الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٥
١١ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الإِْيجَابُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ بِلَفْظِ: وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا، أَوْ: فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كَذَا، أَوْ: أَنَبْتُكَ فِيهِ، أَوْ: أَذِنْتُ لَكَ فِيهِ، أَوْ: أَقَمْتُكَ مَقَامِي فِي كَذَا، أَوْ: أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ. (١)
كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الإِْيجَابَ يَتَحَقَّقُ بِلَفْظِ الأَْمْرِ، مِثْل: بِعْهُ، أَوْ: أَعْتِقْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِانْعِقَادِ الْوَكَالَةِ بِمِثْل هَذِهِ الأَْلْفَاظِ، حَيْثُ قَالُوا: الْوَكَالَةُ لاَ تَخْتَصُّ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِرْسَالٍ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. (٢)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِكُل لَفْظٍ يَدُل عَلَيْهَا كَوَكَّلْتُكَ وَأَشْبَاهِهِ، رَوَى بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀: إِذَا قَال الرَّجُل لِغَيْرِهِ: أَحْبَبْتُ أَنْ تَبِيعَ دَارِي هَذِهِ، أَوْ: هَوَيْتُ، أَوْ: رَضِيتُ، أَوْ: شِئْتُ، أَوْ: أَرَدْتُ، فَذَاكَ تَوْكِيلٌ وَأَمْرٌ بِالْبَيْعِ. (٣)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَال: سَأُوَكِّلُكَ، لَمْ
_________
(١) الفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٤ - ٥٦٥، وبدائع الصنائع ٦ / ٢٠، ونهاية المحتاج ٥ / ٢٧، والحاوي للمارودي ٨ / ١٨٧، وكشاف القناع ٣ / ٤٦١، والإنصاف ٥ / ٣٥٣، وشرح الخرشي ٦ / ٧٠.
(٢) درر الحكام شرح مجلة الأحكام ٣ / ٥٢٧، والإنصاف ٥ / ٣٥٣، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠، والخرشي ٦ / ٧٠.
(٣) تكملة فتح القدير ٨ / ٤، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٤ - ٥٦٥.
يَصِحَّ، لأَِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَهَكَذَا لَوْ قَال: أُوَكِّلُكَ، لأَِنَّهُ مَوْعِدٌ.
كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَال: قَدْ عَوَّلْتُ عَلَيْكَ، فَلاَ يَصِحُّ عَقْدُ الْوَكَالَةِ، لاِحْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَوِّلًا عَلَى رَأْيِهِ أَوْ مَعُونَتِهِ أَوْ نِيَابَتِهِ، وَهَكَذَا لَوْ قَال: قَدِ اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، أَوِ اسْتَكْفَيْتُ، أَوْ إِلَى مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ، لاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَا إِلاَّ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهَا أَحَدَ الأَْلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي التَّوْكِيل. (١)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الإِْيجَابُ بِاللَّفْظِ فِي غِيَابِ الْوَكِيل مُرَاسَلَةً:
١٢ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الإِْيجَابَ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ يَنْعَقِدُ بِالرِّسَالَةِ. (٢)
وَصُورَةُ التَّوْكِيل بِالرِّسَالَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهَا الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَقُول شَخْصٌ لآِخَرَ: خُذْ هَذَا الْمَال لِفُلاَنٍ وَلْيَبِعْهُ، أَوْ يَقُول: اذْهَبْ إِلَى فُلاَنٍ وَأَخْبِرْهُ أَنْ يَبِيعَ مَالِي الْفُلاَنِيَّ الَّذِي عِنْدَهُ، وَبَاعَ الآْخَرُ الْمَال بَعْدَ بُلُوغِ هَذَا الْخَبَرِ إِلَيْهِ، كَانَتِ الْوَكَالَةُ وَالْبَيْعُ صَحِيحَيْنِ.
كَذَلِكَ لَوْ وَكَّل أَحَدٌ شَخْصًا غَائِبًا بِأَمْرٍ مَا
_________
(١) الحاوي للماوردي ٨ / ١٨٦ - ١٨٧، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٢.
(٢) شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر ٣ / ٥٢٧، والخرشي ٦ / ٧٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٣، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠.
فَبَلَّغَهُ أَحَدٌ خَبَرَ الْوَكَالَةِ وَقَبِل الآْخَرُ، انْعَقَدَتِ الْوَكَالَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ عَادِلًا أَمْ مَسْتُورَ الْحَالِ، أَمْ كَانَ غَيْرَ عَادِلٍ، وَسَوَاءٌ أَأَعْطَى الْخَبَرَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَمْ أُخْبِرَ بِهِ رِسَالَةً مِنْ طَرَفِ الآْمِرِ، وَسَوَاءٌ أَصَدَّقَ الْغَائِبُ هَذَا الْخَبَرَ أَمْ كَذَّبَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَكِيلًا فِي الأَْحْوَال الْمَذْكُورَةِ. (١)
ب - الإِْيجَابُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ:
مِنْ صُوَرِ إِيجَابِ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ اللَّفْظِ مَا يَأْتِي:
الصُّورَةُ الأُْولَى: الْكِتَابَةُ:
١٣: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإِْيجَابَ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ يَتَحَقَّقُ بِالْخَطِّ أَوِ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّ الْكِتَابَةَ فِعْلٌ يَدُل عَلَى الْمَعْنَى.
