الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٩ -
ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ، لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّشَفِّي وَدَرْكُ الثَّأْرِ، وَالْمَيِّتُ لاَ يَجِبُ لَهُ إِلاَّ مَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَالْقِصَاصُ لاَ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ وَجْهٍ، لاِنْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَأْنِسُونَ بِهِ وَيَنْتَصِرُونَ، وَيَنْتَفِعُونَ بِمَالِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً، لِحُصُول التَّشَفِّي لَهُمْ وَلِوُقُوعِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِمْ، لاَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَيْهِمْ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ التَّوَارُثُ كَمَا فِي سَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَكِنْ إِذَا انْقَلَبَ ذَلِكَ الْحَقُّ مَالًا، فَإِنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَئِذٍ مَوْرُوثًا، لأَِنَّ ثُبُوتَ الْقِصَاصِ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً إِنَّمَا كَانَ لِضَرُورَةِ عَدَمِ صُلُوحِهِ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا بِالصُّلْحِ عَلَيْهِ أَوِ الْعَفْوِ إِلَى الدِّيَةِ - وَالْمَال يَصْلُحُ لِحَوَائِجِ الْمَيِّتِ مِنَ التَّجْهِيزِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا - ارْتَفَعَتِ الضَّرُورَةُ، وَصَارَ الْوَاجِبُ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَال، إِذِ الْخُلْفُ إِنَّمَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الأَْصْل، فَيَثْبُتُ الْفَاضِل عَنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ خِلاَفَةً لاَ أَصَالَةً (١) .
أَمَّا حَقُّ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
_________
(١) التلويح على التوضيح (ط. كراتشي) ٢ / ٧٨٣، وفتح الغفار لابن نجيم ٣ / ١٠١، ١٠٢.