي٣ / ٣٨٤، ومغني المحتاج ٢ / ٢١٧.

(٢) نهاية المحتاج ٥ / ١٥، وحاشية الجمل ٣ / ٤٠٣، المغني ٥ / ٨٠٨، ومغني المحتاج ٢ / ٢١٧، والبحر الرائق ٧ / ١٤٩، والمبدع ٤ / ٣٥٦.

ج - تَوْكِيل الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ:

٣٤ - لاَ يَجُوزُ تَوْكِيل الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لأَِنَّهَا لاَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَلاَ تُوَكَّل فِيهِ وَإِنَّمَا وَلِيُّهَا الَّذِي يُزَوِّجُهَا.

وَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. (١)

وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي (نِكَاح ف ١٠٩) .

د - تَوْكِيل الْمُرْتَدِّ:

٣٥ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَوْكِيل الْمُرْتَدِّ لِغَيْرِهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْل الأَْوَّل: الْوَكَالَةُ مِنَ الْمُرْتَدِّ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى عَوْدَتِهِ إِلَى الإِْسْلاَمِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا بَطَلَتْ. وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ.

الْقَوْل الثَّانِي: يَرَى الصَّاحِبَانِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ وَكَالَةَ الْمُرْتَدِّ لِغَيْرِهِ صَحِيحَةٌ وَنَافِذَةٌ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بِالاِتِّفَاقِ لأَِنَّ تَصَرُّفَاتِهَا نَافِذَةٌ.

_________

(١) بداية المجتهد ٢ / ١٠، ونهاية المحتاج ٦ / ٢١٩ - ٢٢٠، والمغني ٧ / ٣٣٧، والبدائع ٢ / ٢٤٧.

الْقَوْل الثَّالِثُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ تَوْكِيل الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ، وَهَذَا الْقَوْل اسْتَوْجَهَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ. وَقَال الشَّبْرَامَلْسِيُّ: هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (١)

هـ - تَوْكِيل الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ:

٣٦ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَوْكِيل الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَوْكِيل مُسْلُمٍ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَشِرَائِهِمَا؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوَكِّل نَفْسَ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُوَكِّل فِيهِ الْغَيْرَ. وَالْمُسْلِمُ لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْخَمْرِ أَوِ الْخِنْزِيرِ بِالْبَيْعِ أَوِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَفَاقِدُ الشَّيْءِ لاَ يُعْطِيهِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى صِحَّةِ تَوْكِيل الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ إِذْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَكِّل أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ تُخَوِّل لَهُ حَقَّ تَوْكِيل الْغَيْرِ فِيمَا يُوَكِّلُهُ فِيهِ. (٢)

_________

(١) ابن عابدين ٤ / ٤٠٠، والبدائع ٧ / ٢٠، والخرشي ٨ / ٦٦، جواهر الإكليل ٢ / ٢٧٩، وحاشية الشبراملسي، ونهاية المحتاج ٥ / ١٧، وروضة الطالبين ٤ / ٢٩٩.

(٢) تبيين الحقائق ٤ / ٢٥٤، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٤٠٠ ط بولاق، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٣٤، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٨، ومغني المحتاج ٢ / ١١، ٢١٧ - ٢١٨، والإنصاف ٣ / ٤٣٤.

و- تَوْكِيل الْمُحْرِمِ:

٣٧ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَوْكِيل الْمُحْرِمِ لِحَلاَلٍ فِي النِّكَاحِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَوْكِيل الْمُحْرِمِ لِحَلاَلٍ فِي النِّكَاحِ يَعْقِدُهُ لَهُ حَال إِحْرَامِ الْمُوَكِّلِ، لأَِنَّهُ لاَ يُبَاشِرُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَوْكِيل الْمُحْرِمِ فِي الزَّوَاجِ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ لَهُ التَّوْكِيل فِيهِ. (١) .

وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاح ف ٧٣) .

ز - جَهَالَةُ الْمُوَكِّل:

٣٨ - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْوَكِيل مُوَكِّلَهُ بِأَنْ قِيل لَهُ: وَكَّلَكَ زَيْدٌ وَلَمْ يُنْسَبْ لَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ مَا يُمَيِّزُهُ. (٢)

ثَانِيًا - الْوَكِيل:

٣٩ - الْوَكِيل هُوَ الْمَعْهُودُ إِلَيْهِ تَنْفِيذُ الْوَكَالَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيل مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكِّل مِنَ الْعَقْل، فَلاَ يَجُوزُ تَوْكِيل الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ

_________

(١) المراجع السابقة.

(٢) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٣٠، كشاف القناع ٣ / ٤٦٢، الإنصاف ٥ / ٣٥٥.

وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. (١)

وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الأُْمُورِ الآْتِيَةِ فِي الْوَكِيل:

أ - الْبُلُوغُ:

٤٠ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ فِي الْوَكِيل.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ وَكَالَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ. (٢)

قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ يَعْقِل الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ، أَيْ يَعْقِل الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْعُقُودِ، فَيَعْرِفُ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَسَالِبٌ لِلثَّمَنِ، وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ، وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنَ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالرِّبْحِ لاَ الْهَزْل.

وَقَالُوا: إِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إِلَى الْوَكِيل إِذَا كَانَ بَالِغًا، أَمَّا إِذَا كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَرْجِعُ إِلَى الْمُوكِّل لاَ إِلَى الْوَكِيل. كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. (٣)

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيل الْمُمَيِّزِ وَتَوَكُّلُهُ فِي كُل تَصَرُّفٍ لاَ يُشْتَرَطُ لَهُ الْبُلُوغُ،

_________

(١) المغني ٥ / ٨٨.

(٢) البدائع ٦ / ٢٠، والبحر الرائق ٧ / ١٤٢، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٣، والإنصاف ٥ / ٣٥٥.

(٣) البدائع ٧ / ٣٤٤٧، وتبيين الحقائق ٤ / ٢٥٤، وتكملة فتح القدير ٨ / ١٤

كَتَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ. (١)

وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ وَكَالَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ. (٢) بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ لَمَّا خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ، فَقَال ﷺ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلاَ غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَال لِعَمْرِو ابْنِ أُمِّ سَلَمَةَ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَزَوَّجَهُ وَكَانَ صَبِيًّا (٣) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ وَكَالَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَلاَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَوَكَّل لِغَيْرِهِ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيل. (٤)

ب - تَعْيِينُ الْوَكِيل:

٤١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيل مُعَيَّنًا، فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، فَلَوْ قَال شَخْصٌ: وَكَّلْتُ أَحَدَ النَّاسِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ لِجَهَالَةِ الْوَكِيل وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ.

_________

(١) كشاف القناع ٣ / ٤٦٣، والإنصاف ٥ / ٣٥٥، والمغني ٥ / ٨٨.

(٢) البدائع ٦ / ٢٠.

(٣) حديث أن رسول الله ﷺ " خطب أم سلمة. . . " أخرجه النسائي (٦ / ٨١ - ٨٢) .

(٤) حاشية الجمل ٣ / ٤٠٣.