الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤٠ -
ذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (١)
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْهَا جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى. فَقَال لَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلاَّ فَلاَ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ (٢) .
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَدِ الْتَزَمَتْ بِمُقْتَضَى هَذَا النَّذْرِ أَنْ تَضْرِبَ بِالدُّفِّ، وَأَنْ تُغَنِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ إِنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا مِنَ الْغَزْوِ، وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءُ عِنْدَ قُدُومِ الْغَائِبِ أَبَاحَهُ الْفُقَهَاءُ (٣)، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ مَا الْتَزَمَتْهُ بِالنَّذْرِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ مُنْعَقِدٌ وَصَحِيحٌ، وَأَنَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَفِيَ بِهِ إِنْ شَاءَ.
_________
(١) الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات ١ / ٤٠٤، وَمَوَاهِب الْجَلِيل ٣ / ٣١٨، وَالْمُغْنِي ٩ / ٥، وَالْكَافِي ٤ / ٤١٨، وَكَشَّاف الْقِنَاع ٦ / ٢٧٥.
(٢) حَدِيث: " إِنْ كُنْت نَذَرْت فَاضْرِبِي. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (٥ / ٦٢٠ - ٦٢١ ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(٣) الْبَحْر الرَّائِق ٨ / ٢١٥، وَالْفَوَاكِه الدَّوَانِي ٢ / ٤٠٩، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ٢ / ٣٣٩، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج ٤ / ٤٢٩، وَالْمُغْنِي ١٢ / ٤٠، وَنِيل الْمَآرِب ٢ / ٢١١، وَإِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ ٦ / ١٥١، ١٥٤.