الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ٣٦ -

وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ ﵁ قَال: مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَال: وَجَبَتْ فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: مَا وَجَبَتْ؟ قَال: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَْرْضِ (١) .

قَال الدَّاوُدِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْل الْفَضْل وَالصِّدْقِ، لاَ الْفَسَقَةُ لأَِنَّهُمْ قَدْ يُثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ، وَلاَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ، لأَِنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لاَ تُقْبَل (٢) .

وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْل الْفَضْل - وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ - فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَلاَ، وَكَذَا عَكْسُهُ قَال: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لاَ، فَإِنَّ الأَْعْمَال دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا إِلْهَامٌ يُسْتَدَل بِهِ عَلَى تَعْيِينِهَا، وَبِهَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ

_________

(١) حديث: " مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٣ / ٢٢٨)، ومسلم (٢ / ٦٥٥) من حديث أنس واللفظ للبخاري.

(٢) فتح الباري ٣ / ٢٣٠ - ٢٣١.