وَمَثَّل الْحَنَفِيَّةُ بِذَلِكَ بِمَا لَوْ أَرْسَل أَحَدٌ لآِخَرَ غَائِبٍ كِتَابًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا بِتَوْكِيلِهِ إِيَّاهُ بِأَمْرٍ مَا، وَقَبِل الآْخَرُ الْوَكَالَةَ، انْعَقَدَتْ. (٢)
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (عَقْد ف ١٣) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الإِْشَارَةُ:
١٤ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ إِشَارَةَ الأَْخْرَسِ
_________
(١) شرح المجلة لعلي حيدر ٣ / ٥٢٧، وانظر الفتاوى الهندية ٣ / ٥٦١، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٣٩٩.
(٢) درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر ٣ / ٥٢٧، نشر مكتبة النهضة، والشرح الصغير ٣ / ٥٠٥، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٣، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٢٩، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠.
الْمَفْهُومَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي تَحَقُّقِ إِيجَابِ الْوَكَالَةِ بِهَا. (١)
وَلِلتَّفْصِيل فِي شُرُوطِ الاِعْتِدَادِ بِالإِْشَارَةِ. (ر: إِشَارَة ف ٥، عَقْد ف ١٥) .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الْفِعْل:
١٥ - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الإِْيجَابَ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ يَتِمُّ بِفِعْلٍ دَل عَلَى الإِْذْنِ. (٢)
حَيْثُ دَل كَلاَمُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِ الْوَكَالَةِ بِفِعْلٍ دَالٍّ كَبَيْعٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الشَّيْخِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ، كَالْقَبُول. (٣)
وَبِهَذَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِانْعِقَادِ الْوَكَالَةِ بِالْفِعْلِ، فَقَدْ قَال الْخِرَشِيُّ: الْوَكَالَةُ لاَ تَخْتَصُّ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِرْسَالٍ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. (٤)
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: مَا يَدُل فِي الْعَادَةِ عَلَى اعْتِبَارِهِ إِيجَابًا:
١٦ - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الإِْيجَابَ فِي الْوَكَالَةِ قَدْ
_________
(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٤٣، وما بعدها وتنقيح الفتاوى الحامدية ١ / ٣٤٦، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٠، وروضة الطالبين ٨ / ٣٩، وما بعدها، وإعانة الطالبين ٣ / ٨٧.
(٢) مطالب أولي النهى ٣ / ٤٢٩، والمبدع ٤ / ٣٥٥.
(٣) الفروع ٤ / ٣٤٠ ط عالم الكتب، وكشاف القناع ٣ / ٤٦١.
(٤) الخرشي ٦ / ٧٠.
يَتَحَقَّقُ بِمُوجِبِ الْعَادَةِ كَتَصَرُّفِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِي مَالِهَا وَهِيَ عَالِمَةٌ سَاكِتَةٌ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَكَالَةِ.
وَكَمَا إِذَا كَانَ رَيْعٌ بَيْنَ أَخٍ وَأُخْتٍ وَكَانَ الأَْخُ يَتَوَلَّى كِرَاءَهُ وَقَبْضَهُ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةً فَالْقَوْل قَوْلُهُ أَنَّهُ دَفَعَ لأُِخْتِهِ مَا يَخُصُّهَا فِي الْكِرَاءِ، قَال ابْنُ نَاجِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لأَِنَّهُ وَكِيلٌ بِالْعَادَةِ. (١)
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ السُّكُوتُ إِيجَابًا فِي الْوَكَالَةِ، فَلَوْ رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ، لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا عَنْهُ بِسُكُوتِهِ، وَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ لاَ يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ. (٢)
ثَانِيًا: الْقَبُول:
الْقَبُول إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِغَيْرِ اللَّفْظِ.
