الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٤ -
سَبِيل اللَّهِ، وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنِ الإِْفْرَاطِ فِي الإِْنْفَاقِ وَإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ يَدُهُ مِنَ الْمَال مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْحَسْرَةُ عَلَى مَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، فَيَقُول: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ،، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى (١) فَأَمَّا مَنْ وَثِقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ وَجَزِيل ثَوَابِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالآْيَةِ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ فُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيل اللَّهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِمْ، فَلَمْ يُعَنِّفْهُمُ النَّبِيُّ ﷺ لِصِحَّةِ يَقِينِهِمْ وَشِدَّةِ بَصَائِرِهِمْ. (٢)
وَفِي ضَوْءِ هَذِهِ الآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الأَْوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنَ الْفَاضِل عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى الدَّوَامِ، وَمَنْ أَسْرَفَ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُهُ عَنْ كِفَايَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَوْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ - وَلاَ كَسْبَ لَهُ - فَقَدْ أَثِمَ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ
_________
(١) حديث: " يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس. . . . " أخرجه أبو داود واللفظ له وابن خزيمة والدارمي والحاكم من طريق محمد بن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله ﵁. قال المنذري: في إسناده محمد بن إسحاق، وقال محقق صحيح ابن خزيمة: إسناده ضعيف. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وتعقبه الألباني بقوله: وليس كذلك، فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم مقرونا بآخر، ثم هو يدلس، وقد عنعنه، فلا يحتج به (عون المعبود ٢ / ٥٣ ط الهند، ومختصر سنن أبي داود للمنذري ٢ / ٢٥٣، ٢٥٤ نشر دار المعرفة، وسنن الدارمي ١ / ٣٩١ نشر دار إحياء السنة النبوية، وصحيح ابن خزيمة ٤ / ٩٨ نشر المكتب الإسلامي ١٣٩٩ هـ، والمستدرك ١ / ٤١٣ نشر دار الكتاب العربي، وإرواء الغليل ٣ / ٤١٦ نشر المكتب الإسلامي) .
(٢) الأحكام للجصاص ٣ / ٢٤٦، والأحكام لابن العربي ٣ / ١١٩٢، ١١٩٣، وتفسير الرازي ٢٠ / ٩٣.