الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ -

الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا، لأَِنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَمْ يَرْضَ بِشَيْءٍ، فَلِذَلِكَ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الْغُصُوبَ وَالنُّهُوبَ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوَهَا.

وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ، فَلاَ تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لاَ ظِهَارٌ وَلاَ نَذْرٌ وَلاَ يَمِينٌ مِنَ الأَْيْمَانِ، وَلاَ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ، وَلاَ الزَّكَوَاتِ، وَلاَ شَيْءٍ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ ﵊: الإِْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ (١) وَضَابِطُ الْفَرْقِ: أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، هَذَا لاَ يَسْقُطُ بِالإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ إِلْزَامَهُ إِيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنِ الإِْسْلاَمِ لِرِضَاهُ. وَمَا لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، كَالْقَتْل وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ إِنَّمَا دَخَل عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا، فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ، لأَِنَّ فِي إِلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الإِْسْلاَمِ، فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الإِْسْلاَمِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ. وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَسْقُطُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهَا أَمْ لاَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الإِْسْلاَمَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى،

وَالْعِبَادَاتُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْحَقَّانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ نَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الآْخَرِ،

_________

(١) حديث: " الإسلام يجب ما كان قبله " أخرجه أحمد بهذا اللفظ من حديث عمرو بن العاص ﵁ مرفوعا. وأخرجه مسلم بلفظ: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ". (مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٩٩ نشر المكتب الإسلامي، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ١ / ١١٢ ط عيسى الحلبي ١٣٧٤ هـ) .