الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٧
لِلْوَارِثِ، فَحُكْمُ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ حَيْثُ إِنَّ الأَْظْهَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا بَطَلَتْ، فَيَبْطُل الْبَيْعُ فِي قَدْرِ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ (١)، قَال الرَّمْلِيُّ: الْمَرَضُ إِنَّمَا يَمْنَعُ الْمُحَابَاةَ، وَلاَ يَمْنَعُ الإِْيثَارَ (٢) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبِيعَ مَا شَاءَ مِنْ مَالِهِ لِوَارِثِهِ، وَيَنْفُذَ بَيْعُهُ إِذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْل (٣) .
أَمَّا إِذَا حَابَى وَارِثَهُ فِي الْبَيْعِ، فَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ:
أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَل الثَّمَنَ فِي كُل الْمَبِيعِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَعْضِهِ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ. فَقَال: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَال: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلأَِنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (٤) .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا يُقَابِل الثَّمَنَ
_________
(١) نهاية المحتاج ٦ / ٤٨، والبجيرمي على الخطيب ٣ / ٣٠٣، والمهذب ١ / ٣٨٦.
(٢) نهاية المحتاج ٥ / ٤١٧.
(٣) الإنصاف للمرداوي ٧ / ١٧٢، والمغني (مطبوع مع الشرح الكبير) ٥ / ٤٧٢، ٦ / ٤٢١، والشرح الكبير على المقنع ٦ / ٢٩٨.
(٤) المغني ٥ / ٤٧٣، والإنصاف ٧ / ١٧٣.
الْمُسَمَّى، وَتَتَوَقَّفُ الْمُحَابَاةُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا بَطَل الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ (١) .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَبْطُل الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِل الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الأَْخْذِ وَالْفَسْخِ، لأَِنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ؛ لأَِنَّ الْبُطْلاَنَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ، فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا، وَهَذَا هُوَ الْقَوْل الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ (٢) .
بَيْعُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَالَهُ لِوَارِثٍ
١٨ - اتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَدِينَ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ إِذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَارِثِ بِثَمَنِ الْمِثْل، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ نَافِذٌ عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى، وَلاَ حَقَّ لِلدَّائِنِينَ فِي الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، لأَِنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ لاَ بِأَعْيَانِهَا، وَالْمَرِيضُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَل فِيهِ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ الْمُسَاوِي لِقِيمَتِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مُحَابَاةٌ لِلْوَارِثِ فِي الْبَدَل، فَلاَ تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً إِلاَّ بِإِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، فَإِنْ
_________
(١) المغني ٥ / ٤٧٣.
(٢) الإنصاف ٧ / ١٧٢، والشرح الكبير على المقنع ٦ / ٢٩٨، والمغني ٥ / ٤٧٣.
أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَبِيعُ تَمَامَ قِيمَتِهِ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لِلدَّائِنِينَ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ مُمْكِنًا، أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ لِهَلاَكِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِإِتْمَامِ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْقِيمَةَ (١) .
١٩ - وَمِثْل الْبَيْعِ فِي كُل الأَْحْوَال الْمُتَقَدِّمَةِ الشِّرَاءُ، فَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنْ وَارِثِهِ الصَّحِيحِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَكَانَ غَيْرَ مَدِينٍ أَوْ كَانَ مَدْيُونًا اتَّبَعَتْ نَفْسَ الأَْحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَيْعِهِ (٢)، وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: صُورَةُ الْمُحَابَاةِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرِيضُ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةِ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الْمِثْل فِي الشِّرَاءِ وَالنَّاقِصِ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ (٣) .
ثَانِيًا - الإِْجَارَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢٠ - إِذَا أَجَّرَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْل فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ إِجَارَتِهِ وَنَفَاذِهَا عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى.
أَمَّا إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ الْمُسْتَأْجَرَ فِي الْبَدَل، بِأَنْ أَجَّرَهُ بِأَقَل مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْل، فَلِفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ
_________
(١) انظر كشف الأسرار على أصول البزدوي ٤ / ١٤٣٢.
(٢) انظر شرح المجلة للأتاسي ٢ / ٤١٣.
(٣) الفتاوى الهندية ٦ / ١١٠.
فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ: وَهُوَ أَنَّ الإِْجَارَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى، وَتُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنْ رَأْسِ الْمَال لاَ مِنَ الثُّلُثِ (١) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الإِْجَارَةَ تَبْطُل بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى الْوَرَثَةِ ضَرَرٌ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لأَِنَّ الإِْجَارَةَ لَمَّا بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ، صَارَتِ الْمَنَافِعُ مَمْلُوكَةً لَهُمْ وَفِي حَيَاتِهِ لاَ مِلْكَ لَهُمْ، فَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَال حَيَاةِ الْمُؤَجِّرِ، وَلأَِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَال الْمَرِيضِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الإِْرْثُ كَأَعْيَانِ التَّرِكَةِ. أَمَّا مَا لاَ يَجْرِي فِيهِ الإِْرْثُ كَالْمَنَافِعِ فَلاَ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهَا، فَيَكُونُ تَبَرُّعُهُ بِهَا نَافِذًا مِنْ كُل مَالِهِ (٢) .
