الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ -

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ الْهِجْرَةَ هِجْرَتَانِ:

الأُْولَى: هِجْرَةٌ بِالْجِسْمِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَهَذِهِ أَحْكَامُهَا مَعْلُومَةٌ.

الثَّانِيَةُ: الْهِجْرَةُ بِالْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهِيَ هِجْرَةٌ تَتَضَمَّنُ (مِنْ) وَ(إِلَى)، فَيُهَاجِرُ بِقَلْبِهِ مِنْ مَحَبَّةِ غَيْرِ اللَّهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَمِنْ عُبُودِيَّةِ غَيْرِهِ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَمِنْ خَوْفِ غَيْرِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ إِلَى خَوْفِ اللَّهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَمِنْ دُعَاءِ غَيْرِهِ وَسُؤَالِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالذُّل وَالاِسْتِكَانَةِ لَهُ إِلَى دُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ وَالذُّل وَالاِسْتِكَانَةِ لَهُ (١) .

ثُمَّ تَعَرَّضَ لِحَال الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَاجِرِ إِلَى رَبِّهِ فَقَال: وَلَهُ فِي كُل وَقْتٍ هِجْرَتَانِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ بِالطَّلَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوَكُّل وَالإِْنَابَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالإِْقْبَال عَلَيْهِ وَصِدْقِ الْمَلْجَأِ وَالاِفْتِقَارِ فِي كُل نَفْسٍ إِلَيْهِ. وَهِجْرَةٌ إِلَى رَسُولِهِ ﷺ فِي حَرَكَاتِهِ، وَسَكَنَاتِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، بِحَيْثُ تَكُونُ مُوَافِقَةً لِشَرْعِهِ الَّذِي هُوَ تَفْصِيل مَحَابِّ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَلاَ يَقْبَل اللَّهُ مِنْ أَحَدِ دِينًا سِوَاهُ، وَكُل عَمَلٍ سِوَاهُ، فَعَيْشُ النَّفْسِ وَحَظُّهَا لاَ زَادَ الْمَعَادِ (٢) .

_________

(١) الرِّسَالَة التبوكية لاِبْن الْقَيِّمِ ص ٢٤، ٢٥

(٢) طَرِيق الْهِجْرَتَيْنِ لاِبْن الْقَيِّمِ ص ٧