الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ -
نَفْسِهِ، وَقَدْ شُرِطَ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِهِمْ. وَهُوَ مَا قَالَهُ اللَّيْثُ (١) . وَوَافَقَهُمْ كُلٌّ مِنَ: الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِذَا مَا كَانَ الأَْسِيرُ مَحْبُوسًا أَوْ مُقَيَّدًا، لأَِنَّهُ مُكْرَهٌ، وَأَعْطَى الشَّافِعِيَّةُ مَنْ أَمَّنَ آسِرَهُ حُكْمَ الْمُكْرَهِ، وَقَالُوا: إِنَّ أَمَانَهُ فَاسِدٌ. (٢) أَمَّا إِذَا كَانَ مُطْلَقًا وَغَيْرَ مُكْرَهٍ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ أَسِيرَ الدَّارِ - وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِبِلاَدِ الْكُفَّارِ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا - يَصِحُّ أَمَانُهُ. قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا يَكُونُ مُؤَمَّنُهُ آمِنًا بِدَارِهِمْ لاَ غَيْرُ، إِلاَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِالأَْمَانِ فِي غَيْرِهَا. (٣) وَسُئِل أَشْهَبُ عَنْ رَجُلٍ شَذَّ عَنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَطَلَبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَال الْعَدُوُّ لِلأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ: أَعْطِنَا الأَْمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ الأَْمَانَ، فَقَال: إِذَا كَانَ أَمَّنَهُمْ، وَهُوَ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ أَمَّنَهُمْ، وَهُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ، وَقَوْل الأَْسِيرِ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ. (٤)
وَيُعَلِّل ابْنُ قُدَامَةَ لِصِحَّةِ أَمَانِ الأَْسِيرِ إِذَا عَقَدَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ، بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ مِنْ أَنَّ الرَّسُول ﷺ قَال: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ. . . كَمَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ (٥) .
_________
(١) شرح السير الكبير ١ / ٢٨٦، وتبيين الحقائق ٣ / ٢٤٧، والفتح ٤ / ٣٠٠، والبحر الرائق ٥ / ٨٨، ومواهب الجليل ٣ / ٣٦١، وفتح الوهاب ٢ / ١٧٦، والمغني ١٠ / ٤٣٣.
(٢) الوجيز ٢ / ١٩٥.
(٣) فتح الوهاب ٢ / ١٧٦، وحاشية الجمل ٥ / ٢٠٥، وشرح البهجة ٥ / ١٣٢.
(٤) التاج والإكليل ٣ / ٣٦١.
(٥) المغني ١٠ / ٤٣٣ وحديث: " ذمة المسلمين. . . " أخرجه مسلم من حديث الأعمش مرفوعا (صحيح مسلم بتحقيق محمد عبد الباقي ٢ / ٩٩٩ ط عيسى الحلبي) .