أ - الْقَبُول بِاللَّفْظِ:
١٧ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَبُول يَتَحَقَّقُ بِاللَّفْظِ، كَمَا لَوْ قَال الْمُوَكِّل لآِخَرَ: قَدْ وَكَّلْتُكَ بِهَذَا الأَْمْرِ، فَقَال لَهُ الْوَكِيل: قَبِلْتُ، أَوْ قَال كَلاَمًا آخَرَ غَيْرَ لَفْظِ قَبِلْتُ، مُشْعِرًا بِالْقَبُولِ، فَإِنَّ
_________
(١) الشرح الصغير ٣ / ٥٠٥ - ٥٠٦، وحاشية الدسوقي ٣ / ٣٨٠، ومواهب الجليل ٥ / ١٩١.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ١٥٤ - ١٥٥، وللسيوطي ص١٤٢، وحاشية الحموي على الاشباه ١ / ١٨٤، والمنثور في القواعد ٢ / ٢٠٥، ومغني المحتاج ٢ / ١٥ / ١٠٠.
الْقَبُول يَصِحُّ وَتَنْعَقِدُ الْوَكَالَةُ. (١)
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ قَبُول الْوَكِيل لَفْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ إِلاَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الرَّدِّ، فَلَوْ رَدَّ الْوَكِيل الْوَكَالَةَ بَعْدَ الإِْيجَابِ بِأَنْ قَال: لاَ أَقْبَل أَوْ لاَ أَفْعَل، فَلاَ يَبْقَى حُكْمِ الإِْيجَابِ، وَلاَ تَنْعَقِدُ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ قَبِل بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُجَدِّدِ الإِْيجَابَ وَالْقَبُول. (٢)
ب - الْقَبُول بِغَيْرِ اللَّفْظِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبُول بِغَيْرِ اللَّفْظِ، وَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
الصُّورَةُ الأَْوْلَى: الْقَبُول بِالْفِعْل:
١٨ - لِلْفُقَهَاءِ فِي قَبُول الْوَكَالَةِ بِالْفِعْل ثَلاَثَةَ آرَاءٍ:
الأَْوَّل: يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي أَصَحِّ الأَْوْجُهِ - وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْقَبُول يَتَحَقَّقُ بِكُل فِعْلٍ دَل عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَل الْوَكِيل مَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّل بِفِعْلِهِ لأَِنَّ الَّذِينَ وَكَّلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ
_________
(١) شرح المجلة لعلي حيدر ٣ / ٥٢٦ - ٥٢٧، المادة (١٤٥١)، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٢، وإعانة الطالبين ٣ / ٨٧، وكشاف القناع ٣ / ٤٦١ - ٤٦٢.
(٢) شرح المجلة لعلي حيدر ٣ / ٥٢٩، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٣، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠.
لَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَال أَمْرِهِ، وَلأَِنَّ الْوَكَالَةَ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ الْقَبُول فِيهِ بِالْفِعْل كَأَكْل الطَّعَامِ.
وَجَاءَ فِي شَرْحِ مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: يَكُونُ الإِْيجَابُ صَرَاحَةً وَالْقَبُول دَلاَلَةً، فَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمِ الْوَكِيل شَيْئًا بِنَاءً عَلَى إِيجَابِ الْمُوَكِّل، وَحَاوَل إِجْرَاءَ ذَلِكَ الأَْمْرِ الْمُوكَّل بِهِ، فَيَكُونُ قَدْ قَبِل الْوَكَالَةَ دَلاَلَةً وَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا. (١)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَبُول لاَ يَتَحَقَّقُ بِالْفِعْل وَلاَ بُدَّ لِتَحَقُّقِهِ مِنَ اللَّفْظِ. (٢)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل إِنْ أَتَى بِصِيغَةِ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ: بِعْ وَاشْتَرِ، يَتِمُّ الْقَبُول بِالْفِعْل وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ اللَّفْظُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الإِْيجَابُ بِصِيغَةِ عَقْدٍ، كَوَكَّلْتُكَ، أَوْ: فَوَّضْتُ إِلَيْكَ فَلاَ بُدَّ فِي الْقَبُول مِنَ اللَّفْظِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ بِالْفِعْل إِلْحَاقًا لِصِيَغِ الْعَقْدِ بِالْعُقُودِ وَالأَْمْرِ بِالإِْبَاحَةِ. (٣)
_________
(١) شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر ٣ / ٥٢٨، والفتاوى الهندية ٣ / ٥٦٠، والمغني لابن قدامة ٥ / ٩٣، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٠، وكشاف القناع ٣ / ٤٦١ - ٤٦٢، والخرشي ٦ / ٧٠، وأسنى المطالب ٢ / ٢٦٦، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٢.
(٢) روضة الطالبين ٤ / ٣٠٠، والإنصاف ٥ / ٣٥٤، وروضة القضاة للسمناني ٢ / ١٤٠.
(٣) روضة الطالبين ٤ / ٣٠٠، ومغني المحتاج ٢ / ٢٢٢.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَبُول بِالْكِتَابَةِ:
١٩ - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَبُول فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ يَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ الْمُعَنْوَنَةِ. (١)
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَبُول بِالإِْشَارَةِ:
٢٠ - يَصِحُّ الْقَبُول فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمَعْلُومَةِ الْمَفْهُومَةِ. (٢) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي شُرُوطِ الْعَمَل بِالإِْشَارَةِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِشَارَة ف ٥، عَقْد ف ١٥) .
