الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٢ -

بِذَلِكَ، وَخَصَّ الأَْفْوَاهَ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا مَحَل النَّوْحِ. . . ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهِنَّ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمُبَاحِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ بِدَلِيل أَنَّهُ كَرَّرَهُ وَبَالَغَ فِيهِ وَأَمَرَ بِعُقُوبَتِهِنَّ إِنْ لَمْ يَسْكُتْنَ (١) .

قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: هَذِهِ الأَْحَادِيثُ جَاءَتْ فِي تَحْرِيمِ النِّيَاحَةِ مُطْلَقًا، وَبَيَانِ عَظِيمِ قُبْحِهَا، وَالاِهْتِمَامِ بِإِنْكَارِهَا؛ لأَِنَّهَا مُهَيِّجَةٌ لِلْحُزْنِ وَرَافِعَةٌ لِلصَّبْرِ، وَفِيهَا مُخَالَفَةٌ لِلتَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ وَالإِْذْعَانِ لأَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ، فَقَال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢)﴾ . وَهَذَا يَتَنَاوَل كُل مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ النِّيَاحَةِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ أَوْ بِتَعْدِيدِ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ (٣) . وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَى النَّائِحَةِ أَشَدَّ الإِْنْكَارِ، فَقَدْ رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ سَمِعَ نُوَاحَةً بِالْمَدِينَةِ لَيْلًا،

_________

(١) فتح الباري ٣ / ١٣٠، ١٣١.

(٢) سورة البقرة / ١٥٣.

(٣) شرح النووي على مسلم ٦ / ٢٣٨، ودليل الفالحين ٨ / ١٤٧، ١٤٩، والكبائر للذهبي ص ١٨٤، ١٨٥، ونيل الأوطار ٤ / ١٦٠، ١٦١، وكشاف القناع ٢ / ١٦٣، ومعالم القربة في أحكام الحسبة ص ١٠٦، ١٠٧، ومطالب أولي النهى ١ / ٩٢٥.