الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ -

وَأَمَّا مَنْ لاَ يَعْتَدُّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَال: إِنَّ الْحَدِيثَ لاَ يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلاَثِ (١) .

جَاءَ فِي مِرْقَاةِ الْمَفَاتِيحِ: قَال أَكْمَل الدِّينِ مِنْ أَئِمَّتِنَا - أَيِ الْحَنَفِيَّةِ -: فِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى حُرْمَةِ هِجْرَانِ الأَْخِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا جَوَازُ هِجْرَانِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَمَفْهُومٌ مِنْهُ لاَ مَنْطُوقٌ، فَمَنْ قَال بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ كَالشَّافِعِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُول بِإِبَاحَتِهِ، وَمَنْ لاَ فَلاَ (٢) .

وَقَدْ حَمَل الْفُقَهَاءُ الْهَجْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ عَلَى مَا كَانَ لِحَظِّ الإِْنْسَانِ، بِأَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فِي عَتَبٍ وَمَوْجِدَةٍ أَوْ لِنَبْوَةٍ تَكُونُ مِنْهُ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي حُقُوقِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، دُونَ مَا كَانَ فِي جَانِبِ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْل الأَْهْوَاءِ وَالْبِدَعِ دَائِمَةٌ عَلَى مَرِّ الأَْوْقَاتِ مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنَّهُ ﷺ لَمَّا خَافَ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ النِّفَاقَ حِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ بِهِجْرَانِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ فِي بُيُوتِهِمْ نَحْوَ خَمْسِينَ يَوْمًا (٣)، إِلَى

_________

(١) النَّوَوِيّ عَلَى مُسْلِمِ ١٦ / ١١٧، وَالآْدَاب الشَّرْعِيَّة لاِبْن مُفْلِح ١ / ٢٤٢.

(٢) مِرْقَاة الْمَفَاتِيح ٤ / ٧١٦، وَانْظُرِ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي ٧ / ٢١٥.

(٣) حَدِيث: " أَمْر رَسُول اللَّهِ ﷺ بِهِجْرَة كَعْب وَأَصْحَابه. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي ٨ / ١١٤ - ١١٥ ط السَّلَفِيَّة)، وَمُسْلِم (٤ / ٢١٢٤ ط الْحَلَبِيّ) .