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الْقَبُول بِالسُّكُوتِ:
٢١ - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ سُكُوتَ الْوَكِيل قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ. (٣)
تَرَاخِي الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ:
٢٢ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ قَبُول
_________
(١) شرح المجلة لمحمد خالد الأتاسي ١ / ١٩٠ المادة (٦٩)، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٣٩، والأشباه والنظائر للسيوطي ٣٠٨ - ٣٠٩، وروضة الطالبين ٤ / ٣٠٠، والإنصاف ٥ / ٣٥٤، ومطالب أولي النهى ٣ / ٤٢٩.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٤٣، والأشباه والنظائر للسيوطي ص ٢١٣، ومواهب الجليل ٤ / ٢٢٩، والمغني ٣ / ٥٦٦.
(٣) حاشية ابن عابدين ٣ / ٤٤٥، والأشباه والنظائر لأبن نجيم ص ١٥٤.
الْوَكِيل فَوْرَ صُدُورِ الإِْيجَابِ مِنَ الْمُوَكِّل فَإِنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَنْعَقِدُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَرَاخَى الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُول الْوَكَالَةِ عَلَى التَّرَاخِي، لأَِنَّ قَبُول وُكَلاَئِهِ ﷺ كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ تَوْكِيلِهِ إِيَّاهُمْ، وَلأَِنَّ الْوَكَالَةَ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، وَالإِْذْنُ قَائِمٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ الْمُوَكِّلُ، فَأَشْبَهَ الإِْبَاحَةَ.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ كَوْنَ الْقَبُول عَلَى التَّرَاخِي بِمَا إِذَا لَمَّ يَتَعَيَّنْ زَمَانُ الْعَمَل الَّذِي وَكَّل فِيهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ وَخِيفَ فَوَاتُهُ، كَانَ قَبُول الْوَكَالَةِ عَلَى الْفَوْرِ.
وَكَذَا لَوْ عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ صَارَ قَبُولُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا. (١)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْل الثَّانِي وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرُّوذِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ قَبُول الْوَكَالَةِ عَلَى الْفَوْرِ، فَلاَ يَصِحُّ إِذَا تَرَاخَى الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ بِالزَّمَانِ الطَّوِيلِ، لأَِنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ فِي حَال
_________
(١) روضة القضاة للسمناني ٢ / ٦٤١، وعقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٨ - ٦٧٩، ومواهب الجليل ٥ / ١٩٠ - ١٩١، والحاوي للماوردي ٨ / ١٨٩، والمهذب ١ / ٣٥٧، وكشاف القناع ٣ / ٤٦٢، والمغني ٥ / ٩٣.
الْحَيَاةِ، فَكَانَ الْقَبُول فِيهِ عَلَى الْفَوْرِ كَالْبَيْعِ. (١) .
وَقَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا يَرْجِعُ إِلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ وَالْعَوَائِدِ، هَل الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الأَْلْفَاظِ اسْتِدْعَاءُ الْجَوَابِ فَوْرًا فَإِنْ تَأَخَّرَ سَقَطَ حُكْمُ الْخِطَابِ؟ أَوِ الْمُرَادُ اسْتِدْعَاءُ الْجَوَابِ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا؟ . (٢)
أَقْسَامُ صِيغَةِ الْوَكَالَةِ:
أَوَّلًا: أَقْسَامُ صِيغَةِ الْوَكَالَةِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا:
تَنْقَسِمُ الصِّيغَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إِلَى الصِّيغَةِ الْمُنَجِّزَةِ، وَالصِّيغَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَالصِّيغَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَالصِّيغَةِ الْمُوَقَّتَةِ. (٣)
أ - الصِّيغَةُ الْمُنَجِّزَةُ لِلْوَكَالَةِ:
٢٣ - التَّنْجِيزُ هُوَ خِلاَفُ التَّعْلِيقِ. (٤) وَالتَّعْلِيقُ هُوَ رَبْطُ حُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُول مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى. (٥)
وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ الْمُنَجِّزَةِ لِلْوَكَالَةِ أَنْ لاَ تَكُونَ مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ، وَلاَ مُضَافَةً إِلَى وَقْتٍ، كَقَوْل
_________
(١) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٩، والحاوي ٨ / ١٨٩، والمهذب ١ / ٣٥٧.
(٢) عقد الجواهر الثمينة ٢ / ٦٧٩، ومواهب الجليل ٥ / ١٩١.
(٣) مجلة الأحكام العدلية المادة (١٤٥٦) .
(٤) قواعد الفقه للبركتي ص ٢٣٨.
(٥) الدر المختار ٢ / ٤٩٢.