الثَّانِي، وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (٣)، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمُحَابَاةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ بِهَا الإِْضْرَارُ بِالْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ الْمَرِيضُ مَا أُجْرَتُهُ مِائَةٌ بِأَرْبَعِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَطَال مَرَضُهُ بِقَدْرِ مُدَّةِ الإِْجَارَةِ فَأَكْثَرَ، بِحَيْثُ
_________
(١) رد المحتار ٥ / ٨١، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص٢٩٤ (ط. الحلبي سنة ١٩٦٨م)، والفتاوى الهندية ٥ / ٢٦١، والفتاوى البزازية ٦ / ٤٥٢.
(٢) جامع الفصولين ٢ / ١٧٩، ورد المحتار ٥ / ٨١.
(٣) الحموي على الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٣، وجامع الفصولين ٢ / ١٨٦.
اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ فِي مُدَّةِ إِجَارَتِهِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي حَابَى بِهِ وَهُوَ سِتُّونَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُعْتَبَرَ هَذِهِ الْمُحَابَاةُ كَالْوَصِيَّةِ (١) .
ثَالِثًا - الزَّوَاجُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢١ - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الزَّوَاجِ فِي حَال مَرَضِ الْمَوْتِ وَالصِّحَّةِ سَوَاءٌ، مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَتَوْرِيثُ كُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ (٢) .
وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (٣) وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إِلاَّ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، لِي فِيهِنَّ طَوْل النِّكَاحِ، لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ (٤) .
وَبِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁ أَنَّهُ قَال فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجُونِي، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ ﷿ عَزَبًا (٥) .
_________
(١) الأحكام الشرعية لقدري باشا مادة ٥١٦.
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٢٢٥، والزيلعي وحاشية الشلبي عليه ٥ / ٢٣، وما بعدها، والأم ٤ / ٣١، وجواهر العقود للأسيوطي ١ / ٤٥٠، والمغني ٧ / ٢١٢، والشرح الكبير على المقنع ٧ / ١٧٥.
(٣) سورة النساء / ٣.
(٤) أثر ابن مسعود أخرجه سعيد بن منصور في سننه (١ / ٣ / ١٢٢) .
(٥) الأم للشافعي ٤ / ٣٢.
فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ الزَّوَاجِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ثَبَتَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعُمُومِ آيَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الأَْزْوَاجِ (١) .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا الْمَرِيضُ مِنَ الْمَهْرِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مَهْرٌ) .
رَابِعًا - الطَّلاَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢٢ - إِذَا طَلَّقَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَالطَّلاَقُ وَاقِعٌ، سَوَاءٌ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ بَائِنَةً، دَخَل بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَال: لاَ يَقَعُ طَلاَقُ الْمَرِيضِ (٢) .
وَمَعَ قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ بِوُقُوعِ طَلاَقِ الْمَرِيضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَلاَقٌ ف ٦٦) .
خَامِسًا - الإِْبْرَاءُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢٣ - إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ مَدِينًا لَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْرَأُ أَجْنَبِيًّا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا:
أ - فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ
_________
(١) المغني لابن قدامة ٧ / ٢١٣.
(٢) القوانين الفقهية ص٢٢٨، مطبعة النهضة بفاس عام ١٩٣٥م، ونهاية المحتاج للرملي ٦ / ٤٤٤.
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ مَدِينَهُ الأَْجْنَبِيَّ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لاَ يَتَجَاوَزُ ثُلُثَ مَال الْمَرِيضِ، فَإِنَّ الإِْبْرَاءَ صَحِيحٌ نَافِذٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ - لأَِنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ - وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَل.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ وَارِثٌ، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَنْفُذُ إِبْرَاؤُهُ لِلأَْجْنَبِيِّ، وَلَوِ اسْتَغْرَقَ كُل مَالِهِ، وَلاَ حَقَّ لأَِحَدٍ فِي الْمُعَارَضَةِ (١) .
ب - أَمَّا إِذَا كَانَ وَارِثًا، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ مِنْ دَيْنِهِ، وَكَانَ الْمَرِيضُ غَيْرَ مَدِينٍ، فَإِنَّ إِبْرَاءَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَبْرَأَهُ مِنْهُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَل.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ وَارِثٌ سِوَى الْمُبْرَأِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الإِْبْرَاءَ يَنْفُذُ وَلَوِ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ الْمَال، لأَِنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يُوجَدُوا، فَيَنْفُذُ (٢) .
