الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ -
جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ظَنِّيَّةٌ، إِذِ الأَْصْل أَنَّهُ مَا مِنْ عَامٍّ إِلاَّ وَخُصِّصَ. وَمَا دَامَ الْعَامُّ لاَ يَكَادُ يَخْلُو مِنْ مُخَصِّصٍ، فَإِنَّ هَذَا يُورِثُ شُبْهَةً قَوِيَّةً تَمْنَعُ الْقَوْل بِقَطْعِيَّتِهِ فِي إِفَادَةِ الشُّمُول وَالاِسْتِغْرَاقِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَمْنَعُونَ تَخْصِيصَ عَامِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ابْتِدَاءً بِالدَّلِيل الظَّنِّيِّ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى تَحْرِيمِ أَكْل ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، إِذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (١) وَلَمْ يُخَصِّصُوا هَذَا الْعُمُومَ بِحَدِيثِ: ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلاَلٌ، ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ، (٢) لأَِنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَقَدْ وَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي تَحْرِيمِ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ إِذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا، بَيْنَمَا الشَّافِعِيَّةُ يُجِيزُونَ أَكْلَهَا، لأَِنَّ دَلاَلَةَ الْعَامِّ عِنْدَهُمْ ظَنِّيَّةٌ، فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِمَا هُوَ ظَنِّيٌّ، وَإِنْ كَرِهُوا تَعَمُّدَ التَّرْكِ. (٣) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (تَذْكِيَة، وَتَسْمِيَة) .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل أَيْضًا: اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي سَرِقَةِ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ مِنَ الْمَاءِ الْمُحَرَّزِ، فَالأَْصْل فِي الْمَاءِ الْمُحَرَّزِ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْرَزَهُ، وَلاَ شَرِكَةَ فِيهِ وَلاَ شُبْهَةَ الشَّرِكَةِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إِلاَّ مَا حُمِل. (٤) وَلِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ
_________
(١) سورة الأنعام / ١٢١.
(٢) حديث " ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أم لم يذكره " أخرجه أبو داود في المراسيل كما في نصب الراية (٤ / ١٨٣ - ط المجلس العلمي) وأعله ابن القطان بالإرسال وبجهالة أحد رواته.
(٣) البدائع ٥ / ٤٥، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٢ / ١٠٦، وشرح الخطيب المسمى بالإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ٤ / ٢٥٤، والمغني ٨ / ٥٨١.
(٤) حديث " النهي عن بيع الماء إلا ما حمل " أخرجه أبو عبيد من حديث مشيخته بلفظ: " أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه " وفي إسناده إرسال وإبهام، كما أن أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف، وفي إسناده بقية وهو مدلس وقد عنعن السند وميزان الاعتدال ١ / ٣٣١، ٤ / ٤٩٧، ٤٩٨ ط عيسى الحلبي) .