_________
(١) قرة عيون الأخيار ٢ / ١٣١ وما بعدها، والعقود الدرية لابن عابدين ٢ / ٥٠، ورد المحتار ٤ / ٦٣٨، وشرح المجلة للأتاسي ٤ / ٥٩٢، ونهاية المحتاج ٦ / ٥٥، والبجيرمي على الخطيب ٣ / ٣٠٠، ومغني المحتاج ٣ / ٤٧، وإعانة الطالبين ٣ / ٢١٢، والمغني لابن قدامة ٦ / ٤٩١، وانظر م٩٤١ من مرشد الحيران والمادة (١٥٧٠) من مجلة الأحكام العدلية.
(٢) جامع الفصولين ٢ / ١٨٦، والعقود الدرية ٢ / ٥٠، ورد المحتار ٤ / ٦٣٨، وقرة عيون الأخيار ٢ / ١٣٢، وانظر المادة ٩٤٠ من مرشد الحيران والمادة (١٥٧٠) من المجلة العدلية، وشرح المجلة للأتاسي ٤ / ٦٨٢.
٢٤ - وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَتَوَقَّفُ إِبْرَاءُ الْمَرِيضِ مَدِينَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى إِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَبْرَأَ مِنْهُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا، لأَِنَّهُمْ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَل، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْرَأُ وَارِثًا لِلْمَرِيضِ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ.
أَمَّا إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ مَدِينَهُ، وَكَانَ الْمُبْرِئُ مَدِينًا بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَيُخْرَجُ مِنَ التَّرِكَةِ مِقْدَارُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيُحْكَمُ عَلَى الإِْبْرَاءِ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ بِالْحُكْمِ عَلَى الإِْبْرَاءِ حَيْثُ لاَ يَكُونُ الْمَرِيضُ مَدِينًا أَصْلًا (١) .
سَادِسًا - الْخُلْعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢٥ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُخَالَعَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحَةٌ وَنَافِذَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَرِيضُ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا (٢) .
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ مِنْ بَدَل الْخُلْعِ إِذَا وَقَعَتِ الْمُخَالَعَةُ فِي الْمَرَضِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ
_________
(١) قرة عيون الأخيار ٢ / ١٣١، والعقود الدرية ٢ / ٥٠، ٥٨ والمادة (٥٦٧) من الأحكام الشرعية والمادة (١٥٧١) من المجلة العدلية والمادة (٩٤١) من مرشد الحيران.
(٢) المغني ٨ / ٢٢٨، والأم ٥ / ١٨٢.
الْوَاقِعَةِ، مَعَ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ الْمُخَالَعُ هُوَ الْمَرِيضُ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ الْمُخَالِعَةُ هِيَ الْمَرِيضَةَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ ف ١٨ - ١٩) .
سَابِعًا - الإِْقْرَارُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
٢٦ - إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ مَوْتٍ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِقْرَارُهُ بِدَيْنٍ لأَِجْنَبِيٍّ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ كُل مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ أَقَرَّ بِهَا فِي حَال صِحَّتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي إِقْرَارِهِ، كَأَنْ يُقِرَّ لِوَارِثٍ قَرِيبٍ مَعَ وُجُودِ الأَْبْعَدِ أَوِ الْمُسَاوِي لَمْ يُقْبَل.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف ٢٤، ٢٥) .
٢٧ - وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ
وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ:
أ - فَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُقَرُّ بِاسْتِيفَائِهِ وَجَبَ لَهُ فِي حَال الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَال الْمَرَضِ.
فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْ وَجَبَ لَهُ فِي حَال الصِّحَّةِ (١)، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ مِنَ الدَّيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الْوَاجِبُ فِي حَال الصِّحَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَبَدَل الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، نَحْوُ بَدَل الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ صِحَّةٍ أَمْ لَمْ يَكُنْ (٢) .
_________
(١) أي علم وجوبه في حال الصحة بالبينة، أما إذا لم يعلم ذلك إلا بقول المريض وحده، أو بقوله وقول من داين معه، بأن قال المريض لرجل بعينه: قد كنت بعتك هذا العبد في صحتي بكذا، وأنت قبضت العبد، وأنا استوفيت الثمن، وصدقه في ذلك المشتري، ولا يعرف ذلك إلا بقول وجامع الفصولين ٢ / ١٨٥، وشرح المجلة للأتاسي ٤ / ٦٧٥، ٦٨٢) .
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٢٢٦، والفتاوى الهندية ٤ / ١٧٩، ورد المحتار ٤ / ٦٤٠.